تُعد القيم الإنسانية الشعاع الذي يبدد غياهب الظلام الفكري الذي يعتري الكائن البشري ويؤثر على ما يتخذه من مواقف حيال هذا العالم المضطرب بالأحداث في سائر فعالياته فكرًا وسلوكًا، وللقيم الإنسانية أوجه متنوعة تتعدد بقدر تعدد المجالات التي تنطلق منها. فبعضها يتجلى في التعاليم الدينية والبعض الآخر في القواعد الأخلاقية، وينبثق بعضها من الجمال ويتضح بعضها في الأمور الحياتية الأخرى اجتماعية كانت أم اقتصادية أم تربوية، ويبدو الإنسان في إطار تلك القيم فردًا في أسرة أو مواطنًا في أمة أو عضوًا في مجتمع، ويرتبط كماله بكمال المجموع حتى وإن ظل محتفظًا بفرديته واستقلاليته، وإن أي تغير في هذه القيم قد يؤدي إلى الاضطراب والتخبط؛ الأمر الذي ينبغي أن نبحث عن أسباب هذا الخلل القيمي الذي أضحى آفة في جسد المجتمع المصري.
وفى دراسة بعنوان: «رؤية تربوية مقترحة لمواجهة أزمة الاضطراب القيمي لدى الشباب المصري» -2012-، للدكتورة وفاء مجيد الملاحي، مدرس أصول التربية بجامعة المنصورة، تبين مدى خطورة تلك المشكلة التي تنعكس بآثارها على كل من الفرد والمجتمع، كما تبرز الحاجة الملحة لمواجهة تلك المشكلة الخطيرة بين الشباب المصري والتعرف على ما تقوم به التربية بمؤسساتها المختلفة والمتعددة في المجتمع، والمعنية بتربية ورعاية الشباب سعيًا للوصول إلى حلول لمواجهتها تناسب واقع واحتياجات كل من الشباب والمجتمع.
الإطار النظري والمفاهيمي
إن مرحلة الشباب وما يُوَجَّه إليها من رعاية تربوية وتوجيهية، تُمثل ضرورة اجتماعية، لأن قوة المجتمع وتماسكه وسلامة بنيانه، والعلاقات السائدة فيه، تتطلب إعداد جيل من الشباب يتمسك بعقيدته ويعتز بتراثه، ويلتزم بالضوابط الدينية والاجتماعية، ويحافظ على العادات والتقاليد الإيجابية الصالحة ويساهم مساهمة إيجابية عند تعليمه، وفي عمله وفي أوقات فراغه، لدفع عجلة التقدم في وطنه نحو الغد الأفضل والهدف المرغوب.
مما لا شك فيه أن ثمة العديد من التحولات والتحديات المعاصرة التي ألقت بظلالها وتأثيرها على الأفراد وبخاصة الشباب والتي تعد بمثابة مسببات وعوامل تسهم في تنامي أزمة الاضطراب القيمي لدى الشباب المصري، والتي يتوقع أن تستمر لفترات طويلة، وهذه التحولات يتقاسمها الشباب المصري مع شباب بقية مناطق العالم ولا سيما الدول النامية، فإنها تحولات وتحديات مترابطة بحيث تؤثر كل منها في الآخر، فمنها تحولات داخلية والمتمثلة في كل واقع النظام التعليمي في مصر، وأخرى تحولات وعوامل اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية محيطة بالشباب المصري... إلى غير ذلك من التحديات الداخلية، ويمكن حصر تلك التحديات في المظاهر الآتية:
- غلبة القيم المادية على علاقات الأفراد ولا سيما فئة الشباب منه: حيث أصبحت المصالح هي التي تحدد شكل العلاقات الإنسانية، وأضحت قيمة الكسب السريع هي الإطار الحاكم في المجتمع، فانعكس ذلك على منظومة القيم الإيجابية حيث تراجع بعضها مثل تراجع قيم الخير والعطاء، وكذلك تراجع قيمة العمل، وقيمة الإنتاج.
- سيادة قيم الاستهلاك الترفي: حيث لم يعد الاستهلاك قيمة مقابل قيمة الإنتاج، بل أصبح وسيلة لتحقيق طموحات طبقية وتمايزات اجتماعية.
- شيوع السلوك السلبي والعزلة الاجتماعية، وكذلك الاستبعاد الاجتماعي، حيث ظهرت سلبية قطاع الشباب وانسحابهم عن قضايا المجتمع ومشكلاته، والانشغال بهموم الحياة الفردية والأسرية مما انعكس ذلك بالسلب على روح الهوية والانتماء لدى الشباب.
- إحلال النزعة الفردية محل النزعة الجماعية، فقد سادت القيم الفردية وأصبح الفرد يبحث عن مصالحه الشخصية دون الالتفات للمصلحة العامة أو لمصالح الآخرين، حيث تكمن خطورة ذلك في انخراط الفرد في البحث عن حلول لمشاكله بطريقته الخاصة، والتي قد ينتج عنها ظهور سلوكيات انحرافية وأخلاقية.
- تزايد العنف الثقافي أو ثقافة العنف والتطرف؛ بدءًا من عنف الحوار أو العنف اللفظي إلى العنف الجسدي التدميري.
أزمة استثمار وقت الفراغ لدى الشباب
يعد وقت الفراغ من الجوانب العامة التي يمكن الاستفادة منها في دعم علاقة الشباب بالمجتمع. كما أنه من الممكن أن يصبح وقت الفراغ آلية للقضاء على علاقة الشباب بالمجتمع.
يؤدي عدم شغل واستثمار وقت الفراغ لدى الشباب بطريقة إيجابية إلى العديد من الآثار السلبية منها:
- إن قضاء وقت الفراغ من دون رقابة أو فيما يفيد الشباب يجعلهم صيدًا سهلًا للعصابات وعتاة المنحرفين والمجرمين؛ فيتحولون تدريجيًا إلى عناصر تهدد أمن المجتمع واستقراره فضلًا عن خسارة المجتمع لجهود هؤلاء الشباب بالإضافة لما يتكبده المجتمع من أعباء لمواجهة موجات الانحراف والعنف بين الشباب.
- تتحول بعض ممارسات اللهو لدى الشباب بدلًا من مجرد شغل وقت الفراغ إلى تحول الشباب إلى تعاطي المخدرات ومشاهدة الأفلام المخلة أو التي تغذي الغرائز والشهوات إلى غير ذلك من وسائل تدمر شخصية الشباب جسميًا وعقليًا وأخلاقيًا، وكلها أشكال من الانحراف عن الأداء الاجتماعي السليم مما قد ينعكس على اضطراب شخصية الشباب وسوء أدائهم وهذا في حد ذاته إهدار لطاقة بشرية يفتقدها المجتمع ويحرم من إسهاماتها في تحقيق التنمية.
ومن ثم فإن توجيه الشباب إلى كيفية استثمار الوقت وتوظيفه باعتباره من أهم الثروات الإنسانية التي لا تقل في أهميتها عن الثروات الطبيعية، وألا يقتصر توظيف الوقت على العمل فقط وإنما لا بد من استغلال أوقات الفراغ لدى الشباب بأنشطة ترويجية فعالة على النحو الرياضي والثقافي، مما يكون له أكبر الأثر في تجويد الإنتاج وزيادته.
ومن هنا: فبرامج شغل وقت الفراغ إذا لم تكن موجهة أيديولوجيًا فإنها تصبح مهددة بالضرب عشوائيًا بلا هدف سوى تفريخ التوتر. بل إنها في حد ذاتها قد تصبح أساسًا لتحقيق ظواهر فاسدة، وغريبة وضارة بحركة المجتمع وعمليات التنمية.
التدين المنقوص لدى الشباب
أن المؤسسات والهيئات الدينية تؤدي دورًا مهما في ترسيخ إحساس الشاب بالهوية عبر تقديم إجابات واضحة للتساؤلات الملحة والضاغطة لديه، على اعتبار أن البعد الديني يُسهم دومًا بشكل أو بآخر في تبلور الهوية؛ فالدين يلبي في الواقع أهم حاجات الإنسان كالرغبة في الأمان والتعلق بغاية ما، كما يقدم للفرد قيمًا مرجعية تبرر سلوكه الاجتماعي أو تشكل الدافع لهذا السلوك إلى جانب ذلك يقوم بوظيفة حارس الأخلاق ومصدر القيم.
وعند النظر إلى واقع بعض قطاعات الشباب في العصر الحالي، وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل رجال الدين والدعاة في مجال التوعية والتربية الإسلامية والتي لا يمكن لأحد إنكارها وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك دور العبادة، إلا أن تلك القطاعات الشبابية تعاني من ما يسمى بـ«التدين المنقوص»، وهو ذلك التدين الذي يفصل العبادة عن الحياة، والإيمان عن السلوك والعمل الصالح، إذ أن التعبد إذا لم يترجم إلى مواقف إيجابية في كل سلوك المسلم، فإنه يفقد وظيفته ومعناه، وذلك الفصل المتعسف بين تعبد المسلم ومختلف ممارساته اليومية، هو في حقيقته تفريغ للدين من مضمونه وتحويله إلى مجرد ممارسات وطقوس.
إن الفهم المنقوص للدين هو حصاد تربية إسلامية قاصرة، لقد زرعنا في ضمائر الناس وعقولهم جذور الفهم الأخروي أو الانسحابي للدين، وسرت على المسلمين سنن النمو ونواميسه، فجاءت الثمار من جنس الزرع، وقام الجدار الفاصل بين الدين والدنيا بوضوح في بنائنا العقلي، وفي لغة الخطاب الإسلامي بوجه عام.
ومن هنا يجب التركيز على تقديم مفهوم جديد للتدين يركز على ممارسة معاملات وسلوكيات، وليس مجرد طقوس ومظاهر، مع تقديم تفريق واضح ومحدود بين الحلال والحرام من السلوكيات والمعاملات، إلى جانب أن التدين يُعد مدخلًا جيدًا لتحقيق اتباع كثير من السلوكيات في المجتمع والحفاظ على كثير من القيم الأخرى، الأمر الذي يتطلب تغيير الخطاب الديني بحيث يركز على القضايا المجتمعية من آداب وسلوكيات ومعاملات.
معاناة الشباب من الحرمان النِّسْبِيّ
إن الحرمان النسبي الذي يعانيه الشباب المصري والذي يعني: «التفاوت المُدْرَك بين توقعات الناس القيمية (الحاجات الأساسية وظروف الحياة والتي يعتقدون بأنهم يستحقونها على نحو مشروع) وبين قدراتهم الفعلية (الحاجات الأساسية والظروف التي يعتقدون بأنهم قادرون على تحصيلها والاحتفاظ بها»، له تأثيره الكبير في إحساسه بالتبرم وعدم الرضا، حتى إذا كانت أحوالهم المعيشية في تحسن. فبالرغم من أن شخصًا قد يكون أحسن حالًا مما كان عليه في الماضي، إلا أنه يرى آخرين تتحسن أحوالهم بدرجة أكبر أو بمعدل أسرع منه. بينما يصبح الحرمان- طبعًا- أكثر حدة إذا كانت أحواله لا تتحسن بينما تتحسن أحوال الآخرين ويشتد الحرمان أضعافًا مضاعفة إذا كانت أحواله تتدهور بينما أحوال الآخرين في تحسن مطرد.
وعلى هذا فإن الحرمان النسبي بدرجاته المختلفة يؤدي إلى الإحساس بالسخط والإحباط. وذلك بدوره يخلق لديهم تهيؤًا لاستقبال واعتناق الأفكار الناقدة للنظام الاجتماعي السياسي، الداعية للتمرد عليه، والثورة ضده.
ومن ثم فإن غياب القواعد الملزمة واختفاء قانون البقاء للأصلح، وشيوع الفساد والانتهازية، الحصول على المواقع والمغانم بل والمكانة الاجتماعية بدون سند حقيقي أو مجهود معترف به، تؤدي في مجملها إلى الإحساس بإمكانية الوصول إلى أي هدف دون حاجة إلى مقومات حقيقية، وعندما يصل الإنسان إلى ما لا يستحق فإن الإحساس الجارف بانعدام الأمان يحيله إلى خبير في تدمير من حوله وتشويه من سبقه والإساءة مقدمًا إلى من سوف يحتل مكانه.
ويوضح «عبد المختار» أنه حينما يعجز المجتمع عن إشباع الحاجات الأساسية للشباب فإنه يُعَرِّض الشباب وخاصة شريحته الواعية والمثقفة إلى ثلاثة خيارات:
الأول: يذهب إلى الحياة بداخله ومزيد من الاستنزاف له، وذلك من خلال التحول إلى سلوكيات منحرفة أو ممارسة السلوك الانتهازي الذي يرى في الغايات الخاصة أهدافًا واجبة التقديس مع الإيمان أن «الغاية تبرر الوسيلة».
الثاني: وهو الانزواء والانسحاب عن الحياة الاجتماعية للمجتمع، معايشة دون التفاعل الإيجابي معه، دون الشعور له، وبهذا النمط أصبح رصيدًا لأنه جماعة ذات أيديولوجية هروبية، قد تقدم للشباب الإشباع البديل، ومن ثم تسقط به لكي تعيد توجيهه في حركة مضادة للمجتمع.
الثالث: يتمثل في وضع يعيش في إطاره الشباب مهاجرًا داخل الوطن، رافضًا لهذا الواقع ساعيًا للهروب منه إلى مكان يساعد على تحقيق إمكاناته وإشباع حاجاته.
ومن هنا فتعارض الطموح والآمال مع الفرص المناسبة في المجتمع- أمر يؤدي بالبعض إلى التخلي عن نسق المعايير والخروج عن القوانين والقواعد المجتمعية وابتكار وسائل وأساليب الانحراف كمحاولة منهم لتحقيق النجاح السهل والسريع.
بطالة المتعلمين حديثي التخرج
إن البطالة في حد ذاتها ليست هي المشكلة بل هي مؤشر ونتيجة حتمية لقضايا أكبر وأعمق نتجت عن تخطيط قاصر لم يراع المتغيرات الزمنية على خريطة القوى العاملة التي تتأثر بمجموع كافة التفاعلات في جميع المجالات. ومنبع الخطورة هنا لا تكمن فحسب في تزايد عدد المعطلين عن العمل، وإنما مكمن الخطورة ينبع أيضًا من النتائج الاجتماعية الخطيرة التي ترافق حالة التعطل وبالذات فيما بين الشباب.
فبطالة المتعلمين من الشباب قد تكون أشد خطيرًا من بطالة غير المتعلمين لأسباب منها أن غير أن المتعلم قد يكون أقدر على التغلب عليها من المتعلم الذي يبدو أن تعلمه قد يشكل بالنسبة له عاملًا معوقًا، وقد يرجع ذلك إلى نوعية التعليم في البلاد النامية (المتخلفة) فنجده أقرب إلى الواقع النظري وأبعد من واقع المجتمع، كما تمكن خطورة بطالة المتعلمين إلى كونها الفئة الأكثر وعيًا والأعلى طموحًا، واستمرار تعطلهم يولد في نفوسهم قدرًا هائلًا (من الانحرافات الفكرية والسلوكية) من الإحباط والسخط ويهيئهم للتمرد الصامت أو المعلن. فنجد الاغتراب، الإحباط، الحرمان، عدم الرضا، الشعور بالظلم، شعور بالغربة عن الذات والأسرة والوطن، اللامبالاة، اللامسئولية، اللاأمل في المستقبل هذا بالإضافة إلى الشعور بانعدام معنى الحياة، الأمر الذي يؤدي إلى التهيئة للتمرد الصامت أو المعلن ويجعلهم عرضة لدعاة التطرف والثورة أي كان نوعه ومستواه.
هذا بالإضافة إلى استمرار اعتماد الشباب على الأسرة في توفير احتياجاتهم، مع أنه كان يفترض نظريًا أن يتجه الشباب نحو المساهمة في الارتقاء بالمستوى المعيشي لأسرهم، بدلًا من مداومتهم الاعتماد عليها. حيث أن الضغوط الاجتماعية تزداد بتزايد أعداد العاطلين، وتفاهم حدة البطالة، حيث يفقد الأفراد لا سيما الشباب قيم المجتمع، والانتماء إليه أمام غياب فرص العمل بعد مشوار طويل من سنوات الدراسة والطموح في الاستقرار الاجتماعي والأسري. مما يضيف أعباء جديدة على كاهل الأسرة علاوة على أن مشكلة البطالة تمثل في حد ذاتها إهدارًا صريحًا للثروة المادية والبشرية للمجتمع.
إن توفير فرص العمل المناسب والدخل الملائم الدائم هو حق لكل مواطن، وواجب على المجتمع بكافة عناصر إنتاجه، وبالتالي فإن البطالة في أي اقتصاد أو مجتمع هي بمثابة خروج على القاعدة وتمثل خللًا اقتصاديًا وثغرة في سلامة السياسات العامة وعبئًا اجتماعيًا، وظاهرة سلبية تهدد السلم والاستقرار الاجتماعي، باعتبار أن دخل الفرد من عمله هو عنصر الأمان والاستقرار للفرد والمجتمع في حين أن البطالة والحرمان من الدخل يولدان الاستبعاد والتهميش الاجتماعي مما ينعكس بآثاره على تولد أزمة الاضطراب القيمي لدى الفرد، علاوة على سائر العلل الاجتماعية الأخرى.
سياسة الانفتاح الاقتصادي (المندفع)
سياسة الانفتاح الاقتصادي تعني فتح الاقتصاد المصري على العالم الخارجي للاستفادة من موارده المالية اللازمة للتنمية، وكذلك الاستفادة من تقدم التكنولوجيا الحديثة التي نحتاج إليها في تحديث المجتمع المصري وتطوره ودفعه إلى التقدم والنهوض.
لقد أحدثت سياسة الانفتاح الاقتصادي تغيرات جذرية في بنية المجتمع المصري اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا. ومن ثم يرى (جلال أمين) أن الانفتاح وإن كان في الأساس يشير إلى سياسة اقتصادية، فإن المصريين يفهمون منه معانٍ أوسع بكثير، إذ ترتب على تطبيق إجراءات الانفتاح الاقتصادي، تغيرات عميقة في العلاقات الاجتماعية والقيم السائدة وفي النظام السياسي أيضًا، بحيث أصبحت كلمة «الانفتاح» تثير في ذهن المصري العادي صورًا ومواقف وعلاقات وقيمًا تختلف اختلافًا جذريًا عما اعتاد المصري أن يراه في الخمسينيات والستينيات.
ولقد أحدثت ظاهرة التضخم التي صاحبت التحول نحو الانفتاح الاقتصادي تقلبات كبرى في المراكز النسبية للشرائح الطبقية في مصر، فتدفق السيولة النقدية بمعدل أكبر من معدل الزيادة في السلع والخدمات، بالإضافة إلى التضخم الانفتاحي أدى إلى تشكيل شرائح اجتماعية جديدة تقاطعت مع شرائح أخرى منتمية إلى الطبقات العليا وكذا شرائح أخرى تنتمي إلى الطبقات الدنيا.
ويتواكب التضخم الاقتصادي، مع التضخم الاجتماعي، ومع التضخم يحتاج الفرد إلى دخل مرتفع للغاية، لكي يحقق لنفسه المستوى المقبول من المعيشة، ومع التضخم الاجتماعي، يحتاج الفرد إلى تحقيق تميز خاص عن الآخرين، أو إلى اقتناص الفرص على حساب الآخرين، أو إلى خلق فرص غير تقليدية وربما غير مقبولة، حتى يستطيع تجاوز التضخم الاجتماعي والسَّكنيّ ثم يحاول تجاوز التضخم الاقتصادي.
كما أدت سياسة الانفتاح إلى سيادة أو انتشار قيم الثقافة الغربية التي جاءت مع رأس المال الأجنبي، ومع السيارات الغربية الفارهة، وأفلام الجنس والعنف، ومسلسلات الجريمة والمخدرات، التي صدرها إلينا النظام الغربي، وهو ما يعني في النهاية طرد الثقافة الوطنية.. فإذا أردت أن تخلق مستهلكًا جيدًا ومضمونًا للسلع الغربية عليك أن تخلق أولًا شخصًا غربي الفكر وغربي الثقافة.
فالتغريب لا يتم بمعزل عن التغير الاقتصادي، والتغريب له أتباعه كما أن للتبعية الاقتصادية والثقافية أتباعها، وعملاء التغريب هم في الأساس أصحاب الدخول الآخذة في الارتفاع بشدة دون الاستناد إلى نشاط إنتاجي، وهم إذ يستوردون السلع يستوردون أيضًا الثقافة الغربية في طياتها.
فالدعوة إلى تضيق الفجوة بين الدخول ليست دعوة اقتصادية فحسب، بل هي دعوة ثقافية في الوقت نفسه. أثرت على كيان منظومة القيم لدى أفراد المجتمع.
عوامل تتعلق بوسائل الإعلام
تأتي أجهزة الإعلام في مقدمة الجهات المعنية بمقاومة الأخطار المجتمعية التي تؤثر على جميع فئات المجتمع، ومما يجب على وسائل الإعلام أيضًا: أن تنمي الشعور القومي لدى المواطنين بالحفاظ على الهوية والتصدي للغزو الفكري المنحرف، والتعرف على تجارب الأمم الأخرى في تحقيقها لأهدافها وتوجيه وسائلها الإعلامية لخدمة قضاياه القومية والإنسانية.
كما يؤدي الإعلام المرئي دورًا مؤثرًا في نفوس الشباب، حيث يكسبهم توجهات معينة لا تلبث أن تصبح قوالب موجهة لسلوكياتهم، وأنه يعمل على ترسيخ بذور ثقافية وقيم بديلة. ومن ثم فقد أسهمت وما زالت تسهم بقوة في مزيد من إفساد مناخ التنشئة الاجتماعية لدينا بصورة عامة. هذا بالإضافة إلى الإعلانات وما تعرضه من ثقافات بديلة للقيم الأخلاقية الثابتة، وأمام هذا الوابل من الغذاء المعنوي الفاسد اللاأخلاقي يصبح من المحال على النفوس ألا تمرض.
كذلك أثر الإعلام بما يملكه من قوة تأثير كبيرة، وخاصة بعد ظهور الفضائيات وما يسمى بالسماوات المفتوحة على قيم الشباب، إذا علمنا أن الإعلام لم يعد آلية لتأكيد الثقافة القومية، لكنه أضحى سلاحًا لصالح الثقافة الغربية. وقد أسهم الإعلام في نشر أنماط وقيم أخذ بعضها طابعًا عالميًا، وجاوز حدود حضارته التي أفرزته من خلال انتشار ثقافة الصورة، وقد أثر الإعلام على تشكيل وعي الشباب بتأكيد القيم النفعية، وانتشار ثقافة الاستهلاك نتيجة الانفتاح، والهجرة لدول الخليج، بالإضافة إلى انتشار المخدرات، وتمجيد كل ما هو أجنبي، وتمجيد قيم ولغة ليس فيها من العربية غير أبجديتها.
ومن ثم يخضع الشباب باستمرار في هذه الثقافة لكبت شديد من الناحيتين العقلية والنفسية، ويظلون مربوطين بسلطة أبوية الشكل، بحيث إنهم يبقون في ظل الكبار على الصعيد السياسي والثقافي، كما على الصعيد العاطفي والعقلي، إن هذا الموقف يشكل لدى الشباب اتجاهًا مغتربًا اجتماعيًا يدفعه إلى الوقوع في تناقض بين حياته الواقعية في المجتمع وآماله وأفكاره التي يحتفظ بها في نفسه، بين المجتمع الذي يتمنى أن يعيش فيه والثقافة التي يريد أن يعيش في ثناياها، والمجتمع الواقعي الذي يسيطر عليه بثقافته وأفكاره وقيمه.
ومن هنا: يجب الاستعانة بخطط إعلامية تصحح الرؤى الخطأ وتؤثر في اتجاهات الأفراد واستجاباتهم السلوكية وتغيرها، حتى تواكب خطط التنمية الاجتماعية العامة وتعرف أهدافها، وتوضح أهمية تعاون المواطنين، وتروج القيم والمفاهيم الجديدة التي تطرحها وتركز على الدور الإيجابي للمواطن المتعلم العامل المنتج والفعال.
كما ينبغي أن تقدم وسائل الإعلام المختلفة صورة حقيقية واقعية عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد دون تهويل أو تلميع حتى تتيح للأفراد فرص المقارنة والتفكير والتأمل، فهذه الوسائل لها القدرة على التحكم في الرأي العام وصياغته والتأثير فيه وتشكيل محيطًا ثقافيًا يطبع الناشئة بطابعه ويتحكم في سلوكها واتجاهاتها نحو التعليم والمخططات الاقتصادية والسياسية.
ثورة الاتصالات والمعلومات
لا شك أن القنوات الفضائية أصبح لها تأثير كبير على الجمهور بشرائحه المختلفة وخصوصًا الشباب منه... فمع تعدد وانتشار هذه القنوات تزايد اعتماد الجمهور عليها كمصدر للمعلومات... وتنامى دورها في تكوين الاتجاهات والميول والتأثير على عملية اكتساب الجمهور للمعارف والمعلومات لا سيما وقت الأزمات.
وفي الجانب الآخر فقد أثرت تلك الثورة التكنولوجية على الشباب فأصيب بعدم القدرة على الاستقرار في القيم الموروثة والمكتسبة، وضعف القدرة على الاختيار بين القيم المتضاربة، كذلك عجز عن تطبيق ما يؤمنون به من قيم، مما سبب له أزمة قيمية دفعت بالشباب بالثورة على قيم المجتمع واغترابهم عن القيم التي جاءت بها تلك الثورة العلمية والتكنولوجية.
إن نوعية مطالب وطموحات الإنسان في مصر قد تغيرت بفعل التأثير المتزايد لوسائل الإعلام في عصر العولمة الذي صار ينقل تجارب المجتمعات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الهواء بما يصعب معه وضع أية آلية للرقابة الفعالة على هذه المواد الإعلامية المنتشرة عبر الأقمار الصناعية، فالعالم بات يشهد ظاهرة غير مألوفة من قبل وهي السماوات المفتوحة.
ومن ثم تتمثل المشكلة الحقيقية التي تواجه المجمع العالمي في خطر الهيمنة المعلوماتية، التي تمارسها الدول المتقدمة بواسطة الاتصالات التكنولوجية حيث تمتلك الدول الصناعية التي تنتج المعرفة والقدرة والإدارة على استعمالها من جهة، هذا بالإضافة إلى إمكانية تسويق هذه المعرفة من أجل تأكيد نشر ثقافتها وسياستها ونظم اقتصادياتها، مما تضطر الدول النامية للاستجابة لمتطلبات الهيمنة المعلوماتية بسبب ما تعانيه من فقر معلوماتي شديد.
ما يتعلق بالعوامل التعليمية التربوية
إن القراءة السريعة لنظام التعليم المصري تدلنا على أنه في ظل مناخ تعليمي بيروقراطي تطحنه الضغوط الإدارية، ومركزية اتخاذ القرار، كان من الطبيعي أن تفقد العملية التربوية ديناميتها وتتحجم دوائر صنع القرار الإداري– من قبل الطلاب– ولذا لم يحظ الطلاب بهامش اهتمام في صنع القرار التربوي– نظام تكون فيه آلية صدور القرارات من أعلى إلى أسفل وفي اتجاه واحد برغم وجود التنظيمات الطلابية.
إن الواقع المعاش يشهد أزمة النظام التعليمي وتتجلى تلك الأزمة في أن المناخ التعليمي غير قادر على تكوين وبناء شخصيات ناقدة قادرة على استخدام العقل والمنهج العلمي في التفكير وذلك يعود بالدرجة الأولى إلى اعتماد نظام التعليم على التعليم التلقيني السلطوي القائم على الحشو والاتباع دون إعمال العقل.
وعلى الرغم من أن العلاقة الإيجابية والمتينة، التي تقوم على الثقة والاحترام المتبادل والتعاون بين المعلم والطالب، ضرورة لا غنى عنها لتحقيق الأهداف التربوية، فإن وجود مثل تلك العلاقة ما يزال أمرًا بعيد المنال في كثير من المدارس، فالعلاقة بين والطالب غالبًا ما تُبنى على التسلط والإجبار من جانب المعلم، والخوف والإذعان والاستسلام من جانب الطالب، حتى أصبحت مهمة كثير من المعلمين إنتاج متعلمين غير قادرين على النقد والاعتراض والمناقشة.
فالواقع الفعلي للمعلم المصري، يشير إلى أن المعلم التقليدي هو الصبغة الغالبة في الأنظمة العربية للتعليم، فهو ملقن مَعنِيٌّ بإيصال المعلومات إلى المتعلمين، لذا فهو يجمد المعرفة البشرية دون أن ينميها أو يطورها، ومن ثم يتحول الطلاب إلى آلات مبرمجة سلبية. كما ينزع من داخلهم ملكات النقد والتحليل وبالتالي يفقدهم التربية الديمقراطية؛ ويخلق منهم مجموعة من الأفراد الخاضعين لكل ما يتلقونه أو يلقى عليهم من أوامر. إذ يفترض ضمنًا أن المتعلم كائن مطيع، جاء ليستمع باحترام وإذعان، ولا يراد منه إلا أن يردد ما تلقاه ويكرر ما حفظه عن ظهر قلب.
هذا بالإضافة إلى إهمال الجانب الديني في تربية النشء نتيجة قصور الإعداد المهني والأكاديمي لمعلم التربية الدينية، ومما يؤسف له أيضًا هو إسناد مادة التربية الدينية وخاصة للصفوف الأولى من التعليم الأساسي إلى معلمين غير متخصصين تنقصهم الخبرة في هذا المجال.
وفي ظل هذا المناخ التربوي الذي يتسم بالتلقينية والسلطوية والاتباع، تتحول المؤسسة التعليمية إلى بيئة أو مجتمع بطريكي مطابق إلى حد بعيد، مجتمع العائلة البطريكي التقليدي حيث السلطة الهرمية والاحترام الوحيد الطرف الذي يولد الطاعة الخضوع، ومن ثم الشعور بالتهميش لدى الطلاب، كما يعد مثل هذا المناخ من الركائز الأساسية التي تنمي الأزمات القيمية بين طلاب مرحلة التعليم الجامعي– والتي بدورها سوف يبرز آثارها في مرحلة التعليم الجامعي، هذا من ناحية.
أما إذا نظرنا إلى الأنشطة المدرسية بكل أنواعها والتي تسهم بقدر كبير في تنمية شخصية المتعلمين وتربيتهم التربية الخلقية والاجتماعية والنفسية والجسمية والعقلية، وتكوين اتجاهاتهم وتعديل سلوكهم حتى يتمكنوا من مواجهة التحديات والمتغيرات العالمية، كما لها من دور إيجابي في تنمية القيم الأخلاقية لدى المتعلمين من خلال أنشطتها المختلفة، فهي أكثر فاعلية في التأثير على سلوك حياتهم المستقبلية، فهي تعبير عن الجوانب الإجرائية للتربية الخلقية من خلال مواقف الخبرة التربوية.
إلا أنها وبالرغم مما سبق ذكره عن أهميتها لجميع أطراف العملية التعليمية– قد أوضحت العديد من الدراسات التربوية التي تمت في مجال الأنشطة التربوية– أنه ما زال هناك قصور في فهم طبيعة وأهمية تلك الأنشطة، وكذلك غياب التخطيط والممارسة الفعلية، فالمتأمل للتطبيق الفعلي أي العملي لها في مؤسساتها التعليمية يلحظ قلة اقتناع بعض القائمين على أمر النشاط التربوي بأهميته، فيرون أنه مضيعة للوقت.
فضلًا عن ذلك عدم إدراك غالبية العاملين في مجال الأنشطة لأدوارهم المنوطة بهم إذ تتركز أنشطتهم في تنفيذ القرارات الوزارية فقط، وفي ضوء ما تقدم تقلصت الأنشطة التربوية وأصبحت الغلبة للجانب المعرفي فقط.
كما أن الاستقراء الناقد لواقع الأنشطة الطلابية يخلص إلى نتيجة مؤداها أن القنوات الرسمية لممارسة الأنشطة التي توفرها المدرسة لا تجتذب إليها إلى فئة محدودة من الطلاب، وربما يفسر ذلك في ضوء انعدام الوعي بالقيمة التربوية العالية لهذه الأنشطة. فضلًا عن ضعف الميزانيات المخصصة لهذا الغرض.
أما عن جانب تقويم المتعلمين
إن المستقرئ لواقع أساليب التقويم الحالية المتبعة في مؤسساتنا التعليمية يلحظ أن هذه النماذج تكرس الحفظ والتلقين وتقتل الابتكار، وترسخ في عقول الطلاب مفهوم الحقيقة المطلقة، وأن الإجابة لا تحتمل إلا حلًا واحدًا، وأن لكل مشكلة إجابة واحدة وحقيقة واحدة، مع أن الحقيقة يمكن التوصل إليها من عدة طرق كلها صحيحة.
ويتفق في ذلك «فؤاد زكريا» حيث يرى أن المؤسسة التعليمية ذاتها تعمل على توطين فيروس «الطاعة» في خلايا الأدمغة الفتية الغضة، فإذا بمعاييرها لتقييم أداء الطلاب ترتكز كلها على الترديد الحرفي للمعلومات المحفوظة، وتعطي أعلى درجات التفوق «للطلاب المجتهدين» وهي في قاموسنا التعليمي لا تعني إلا «الحافظين» وتعاقب كل من يُبدي رأيًا ناقدًا أو مخالفا.
وفي هذا الإطار تأتي الامتحانات لتتكامل مع التلقينية لتعزيز خضوع الأفراد للتسلط والقهر من خلال تأكيدها على الاستجابة النمطية المقننة والاتفاقية.
ومما سبق يتضح أن ثمة علاقة بين هذا النوع من التقويم وتنامي أزمة الاضطراب القيمي لدى الطلاب حيث قد أدى التركيز الكبير على الامتحانات والعلامات أحيانًا إلى بروز النزعة الفردية بدلًا من روح الجماعية، وتفشي المنافسة السلبية بدلًا من التعاون، والاهتمام بالمصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة، والسعي إلى تحقيق المكاسب الذاتية بدلًا من الاستعداد للعطاء للمجتمع.
الازدواجية في التعليم
لقد أحدثت ازدواجية التعليم التي يتسم بها التعليم المصري بين تعليم قومي وتعليم أجنبي متعدد الروافد شرخًا في جسم الأمة وعقلها؛ حتى نهشتها التناقضات الثنائية، والازدواجية بين علماء دينها وعلماء دنياها. وهي قسمة أفرزت ثقافتين متباينتين إحداهما تتعامل مع الدنيا بمختلف مجالاتها، والثانية تتعامل مع الآخرة بتنوع أبوابها.
وبما أن النظام التعليمي يعد نظامًا فرعيًا متفاعلًا مع النظم القومية في المجتمع ومقارنة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المصري يصبح التقسيم الفعلي للمجتمع على هذا النحو: تعليم أجنبي للصفوة، ويخص الشرائح العليا من المجتمع والتي تمثل النخبة الاقتصادية والسياسية تُعلم أبناءها في مدارس أجنبية على اختلاف أنواعها، وهي الفئة الأكثر تأثيرًا في المستقبل. وتعليم قومي للعامة، ويخص الطبقة المتوسطة التي يتعلم أبناؤها بمدارس التعليم الخاص على اختلاف مستوياته من مدراس اللغات التي تحولت إلى مدارس لفقراء الطبقة العليا الجديدة إلى المدارس التجريبية. ومدارس منخفضة المصروفات (تعليم قومي) وتعليم حكومي مجاني للفقراء، أو لا تعليم على الإطلاق لهؤلاء القابعين في القاع.
فهناك مجموعة من النتائج المترتبة على هذا الواقع التعليمي وأبرزها أنه يكرس هذا الواقع التعليمي الاستبعاد الاجتماعي ويمده إلى المستقبل، فعندما يعيش أبناء الطبقة الاجتماعية العليا في مجتمعات ومنتجعات خاصة منعزلين عن المجتمع يتعلمون في مدارس خاصة تعليمًا أجنبيًا خالصًا ويتحدثون لغة مختلفة يتبنون قيمًا مختلفة ويشعر هؤلاء الأبناء بالسعادة بهذا الاستبعاد على اعتبار أنه نوع من التميز وتنسحب هذه الفئات إلى أعلى بعيدًا عن الواقع المتردي، ونظرًا لتميزهم التعليمي والطبقي يتولى هؤلاء الأبناء المناصب العليا في المجتمع ويستأثرون بالمراكز القيادية ويرجع ذلك إلى تميزهم التعليمي أو إلى توارثهم المناصب العليا لآبائهم.
أما الفئة الثانية المستبعدة لا إراديًا هم هؤلاء الأبناء الذين تلقوا تعليمًا حكوميًا أو لم يتلقوا تعليمًا على الإطلاق، فلقد تم استبعادهم بشكل نهائي من أي فرص ترقي في المستقبل. وهذا يعني أن فئات المجتمع تتحول إلى جزر ثقافية منعزلة، وتتعدد ولاءات المجتمع المصري، ويعمل ذلك على عدم وجود وحدة في الفكر والعمل بين فئات المجتمع، مما يُسهم في قلة التفاعل الاجتماعي وضعف تماسك أفراد المجتمع وارتباطهم، ويؤدي ذلك إلى تفكك النسيج الاجتماعي، في الوقت الذي تحتاج الدول فيه إلى كل أشكال التعاون الاجتماعي، والتماسك والوحدة الاجتماعية.
ولذا فإن أهم ما ينبغي أن نحرص عليه هو أن نجنب الجيل الجديد آثار الازدواجية التي قامت عليها حياتنا التربوية والثقافية، وذلك بتوحيد ثقافة الأمة وأسس التربية فيها عن طريق (توحيد التعليم العام وإلغاء الازدواجية) التي تقيم نظامًا مدنيًا وآخر دينيًا مع مضاعفة العناية بتعليم اللغة العربية وأسس الثقافة الإسلامية.
.