Business

المدارس العلمية التربوية في القرن الثاني الهجري

تعرض هذه الدراسة: «دور المدارس العلمية في تطور الفكر التربوي في القرن الثاني الهجري»، التي أعدها الدكتور جميل بن شرف البركاتي الشريف، لأهم المدارس العلمية في القرن الثاني الهجري ودورها في تطور الفكر التربوي، حيث شهد ذلك القرن ازدهارًا كبيرًا في الحياة العلمية والعلوم الإسلامية، وقام الخلفاء بتشجيع الحركة العلمية آنذاك في شتى نواحي البلاد، حتى أنهم كانوا يبالغون في إكرام العلماء والفقهاء والمحدثين والأدباء، ويجالسونهم ويقربونهم إليهم.

 

أولًا: مدرسة الفقهاء والمحدثين

يرى بعض الباحثين في مجال التربية الإسلامية أن علماء الفقه أبرز فئات الفكر إسهامًا في التعليم، وأقرب الجامعات إلى قلوب الناس، حيث إن ما يتحدثون فيه هو أحكام الشريعة ومبادئها، ومن ثم كان لعدد من الفقهاء كتابات تربوية مباشرة متخصصة تشكل جوهر التراث التربوي الإسلامي، وعلى رأسهم أئمة الفقه الأربعة وغيرهم، ويمكن بلورة الأهداف التربوية لهذه المدرسة فيما يلي:

  • الدفاع عن القرآن الكريم والسنة المطهرة.
  • نشر العقيدة الإسلامية بين المسلمين وغيرهم، ونشر علوم الشريعة في سائر الأمصار الإسلامية.
  • إعداد المعلمين والعلماء للقيام بمهمة التربية والتعليم داخل المؤسسات الدينية والمساجد والمدارس، ونشر الفكر السني.

ومن السمات الخلقية الظاهرة لأصحاب هذه المدرسة: الزهد في المناصب، والتفرغ كلية للبحث والتعليم، وكانت هذه السمات الخلقية الجادة من العوائق التي قصرت بهم عن التعلق بالخلفاء والأمراء.

وترتكز أساسًا على القرآن والسنة والعلوم الشرعية والعلوم العربية، واستيعاب العلوم العقلية: كالمنطق، والفلسفة؛ لأن الهدف هو إعداد معلم وعلماء وقضاة، فالغالب على منهجها إذن العلوم الشرعية واللغوية فقط.

ويعتمد أنصار هذه المدرسة في التدريس على عدة وسائل تعليمية، من أبرزها: طريقة الإلقاء والإملاء، مع عدم إهمال الشرح والتفسير لما يلقونه أو يملونه من دروس، والاستعانة بالكتب، ويعتمدون كذلك على الرحلة في طلب العلم، وكانت طريقة أساسية لتعلم الحديث وإتقانه أو يعتمدون أحيانًا في التدريس على الحوار والمناظرة، إذا كان الأمر يستدعي الرد على الخصوم.

وكان لهذه المدرسة الفكرية التربوية مؤسسات تعليمية يعلمون فيها الناس ويربونهم، ولعل أبرزها: الكتاتيب، والمدارس، وقصور الخلفاء والأمراء، والمكتبات، وحوانيت الوراقين، ومنازل العلماء.

 

مدرسة المتكلمين

تعد هذه المدرسة إحدى مدارس التربية الإسلامية، وقد اعتنى هؤلاء بعلم الكلام، ومن ثم سُموا بالأصوليين أو المتكلمين، وقد نضج هذا العلم في القرن الثاني الهجري، ويختلف الاتجاه التربوي لهذه المدرسة عن المدارس التي عاصرتها في الأهداف والوسائل والمقررات والمناهج، فهي بحكم مباحثها التي اشتغل بها علماؤها لم تعن بالتربية كعملية فنية محصورة في نطاق التدريس بعكس الفقهاء.

وكان لهذه المدرسة آثار تربوية بعيدة المدى على حركة الفكر التربوي خلال هذه الفترة، ويمكن إجمالها فيما يلي:

  • وجوب تفاعل الدارس مع تيارات الفكر المعاصر، ثم الوقوف على موازين هذه التيارات في القرآن والسنة الشريفة.
  • تحديد دور العقل والنقل في ميادين التفكير بأسلوب متسق مع الأصول الكامنة في القرآن الكريم والسنة النبوية.
  • التوسع في طريقة المناظرة، حيث كان لاشتداد حركة الاعتزال في عصر المأمون وخلافها مع المذاهب الإسلامية وغير الإسلامية أثر كبير في إذكاء روح المناظرة وانتشار مجالسها في معاهد العلم، حتى كان المأمون يشرف عليها بنفسه، ولم يستطع علماء السنة رغم تحرزهم البقاء بعيدًا عن التأثر بالمناظرة، فاضطروا لاستعمالها، ولكنهم طوروها بما يناسب أطر التفكير المتبناة منهم.

 

فرقة المعتزلة

نشأت هذه الفرقة في العصر الأموي؛ ولكنها شغلت الفكر الإسلامي في العصر العباسي ردحًا طويلا من الزمن، وثمة خلاف بين العلماء في وقت ظهورها، ويرى الأكثرون على أن رأس المعتزلة هو واصل بن عطاء، وقد كان ممن يحضرون مجلس الحسن البصري العلمي، وأثيرت مسألة مرتكب الكبيرة، فقال واصل مخالفًا الحسن: أنا أقول: إن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن مطلقًا، ولا هو كافر مطلقًا، بل هو في منزلة من المنزلتين، ثم اعتزل مجلس الحسن، واتخذ له مجلسا آخر في المسجد، ويمكن إجمال أفكار المعتزلة التربوية على النحو التالي:

  • ظهور النزعة العقلية التي أفرزها الجدل مع أصحاب الملل والثقافات الأخرى، دفاعًا عن الفكر الإسلامي.
  • تغيير ومقاومة الظلم والطغيان من خلال مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • وجهت المعتزلة الفكر الإسلامي وجهة عقلية واضحة، ويتضح ذلك من مناقشتهم للقضايا الخاصة بالحرية، والإرادة الإلهية، وصلتها بإرادة الإنسان، وهي قضايا جوهرية في بناء الإنسان الذي هو موضوع التربية.

 

المدرسة الصوفية

التصوف نزعة من النزعات، ولا يمكن أن نعتبره فرقة مستقلة كالمعتزلة والشيعة وأهل السنة، ولذلك يصح أن يكون الشخص معتزليًا صوفيًا، أو شيعيًا صوفيًا، أو سنيًا صوفيًا، والتصوف في بدايته الأولى نشأ لعدة أسباب، منها: ميل بعض الناس إلى الزهد لأسباب مختلفة؛ ولكن مع اتساع الدولة الإسلامية في العصر الأموي، واتساع الإمبراطورية الإسلامية، وتدفق الأموال على الدولة الإسلامية الذي نتج عنه كثرة الترف والإسراف في اللهو والشهوات من بعض الناس، حدثت ردة فعل عنيفة عند جانب آخر من أفراد البيئة الإسلامية، فأوغل هؤلاء في الزهد وكره الدنيا، ومنذ مطلع العصر العباسي بدأ الزهد ينقلب تصوفًا، ويمكن بلورة أهداف التربية الصوفية فيما يلي:

  • كسب الأنصار والمريدين، من خلال حلقات الذكر.
  • التحكم في الغرائز والشهوات، من خلال الذكر والدعاء والصلاة والصوم.
  • تدريب المريدين على تحمل المشقة، والانقطاع عن الخلق وصولًا إلى الحق.
  • تهذيب الروح.
  • ضرورة الالتزام بشيخ.

ومما لا شك فيه أن هذا الاتجاه الفكري التربوي أو تلك المدرسة التربوية كان لها تأثير كبير على جميع جوانب الحياة في القرن الثاني الهجري، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأخطر من ذلك الحياة الثقافية، فعن طريق هذه المدرسة تسرب كثير من البدع والأفكار الأجنبية إلى عقيدة المسلمين، فيكفي أنها حذفت المقررات والمناهج الطبيعية والرياضية والطبية، واقتصرت على رياضة الأرواح وطب النفوس، واستبعدت العقل والحواس، وفسرت الكتاب والسنة بتفسيرات تربوية غريبة عن الإسلام، وبالغ أصحابها في الزهد والتقشف، وتطرفت في التواكل والتجرد، فاستغلتها قوى السياسة لصرف الناس عن الجهاد بمفهومه الإسلامي الصحيح.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم