Business

الإصلاح التربوي والتعليمي والاجتماعي عند الشيخ محمد عبده

كان الشيخ محمد عبده يعول كثيرًا على دور الدين في إحياء طاقات الأمة وتطويرها، لذلك اتجه إلى ضرورة إصلاح ما فسد من أمر هذا الدين، متأثرًا بأفكار أستاذه (الأفغاني)، وتتجه الفكرة الإصلاحية مع محمد عبده نحو طريق جديد، تمثل في تركيزه على التربية، فهي عنده الأساس لكل إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي.

وفى هذه الدراسة التى أعدها الباحث عمر علي يونس سعيد، كلية البنات جامعة عين شمس، قال إن السبب الرئيسي لاختياره هذا الموضوع، هو الوضع الذي تعيشه أمتنا اليوم، سيما بعد ثورات الربيع العربي، حيث كان من الضروري ملء الفراغ، ومحاولة البحث عن أسباب نهضة الأمة.

 

دعوة محمد عبده إلى إصلاح التربية والتعليم

أهتم محمد عبده بالإصلاح التربوي اهتمامًا بالغًا، حتى كان البعض يصنفه على أنه مصلح تربوي أكثر منه مصلحًا دينيًا، كان محمد عبده يؤمن بأنه يجب البدء بإصلاح الأمة اجتماعيًا، ويأتي ذلك بنشر التعليم الصحيح بين أفراد الشعب، وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم، ولذلك استخدم الصحافة استخدامًا قويًا في محاربة المفاسد، وتنبيه الوعي القومي والوطني.  وقد شهدت الصحافة المصرية شيئًا من الازدهار بوجود محمد عبده كمدير لإدارة المطبوعات، حيث كان ينشر في الجرائد الرسمية النقد لأعمال الوزارات والمصالح الحكومية، فنشر في جريدة «الوقائع المصرية» انتقادًا شديد لنظم التعليم في مصر، وطالب بإصلاحها، ذلك أنها لا تحقق الغاية من التعليم الذي يقدم الأمة حضاريًا، فهي قائمة على تعليم بعيد عن الواقع العملي والتثقيف التربوي والتوجيه الديني.

كان محمد عبده يرى أن الأمة الإسلامية لن تنهض بمثل هذا النوع من التعليم الذي لا تجمعه غاية واحدة، ولا يهدف إلا لخدمة مصالح متفرقة، فهذا النوع من التعليم يُفسد العقول بدلًا من إصلاحها، فقد كان ينشد تعليمًا قائمًا على تقوية الروابط الاجتماعية والدينية، كما أراده تعليمًا حديثًا، يقوم على المناهج الحديثة والعلوم الحديثة التي كانت السبب في تقدم الغرب.

وإلى جانب ذلك، كان ينادي بضرورة ربط التعليم بالتربية الإسلامية؛ لكي يؤدي التعليم أهدافه المرجوة من إصلاح واقع المسلمين، من أجل ذلك دعا إلى إقامة التعليم على أساس من التربية الدينية، فالغرض الحقيقي من إنشاء المدارس كما يقول: «إنما هو تربية العقول والنفوس، وإيصالها إلى حد تمكن المتربي من نيل كمال السعادة، فمرادنا من تربية العقول إخراجها من حيز البساطة الصرفة، والخلو من المعلومات وأبعادها من التصورات والاعتقادات الرديئة، إلى أن تتحلى بتصورات ومعلومات صحيحة، تُحدث لها ملكةَ التمييز بين الخير والشر، وإن أول مبدأ يجب أن يكون أساسًا لتحليه العقول بالمعلومات اللطيفة والنفوس بالصفات الكريمة هو التعاليم الدينية الصحيحة؛ فهذا أسهل الطرق وأقربها للتربية والتهذيب».

يرى محمد عبده ضرورة التخصص، وتقسيمِ طلبة العلم وفقًا لحاجات المجتمع ودورهم فيه، لذا قسم أفراد المجتمع في التعليم على ثلاثة طبقات: الأولى: طبقة العامة من الصناع، والتجار، والفلاحين، والثانية: طبقة الساسة ورجال الدولة، والعسكريين، وأعضاء المحاكم، ورؤسائها ومن في حكمهم، أما الثالثة فهي: طبقة العلماء وأهل الرشاد والتربية، ويشدد عبده على ضرورة تحديد ما يلزم من التعليم لكل طبقة، ونراه يتحفظ على تقسيمه الطبقي مؤكدًا على أن ارتقاء الناس من الطبقة الدنيا إلى العليا غير ممنوع، إلا أن هذا سيكون استثناء لا يخرج عن حدود الشواذ، والحالات الفردية، والآحاد من النوابغ.  

 

دعوة محمد عبده للإصلاح الاجتماعي

لقد كان محمد عبده ينشد إصلاح الواقع الاجتماعي وتنمية الوعي الفكري للمجتمع المصري الذي تفشت فيه الكثير من العادات والأخلاقيات السيئة، لهذا حمل عبده لواء محاربة التفرقة الاجتماعية، وطالب بتحقيق المساواة بين طبقات المجتمع، ومحاربة الفقر، داعيًا إلى التكافل الاجتماعي، وإصلاح المجتمع. فيؤكد على: «أن الإنسان إنما يكتسب المال من الناس بحذقه وعمله معهم، فهو لم يكن غنيًا إلا بهم ومنهم، فإذا عجز بعضهم عن الكسب لآفة في فكره ونفسه أو علة في بدنه، فيجب على الآخرين الأخذ بيده... حفاظًا للمجموع الذي تترابط مصالح بعضه بمصالح البعض الآخر».

ولذلك أكد عبده على دور الإسلام في تحقيق التكامل الاجتماعي حيث: «فرض الإسلام للفقراء في أموال الأغنياء حقًا معلومًا، يفيض به الغني على الفقير سدًا لحاجة المعدوم، ولم يحث على شيء حثه على الإنفاق، وكثيرًا ما جعله عنوان الإيمان ودليل الاهتداء».

أهتم محمد عبده بإصلاح الأسرة التي تعد النواة الأولى لتكوين المجتمع، فقد اهتم بدور الأسرة في تنشئة الفرد وتربيته تربية اجتماعية صالحة، وقد رأى أن الأسرة الصالحة هي الأسرة التي تقام على أساس متين، ابتداءً من الزواج الذي رأى أن الحكمة منه هي التعارف على المصالح المعيشية، والاتحاد والتآلف وجمع الكلمة.

وقد اعترض عبده على تعريف الفقهاء للزواج بأنه (عقد يملك به الرجل بضع المرأة)، مؤكدًا أن هذا التعريف ناقص ويقتصر كما يقول: على التمتع بقضاء الشهوة الجسدية؛ فهو خال من الإشارة إلى الواجبات الأدبية التي هي أعظم ما يطلبه شخصان مهذبان، كل منهما من الآخر، فالانجذاب الحسي والنفسي لدى الزوجين ليس كافيًا كما يقول: «بل لا بد من ائتلاف بين ملكاتهما وأخلاقهما وعقولهما، ولا يتأتى معرفة وجود هذا التوافق إلا إذا خالط كل منهما صاحبه، ولو قليلًا».

 

إصلاح واقع المرأة

ولعل أهم ما قام به عبده هو مطالبته بضرورة إصلاح واقع المرأة ورفع المظالم الاجتماعية عنها، وإعطائها حقوقها التي كفلها لها الدين الإسلامي، فقد أشار إلى أن الدرجة التي رفع الله النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ولا شريعة من الشرائع. فقال تعالى: {ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال تعالى: {إنَّ المُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ والْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ والصَّادِقِينَ والصَّادِقَاتِ والصَّابِرِينَ والصَّابِرَاتِ}، فقد أكد أن هذه الآيات تُشرك الرجل والمرأة في التكاليف الدينية والدنيوية، فكان يرى بذلك أن ترك البنات يفترسهن الجهل وتستهويهن الغباوة = من الجرم العظيم، ذلك أن النساء الجاهلات والرجال الجاهلين لا يمكن أن تكون من بينهما أمة ولا جمعية.

لذلك دعا عبده بقوة إلى ضرورة إعطاء المرأة حقها في التعليم، ذلك لأنها الأساس في بناء الأسرة المسلمة الصالحة، بل كان يرى أن المرأة يجب أن يتعدى تعليمها التعليم الديني، فيكون لها نصيب من التعليم الدنيوي ما يؤهلها لبناء أسرة صالحة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم