Business

منهج الإسلام في تربية العبد الرباني

لابد من التلاوة لحصول التزكية، ولا تتم التزكية بغير التلاوة، والتزكية لا بد منها لتحصيل علم الكتاب، كما قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، وعِلم الكتاب لا بد منه لتحصيل الحكمة وتعلُّمها.

في هذه الدراسة، يتناول الدكتور أمين الدميري، منهج الإسلام في تربية العبد الرباني، ويرى أن أساس هذا المنهج هو قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2]، ونجد أن الترتيب جاء متدرجًا كما يلي: يتلو عليهم- يزكيهم- يُعلِّمهم الكتاب والحكمة.

 

دعائم منهج الإسلام في تربية العبد الرباني

منهج الإسلام في تربية العبد الرباني يقوم على ثلاث دعائم، وهي:

  1. العلم؛ يقول- عز وجل- : ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19].
  2. الإيمان.
  3. العمل الصالح.

فالعلم لا بد منه قبل العمل؛ كي يكون العمل صوابًا، ولكي يكون مقبولًا عند الله تعالى، كما قال- عز وجل-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

أما الإيمان والعمل الصالح، فإن العمل الصالح هو دليل الإيمان، والإيمان هو الباعث والمحرِّك للعمل الصالح، قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1- 3].

 

مراحل التربية

وللوصول إلى الهدف الأسمى، وهو بناء العبد الرباني، فإن ذلك لا بد أن يكون على مراحل وبتدرج، وتلك المراحل هي: الإسلام، الإيمان، الإحسان.

والتربية لا بد أن تكون على أساس الدين، وهذه المراتب الثلاثة هي الدين، كما جاء في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: حدَّثني أبي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفُه منا أحدٌ، حتى جلس إلى النبي ﷺ، فأسند ركبتَيْه إلى ركبتَيْه، ووضع كفَّيْه على فَخِذَيْه، وقال: يا محمد، أخبِرْني عن الإسلام، فقال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا»، قال: صدقتَ، فعجِبْنا له يسأله ويصدِّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: «أن تُؤمِن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتُؤمِن بالقدر خيره وشره»، قال: صدقت، فأخبرني عن الإحسان، قال: «أن تعبد اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: «ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل»، قال: فأخبرني عن أَمَاراتِها، قال: «أن تَلِدَ الأَمَةُ ربَّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان»، قال: ثم انطلق فلبثتُ مليًّا، ثم قال لي: «يا عمر، أتدرى مَن السائل؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه جبريل؛ أتاكم يُعلِّمكم دينكم».

فيكون البَدْء بالمرتبة الأولى، وهي الإسلام، ثم الترقي إلى المرتبة الأعلى، وهي الإيمان، ثم التدرج إلى أعلى المراتب، وهي مرتبة الإحسان.

 

التدرج في المراحل

إذًا فالبَدْء إنما يكون بأركان الإسلام، وأولها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وبهذا بدأ النبي ﷺ دعوته، وظل القرآن الكريم يَنْزل بمكة ليُعرِّف الناس بربهم، ويدعوَهم إلى توحيد الله عز وجل، ثم كان التشريعُ بالمدينة بعد أن استقرَّ الإيمان في القلوب، وتهيَّأت النفوس لقبول التكاليف.

والالتزام بأركان الإسلام الظاهرة، والمواظبة عليها، إنما يؤدي إلى المرتبة الثانية، وهي حصول الإيمان، ويزداد الإيمان قوةً كلما تقرَّب العبد إلى الله تعالى بالفرائض والنوافل، حتى يصل إلى أعلى الدرجات، وهي الإحسان، وهو على درجتين كما جاء في الحديث السابق.

الدرجة الأولى: أن تعبد الله كأنك تراه، وهو مقام المشاهدة.

الدرجة الثانية: استحضار المشاهدة: «فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وهو مقام الإخلاص، وهذا المقام هو الوسيلة الموصلة إلى المقام الأول والدرجة الأولى.

إذًا، فالهدف من التربية هو الوصول إلى أعلى درجتي الإحسان، وكما رأينا، فإن الوصول إلى هذه الدرجة يحتاج إلى جهد وصبر، ومجاهدة وتدرج.

يقول الأستاذ رفاعي سرور: وإذا كان منهج التربيةُ يهدفُ بالاعتبار العقيدي إلى تكوين (العبد الرباني) لتحقيق التجرد، ويهدف بالاعتبار الأخلاقي إلى تكوين (المثال الإنساني) لتحقيق القدوة، ويهدف بالاعتبار المادي إلى تكوين (الإمكانية البشرية) لاستخلاص الطاقة، فإن المنهج بالاعتبار القدري يهدف إلى تكوين أداة الخير لتحقيق الهداية؛ أي: الداعي المثالي، وبهذا الاعتبار يكون منهج التربية هو أسلوبَ تكوين تلك الأداة؛ ليكون المسلم صاحبَ دعوةٍ ورسالة، وذلك من خلال سنن النفس البشرية كما أوجدها الله تعالى، مرتكزًا على الخصائص التي أودعها الله تعالى في تلك النفس، مستفيدًا بالفاعلية القدرية للنفس البشرية في الواقع الكوني بالصفة العامة والفردية، مستحدثًا بهذا المنهج أثرًا هائلًا في النفس، وبهذه النفس أثرًا هائلًا في الدعوة، وبهذه الدعوة أثرًا هائلًا في الوجود.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم