لم يتوقف سوء معاملة الأطفال على المجتمع الخارجي فقط، بل ظهر العنف أيضًا داخل الأسرة بعد أن كانت هي منبع الأمن والأمان، ويتعرض الكثير من الأطفال داخل أسرهم لأنواع كثيرة من سوء المعاملة والأذى النفسي والجسدي أو الاستغلال غير المشروع، وعلى الرغم من التداعيات الخطيرة التي تترتب عليها، إلا أن مدى وخطورة هذه التداعيات تعتمد على شدة ومعدل تكرار التعرض لهذه الخبرات الشاذة، والخصائص النفسية والسلوكية الفريدة لكل طفل، وطبيعة ونوعية العلاقة مع مرتكبي الإساءة.
وفى دراسة: «الدور التربوي لمواجهة أنماط إساءة معاملة واستغلال الأطفال»، للدكتور ممدوح عبد الرحيم الجعفرى، الأستاذ بكلية التربية جامعة الإسكندرية، والباحثة مها محمود عبد العظيم مراد، اتضح مدى تفاقم مشكلة الإساءة في معاملة الأطفال واستغلالهم بدنيًا واجتماعيًا وجنسيًا وإعلاميًا، مما يتطلب مضافرة كل الجهود للتغلب عليها، ولا بد أن يكون الدور الأهم للتربية؛ لتغيير ثقافة المجتمع نحو هذه القضية.
الأنماط التقليدية لسوء معاملة الأطفال
تُعرف إساءة معاملة الأطفال على أنها: كل أنماط السلوك المعتمدة من الوَصِيِّ على الطفل، والتي تؤدى إلى الإضرار بصحته الجسدية والنفسية والعقلية على المدى القريب أو البعيد. وهذه أبرز الأنماط التقليدية لسوء معاملة الأطفال:
1- الوأد أو التخلي عن الطفل.
2- الإهمال؛ ومن أكثر أشكاله شيوعًا:
- الإهمال الجسمي، مثل: سوء التغذية، عدم العناية الصحية، وعدم توفير الملابس المناسبة للظروف الجوية المحيطة بالطفل.
- الإهمال النفسي، مثل: عدم توفير الدعم النفسي، أو الحب والحنان، والتشجيع، والتعزيز، والانتماء.
- الإهمال التربوي، مثل: عدم التنشئة السليمة، وعدم توفير فرص التعليم المناسبة.
- الإهمال الصحي، مثل: عدم المعالجة، أو المعالجة الخاطئة أثناء المرض، وعدم الاهتمام بنظافة الطفل.
3- الإيذاء الجسدي:
مثل الجروح، والحروق، والضرب، والدفع، والقذف، والحبس، والربط. ويعد الضرب على الوجه من أشد أنواع الضرب ضررًا وأكثرها إهانة للكرامة الإنسانية، لذا فقد نهى الرسول ﷺ عن الضرب على الوجه.
4- الإيذاء النفسي، مثل: التحقير، والإهانة، والشتم، والازدراء، والرفض والإرهاب والتجاهل.
الأنماط الحديثة لسوء معاملة الأطفال
التصوير الإباحي للأطفال هو عملية تجارية بأجسام الأطفال، حيث تؤخذ بعض الصور للطفل وهو في حالة (عري تام) بأوضاع جنسية إغرائية، سواء اقترن ذلك بعمل جنسي أو لم يقترن، فهم بذلك يقنعون الطفل بقبول عروضهم بالتصوير أحيانًا بالمال، وأحيانا بالمخدرات، وهم بذلك يضعونهم على بداية الطريق إلى الرذيلة والدعارة وفقد الكرامة والشعور بالذات.
ويؤدي إلى موت الإحساس بالطفولة، كما يجعل الطفل يفقد كرامته ويصاب بالإحباط والاكتئاب.
- الاستغلال الإعلاني للأطفال
والأطفال ليس لديهم الحرية في قبول أو رفض مثل هذا النوع من الإعلانات، فأسرهم هي التي تدفع بهم إلى ذلك النوع من الإعلانات مقابل مبالغ من المال.
وذلك إما بالتعاقد مع أسرهم مقابل عوائد مالية، أو عن طريق خطف الأطفال الرضع وتربيتهم في أماكن خاصة بتلك المنظمات.
ويتمثل في ظهور تجارة الرقيق مرة أخرى إلى المجتمع الإنساني، وذلك بسبب ظروف الفقر والحاجة في العديد من الدول الفقيرة مما يضطرها إلى بيع أطفالها لإعالة البعض الآخر، أما في المجتمعات الغربية فإن ظاهرة بيع الأجنة أضحت من الأمور الشائعة والمألوفة.
أشكال سوء المعاملة للأطفال داخل الأسرة
- الإهمال: ويعني عدم المراقبة والإشراف على الطفل، وعدم الاهتمام باحتياجاته الجسدية والنفسية، وعدم توفير الرعاية الطبية والنفسية الكافية له. وهذا النوع من الإساءة يخلق لدى الطفل إحساسًا بأن العالم كله بارد وجاف، ولا يعرف أن يتمتع بدفء الحب، وقد يصاب بنوع من التبلد والبرود العاطفي.
- الإساءة الانفعالية: من الصعب تعريف هذا النوع من الإساءة بدقة شديدة، ويمكن القول إنه يحدث عندما يتعرض الأطفال لمعاملة قاسية أو اهتمام غير لائق، مثل الفطام العنيف أو الحرمان من بعض الأنشطة المعتادة أو حبسه، لذا فإن الإساءة الاجتماعية أو الانفعالية تحرم الطفل من التطور الاجتماعي.
خصائص الآباء المسيئين لأطفالهم
- ضعف البناء النفسي، مما يتيح للحفزات العدوانية أن تعبر عن نفسها بلا ضوابط.
- عدم النضج الاجتماعى والانفعالى والاعتماد الدائم على الغير.
- عدم الوعى بالمفاهيم الصحيحة للأبوة والأمومة والطفولة.
- وجود خبرات من الحرمان أو القسوة والإساءة الوالدية إليهم في مرحلة الطفولة.
- انخفاض تقدير الذات والشعور بنقص الكفاية الشخصية.
- الاعتقاد الشديد في قيمة العقاب كوسيلة تربوية راسخة منذ القدم.
- عدم الوعي بحاجات الطفل وعدم القدرة على إشباع هذه الحاجات.
- يعاني هؤلاء الآباء من زيادة الضغوط النفسية والاقتصادية.
- يتسم هؤلاء الآباء بعدم الثبات الانفعالى وبمستويات عالية من الاضطراب الانفعالي.
- الافتقار إلى المهارات الاجتماعية.
- الفقر والبطالة وانخفاض مستوى التعليم.
الآثار الناتجة عن الإساءة في المراحل النمائية المختلفة
- في مرحلة الطفولة: الشعور بعدم الأمن، كوابيس، تجنب التواصل مع الناس، الانسحاب، العدوان، الاكتئاب، الشكاوى الجسمية، انخفاض تقدير الذات، زيادة معدل المشكلات السلوكية، انخفاض التحصيل الدراسي، انخفاض القدرات العقلية.
- في مرحلة المراهقة والرشد: زيادة في أعراض القلق والاكتئاب والسلوك الإجرامي، انخفاض تقدير الذات، نقص الشعور بالكفاية، انخفاض التحصيل الدراسي، الإدمان، العزلة الاجتماعية، عدم النضج الانفعالي والاجتماعي، نقص المهارات الاجتماعية.
مواجهة المشكلة
- مساعدة الوالدين للطفل على تنمية ثقته بذاته، ليميز بين رغباتة والواقع، ضمن استعداداته الفطرية.
- محاربة الفقر والبطالة في الوطن العربي، وذلك بدعم المؤسسات الخيرية، والمشاركة فيها.
- مساعدة الأسر الفقيرة من جانب المقتدرين والجهات التي باستطاعتها تقديم هذه المساعدات.
- إنشاء منظمات دينية، واجتماعية محلية في كافة الأقطار العربية؛ لتتبع بعض الظواهر الاجتماعية المرفوضة، مثل: دعارة الأطفال، والتسول، مع محاولة إيجاد حلول للحد من انتشار هذه الظواهر.
- الاهتمام والحث على إنشاء منظمات عربية تعنى بحقوق الطفل العربي وحمايته والدفاع عن هذه الحقوق.
- ضرورة فرض نظام تعليم إلزامي إجباري، يمتد حتى 12 سنة دراسية؛ لضمان عدم التسرب من المدارس.
- خلق آليات للشكاوى، حيث يسهل الوصول إليها على مستوى الدولة.
- وضع تصور مقترح لتفعيل التربويين لمواجهة أنماط إساءة معاملة واستغلال الأطفال.
- تفعيل ما جاء في اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن أسوأ أشكال عمالة الأطفال، وبالأخص خدم المنازل، لأنها من أسوأ أشكال الاستغلال الاقتصادي للطفولة.
- التنفيذ الفعال والدقيق للحد الأدنى لسن تشغيل العمالة، ومراقبة بعض الأعمال مثل الأعمال الحرفية.
- العمل بما جاء ببرتكول اتفاقية الأمم المتحدة لمنع وقمع الاتجار بالأطفال؛ وذلك ضد الجريمة الدولية المنظمة.
.