Business

عمر الهادي يكتب: كان لنا في الميدان

المكان: ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، وميدان النهضة أمام جامعة القاهرة بالجيزة.

الميعاد: يوم عيد الفطر المبارك، الخميس 1 شوال 1434هـ، الموافق 8 أغسطس 2013م.

الحضور: حشود من البشر جاءت لتحضر تكبيرات أول عيد في الاعتصام.

في يوم العيد يُظهر المسلمون الفرح والسرور، ويتمتعون بالمباحات والطيبات، ويتبادلون التهاني والزيارات، ويشكرون الله تعالى على نعمه الكثيرة، وعلى أداء الشعائر العظام من صيام وقيام وحج، وطواف، وذبح الهدي والأضاحي، والتكبير والصلاة، وشكر على نعمة الصيام.

لقد كان الميدان يمتلئ بالصائمين والقائمين والركع السجود، فترى هذا تالٍ للقرآن، وهذه باكية من خشية الرحمن، وآخر يجود ليرطب وجه الصائمين، وثالث قائم على تجهيز الصيام، وأخريات يغنين فرحًا بقرب العيد، فقمن بتجهيز الكعك والبسكويت.

وانشق فجر يوم العيد، وأُعلنت التكبيرات، وزحف الناس من كل حدب وصوب، واصطف الجميع خلف الإمام حتى ضاق المكان، فكانت جماعات متتالية، وبعد أن ختم الإمام خرج الجميع سعداء يهنئ كل من يقابله يعرفه أو لا يعرفه، قابله من قبل أم لم يقابله، فالجو لم يشهده من قبل، ورغم ذلك لا تحرش، ولا انتهاك للحرمات، القلوب ترفرف في معية الله، والوجوه الطيبة تبتسم لكل من تقابله، وانطلاقات المسرات بالأغاني والبهجة، حتى أنك إذا سألت أحدًا عن شعوره، قال: لم تشاهد عيني مثل هذا من قبل.

إنه يوم عيد في الميدان، لم يرغب الكثيرون في مغادرة هذا اليوم، وحزِن من لم يحضره في الميدان، ووقت أن كان البعض يزحف في المنازل إلى الراحة، كان الميدان يزدهر بوجوه الأطفال السعداء، والآباء والأمهات التي حرصت على قضاء هذا اليوم في جو الميدان.

إنه يوم العيد، والذي كان يخبئ خلفه يوم عيد آخر لارتقاء الشهداء.

لقد زحف الجميع لأن الأصل أن تؤدّى صلاة العيد في الخلاء؛ فالخروج للصحراء أو الأماكن الخالية خارج حدود العمران والبناء فيها إبراز هيبة المسلمين من خلال خروجهم جماعات رجالًا ونساءً للصلاة في وقت محدد عقب فريضتي الصوم والحج، وإظهارًا لشعائر الدِّين، إلا في مكة المكرمة فإنّها تُصلّى في المسجد الحرام.

فعَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: أمَرَنَا رَسُولُ، أنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ الله! إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قال: «لِتُلْبِسْهَا أخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» (متفق عليه).

 

سنن مهجورة

حرص الأستاذ البنا أن يوضح للأمة ماهية عيدها الذي سنة الله للمسلمين، فلا تختلط المفاهيم عليهم، وليعمدوا لتعظيمها والعناية بها، فيقول: أما عيدنا الشرعي فهو عيد الفطر غرة شوال، بعد أن تتم فريضة الصوم التي هي ركن من أركان الدين، وحق من حقوق رب العالمين، وصدق الله العظيم: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

ولهذا العيد شعائر يجب أن نعرفها ونعلنها، ونحافظ عليها ونقوم بها: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} [الحج: 32].

فمن شعائره زكاة الفطر التي شرعها الإسلام برًا بالفقراء والمساكين، وتدعيمًا لروح التكافل الاجتماعي بين الأمة الواحدة بمناسبة هذا الموسم المبارك.

ومن شعائر العيد إحياء ليلته بذكر الله تبارك وتعالى، وشكره على ما وفق إليه من إتمام شهر الصوم، وتجديد التوبة، والاستعداد لما بعد رمضان بالعزم الأكيد على المحافظة على طاعة الله-تبارك وتعالى-، والبعد عن معصيته؛ فإن الله- تبارك وتعالى- باقٍ لا يفنى، ولا يزول، ولا تغيره الأيام ولا الشهور، وهو المعبود المقصود في كل آنٍ؛ فعلينا أن نجدَّ في طاعته في غير رمضان، كما كنا نجدُّ في رمضان.

ومن شعائره بعد ذلك التزاور والتوادّ، ونسيان الشحناء والبغضاء والحزازات، وصلة الأرحام، وتفقد الأقارب، والإكثار من الصدقة على الضعفاء والأيتام.. ذلك عيدنا الشرعي نقوم بشعائره امتثالًا لأمر الله، واحتسابًا لما عنده، وإحياءً لشعائره([1]).

وهذا ما رأيناه وسط الميدان، كان الجميع فرحًا مسرورًا، فقاموا بين يدي الرحمن ركعًا سجدًا، يحيون ليلة العيد بالذكر والشكر والتهليل والتكبير.

لقد كتب الأستاذ عمر التلمساني- المرشد الثالث للإخوان- موضحًا هذا الأمر فقال: وإذا كانت الصِّلات الطيبة بين الناس في حاجة إلى عقد، فالبسمة الودود هي التوقيع على هذا العهد الجليل، وإذا كانت القلوب أوعية مغلقة، فالبسمة هي مفتاح هذه المغاليق، وإذا استعصى قضاء الحاجات على طالبيها، فالبسمة أكبر الأعوان على تحقيق الحلو من الأماني العذاب إذا اكفهر وجه الود بسَوْرة من سورات الغضب، جاءت البسمة كقطرات الندى، تنعش الوسنان من البراعم والأزاهير.

هل لي أن أقدم لك هدية العيد، قف في عيدك إلى جانب الله؛ فهو العدة العظمى في نجاح الدعوة إلى الله وانتصارها، وهدية أخرى.. كن جنديًا في دعوة الله، وثق أنه لا انتصار لك في هذا الميدان إلا بتقوى الله.. تراني ذهبت بك بعيدًا عن مظاهر العيد ومقتضياته؟ أبدًا إنه العيد، وأيام العيد وَعِيدٌ شرعه رسول الله ﷺ، وأخذه أسلافنا كما أراده دين الله([2]).

وكتب الأستاذ حامد أبو النصر– المرشد الرابع للإخوان- يقول: لقد مضى الشهر الكريم.. شهر رمضان الذي فرض الله صيامه على المسلمين، وكان بين أشهر العام كالروضة الفيحاء وسط الصحراء، كان فرصة طيبة سانحة لمن أراد أن يتزود بخير زاد وهو زاد التقوى، وقد تفاوت المسلمون في قدر استفادتهم من هذا الشهر الكريم ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، وحُق للذين وفقهم الله فيه لعمل الخير وحسن العبادة أن يفرحوا يوم العيد السعيد، راجين من الله القبول، فالمؤمنون يفرحون بفضل الله وبرحمته: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 58).

وفي يوم العيد يتزاور المسلمون مهنئين بعضهم بعضًا بعون الله لهم بأداء فريضة الصيام، ويفرح الأطفال بلبس الجديد وممارسة الألعاب وشراء الحلوى وغير ذلك([3]).

 

المصادر

([1])  مجلة الإخوان المسلمين: السنة الخامسة، العدد 165، 29رمضان 1366هـ / 16أغسطس 1947م صـ3.

([2])  مجلة الدعوة: العدد (40)، غرة شوال 1399ه ـ سبتمبر 1979م، صـ (8، 9)

([3])  مجلة لواء الإسلام: السنة الثانية العدد 45، شوال 1410هـ / 26/4/1990م.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم