- دراسة حصرية لموقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية
يعتبر الإسلام الأسرة خطّ الدّفاع الأول في المجتمع، ولذا تعد الأسرةُ اللَّبنةُ الأولى في بناء أي مجتمع، فإذا كانت هذه اللبنة مفكَّكةً منهارةً، فلا بد أن يكون المجتمع مفكَّكًا منهارًا، ولهذا كان الزَّواج في الإسلام مؤسَّسةً اجتماعية دينية، يدخل فيها الرجل والمرأة قصدًا لتحقيق مصالح مشتركةٍ بين الطَّرَفين.
والعزوف عن الزواج ظاهرة متزايدة في العالم العربي خاصة والإسلامي عامة، وهذه الظاهرة تهدد مجتمعاتنا من الداخل، فأعداء الأمة حاولوا- وما زالوا يحاولون- تدمير لبنة المجتمع الأساسية وآخر ما تبقى لهذه الأمة من حصون، تلك الأسرة التي ما زالت متماسكة أمام جميع الهجمات الموجهة نحوها.
إن تزايد نسبة العنوسة بين رجالنا ونساءنا، وزيادة الطلاق، ما هو إلا تنبيه إلى أن المكون المجتمع الرئيسي في أوطاننا في خطر.
أسباب واقعية
لعزوف الشباب عن الإتيان بما أحله الله، والإعراض عنه، بل وعدم الحرص على استقرار الأسرة أسباب عدة ومنها:
- ضعف الوازع الديني لدي معظم الشباب، بسبب الحرب الممنهجة على تعاليم الإسلام، والغزو الفكري والإعلامي والعولمي.
- اللامبالاة وعدم رغبة الشباب في تحمل المسئولية، وخسارة استقلاليتهم الشخصية.
- الارتفاع المستمر في مستوى المعيشة دون زيادة مساوية له في الدخل، مع ارتفاع المهور، وتحول الكماليات إلى ضروريات.
- كبت الحريات والاضطهاد، ما دفع بالشباب إلى السلبية والعزوف عن بناء المجتمع، والخوف من وقوع خطر عليه، مما دفعه لعدم الدفاع عن غيره.
- وجود الكثير من البدائل المتاحة عبر وسائل الاتصالات والتلفاز والإنترنت، والتي تنشر الفساد والإباحية وتجعل الشباب يفضل ذلك على الزواج والارتباط بمؤسسته وتحمل تبعاتها.
- انعدام المحفزات التي تشجع الشباب على الإقدام على هذه الخطوة، والخوف من الروتين والملل بعد الزواج.
- المشاكل الأسرية بين الأبوين، والتي تدفع الشباب لعدم خوض التجربة خشية المشاكل التي يرونها بين والديهما.
- أزمة الثقة بين الشباب والشابات في زمن كثرت فيه الفتن، وقلّ الحياء، وقلّما يجد المرء شخصًا بدون علاقات سابقة.
- تنامي رغبة العديد من الشباب- من البنين والبنات- في الحصول على شهادات علمية عالية مثل الماجستير والدكتوراة.
نتائج مترتبة
إن عزوف الشباب عن الزواج يؤدي إلى زيادة نسبة العنوسة، ويترتب عليه بعض النتائج ومنها:
- انتشار الفواحش والعلاقات غير الشرعية في المجتمع، وانتشار حالات التحرش والاغتصاب، وزواج المتعة وغيره.
- انتشار الأمراض الخطيرة في المجتمع، مثل: الإيدز، والزهري، والسيلان، مما يحمل المجتمع تبعات اقتصادية وصحية واجتماعية.
- التأثير على إنتاجية المجتمع سلبًا، حيث يصبح الرجل مشغول البال غير مستقر، يهدر وقته في البحث عن إشباع لذاته.
- انتشار الاكتئاب والقلق وانتشار الإدمان، والميل للعزلة، والسخط على المجتمع.
- إحداث فجوة بين الأجيال لقلة النسل، ومن ثم تفقد الأمة عنصر قوتها في الشباب والأجيال المتتابعة.
وقفة علاجية
«مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً، إِلَّا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»، كما ذكر رسول الله ﷺ في مسند أحمد عن عبد الله بن مسعود.
ومن ثَمَّ، فلا بد من البحث عن وسائل علاجية تربوية، ومحفزات تشجع الشباب على الإقبال على هذه السُّنة الحياتية، بل والمحافظة على بيته وأسرته من الانهيار.
ومن هذه الوسائل التي يجب أن يعمل عليها الجميع:
- تربية وتنمية الوجدان الديني، وتأكيد الخشية من الله، وتعميق المفاهيم الدينية الصحيحة في نفوس النشء، مع تنمية الضمير الخلقي وجعله الرقيب الأمين على سلوك الأولاد.
- التأكید على أن الزواج سنة ﷲ في خلقـه، وهـو مـن سـنن الإسـلام، ولا يمكـن أن يحل نظام بدیل عنه لتحقيق الإشباع الذب يحققه الزواج.
- الرقابة على سلوك الأبناء من الجنسين في المراحل العمرية، ومتابعة سلوكهم وسط أقرانهم.
- تقديم نماذج زواجية يقتدي بها النشء: كالنبي ﷺ، وأم المؤمنين خديجة، وغيرهما.
- تجنب تعريض الأبناء للمشاكل الأسرية، أو المشادات الكلامية التي تحدث بين الوالدين.
- إيجاد البديل عن القنوات المدمرة، وشغل فراغ الشباب ببرامج تجمع بين المتعة والفائدة.
- قيام المؤسسات التربوية ببث روح المسؤولية والتفاؤل والأمل في الأوساط الشبابية، وحثهم على العمل وتغيير من أنماط تفكيرهم السلبية.
- للأسرة الدور الأساسي في حماية نفسها من الدمار الذي يحيق بها من العزوف عن الزواج، فدور الآباء والأمهات يكون بتيسير الزواج وخفض المهور وتقليل الطلبات قدر الإمكان، وإقناع البنات بضرورة تحمل المسؤولية والصبر مع زوجها من أجل أسرة هادئة تنعم بالسعادة والمحبة.
- التوعية بالأخطار والأمراض التي تحيط بالفرد من جراء تفريغ الطاقة الجسدية في غير مسارها الطبيعي بالزواج.
- التوعية الدينية والتربية المجتمعية التي تشجع الشباب على الزواج، والتصدي للفكر الغربي وموجات الانحلال التي يطلقها أعداء الإسلام لإلهاء الشباب وتدمير الأسر.
- معالجة مشاكل الفقر والبطالة اقتصاديًا، وتوعية الشباب من الناحية الفكرية.
كلمة لا بد منها
إن مشكلة العزوف عن الزواج مشكلة لن تُحل بمقالة ولا بسطور؛ فهي ناتج عن العديد من المشاكل التربوية والاقتصادية والاجتماعية التي ترسخت في مجتمعاتنا.
والظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية لن تعطي الفرصة لإعطاء جرعات العلاج لمثل هذه القضايا الهامة، بسبب الحرب الدائرة على كل الشعائر والمظاهر الإسلامية، ومطاردة الشباب المسلم، وتسهيل الفاحشة للمجتمعات.
ولذا لا بد من المبادرات الفردية «أصلح نفسك، وادعُ غيرك»، وأن المؤسسات الإعلامية الإسلامية بدورها في القضايا الإسلامية، ولا يكن جل اهتمامها بالقضايا السياسة فحسب.
المصادر
- محمد بيومي خليل: العزوف عن الزواج مشكلة للدراسة، ورقة بحثية مقدمة إلى رابطة العالم الإسلامي (مؤتمر مكة المكرمة العاشر)، صفر 1430هـ/ نوفمبر 2009م، صـ 53- 56.
- نجلاء إسماعيل أحمد: قضايا إعلامية وثقافية، دار المعتز للنشر والتوزيع، 2017م، صـ 107- 134 بتصرف.
- محمود عبد السلام علي: الإعلام الثقافي: دار المعتز للنشر والتوزيع , 2018م، صـ 190- 195.
- عبد الرزاق قناوي: الزواج ومشكلاته في مصر والدول العربية: دار الجمهورية للصحافة، 2010م، صـ80.
.