Business

النبي ﷺ وثقافة الروح الرياضة

الروح الرياضية هي من أهم سمات الرياضة الراقية التي يجب أن نتحلى بها حتى تصبح الرياضة في أرقي مستوياتها. فالرياضة عباره عن وسيله للاستمتاع وليس للتعصب أو النزاع، لأنها رسالة حب بين الأمم والدول.

فالروح الرياضية هي الطموح أو روح الجماعة حيث يمكن الاستمتاع بممارسة رياضة أو نشاط معين مع وضع الإنصاف والأخلاقيات والاحترام وإحساس الزمالة مع المنافسين في الاعتبار.

لكن.. أصبح العالم الآن شغوف بمشاهدة الرياضة أكثر من ممارستها، وقد غذّى الساسة النفوس بروح التعصب ضد الخصوم لأسباب سياسية، فأصبحنا نرى البلاد تنقسم شيعًا وجماعات، ويتربص كل طرف بغريمه في الشوارع والملاعب، بل أصبح الجميع سواء داخل الملاعب أو المشجعين يصل بهم الحال إلى الاقتتال، وما أكثر هذه الحوادث التي رأيناها حتى في عالمنا الإسلامي.

لقد حث الإسلام على ممارسة الرياضة المفيدة النافعة، وجعلها أداة لتقوية الجسم، فالمؤمن القوي سليم الجسم وبلا شك أنه خير وأحب الله من المؤمن الضعيف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (أخرجه أحمد).

لقد كان الإسلام شاملًا في نظرته لكل أمور الحياة، إلا أنه عمل على إحاطتها بسياج من حسن الخلق والروح الرياضية العالية، فالتربية الرياضية لا تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا صحبتها الرياضة الروحية الأخلاقية، وإذا كانت هناك مباريات يجب أن يحافظ على أدائها وعلى آدابها التي من أهمها، عدم التعصب.

لا تقتصر الروح الرياضة على الملاعب أو المشجعين لكنها أصبحت في كل مجالات الحياة، في السياسة والاقتصاد والتنافسية العلمية وغيرها، وهي الروح التي يجب أن يتحلى بها كل فرد، ويعمد لتنشئة أبناءه تنشئة أخلاقية.

 

دروس من السيرة

لقد أحيا رسول الله ﷺ كثيرًا من الأخلاق والعادات السامية التي سبقت الإسلام وهدم ما دونها، وكان رسول الله ﷺ صاحب قوام جميل متين البنية قوي التركيب، وكان بنيانه الجسمي مثار إعجاب من حوله من الصحابة، ولا عجب فهو الأسوة الحسنة، الذي أرسله العلي القدير هاديًا لنا في كل أمر من أمور الدنيا والآخرة، حيث سعى من وراء ذلك إلى حفظ جسم الإنسان قويًا نشيطًا لمواجهة الأعداء، وملء وقت الفراغ عند الشباب بما هو خير، وتنمية روح التعاون، بحيث يكون بالمنافسة الشريفة الهادئة بين الأفراد والجماعات.

لم يكن موقف رسول الله ﷺ من الرياضة مجرد الحث والترغيب في دفع المسلمين على ممارستها، ولم يكتف بتوضيح أدوارها في الجهاد في سبيل الله وثواب ذلك عند الله عز وجل، وإنما أعطانا القدوة والمثل في ذلك فقد ثبت عنه ﷺ أنه مارس الرياضة بنفسه في وقائع عديدة ثابتة في سنته المطهرة.

حتى إن اختصاصي العلاج الطبيعي يعدون أن النبي عليه الصلاة والسلام وضع اللبنة الأولى لبناء هذا العلم عندما شكا إليه قوم التعب من المشي، فأوصاهم بمزاولة النسلان، وهو الجري الخفيف، هذه وصية النبي عليه الصلاة والسلام، فتحسنت صحتهم، وكفاءتهم الحركية، واستطاعوا المشي لمسافات طويلة من دون تعب.

 

هذه بتلك

ضرب لنا النبي ﷺ أروع الأمثلة في التحلي بالروح الرياضية والخلق الرياضي القويم، وتقبل الهزيمة كتقبل الفوز، والاعتراف للخصم بالتفوق، وعدم غمطه حقه لئلا يُعَد ذلك نوعًا من الكِبْر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجت مع النبي ﷺ في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا؛ فتقدموا. ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: تقدموا؛ فتقدموا. ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك» (أخرجه أحمد في المسند 6/264).

 

المسارعة إلى المصارعة

ذكر السيوطي في رسالته (المسارعة إلى المصارعة) ما أخرجه البيهقي في (الدلائل) ما ذكره ركانة بن عبد يزيد، وكان من أشد الناس، قال: كنت أنا والنبي ﷺ في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى إذ قال لي ذات يوم: «هل لك أن تصارعني؟»، قلت له أنت؟، قال: «أنا»، فقلت على ماذا؟ قال: «على شاة من الغنم» فصارعته فصرعني، فأخذ مني شاة، ثم قلت: «هل لك في الثانية»، قلت: نعم، فصارعته فصرعني، وأخذ مني شاة، فجعلت أتلفت هل يراني إنسان، فقال مالك، قلت لا يراني بعض الرعاة فيجترئون علي، وأنا في قوى من أشهدهم، قال: هل لك في الصراع الثالثة ولك شاة؟، قلت: نعم، فصارعته فصرعني، فأخذ شاة، فقعدت كئيبًا حزينًا، فقال: مالك؟ قلت: إني راجع إلى عبد يزيد وقد أعطيت ثلاثًا من نعاجه، والثاني أني كنت أظن أني أشد قريش، فقال: هل لك في الرابعة؟، فقلت: لا بعد ثلاث، فقال أما قولك في الغنم فإني أردها عليك، فردها علي، فلم يلبث أن ظهر أمره، فأتيته فأسلمت، فكان مما هداني الله أني علمت أنه لم يصرعني يومئذ بقوته، ولم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره.

ويتضح لنا جليًا في سياق الحديث الشريف، أن الرسول ﷺ قد التزم بأخلاق المسلم عند انتصاره فرد إليه غنمه في سماحة وعن طيب خاطر وهو ما يطلقون عليه في الرياضة المعاصرة (الروح الرياضية)، أو اللعب النظيف (كما ذكر الدكتور أمين أنور الخولي).

 

غرس الروح الرياضية منذ الصغر

حث الرسول ﷺ على أن نعامل الأطفال باللطف واللين ونربيهم من خلال اللعب والنشاط وأن نتباسط فنعاملهم على قدر عقولهم ومن أقواله: «من كان له صبي فليتصابى له». فقد كان ﷺ رقيق المعاملة للأطفال، وكثيرًا ما كان يدعوهم للعب بين يديه.

وأخرج أبو يعلى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي ﷺ، قلت: نعم الفرس تحتكما، فقال رسول الله ﷺ: «ونعم الفارسان هما».

وفي رواية الطبراني عن جابر قال: «دخلت على النبي ﷺ وهو يمشي على أربعة (أي على يديه ورجليه) وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما».

ومن الطريف أن كثيرًا من الآباء المسلمين المحدثين يمارسون نفس هذه اللعبة مع أبنائهم بتلقائية شديدة دون أن يعرفوا أنها سنة عن سيد الخلق أجمعين.

وربما جاء الحسن إلى المسجد فالتزم ظهر النبي ﷺ وهو ساجد، فيطيل سجوده من أجله ثم يقول لأصحابه بعد الصلاة: «إن ابني ارتحلني، وإني خشيت أن أعجله». كما كان الرسول ﷺ يفرج بين رجليه حتى يمر الحسن أو الحسين من بينهما وهو قائم يصلي.

وعن أبي داود والنسائي عن أنس قال:

قدم رسول الله ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال الرسول ﷺ: «إن الله أبدلكم بهما خيرًا منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر».

 

علموا أولادكم وأنفسكم الروح الرياضية

الجميع يحتاج لطيب الخاطر وحسن الخلق في التعامل بعيدا عن الكبر والغضب، فالإسلام لا يرضى عند الخصومة والمنافسة نسيان الشرف والذوق، والفجور، فتلك من خصال المنافقين، ومن ثم يجب أن نتعلم:

  1. ألا تنسينا الرياضة الواجبات الدينية، والوظيفية، والأسرية، والوطنية، والواجبات الأخرى.
  2. عدم التحزب الممقوت الذي فرق بين الأحبة وأشعل في النفوس غيرة ونارًا، وباعد بين الأخوة، وجعل في الناس أحزابًا وشيعًا، فالإسلام يدعو إلى الاتحاد، ويمقت النزاع والخلاف.
  3. عدم توجيه الكلمات النابية من فريق لآخر، وكره التصرفات الشاذة التي لا تليق بكرامة الإنسان.
  4. عدم ممارسة الألعاب الجماعية التي يشترك فيها الجنسان، وفيها كشف للعورات، أو التي تثير الشهوة، وتحدث الفتنة.
  5. البعد عن الأنانية وحب الذات والتي لا تقبل استقبال النقد حتى الهادف أو الاستماع لوجهات نظر الآخرين.
  6. عدم تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
  7. عدم إساءة الظن عند بعض من ينتسب للوسط الرياضي، خصوصًا إذا كانت النتائج لا تخدم فريقه المفضل.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم