Business

أسباب الطلاق وطرق علاجه والوقاية منه

حرص الإسلام على تأسيس الأسرة على أسس وقواعد متينة، وذلك من خلال ما فرضه من أحكام فصَّلها القرآن الكريم، وشرحها معلم البشرية وقدوتها محمد رسول الله ﷺ، وإذا ما أتينا لإحصاء عدد ما نزل في الأسرة من آيات؛ فإننا نجد حوالي ثلث القرآن يتحدث عن ذلك، ونخص بالذكر ما يتعلق بالطلاق، حيث نجد ورود سورة كاملة هي سورة الطلاق بها اثنتا عشرة آية، بالإضافة إلى ما نزل في سورة البقرة والنساء والأحزاب، وقد بيَّنت السنة النبوية كل ما يتعلق بالأسرة من أحكام في أحاديث كثيرة يصعب حصرها.

وفي دراسة بعنوان: «أسباب الطلاق وطرق علاجه والوقاية منه»، للدكتورة حفيظة بلميهوب، أستاذة محاضرة بكلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، تحاول تسليط الضوء على دوافع الطلاق، وأسباب تفشيه في المجتمع، ثم تبيِّن بعد ذلك الطرق العلاجية والوقائية للحد منه.

 

تعريف الطلاق وحكمه

الطلاق في اللغة: التخلية، وإزالة القيد والإرسال، يقال: انطلق الرجل ينطلق انطلاقًا.. وامرأة طالق: طلقها زوجها، جاء في اللسان: أطلق زوجته إذا رفع عنها قيد الزواج.

وقال القرطبي: «الطلاق هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة»، فقد اعتبر القرطبي -رحمه الله- الطلاق حلًا وفكًا للعصمة الزوجية، ثم ذكر بعد ذلك ما تنحل به تلك العصمة، وهي ألفاظ الطلاق المخصوصة، وعرَّفه بعض فقهاء الحنفية بـ: «رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص».

وفي حكم الطلاق قال الفقهاء: إنَّ الأصل فيه الكراهة؛ وهو خلاف الأولى، وأبغض الحلال إلى الله؛ لما فيه من قطع الألفة والمودة والرحمة، وضرره لا يقف عند المطلقين؛ بل يمتد إلى العائلات، فيكون سببًا لتنافرها وتدابرها؛ ناهيك عن آثاره السلبية على الأولاد، فهو من أخطر الأسباب المؤدية إلى الانحراف والإجرام، وكثير من الأمراض؛ منها الأمراض النفسية والبدنية.

 

الحكمة من تشريع الطلاق

  • الحد من النزاع والخلاف الذي يقع بين الأسر والجماعات، لما قد يترتب عليه من قطيعة رحم.
  • دفع ما قد يترتب من أضرار، وبخاصة على الأولاد.
  • إعطاء المطلقين فرصة أخرى لبناء أسرة توفر لهم ما فقدوه في الزواج السابق.

وقبل الكلام عن أسباب ودوافع الطلاق، أذكر باختصار أن الشارع الحكيم وضع حواجز وحلولًا وبدائل أولية، ينبغي المرور بها قبل اللّجوء إلى الطلاق، ومنها:

  • ترغيب الزوج في الصبر على الزوجة ومعاشرتها بالمعروف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19)، ومن الآثار قول عمر رضي الله عنه للذي جاء يريد طلاق زوجته لأنه لا يحبها، قال له: «وهل كل البيوت تبنى على الحب، وأين الرعاية والذمم».
  • تشريع خطوات لحل النزاع القائم بين الزوجين، كما في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء: 34).
  • وإن سدت منافذ الصلح في إطاره الضيق بين الزوجين يُلجأ حينها إلى الحل الخارجي وهو بعث الحكمين، في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء: 35).
  • ولم يقف الأمر في توسيع دائرة الصلح وإبعاد شبح الطلاق والتضييق من دائرته عند هذا الحد؛ بل أعطى الشارع الحكيم فرصة أخرى للإصلاح حتى بعد وقوع الطلاق، حيث جعل الطلاق على مرَّات في قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ...} (البقرة: 229).
  • كما يمكن الرجوع إلى الحياة الزوجية وإصلاح ما وقع بين الزوجين ما دامت المرأة في عدتها، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (البقرة: 228).

 

عوامل وقوع الطلاق

لا بد للطلاق من مقدمات وأسباب وعوامل تؤدي إليه، ومنها:

  • غياب المقاصد الأساسية والأصلية للزواج.
  • استحضار دافع الإشباع الجنسي في الزواج وغياب دوافع الزواج الأخرى.
  • عدم التأهيل والإعداد للحياة الزوجية.
  • الجهل بحقيقة الزواج ومقاصده.
  • ضعف الوازع الديني.
  • سوء أخلاق المرأة أو الرجل.
  • إهمال الواجبات الزوجية والتخلي عنها.
  • سوء الاختيار.
  • عدم تكافؤ الزوجين.
  • اختلاف نظرة الزوجين إلى الحياة.
  • الغيرة المفرطة بين الزوجين.
  • غياب السكن والحوار والتواصل السليم بين الزوجين.
  • الإصابة بمرض خطير؛ جسمي أو عقلي.
  • المخدرات وحبوب الهلوسة.
  • الخيانة الزوجية.
  • اعتداء أحد الزوجين على سلطة الآخر.
  • غياب الحوار واتساع دائرة الخلاف بين الزوجين.
  • عمل المرأة خارج البيت.
  • تحكيم المصلحة الدنيوية في الزواج.
  • فقدان معاني الرجولة الحقيقية.
  • عدم التوافق العاطفي والجنسي.
  • تحكم بعض العادات والأعراف الفاسدة.
  • الجهل بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف، والحِكم المنطوية تحت أحكامه أو معرفتها مع عدم الالتزام بها.

 ومن أجل المحافظة على استقرار الأسرة واستمرارها، ذكر الشارع الحكيم حقوقًا ونصّ عليها ودعا إليها، منها:

  1. المحافظة على الروابط الزوجية، وواجبات الحياة المشتركة.
  2. المعاشرة بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة.
  3. التعاون على مصلحة الأسرة، ورعاية الأولاد وحسن تربيتهم.
  4. التشاور في تسيير شؤون الأسرة، وتباعد الولادات.
  5. حسن معاملة كل منهما لأبوي الآخر وأقاربه واحترامهم وزيارتهم.
  6. المحافظة على روابط القرابة والتعامل مع الوالدين والأقربين بالحسنى والمعروف.
  7. زيارة كل منهما لأبويه وأقاربه واستضافتهم بالمعروف.

 

آثار الطلاق

أولًا: آثار الطلاق على المطلقين:

  • آثار الطلاق على المطلقة:
  1. احتقار المجتمع للمطلقة، فيحكم عليها بأنها ما طُلقت إلا لأنها ليست في المستوى، أو لريبة أو تهمة.
  2. حرمان المرأة من أولادها، إذا مكثوا عند أبيهم، ومشقة إعالتهم إذا تخلى عنهم أبوهم.
  3. فقدان المعيل مما يضطر المرأة إلى البحث عن عمل، إذا كانت فقيرة ويتيمة، بل ربما تعيش عند أخيها الذي قد يحسسها بثقلها عليه خاصة إذا كان ضعيف الشخصية أمام زوجته.
  4. الإصابة بالاكتئاب والتوتر نتيجة نظرة المجتمع القاسية إلى المطلقة، مع العزوف عن الزواج بها.
  5. تعرضها للظلم والاحتقار من قبل أفراد المجتمع.
  • آثار الطلاق على المُطَلِّق:
  1. الحالة النفسية السيئة والإحباط.
  2. اليأس وفقد الثقة في النساء.
  3. الانحراف وتناول المخدرات والخمور لنسيان المشاكل.
  4. البعد عن الأولاد وفلذات الأكباد.
  5. الندم على وقوع الطلاق لعواقبه السيئة عليه وعلى أولاده.
  • آثار الطلاق على مستوى الأسرة:
  1. اضطراب سلوك الأبناء نتيجة ترددهم بين الآباء والأمهات.
  2. تشتت الأسرة، وتشرد الأبناء بل قد يؤدي ذلك إلى انحرافهم، وفساد أخلاقهم.
  3. ظاهرة التشرد، وأغلبها ناتج عن اختلاف الأبوين، وطلاقهما.
  4. إصابة الأولاد بأمراض كثيرة نفسية وجسمية تعوقهم عن بناء مستقبلهم، بل قد تؤدي ببعضهم إلى حياة الإجرام.

ثانيًا: آثار الطلاق على المجتمع:

  1. شيوع الخلاف والنزاع بين أطراف المجتمع.
  2. انتشار الرذيلة وانحصار الفضيلة؛ نتيجة غياب الوازع الديني.
  3. انتشار أوكار الفساد، وممارسة الرذيلة، إلى جانب ظهور أمراض خبيثة، نتيجة أعمال خبيثة، وإذا ما أردنا أن نتلمس ذلك في واقعنا فإننا نجد أنه قد غلب عليه الفساد، وانتشار الزنا، والقتل، والاغتصاب، والسرقة، والمخدرات، والعري، والحرابة، والخمر، والخيانة بجميع أنواعها، إلى غير ذلك من الأوبئة التي أصابت المجتمع المسلم والتي تنذر بخطر كبير.
  4. قلة النسل وانتشار أبناء الزنا، مما يؤدي إلى ضعف المجتمع.

 

الطرق العلاجية والوقائية للحد من الطلاق

  1. حسن الاختيار للرجل والمرأة، يشهد لذلك قوله ﷺ: «تخيروا لنطفكم ...».
  2. الكفاءة في الزواج معتبرة لأنها تساعد على استقرار الحياة الزوجية ونجاحها، كما أنها تساهم في تجنب الزوجين لكثير من المشاكل والصعوبات، وتحفظ الحياة الزوجية من الفشل والإخفاق. وقد حث النبي على تزوج الأكفاء في قوله: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ».
  3. التأهيل للحياة الزوجية والأسرية، وذلك عن طريق التعلم والتفقه في أحكام الأسرة والحياة الزوجية وتربية الأولاد.
  4. التدريب على الطاعة وتحمل المسؤولية والتضحية.
  5. عقد دورات تدريبية وتأهيلية للمقبلين على الزواج .
  6. الاهتمام بالإعلام السمعي البصري بتوظيفه لخدمة الأسرة والمجتمع الإسلامي، لأن دوره كبير في التربية والتوجيه، ومسؤوليته اليوم كبيرة، ينبغي القيام بها والوقوف في وجه الحملة الشرسة التي تحاك ضد الإسلام.

 

الإجراءات الوقائية قبل إيقاع الطلاق

  • ألا يُلجأ إلى الطلاق إلا عند الضرورة وعند استفحال خطر الشقاق والنزاع، بحيث لو استمرت الحياة الزوجية لأدت إلى شرور وعداوة وبغضاء.
  • جعل الطلاق بيد الرجل، لأنه مكلف بتحمل تكاليف الزواج من مهر ونفقة على الزوجة والعيال، ولأنه أكثر تحكمًا في عواطفه.
  • تقييد الطلاق بوقت الطهر، لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (الطلاق: 1).
  • جعل الطلاق مفرقًا، والحكمة في ذلك حتى تكون للرجل فرصة في العودة إلى الحياة الزوجية إذا ما ندم عن الطلاق فيراجع زوجته ويصحح خطأه.
  • مكث المرأة المطلقة في بيتها بعد وقوع الطلاق، وهذا من شأنه أن يعطي للزوجين فرصة للإصلاح والمراجعة، عكس ما لو خرجت من بيتها واتسعت دائرة الخلاف، ووصل ما بين الزوجين إلى غيرهما من الأسرتين فتتسع دائرة الخلاف، ويتأزم الوضع الذي ينتهي في غالب الأحيان بالطلاق.
  • الإشهاد على الطلاق، لقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (الطلاق: 2).

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم