الدور التربوي للإخوان في الحياة الرياضية في مصر

  • دراسة خاصة للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية

 

منذ بداية انطلاق جماعة الإخوان المسلمين وهي تعمل على النهوض بتربية الأفراد في كل مناحي الحياة سواء سياسيا أو ثقافيا أو بدنيا أو اجتماعيا أو رياضيا أوغيرها من الجوانب.

وفي بحث سابق رأينا كيف اهتم الإمام حسن البنا بالجانب الرياضي حتى أنه خصص قسم لهذا الجانب اعتني بالناحية البدنية والرياضية، وترك بصمات عظيمة في نفوس كثير من لاعبي الأندية، بل ونفوس جموع الشعب الذي لمس القدوة الطيبة في سلوك الإخوان سواء في الملاعب أو مناحي الحياة.

واستمر هذا الاهتمام من قبل الإخوان سواء في أوقات المحن داخل السجون والمعتقلات أو في الأوقات الأخرى كما حدث منذ السبعينيات وحتى فترة د محمد مرسي في مصر.

واستكمالا للجهود التي قام بها الإخوان في الجانب الرياضي والذي توقف مع قرار حل الجماعة في عام 1948م –على الرغم انه لم يتوقف في السجون حيث استمر الإخوان المعتقلين في ممارسة الرياضة – لكن ما إن عادت الجماعة مرة أخرى عام 1951م حتى عادت الأنشطة الرياضية مرة أخرى، وشكل الإخوان فرقهم الرياضية المختلفة سواء في كرة القدم أو السباحة أو السلة أو الدراجات وغيرها.

ورغم انشغال شباب الإخوان بمحاربة الإنجليز على أرض القنال عام 1951م إلا أنهم اعتنوا بالشئون الرياضية حتى كانت أزمة عام 1954م.

تحقيقا للأهداف والمواصفات التي وضعتها الجماعة ومنها: جماعة رياضية : لأنهم يعنون بجسومهم ، ويعلمون أن المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "إن لبدنك عليك حقا" وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدى كاملة صحيحة إلا بالجسم القوى ، فالصلاة والصوم والحج والزكاة لابد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح فى طلب الرزق ، ولأنهم تبعا لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيرا من الأندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها.

لقد كان الغرض من هذه الفرق تربية الروح الرياضية الإسلامية في نفوس شباب الإخوان وشغل أوقاتهم بما يعود عليهم بالفائدة الصحية والخلقية، وتعويدهم الطاعة والنظام وتكليفهم القيام بحفظ نظام مجتمعات الإخوان ومواكبهم، والقيام برحلات لإحياء سنة التزاور وغير ذلك من الأغراض الإسلامية النبيلة.

وتقوية الروح الرياضية الصحيحة في نفوس الشباب. (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة 247].

وإعداد الإخوان بصفة عامة إعدادًا إسلاميًا من النواحي البدنية والروحية والعلمية عن طريق تنظيم المحاضرات والرسائل في الموضوعات التي يهم الأخ معرفتها وتوجيههم إلى قراءة الكتب النافعة التي تزيد من ثقافتهم الإسلامية وتبعث الروح الرياضية في محيط الإخوان المسلمين ونشر الألعاب الرياضية المناسبة لتقوية أبدانهم وتحسين صحتهم([1]).

 

نشاط وسط المحنة

على الرغم من التعذيب الذي وقع عليهم ومرور السنين تلو السنون داخل السجون إلا أنهم لم يستسلموا للعجز، بل استعانوا بالتربية الرياضية التي استطاعوا من خلالها الخروج مما يجدونه من محن وبعد عن الأهل، وطول فترة السجن.

يقول الأستاذ مهدي عاكف رحمه الله: أثناء وجودنا في سجن الواحات، وبعد عودتنا من الجبل معفرين بتراب الطريق، جمعنا مأمور السجن – والذي كان دائب على تكديرنا – وقال لنا: ستواجهون اليوم فريق كرة القدم لسلاح المهندسين بالوادي الجديد. استعدوا لأسوأ معاملة إذا انهزمتم، وإلي المعاملة الحسنة إذا انتصرتم؛ لأنها مسألة كرامة في الدرجة الأولي لإدارة السجن عامة، ولي بصفة خاصة.

   وانصرف علي الفور بعد هذه الكلمات المعدودات، ووسط الاندهاش والتعجب تكوّن الفريق الذي لم يتدرب يومًا واحدًا منذ أكثر من سنتين، غير التعب من العمل في الصحراء، وبذلت كل جهدي في توجيه الفريق إلي خطة اللعب، ووقف بعض الإخوة بدورهم يحملون الفريق توصياتهم بأن ييبذلوا كل طاقاتهم في أرض الملعب، وتقدم الفريق إلي الملعب والإخوان وراءه صفين في حراسة السجانة، حيث جلسوا في الجهة المقابلة للمنصة التي يجلس عليها المأمور، وضباط السجن، وضباط سلاح المهندسين، محاطين بجنود الجيش المشجعين، بأيديهم الطبل والمزامير. ولم يلبث السجانة أن أحضروا طابور الشيوعيين المسجونين إلي حيث جلسوا قريبًا منا، وبدأت المباراة حامية ومثيرة.

   قدت الفريق أمام فريق سلاح المهندسين وكانت النتيجة لصالح فريق السجن بثلاثة أهداف لهدف واحد لسلاح المهندسين، فانتشي المأمور والضباط، وبرَّ بوعده معنا لعدة أيام متتالية قبل أن يعود لتكديرنا([2]).

ويقول عبد الحليم خفاجي: أما الرياضة، فالاختصاصيون قد وفروا جميع الأجهزة الرياضية، وتم تخطيط الملاعب، وستتكون عدة نواد تتنافس، يضمها اتحاد عام .

فقد رأت الرياضة عصرها الذهبي بإنشاء ثلاثة نواد رياضية: نادي الجهاد برئاسة الأخ صلاح شادي ضابط الشرطة السابق، ونادي النصر برئاسة الأخ محمود عبده، أحد قادة حرب فلسطين، وأحد رجال التعليم القلائل، ونادي الفتح برئاسة المهندس صلاح العطار أحد الأبطال الذين اخترقوا حصار الفالوجة، وأنقذوا الجيش المصري المحاضر .. كانت النوادي الثلاثة تضم مختلف الألعاب الرياضية، وتقوم بينها المنافسة الحامية علي مدار فترة الدورة الرياضية التي ينظمها الاتحاد، وتختتم كل دورة باحتفال كبير، يشترك فيه قائد السجن وضباط الإدارة ورجالها، ويشاركون أعضاء مكتب الإرشاد في توزيع الجوائز .. ومازال ماثلاً في أذهاننا جميعًا آخر احتفال جري في هذا المعسكر، حيث كان يتقدم الاستعراض الرياضي المرحوم الشيخ أحمد نار، بقامته الفارعة وزيه العربي الجذاب، ماداً ذراعيه للأمام يحمل عليهما مصحفًا ضخمًا مفتوحًا، ووراءه أعلام النوادي الثلاثة، يتقدمها علم الاتحاد العام مزينًا بشعارات الإخوان، وخلف الجميع سارت طوابير النوادي الثلاثة .. كل نادٍ بزيه الرياضي المتميز، والفرقة الموسيقية في زيها الأنيق تدق المارشات من فوق منصة مخصصة لها في وسط الملعب، وكانت خاتمة الحفل قلعة كبيرة من ثلاثة أدوار من الإخوان وقف علي قمتها أحد الإخوان، بيده علم عليه شعار الإخوان، وهتافات الإخوان من فوقها، وتجاوبت معه جنبات المعسكر في صوت هادر كالرعد، لا عهد للصحراء به من قبل([3]).

 

التربية الرياضية فيما بعد محنة الستينات

خرج الإخوان من السجون في عهد السادات، وعادوا في الانتشار وسط الناس للتعريف بدعوتهم مرة أخرى، وللعمل على نشر الثقافة الإسلامية، والمظهر الإسلامي، فارتادوا النوادي كما ارتادوا المساجد ينشرون الفهم الصحيح للإسلام، ويحثوا الناس على الاهتمام بالتربية بمختلف جوانبها.

فقد جاء في لائحة الإخوان عام 1951م المادة 76 والخاصة بالتربية البدنية:

يضع قسم التربية البدنية المناهج والدراسات اللازمة لتربية الإخوان تربية بدنية إسلامية وإعدادهم للقيام برسالتهم ويشرف علي تنظيم هذه الناحية طبقاً للسياسة التي يضعها مكتب الإرشاد.

كما جاء برنامج حزب الحرية والعدالة الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين لكل المصريين عام 2011م أكثر وضوحا في مجال الاهتمام بالرياضة حيث جاء فيه:

  1. أن تكون التربية الرياضية جزءا أساسيا من المنهج وتشجيع الممارسة اليومية للرياضة البدنية.
  2. توفير الأماكن والأجهزة المناسبة لممارستهم الرياضات التى تناسبهم في الأندية الرياضية.
  3. تطوير المُنشآت الرِّياضيَّة، واستخدام أحدث الأساليب العلميَّة في التَّخطيط الاستراتيجي للرِّياضة والإدارة الخاصَّة بالمُؤسَّسات الرِّياضيَّة والتَّدريب اللازم لتأهيل العاملين في هذا المجال.
  4. توسيع قاعدة مُمارسة الرِّياضة واستهداف جميع المراحل السِّنِّيَّة وخاصة الشَّباب وذلك من خلال زيادة عمليَّة تخصيص الأراضي والأماكن لإنشاء المراكز الرِّياضيَّة- من ساحاتٍ وملاعب- والأنْديَّة ومراكز الشباب في جميع المُدُنِ الجديدة والقائمة والمراكز والقُرى من قِبَلِ وزارة الإسكان والمرافق والتَّنميَّة العمرانيَّة.
  5. تعاوُن مُؤسَّسات المُجتمع الإعلاميَّة والثَّقافيَّة والرِّياضيَّة في عملِ حملات إعلاميَّة دوريَّة لتحفيز وحثِّ أفراد الشَّعبِ المصري من جميع الأعمار لممارسة الرِّياضة، مع توجيه ميزانيَّة المجلس القومي للرِّياضة للهدف السابق ومحاولة زيادتها.
  6. تشجيع القطاع الخاص علي الاستثمار في مجال الرِّياضة من خلال تسهيل الحصول علي الأراضي اللازمة، وتسهيل المناحي الإجرائيَّة وغير ذلك من السِّياسات اللازمة، وإلزام الشركات والهيئات الكبيرة بإنشاء نوادي رياضيَّة ومراكز للعاملين بها.
  7. مُراقبة النَّوادي الرِّياضيَّة ماليًّا وإداريًّا لضمان تحقيقها الأهداف المرجوة منها .
  8. التَّشجيع ووضع الحوافز الماديَّة القويَّة عند حصول الرِّياضيين علي مراكز أولي إقليميًّا وعالميًّا، وأيضًا عند حُصول الرَّياضيِّين علي المُؤهلات العُليا.
  9. تخصيص ملاعب وصالات رياضية خاصة بالنساء .
  10. اختيار بعض الرياضات والترويج لها حتى تكون رياضات قومية تنتشر في القطر .
  11. استغلال ملاعب المدارس لممارسة الشباب الرياضية في غير أوقات الدراسة .
  12. اشتراط وجود الملاعب الرياضية في تصميم بناء المدارس كشرط لمنحها ترخيص البناء([4]).

 

الاهتمام بالنوادي

عندما يتاح جو الحرية يستطيع الإخوان نشر الفكر الإسلامي الوسطي المناسب لكل عصر ومصر في مختلف القطاعات فيتأثر بهذا الفكر غالب الشعب، وهذا ما حدث في قطاع الرياضة حيث تأثر كثير من الرياضيين والأندية بما يحمله الإخوان من فكر وقيم تربوية وأخلاقية وحضارية وإن لم يلتزموا تنظيميا مع الإخوان.

وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وبداية الألفة الجديدة اهتم الإخوان بالشأن الرياضي الاشتراك في النوادي، والتواصل مع كل أعضائها بما فيهم اللاعبين لنشر القيم الإسلامية والأخلاق السامية حتى وصل هذا التأثير في بعض الأوقات مع تأثير غيرهم لأن أصبح يطلق على المنتخب الوطني المصري لكرة القدم منتخب الساجدين.

واشترك بعض أفراد الإخوان  في الانتخابات الرياضية لتوصيل هذه القيم للمجتمع الرياضي، واستطاع الإخوان في فترة بعد ثورة يناير أن يحققوا نجاحات في كثير من الانتخابات الرياضية للأندية في مصر ويتواجدون في بعض مجالس الإداراة لهذه الأندية خاصة في الأقاليم.

 

الدعم المادي والمعنوي

لقد قام الإخوان بدعم الرياضة سواء عن طريق زيارة الندية وتشجيعها وحثها على استيعاب الشباب، وعدم نشر العصبية، حتى كان بعض اللاعبين في مصر يقومون بعمل اعتكاف في رمضان بالمساجد الكبرى.

كما قام عدد من قيادات جماعة الأخوان المسلمين مساء الثلاثاء 18ديسمبر 2013م بزيارة النادي الإسماعيلي وقدموا التهنئة لإدارته بالصعود لدور الثمانية من البطولة العربية للأندية.

 وكان رئيس النادي الاسماعيلي العميد محمد أبوالسعود قد استقبل وفد من جماعة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية في مقدمتهم المهندس صبري خلف الله مسؤول المكتب الإداري للإخوان المسلمين وعضو مجلس الشعب الأسبق. وتطرق الحديث عن أحوال النادي الإسماعيلى وابدي وفد جماعة الإخوان المسلمين استعداداهم لمساندة الدراويش خلال المرحلة المقبلة في شتي النواحي([5]).

ولعل أكبر ما قدمه الإخوان للرياضة ما قام به د أسامة ياسين وزير الشباب في حكومة د هشام قنديل من دعم للأندية واهتمام بها وفتح وترميم كثير من مراكز الشباب على مستوى الجمهورية وإعادة هذه المراكز للقيام بدورها في خدمة المجتمع والشباب رياضيا وأخلاقيا بعد أن كانت مهملة أو يسودها المحسوبيات والركود.

كما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها تعتزم تأسيس أندية رياضية كبرى للمشاركة في الساحة الرياضية بفاعلية لتكون قدوة عملية وأخلاقية ورياضية.

وأكد عصام العريان المتحدث باسم الجماعة، أن هناك نية ورغبة كبيرة داخل الجماعة في إنشاء نادٍ رياضي أو مؤسسة رياضية تابعة للجماعة، إلا أنه شدد على أن الفكرة ما زالت تُدرَس ([6]).

 

أثر التربية الإخوانية في الرياضيين

لقد استمر الإخوان على العمل في النوادي حتى اقتنع بمنهجهم وفهم للإسلام الوسطي الكثير من اللاعبين وأعضاء النوادي  حتى وإن لم ينضم بعضهم لجماعة الإخوان إلا أنهم استطاعوا أن يؤثروا في كثير من الشباب وينشرون القيم الفاضلة، وظهر ذلك في أن ظهرت الأخلاق الرياضية في كثير من سلوكيات اللاعبين في الملاعب مثل: السجود اثر إحراز الأهداف  ومحافظة الفرق واللاعبين على أداء الصلوات جماعة خاصة في البطولات، والمحافظة على قراءة وحفظ القرآن والأذكار، وتراجع الاعتراض على قرارات الحكام  في الملاعب، وإقامة الندوات الدينية والتربوية في الأندية، و تراجع المظاهر والسلوكيات السلبية للاعبين، والافتخار بالمظاهر الإيجابية وانتشارها، وأن أصبح اللاعبون المتدينون قدوة لكثير من الشباب في نمط حياتهم.

 وقد تعرض بعض هؤلاء اللاعبون للظلم الذي تعرض له كثير من المصريين في الفترة بعد الرئيس محمد مرسي، وصل بالبعض للسجن والبعض الأخر بمصادرة الأموال أو الطرد خارج مصر.

 

المصادر


([1])  أنظر لوائح وقوانين الإخوان المسلمين، دار اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، 2013م.

([2])  مذكرات وحوارات محمد مهدي عاكف: موقع إخوان أون لاين عام 2006.

([3])  عبد الحليم خفاجي: عندما غابت الشمس، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة, 2006م، صـ 130.

([4])  برنامج حزب الحرية والعدالة: 2011م، صـ 71، 72

([5])  محمد عبادي: بالصور الإخوان المسلمين في زيارة النادي الإسماعيلي، بوابة أخبار اليوم، الأربعاء، 19 ديسمبر 2012م، http://cutt.us/MltS3

([6])  الإخوان المسلمون ينافسون قريبًا على الدوري والكأس: موقع mbc، 6 مايو, 2011م، http://cutt.us/DS300

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم