Business

حنان عطية تكتب: الغرس التربوي عبر المناسبات.. رمضان نموذجًا

تلعب المناسبات دورًا كبير في تهيئة نفوس الصغار والكبار لقبول الغراس التربوية، ويستثمر القائمون على التربية فرصة دوران المناسبات لغرس القيم التي يريدون غرسها أو التأكيد على ما سبق غرسه، فنجد المؤسسات التعليمية في الدول تضع المناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية نصب عينيها وفى بؤرة اهتمامها كي تصيغ توجهات النشء نحو ما تريد أن تُوَجِّهَه إليه من مبادئ، إضافة أن تلك المناسبات قد تدعم كفاحات شعوب حينما تربط الحاضر بالماضي النضالي، وأحيانًا تكون المناسبات فرصًا سانحةً نحو التغيير الثوري أو الحضاري.

أيضًا فإن المناسبات الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في تربية الأجيال الجديدة على القيم المتعارف عليها والتقاليد التي يحترمها المجتمع؛ مما يساعد على إخراج جيل جديد متوائم مع مجتمعه وراضٍ عن قيمه ومؤمن بمبادئه، وهو ما يحقق للمجتمع تماسكه واستمراريته وقوته واستقراره.

وتلعب المناسبات الدينية دورًا مهمًا جدًا في ربط الناشئة بدينهم، وكذلك في نضج التكوين المعرفي لديهم حول الدين، بل يمتد الأمر الى أكثر من ذلك، إذ يُقَوِّي الاعتداد بالمناسبات الدينية صلة الأفراد كبارًا وصغارًا بدينهم، ويقوي دعائم الإيمان في نفوسهم، ويُضيف بُعدًا أكثر إيمانًا واعتقادا لممارستهم لشعائرهم الدينية.

معظم المناسبات التي تعيننا على التربية أو التعبئة الاجتماعية نحو قيم معينة قد لا تتخطى حيز اليوم أو بضعة أيام على الأكثر، إلا أن التجربة الرمضانية تُخضع الأفراد كبارًا وصغارًا لعملية تأثير احتفالي تعبدي كبير تتخلله الكثير من العبادات المؤكدة على خصوصية المناسبة، ما يجعل فرص التغيير في أعلى معدلاتها عن أي مناسبة أخرى.

ففي رمضان تصبح النافلة في الإسلام بدرجة الفريضة، وتصبح الفريضة بعشر فرائض، وهو ما يعني قمة المحفزات التربوية والإيمانية وكلها تمثل دافعات قوية نحو الدين وقيمه ومُثُله، بل وتثبيتًا لهذه القيم ما يُنبِئ بإمكانية استمرار الأفراد على هذا المنوال التعبدي والاعتقادي والإيماني والأخلاقي لفترة ليست قليلة من الزمن، وهو ما يعني أن قوة الدفع الناتج عن المناسبة الرمضانية تكون الأقوى بين أي قوة دفع أخرى لمناسبات أخرى مهما كانت درجة قدسية تلك المناسبة.

إن رمضان ليس حالة مفردة أو مناسبة رغم طولها، إذ تمتد عبر ثلاثين يومًا احتفاليًا تعيشه المجتمعات الإسلامية في العالم، فرمضان رغم أنه مناسبة كبيرة زمنيًا ومعنويًا وتعبديًا وعقائديًا، إلا أنه يعتبر حالةً لها مقدمات طويلة ونهايات أيضًا غير قصيرة، حيث يعتبر رجب وشعبان بُعًدا زمنيًا ومعنويًا مضافًا إلى المناسبة الرمضانية مما يزيدها امتدادا في التأثير والغرس.

كما يعتبر شهر شوال حيث به عيد الفطر وصيام الستة من شوال امتدادا للحالة الرمضانية التي تُشعر النفوس- التى عاشت أجواءه وغِراسه وتشربت بمعانيه- بالحزن لفراق تلك الحالة التعبدية والفكرية والعقائدية والنفسية التي تحدث نَوعًا من التعبئة الشاملة في نفوس كل أفراد المجتمع.

في مناسبةٍ كرمضان يصبح الطعام عبادة له مواقيت، وكيفية وموصى به في القرآن والسنة ومبين بركته، ويصبح الصوم ليس امتثالًا للممارسات الظاهرية وإنما يمتد للأعماق والدواخل البشرية؛ فيهذبها ويُسَيِّرُها على منهجٍ رمضاني كفيلٍ بغسل البدن والروح، وخَلق حالة من الانسجام بين القلب والجوارح بشكل لا تحققه عبادات أو مناسبات أخري.

رمضان فرصة كي يتعلم الصغار ركنًا من أركان دينهم، ويتعلمون أنه لا يكتمل إسلام المرء إلا باستكمال ممارسته لأركان الإسلام الذي يُعد الصوم ركنًا مهمًا فيها، ورمضان فرصة كي تتغذى نفوس الصغار على القرآن الذي يستشعرون اهتمام المجتمع المسلم به بدرجة أكثر في رمضان عن الأيام الأخرى، ولم لا وهو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر.

رمضان حقًا مناسبة المناسبات، إذ يفضل فيه المسلمون إخراج الزكوات وإطعام الطعام وصلة الأرحام وأداء العمرة لمن يستطع كُلفتها. ورمضان شهر الجهاد والانتصارات والفتوحات وهو مناسبة للاتصال بتاريخ الإسلام والارتباط به والاعتداد بمَفاخِرِهِ؛ إذ في رمضان تتحقق فيه كل أركان الإسلام باستثناء الحج، ولذا يعتبر الفرصة الذهبية للتربية الإسلامية مكتملة الأركان وتكوين الرؤية الصحيحة عن الإسلام وشعائره.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم