ها هو رمضان قد قرب مجيئه بنوره وعطره وخيره وطهره، يجيء ليربي في الناس قوة الإرادة وعظمة التغيير، في تحمل الشدائد، والانتصار على العقبات، ومصاعب الحياة، وكان النبي ﷺ يهنئ أصحابه عند مجيء رمضان، ويبشرهم ويقول لهم: «أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ» (أخرجه أحمد).
إن مما ينفطر له قلب الغيور، وتميد من أجله الأرض وتمور، أن المتابع للحياة المصرية في هذه الفترة يجد الرذائل والموبقات قد اجتاحت البلاد طولاً وعرضًا.
فساد في الأخلاق، وخروج على الشريعة، وإلحاد في الدين، وزيغ في العقيدة، وشهوات قاتلة، وعفاف ينتحر، وطهر كاد يندثر، وحرية معناها- عند المنادين بها-: الإباحية وترك الفرائض والفضائل والآداب.
غذّى ذلك كله ورواه الاحتلال، حتى إن الزنا أصبح بترخيص علني في بلد الأزهر، وشُرب الخمر جهارًا نهارًا حتى في أيام رمضان.
ولذا اهتم الإخوان المسلمون بالمناسبات الإسلامية المختلفة، كمولد النبي ﷺ ورأس السنة الهجرية والإسراء والمعراج ورمضان وغيرها، وكان احتفال «الإخوان المسلمون» بتلك المناسبات مختلفًا عن غيرهم من طوائف الشعب، حيث اتخذوا تلك المناسبات لتعليم الناس الخير وتذكيرهم بأيام الله، ونشر دعوتهم والالتقاء على طاعة الله.
غرس البذور
منذ الخطوات الأولى التي بدأت تخطوها جماعة الإخوان المسلمين نحو خلق أجيال تعظم حرمات وشعائر الله، وهي كانت أشد حرصًا على بث روح التربية الإيمانية في النفوس، وتعظيم شعائر الله سبحانه في قلوب الناس، التي أستطاع المحتل أن يزينها في قلوب وعيون الناس كأنها من فضائل الأعمال وليس من فرائض العبادات، ولذا حرص الأستاذ حسن البنا على تذكير الناس بمعالم الطريق في هذا الشهر الكريم، حيث لم يكتف بالخطب المنبرية أو العظات الدينية فحسب، بل عمل مع إخوانه على تزيين عظمة هذا الشهر في قلوب الناس حتى أصبحوا يتمنون السنة كلها رمضان لما عرفوه من سعة الرزق وبركة فيها وصلاح في القلب في هذا الشهر، هذه التربية الرمضانية التي خلقت جيلًا صبر على ما أوذي– سواء رجالًا أم نساء– في سبيل هذا الدين.
فيقول الإمام حسن البنا: «ها هو السحاب ينقشع، والغيم ينجاب ويتكشف، والسماء تبتسم عن غرة الهلال كأنما هو قوس النصر أو رمز النور المبين، إنه هلال رمضان، الله أكبر الله أكبر، ربى وربك الله، هلال خير ورشد إن شاء الله، إنه هلال رمضان؛ شهر الأمة، وشهر الصوم، وشهر القرآن، وشهر المعاني السامية التي تفيض على قلوب من عرفوا حقيقة رمضان، واتصلوا بالملأ الأعلى فيه، وسمت أرواحهم إلى مرتبة الفهم عن الله، وما لنا لا نتحدث إلى إخواننا الكرام من بدء الإسلام عن شهر رمضان، ونطلعهم بخطرات النفس وخلجات الفكر، وهو شهر تفكره إضافة عميقة».
ثم أكد على الجوانب التربوية في هذا الشهر فقال:
«وبقي بعد كل أولئك جماعة آخرون، أدوا ما أمرهم الله به من صلاة وصيام وتلاوة وقيام ومسارعة إلى الخيرات وإحسان وصدقات، ولكنهم لم يقفوا عند ظواهر الأعمال؛ بل فهموا عن الله فيها، وعرفوا ما يراد بهم منها، وتغذت بصائرهم إلى لباب أسرارها، فعرفوا لرمضان معنى لم يعرفه غيرهم، وفازوا بربح لم يفز به سواهم، واكتسبوا منه تزكية النفوس وتصفية الأرواح، وأولئك ذؤابة المؤمنين وصفوة العارفين.
فهموا من فريضة الصوم وآداب القيام أنهم سيتركون الطعام والشراب، ويقللون المنام، ويحرمون الجسوم هذه الثلاثة، وهي مادة حياتها، وقوام نشاطها؛ وإذن فليختفِ شبح المادة، ولينهزم جيش الشهوات، ولتتغلب الإنسانية بمعانيها السامية على هذا الجسم الذي احتلها من قديم؛ فعطل حواسها، وكتم أنفاسها، وأطفأ نورها، وكبلها بما زين لها من زخرف الشهوات وزائف اللذائذ». ([1])
ويظل الإمام البنا يغرس بذور التربية العملية فيقول: «فالقاعدة الأساسية في العبادة المتقبلة الكاملة: النية الصالحة الفاضلة والإخلاص فيها لرب العالمين، ]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ [البينة: 5].. والقاعدة الثانية: دفع الحرج والعسر وإيثار السهولة واليسر؛ فليس في تكاليف الإسلام وعباداته ما يشق على العابدين أو يرهق نفوس المكلفين: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 7].. والقاعدة الثالثة: أن لهذه العبادات آثارها العملية النافعة في حياة الفرد والجماعة، وليست مفروضة لمجرد التعبد والطاعة».
ثم حث الحكومات على الأخذ بالشدة مع المفطرين بدون عذر فيقول: «ولنا بعد ذلك مع الحكومات الإسلامية كلمة، هي النصيحة التي لا مفر منها ولا معدى عنها: لماذا لا تعتبر الإفطار في نهار رمضان جريمة كجرائم الإخلال بالنظام والآداب العامة، وتضع من القوانين ما يردع المفطرين، ويصون حرمة هذا الركن من أركان الدين؟ ولا يكفي أن تصدر الوزارات منشورًا تقليديًا للموظفين باحترام شهر رمضان، وتنصح بعدم التجاهر ببعض أنواع العصيان، ثم لا تتبع ذلك بالرقابة الزاجرة والعقوبة الرادعة» ([2]).
حاول الإمام حسن البنا أن يحث النفوس على علو الهمة في هذا الشهر وعدم الانشغال عنه بملاهي الدنيا وشهواتها، وأن يعمد المسلم على التدرب فيه ليعلو بنفسه عن دناءات الدنيا، فيقول الإمام البنا: «وحسب المؤمن أن يتدرب تدريبًا عمليًا على قوة الإرادة، ومضاء العزيمة؛ ليكون عضوًا نافعًا في الحياة، وإنسانًا صالحًا في المجتمع؛ فإنما يؤتى الناس أكثر ما يؤتون من ضعف النفوس، ورخاوة العزائم، وانحلال الإرادات، والتقيد بقيود الوهم، والوقوف عند رسوم العادات، ويوم يتحرر الإنسان من قيده وهمه، وسلطان عادته ويملك أمر نفسه، يكون قد ملك بذلك كل شيء»([3]).
ثم وجه رسالته للمفطرين متسائلًا عن الأسباب التي تدفعهم للإفطار، فيقول: «أيها المفطرون في رمضان عامة، والمجاهرون بالفطر خاصة، لماذا تفطرون؟
إن صوم رمضان فريضة إسلامية وشعيرة اجتماعية للوطن الإسلامي، وأمر رباني كريم لا جدال فيه: {فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، وأعذار الفطر معروفة من مرض أو سفر أو عجز، ومع وجودها يجب على المفطر أن يستتر بفطره، وألا يجاهر به أمام الناس سدًا للذريعة ودفعًا لسوء الظن، ومع قيام بعض الأعذار؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].
أيها الإخوة الضعفاء المفطرون والمجاهرون بالفطر:
«عودوا إلى أنفسكم، وأنيبوا إلى ربكم، واندموا على ما فرطتم، وصوموا شهركم، وسلوا الله-تبارك وتعالى- أن يوفقكم وأن يغفر لكم، وهو فاعل إن شاء الله إذا علم الصدق منكم، وهو العليم الخبير» ([4]).
وفي خضم هذا الفيض الإيماني لا ينسى الأستاذ البنا البلاد الإسلامية والمعاناة التي تقع عليها من جراء المحتل فيقول: «وفى رمضان اليوم.. تشغل قضايا العالم العربي والإسلامي كل قلب وكل نفس، من المحيط الهادي إلى الدار البيضاء، لقضية إندونيسيا وقضية الباكستان وقضية فلسطين وقضية اليمن والجزيرة العربية وقضية وادي النيل وليبيا وقضية المغرب العربي.. كل هذه القضايا تحتل كل نفس، وتشغل كل بال، وتدور مع كل خاطر، ويعرض الكثير منها على الهيئات الدولية، فتتذكر قول الفرزدق رحمه الله ورحم أيامه:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
ولكن لا بأس فالدنيا دول، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
فيا أيها العرب والمسلمون، وأنتم آلاف في رمضان شهر الذكريات، راجعوا صفحات هذا التراث المجيد، وأعدوا أنفسكم من جديد؛ لتخطوا في كتاب الوجود صفحات أخرى كالتي خطها آباؤكم من قبل في سبيل الحق والمجد والسلام، والله معكم» ([5]).
ولم يتوقف جهود الإمام البنا على الكتابة والخطب، بل حرص أن يتعايش مع الناس في هذا الشهر الكريم، فمن ينظر لزيارات الإمام البنا يدرك أن معظمها تم في شهر رمضان ومنها زيارته في شهر رمضان 1352هـ الموافق يناير 1934م لبعض الشُّعَب في الشرقية والجيزة، ومنها زيارة بنو قريش شرقية وزيارته إلى شعبة القبابات بالصف جيزة.
فقد حظيت بنو قريش بزيارة فضيلة المرشد العام لجمعيات الإخوان المسلمين يوم الخميس 11 من رمضان سنة 1352هـ الساعة 7 والدقيقة 20 مساء، وكان فريق من الإخوان بانتظاره خارج البلد، وعند وصوله أدى فريضة العشاء وانتقل إلى مكان الحفلة الذي أعد من قبل، وكان مكتظًا بالأهلين، فتكرم فضيلته وألقى عليهم عظة مؤثرة» ([6]).
وكذلك أخذ رأي الأعضاء على أنه في خلال شهر رمضان المعظم سيقوم أعضاء لجنة الوعظ والإرشاد بجولات في ربوع البلاد، جاعلين نصب أعينهم محاربة البدع وإصلاح الخلاف بين العائلات الريفية، وتنشيط تحفيظ القرآن بين التلاميذ وإنشاء معهد خاص بذلك في كل شعبة متى كان ذلك ممكنًا ([7]).
ويبزغ هلال رمضان مؤذنًا بميلاد الشهر الكريم، فيستقبله الناس بالسعادة والاستبشار والاحتفال احتفاءً بشهر الطاعة والعبادة والجهاد والاجتهاد، ويتغنى به شعراؤنا معبرين عن ابتهاجهم وسرورهم بمقدم هذا الضيف الذي ينتظرونه في كل عام، لكن تظل تؤرقهم أوضاع لا يرضون عنها في أوطانهم، سواء كانت جراح الاستعمار والاحتلال أم جراح الانحلال الأخلاقي والاجتماعي الذي أصاب بعض شرائحه، يقول الشاعر محمد رجب البيومي مخاطبًا «هلال رمضان» من قصيدة بنفس الاسم:
أشرِق فتلك عيونُنا تَتَطَلَّعُ لم يبقَ في قوس التَّصَبُّر منزعُ
طال البُعَاد فكل صَبر يَشْتَوي وَجْدًا وكل حَشَاشَةٍ تتقطعُ
يا أيها الغيثُ المُدِلُّ بفضله عَجِّل فأنفُسُنا يَبَابٌ بَلقعُ
تنأى فتَعْتَل القلوبُ فإن تَعدْ أبصرتَ ذَابِل عُودِها يترعرعُ ([8]).
ويصف هذه الروح شاعر الإخوان محمد طلبة السعداوي فيقول:
رمضان فُقْتَ النيرين ضياء وسموت فوقهما عُلًا وسناءً
وطلعت في الدنيا تُحِيل ظلامها نورًا وتسطعُ في الدُّجَى وَضَّاءً
وغَدَوتَ في جِيدِ الزمان يتيمةً قُدُسِيَّةً تزهو سَنًى وبهاءً ([9]).
جهود على أرض الواقع التربوي
مع اتخاذ المنهجي الإصلاحي بالخطب والوعظ، اهتم الإخوان أيضًا بتخفيف العبء عن النفوس الفقيرة، حتى لا يظل حرمانهم طوال العام، فكان أول عمل عمله الإخوان في شهر رمضان، وهو افتتاح أول مسجد لهم في الإسماعيلية، يقول عبد الحكيم الخيال: وفي شهر رمضان المبارك 1248 وفي ليلة 17 منه وتفاؤلًا بغزوة بدر الكبرى، ثم افتتاح أول مسجد للإخوان المسلمين في الإسماعيلية، ثم تبعه بناء مدرسة فوق المسجد سميت (معهد حراء الإسلامي) ولما استقر العمل بالمعهد تم إنشاء مدرسة للبنات أطلق عليها اسم (مدرسة أمهات المؤمنين) ([10]).
وفي ناحية برمبال القديمة في 13 رمضان سنة 1353هـ، وكان من أهم أعمال الشُّعَب نشاطهم الزائد في تحفيظ القرآن، وقد نجحت هذه الفكرة وأثمرت كذلك المحافظة على تعليم القرآن الكريم وإنشاء معاهد لتعليم الدين على حساب جمعية الإخوان المسلمين، وإنشاء لجان خاصة في كل شعبة للإصلاح بين الناس، وتوطيد عرى الصداقة بين الأهلين وإقامة الشعائر الدينية، وتشييد المساجد والحث على ترويج جريدة الإخوان المسلمين، ومد يد المساعدة للبؤساء والمنكوبين إلى غير ذلك مما لا يحصيه عد كما هو مدون بسجل المؤتمر الخاص ([11]).
ويقول الأستاذ أحمد البس: «وسط منطقة من القرى المصرية تضم حوالى عشرين قرية، كان عملنا طوال خمسة عشرة عامًا 1939 – 1954م، كنا نعمل في بيئة انطمست فيها معالم الدين الصحيح واختلط الحابل بالنابل، وأعتقد أن ذلك كان شأن القرى كلها بمصر نتيجة للاستعمار وتفريط العلماء وانحراف الحكام، ومن هذا فإن الله تعالى قد وفقنا إلى التعرف على قلوب طاهرة ونفوس صافية ورجال صادقة، وقد زار المنطقة كل دعاة الإخوان المسلمين تقريبًا، وفي مقدمتهم الإمام الشهيد حسم البنا مرتين، والإمام حسن الهضيبي مرة، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ سيد سابق، والأستاذ عبد الحكيم عابدين، والأستاذ سعيد رمضان، والشيخ عشماوي أحمد سليمان وغيرهم كثير.
وتم بفضل الله تعالى ما يأتي:
- توزيع الفطور في شهر رمضان ابتداء بخمسين صائمًا كل يوم، زادت على ذلك كثيرًا في إدارة المنطقة كلها وكان كثيرًا من الشُّعب يقوم بهذا الأمر الكريم في رمضان.
- إقامة حفلات تمثيلية توضح الغزوات والفتوحات الإسلامية كغزوة بدر الكبرى، وكانت تُجلَب لها الملابس من دار الأوبرا بالقاهرة، والكهرباء والمسرح من طنطا.
ويضيف: قضينا رمضان في عام 1954م حيث كنا نعمل في عملنا الذي نتعيّش منه إلى الظهر، ثم نصليه ثم نضطجع أو نقضى بعض المصالح الضرورية، ثم نصلى العصر ثم نقوم بإعداد أو نشترك في توزيع الغذاء على الفقراء حتى يجئ المغرب، فنأكل من غير امتلاء ونصلى المغرب فورًا ونستمع إلى الدرس حتى العشاء، فنصليها ومعها التراويح والوتر، وذلك في مسجد مبسط مقام بالخشب والبوص، وقد اعتدنا في صلاة التراويح أن يقرأ الإمام جزءًا من القرآن الكريم كل ليلة في ثمان ركعات غير الوتر، ثم نتذاكر أحوالنا وأحوال الإسلام أو نقوم ببعض الزيارات في القرية أو في القرى المجاورة، أو نستقبل الزوار أو أصحاب القضايا؛ ثم نتوجه لبيوتنا فنتناول السحور، ثم نذهب إلى المسجد فنستمع إلى درس آخر، ونصلى الصباح ثم نضجع قليلًا ثم نقوم إلى أعمالنا. وهكذا انتهى رمضان موفور الخير والبركة» ([12]).
استمرت جهود الإخوان في رفع المعاناة عن المجتمع، حيث نشط أيضًا قسم الأخوات المسلمات، ونافسن على عمل الخير في شهر رمضان ومساعدة الفقراء، حيث افتتحوا صندوقًا للتبرعات المالية والعينية لهذا الغرض، وكانت ترسل التبرعات باسم: رئيسة قسم الأخوات المسلمات شارع إسماعيل باشا سرى بالمنيرة رقم 16
حيث كانت هذه الدار تقوم على:
1- مساعدة أسر الفتيات وبعض العائلات الفقيرة من كساء وعلاج وتقديم إعانات مالية.
2- إطعام الفقراء في شهر رمضان.
3- توزيع أغطية ملابس على العائلات الفقيرة في الشتاء وفي المواسم والأعياد.
4- المساهمة في الإرشاد الاجتماعي والوعظ عن طريق المحاضرات.
5- القيام بالإصلاح بين السيدات في البيوت.
وهذا بجانب مهمتها الأولى الرئيسية وهي تنشئة جيل تنشئة عملية إسلامية صحيحة ([13]).
كما باشر قسم البِرِّ في مدينة دمنهور نشاطه، وبدأ يمد الأسر المحتاجة بالمعونة المالية، ويقيم الولائم لإطعام الفقراء في المناسبات وخاصة شهر رمضان.
جهود برلمانية
لم يتوقف جهود الإخوان في الإصلاح على فترة معينة بل استمرت هذه الجهود لتوفير الجو الإيماني للناس ليظفروا بروح إيمانية عالية في هذا الشهر.
يقول الشيخ يوسف البدري في برلمان 1987 عن الشريعة وما قام به مع الإخوان في البرلمان: «لقد تناقشت في ذلك مع الدكتور رفعت المحجوب، في الأسبوع الماضي، واتفق معي، وقلت إننا سنكون في المجلس معارضة هادئة لينة إذا أردنا أن نقسو على شخص فإن أقصى كلمة يمكن أن نقولها هي: فلان... سامحه الله، واستدرك بقوله: وسأطالب- أيضًا- برفع جلسات المجلس أوقات الصلاة، وبتعديل برامج الإذاعة والتليفزيون في شهر رمضان الكريم، وسأطالب بزحزحة الفوازير وبرامج الترفيه حتى يتسنى للناس تأدية صلاة التراويح، وهذا مطلب مؤقت إلى أن يتم تعديل البرامج ككل، ويختم الشيخ يوسف البدري كلامه قائلًا: إن الدعايات الخارجية تهول من صورة الإخوان، وهذه أشياء لا نحب أن نسمع لها ولا نعطيها أذنًا»([14]).
ويضيف محمد الطويل: «فالإخوان أشاروا إلى ضرورة تأكيد السمة الإسلامية لشهر رمضان المعظم، وطالبوا بإرجاء عرض فوازير رمضان الاستعراضية إلى ما بعد صلاة العشاء والتراويح؛ فاستجاب الوزير، وزاد على ذلك أن الفوازير قد اكتسبت شيئًا من الحشمة والوقار».
وطالب الإخوان بمنع ما يثير الغرائز من قبلات حارة في المسلسلات التليفزيونية؛ فألغى الوزير القبلات من 500 ساعة درامية (مسلسلات)، ورفض الوزير أيضًا إعلانات فيها من الإثارة الجنسية، وبذلك خسر التليفزيون بعض الملايين من الجنيهات، وزاد الوزير مساحات البرامج الدينية والمتنوعة في التليفزيون والإذاعة، ولكنه يرى ضرورة إرضاء وإشباع معظم الأذواق.
ويلتمس الإخوان كل مناسبة لتوجيه الإعلام للاتجاه الإسلامي؛ لخلق وتهيئة مناخ عام إعلامي يتقبل تطبيق الشريعة الإسلامية بيسر وبدون عسر ([15]).
الجانب الثقافي
اهتم الإخوان بتزكية القلوب والارتقاء بالنفوس عن طريق المحاضرات وإقامة الاحتفالات التي يتبارى فيه الدعاة لتزكية النفوس.
ومن نماذج ما تم في حفلات الإخوان في إحياء المناسبات الإسلامية؛ احتفال الشعبة البحرية بالمنيا بليلة القدر، وقد أقيمت مكبرات الصوت على أعلى الدور ليسمع أهل المنيا كل ما يقال في هذا الحفل المبارك، وافتتح بآي الذكر الحكيم، ثم أعقبه الشيخ عبد الحكيم رضوان، ثم تلاه فضيلة إسماعيل حمدي واعظ المنيا، وكان يتقدم الخطيب مقرئ من مشاهير القراء يتلو آيات القرآن الكريم.
كما قامت منطقة دشنا بإطعام مائتي فقير في شهر رمضان في أيام الجمع، واحتفلت شعبة سنهور المدينة بدسوق بليلة القدر، كما احتفل قسم الطلبة بشهر رمضان المبارك، وجمع هذا الحفل عددًا غفيرًا من طلاب الأقاليم الذين حرصوا على سماع الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين ([16]).
أما في سوهاج فلم يكتفوا بالمحاضرات في دار الإخوان المسلمين؛ بل وزعوا وعاظهم وخطباءهم على مساجد المدينة، يعقدون فيها المحاضرات في أيام محددة من الأسبوع؛ حتى أصبح في كل ليلة من ليالي رمضان محاضرة في مسجد أو اثنين في المدينة ([17]).
ويقول الأستاذ علي أبو شعيشع عن تربيتهم في السجون: «حينما أقبل شهر رمضان؛ وضع له الإخوان برنامجًا حافلًا نظامه كالآتي:
- تقوم كل مديرية بملازمة المصلى ليلة في الشهر بعد صلاة القيام، تتعبد وتتهجد وتدعو بالخير للإخوان، وبالمصائب على رؤوس أعداء الإخوان، ثم توقظ الإخوان للسحور، ثم صلاة التهجد، ثم صلاة الصبح، وبعدها يدخل الجميع الحجرات للنوم.
- تقوم كل مديرية بإعداد حفل مسائي مرة كل شهر بعد صلاة القيام، يدعى إليه بقية إخوان المديريات، تقدم فيه المرطبات في صفائح محاطة بالخيش، وتخصص نوبتجي لرش الماء على الخيش للتبريد، ثم يتلو الشيخ سرور «مقرئ الخاصة الملكية» القرآن حتى ساعة متأخرة من الليل وبعدها السحور ([18]).
ولم يكتف الإخوان بالمناسبات الإسلامية فقط لإقامة الاحتفالات، بل انتهزوا كل فرصة يمكن أن يتحقق من خلالها الهدف المنشود من الاحتفال، وهو نشر مبادئ الإسلام والتعريف بدعوة الإخوان.
كما اهتم الإخوان بالإفطارات العامة التي تجمع الناس على الفكرة الإسلامية، يقول الدكتور هشام العوضي: «وتعطي النفقات المركزية عند الإخوان نشاطين أساسيين، هما حفل إفطار رمضان الذي تقيمه الجماعة سنويًا، وحملات الدعاية الانتخابية في بعض المحافظات الكبيرة مثل القاهرة والإسكندرية.
كما كانت اللجنة الاجتماعية تقوم بجمع أموال الزكاة ما أمكنها خاصة في شهر رمضان وتوزيعها على الفقراء، وبعض المساجد كانت تنظم في الشتاء حملات تطلق عليها اسم (معونة الشتاء) بحيث تجمع الملابس والأغطية من ميسوري الحال وتوزعها على الفقراء والمحتاجين» ([19]).
أثر المنهج التربوي الرمضاني
لقد نشط الإخوان في ترسيخ مبادئ العناية بالطاعات وتعظيم شعائر الله للمناسبات الإسلامية، حتى كان لهم أثر واقعي، ومن ذلك أن وافقت الحكومة على حظر تناول الخمر والمشروبات المسكرة خلال شهر رمضان وكانت البداية بمنطقة القنال، حيث أصدر فؤاد باشا شيرين الحاكم العسكري للمنطقة قرارًا يحظر على كل مسلم تناول هذه المشروبات خلال شهر رمضان في الطرقات العامة، أو المحال التي يرتادها الجمهور كـ: المقاهي، والبارات، والنوادي، ومحلات البقالة وغيرها، أو أن يحملها في الطريق العام سواء أكانت في زجاجات أم بأي طريقة أخرى، كما لا يجوز أن يشتري شيئًا منها بنفسه أو بواسطة آخرين، ومحظور على المحال السابقة بيع هذه المشروبات لأي مرتاد يعلمون أنه يدين بدين الإسلام، ومن يخالف ذلك سوف يعاقب بغرامة لا تزيد عن عشرة جنيهات، وقد أيد الإخوان هذا الإجراء معتبرين ذلك بداية يجب الاقتداء بها»([20]).
ومن أثر ذلك أيضًا ما ذكره الوزير عثمان أحمد عثمان بقوله: «وكان أن علمتنا أمي– رحمها الله– الصوم، وشجعتنا عليه، وكان شقيقي المهندس حسين عثمان يتعلم الصوم لأول مرة، وكان ذلك في أول أيام شهر رمضان المبارك، وجلس في الفصل، وأكثر من البصق في منديله، فلاحظ عليه ذلك الأستاذ حسن البنا فسأله: ماذا بك يا حسين؟ فقال: إنني صائم، ولا أريد أن أبتلع ريقي حتى لا أفطر.. فضحك الأستاذ المرحوم حسن البنا كثيرًا، وربت على كتفه، واستبدل حصة الدرس الذي كان يشرحه لتلاميذه بحصة في العبادات.. راح يشرح فيها لتلاميذه عبادة الصوم» ([21]).
لقد أحدث الإخوان نموذجًا تربويًا في صفوف المجتمع، يلمس الجميع أثره سواء في أخلاق الناس في رمضان أو مبادراتهم بالأعمال الصالحة للفقراء، لكن في ظل غياب الدعوة العملية تحول رمضان لسباق مارثوني للتنافس على تقديم أشهى الآكلات والمسلسلات.
المصادر
([1]) مجلة الإخوان المسلمون: السنة الأولى، العدد 23، 4رمضان 1352هـ / 21ديسمبر 1933م، صــ1: 3.
([2]) جريدة الإخوان المسلمين اليومية: السنة الأولى، العدد 72، صـ1 – 27شعبان 1365هـ / 26يوليو 1946م.
([3]) المرجع السابق: السنة الثانية، العدد 372، صـ1، 29شعبان 1366هـ / 18يوليو 1947م.
([4]) المرجع السابق: السنة الثانية – العدد 378 – صـ1 – 7رمضان 1366هـ / 25يوليو 1947م.
([5]) المرجع السابق: السنة الثانية – العدد 390 – صـ1 – 21رمضان 1366هـ / 8أغسطس 1947م.
([6]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الأولى – العدد 26 - 25رمضان 1352هـ / 11يناير 1934م.
([7]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 35 – 14رمضان 1354هـ / 10ديسمبر 1935م.
([8]) مجلة الإخوان المسلمين، العدد (41)، السنة الثانية، 23شعبان 1363ﻫ/ 12أغسطس 1944م، ص (15).
([9]) محمد طلبة السعداوي: من وحي الدعوة، دار القبس للنشر والتوزيع، 1991م.
([10]) محمد عبد الحكيم خيال، ومحمود محمد الجوهري: الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، الإسكندرية، 1980م.
([11]) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، صـ187.
([12]) أحمد البس: الإخوان المسلمون في ريف، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1987م/ 1407هـ، صـ 105.
([13]) جريدة الإخوان المسلمين اليومية: العدد 719 السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367هـ- 5/9/1948م، ص (29).
([14]) محمد الطويل: الإخوان في البرلمان، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الثانية يناير 1994م، صـ 135.
([15]) محمد الطويل: المرجع السابق، صـ 155.
([16]) جريدة الأقاليم – السنة العاشرة – العدد 446 – صـ3 - 1شوال 1364هـ / 7سبتمبر 1945م.
([17]) جريدة الشفق – السنة الثالثة عشرة – العدد 532 – صـ14 – 3رمضان 1363هـ / 22أغسطس 1944م.
([18]) علي أبو شعيشع: يوميات بين الصفوف المؤمنة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، طـ 1، 2000م.
([19]) هشام العوضي: صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك 1982 – 2007م، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (74)، صـ 120.
([20]) مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (43)، السنة الثانية، 21رمضان 1363ﻫ/ 9سبتمبر 1944م، ص (5).
([21]) عثمان أحمد عثمان: صفحات من تجربتي، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1981م، صـ354، 355.
.