[ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت»] (أخرجه أحمد (5/ 287) عن ثوبان).
بهذه الكلمات التي سطرها نبي هذه الأمة ﷺ وضع الأمور كلها بيد الله سبحانه، ومن حاد عنها خوفه الله من كل شيء.
لقد حثتنا كلمات رسول الله ﷺ على غرس معاني الثقة في نفوس أبنائنا وبناتنا ولا نستثني أنفسنا، خاصة في ظل الظروف التي تعيشها الأمة من تكالب الجميع عليها وطغيان سمات الظلم وعلوها؛ مما جعل القلوب تصاب باليأس أحيانًا أو بالإحباط أحيانًا، حتى بدأنا نسمع كلمات تصدر من قلوب قانطة لما أصابها، ومما تراه وتشاهده وتسمعه.
في وقت حورب فيه الدعاة والمربين، وتكالبت على الأسرة السهام من كل الجوانب تطعن في صحيح دينها، وصميم تربيتها، وصدق قول المصطفى ﷺ: «يِأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الْقَابِضُ عَلَى دينه كالقابض على الجمر» رواه الترمذي.
نعيش وتعيش أجيال كثيرة في ظل حرب ضروس على كل ما هو إسلامي، فضاع الشباب، وانتُهكت الحُرمات، وغُيب العدل، وارتفع الباطل، وانتشرت الكآبة والإحباط، وانعدمت الثقة.
ولهذا لا بد من وضع أسس قويمة لزرع بذور الثقة بالله في نفوسنا، لتنبت يقينًا فيما وعد الله به سواء تحقق هذا الوعد في حياتنا أو بعد مماتنا، لكن يموت المرء وهو متيقن بتحقيق وعد الله.
قيل لإبراهيم بن أدهم ما سر زهدك في هذه الدنيا فقال أربــع: «علمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فاطمأن قلب؛ وعلمت أن عملي لا يقوم به أحد سواي فانشغلت به؛ وعلمت أن الموت لا شك قادم فاستعددت له؛ وعلمت أني لا محالة واقف بين يدي ربي فأعددت للسؤال جوابًا».
يُمكن أن يُجمعَ الإيمانُ كُلهُ في كلمة واحدة، أنكَ واثقٌ مما جاء في القرآن الكريم، تضعُ الدنيا تحتَ قدميك، تضعُ كّلَّ مباهج الدنيا تحتَ قدميك، إذا حَمَلتكَ على معصية الله أو إذا حَجَبتكَ عن الله، ولو سألتَ مؤمنًا: لماذا تُطيع الله عزّ وجل؟ لو سألت مؤمنًا صادقًا: ما الذي يحمِلكَ على طاعتهِ؟ يقول لكَ: لأنني مُتصلٌ بهِ، وأخشى على هذه الصِلة أن تنقطع.
ولذا على كل مسلم ومسلمة أن يضع لنفسه أطرًا ربانية، وسطورًا محمدية؛ لتحقيق هذا المعني في القلب والعقل، ومنها:
- التعرف على الله سبحانه ومعرفته حق المعرفة والإيمان بعظمته سبحانه.
- الحديث الدائم معهم أن الله موجودٌ وقادر؛
فالإنسان مجبول على حب المعرفة وكل جديد، وكما قال الله تعالى: {وَذَكِّر فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}، فوجب علينا دائمًا تذكير وترديد معاني وكلمات أن الله موجود، وهو قادر ومقتدر وقدير.
- كوني أم موسى بثقتها؛
لقد كانت أم موسى وقت ولادته في أشد الجزع والخوف والرعب، لكنها تحولت بعد نداء الله لها لثقة مطلقة، وهذا ما هو مطلوب منا غرسه، خاصة أننا نتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (القصص: 7)، فجاء بعدها: {فرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (القصص: 13).
- قراءة قصص الأنبياء والصالحين؛
لقد بعدت الأجيال عن التعليم الصحيح، وانشغلت بوسائل التواصل الاجتماعي عن القراءة؛ خاصة سير الأنبياء والصالحين، والتي تغرس المعاني التربوية في النفوس والوجدان ولذا لا بد أن نوفر مناخًا طيبًا لقراءة مثل هذه السير أو قَصِّها على أبنائنا وأحبابنا بين الحين والآخر، وترجمتها واقعيًا على الأرض بثقتنا في الله المطلقة.
- التربية على كثرة الذكر والاستغفار؛
فالقلوب الميتة لا تستطيع أن تتشرب معاني الثقة في الله ووعوده، ومن ثم ستُلقى بالعجز على الأحداث والأشخاص، وتتناسى أن الله هو المدبر وهو عالم الغيب، ولهذا وجب علينا أن نوطن أنفسنا وأبنائنا ومن حولنا على كثرة الذكر والاستغفار؛ حتى تحيا القلوب وتهتف بثقتها في الله سبحانه: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55].
- التعرف على أسماء الله وصفاته؛
فهي تجعل المسلم في طمأنينة وراحة نفسية، ولا يتسرب اليأس إلى نفسه أبدًا؛ لإيمانه بأن الله لن يتركه، حتى وإن تخلى عنه جميع البشر، فالكون وجميع ما فيه من مخلوقات يجري بأمر الله، ويسير وفق قضائه وقدره، فلا نفعٌ ولا ضُرٌ إلا بيد الله، ولسان حاله المسلم يقول: {قُل لَّن يُّصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} (التوبة:51).
- الالتزام بالطاعات؛ فلا أحبّ إلى الله سُبحانهُ وتعالى من أن تتقرّب إليه بالفرائض ثُمّ بسائر العبادات النافلة، وفي الطاعة والعبادة وخُصوصًا الصلاة تتقوّى العلاقة بين العبد وربّه، وتمتدّ حبال الرحمة والمحبّة من السماء إلى الأرض، فتكون موصولًا بخالقك وقريبًا من ربّك، ومن دنا من ربّه جلّ جلاله فقد أضحى على قوّة في اليقين وثقة به.
- التفكّر في خلق الله من حولك؛
فالتفكير يحيى القلوب؛ والتعايش مع معاني كيف أنّ الله سبحانه يُحيي ويُميت، وكيف يخلق من العدم ويرزق بلا حساب، وكيف خلق السماوات بنجومها وكواكبها لا تحيد ولا تميد، وكلّ ما تراه حولك في هذا الكون الواسع وفي الأرض التي تعجّ بالحياة أدلّة على وجود خالق عظيم وحكيم، وهذا الخالق هوَ الله جلّ جلاله الذي يجب أن تؤمن به وتثق بقُدرته.
- العبادة الخالصة لوجه الله تعالى تزيد حتمًا من ثقة الإنسان بربه؛ فهي تُدخل طمأنينة لا نظير لها إلى قلب المؤمن، ولنا في أولئك الأشخاص الأبطال الذين عُلِّقت مشانقهم أمامهم إلا أنهم أصرّوا على أن يصلّوا ركعتين قبل أن يشنقوا، وكيف أنهم اطمأنوا لقضاء الله تعالى وقدره بفضل هداية الله لهم إلى هذا الإيمان العجيب.
إن الإنسان مطالبٌ بالعمل على تحقيق اليقين في قلبه، لنيل الثقة فيما تَعَلَّمَ وقَرَأ؛ فاليقين إذا وُجد في القلب؛ وُجدت الثقة فيه، فالثقة تُوجد إذا وُجِدَ اليقين في القلب، ولذلك لا ثقة من غير يقين.
.