الإخوان المسلمون والعناية بالتربية العملية للفتيات على القيم والأخلاق الإسلامية

من أخص خصائص التربية القرآنية أنها تؤصل روح التميز التام للأمة المسلمة في القول والعمل وكل نواحي السلوك.. تميزًا يبتعد بها عن كل تشبه بغيرها من الأمم المخالفة لها في العقيدة والخلق والاتجاه في كل شأن يمس وجودها المتفرد وأوضاعها الاجتماعية وطابع شخصيتها العامة.

والشعور بالتميز يصون في الأمة مقومات وجودها، ويقيم لها كيانًا راسخا صلبًا، لا يعتريه تصدع أو ينفذ إليه ضعف أو خلل، مادام هذا الشعور مستندًا إلى الحق، منبثقًا من جوهر العقيدة وأصولها الثابتة، متصلًا بالشريعة وأحكامها بأوثق صلة.

ولذا تعد التربية الإسلامية من أحد الأمور الهامة للغاية والمؤثرة في حياة الأبناء خاصة البنات، فإنهن نعمة من نعم الله- عز وجل علينا، متى قمنا بما افترضه الله علينا من الإحسان إليهن، فقد لا يدرك بعض الآباء قَدْرَ المهمة العظيمة التي يقومون بها عند تربية بناتهم، وقَدْرَ الرسالة السامية التي يحفظون بها القيم والأخلاق في المجتمع المسلم إن أحسنوا تلك التربية فضلًا عن الأجر والثواب المرجوين لأنها قربى إلى الله سبحانه.

وفي دراسة خاصة «للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية» للباحث عبده دسوقي حول «قسم الزهرات وبذور التنشئة» يوضح فيها عناية الإسلام بالمرأة منذ نعومة أظفارها، ويستشهد بأدوار جماعة الإخوان المسلمين في تربية الفتيات الزهرات والعناية بهن وإعدادهن لخوض غمار الحياة مع الحفاظ على القيم والأخلاق الإسلامية.

 

الإسلام والزهرات

لقد عنى الإسلام بالمرأة منذ ساعة ولادتها ووصى بالعناية بها، وهدم ثوابت وقواعد الجاهلية التي كانت تستقبل بالنفور والمقت والاشمئزاز والتشاؤم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (الزخرف58- 59) فجعل ولادة المرأة تفاؤلًا وخيرًا وبشرى؛ قال ﷺ: «مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها ولم يُؤثرْ ولَده عليها يعني الذكَرَ أدخلَه اللهُ بها الجنةَ» (مسند الإمام أحمد بن حنبل)، فغَيَّر الله مفهوم الجاهلية نحو البنت من النظرة الحقيرة إلى النظرة الإنسانية الخَيِّرَةِ الطيبة، واعتبر تبكير الأم بالبنت يُمْنًا وبركة.

يرى الإسلام وجوب تهذيب خُلِقِ المرأة وتربيتها على الفضائل والكمالات النفسانية منذ النشأة، ويحث الآباء وأولياء أمور الفتيات على هذا ويعدهم عليه الثواب الجزيل من الله ويتوعدهم بالعقوبة إن قصروا.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة» رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحة.

وعن ابن سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان أحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة» رواه الترمذي واللفظ له وأبو داود إلا أنه قال (فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة).

ومن حسن التأديب أن يعلمهن ما لا غنى لهن عنه من لوازم مهمتهن كالقراءة والكتابة والحساب والدين وتاريخ السلف الصالح رجالًا ونساءً، وتدبير المنزل والشئون الصحية، ومبادئ التربية وسياسة الأطفال، وكل ما تحتاج إليه الأم في تنظيم بيتها ورعاية أطفالها.

وفي الحديث الصحيح: «كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته» أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر.

 

الزهرات في خلد الإخوان

اهتم الإخوان بكل أطياف المجتمع حيث سعوا حثيثا لغرس بذور التربية من المهد، ومن المواقف العجيبة التي تؤيد ذلك ما ذكره الحاج فرج النجار: «فهدانا الله إلى أن نذهب إلى صرَّاف البلدة الذي يسجل مواليد القرية، ونعطي له بعض المال ونأخذ منه أسماء مواليد القرية في هذه السنة كاملة، وتم ذلك بالفعل وأخذنا الأسماء والمولد والعنوان والسن ونوع المولود، وكنا حوالي عشرة طلاب من الإخوان، فقسمنا هذه الأسماء إلى حارات، ووزعنا هذه الحارات علينا، وأعددنا برنامجًا لكل أخ، وهو أن يذهب إلى البيت ويسأل عن هذا الطفل وعن صحته ويعرض عليهم بعض الخدمات ويقول لهم: إن احتجتم شيء فنحن الإخوان المسلمون جاهزون لأية مساعدة فكان الأهالي يتعجبون من ذلك، وكنا كل أسبوع نذهب لزيارة المولود والاطمئنان عليه([1]).

ولقد كان جل اهتمام البنا منذ نشأة الجماعة بتربية الفتاة تربية إسلامية وحث الأهالي على ذلك، بل سخر بعض إمكانات الجماعة من أجل هذا الهدف ليقينه أن البيت المسلم عماده المرأة المسلم والتي يجب أن يُعتنى بها منذ صغرها.

يقول الأستاذ حسن البنا: «وإنما يكون كمال المرأة ورُقِيِّهَا إذا استطاعت أن تكون فتاة عفة طاهرة، راجحة العقل، نبيلة العاطفة، سامية الغاية والمطمح، صحيحة الجسم والروح، وزوجًا مخلصة وَفِيَّةً، يجد فيها زوجها ما يملأ فراغ قلبه ويصل إلى مقر الطمأنينة من نفسه، ويدبر شئون الحياة في بيته، وأمًا برة صالحة تقدم للإنسانية رجالًا فضلاء، ذاك هو كمال المرأة الصحيح الذي إذا وجدت السبيل إليه فقد وفقت إلى كل خير.. فما الوسائل إلى هذه الغاية؟([2]).

كما كتب برسالة لوزير المعارف، يحث الوزارة على الاهتمام بالدين والتربية الإسلامية للحصول على نتائج أفضل وسط المجتمع خاصة محيط الفتيات فقال فيها: «يا معالي الوزير: إن الاعتناء بأمر الدين من شأنه تخريج موظفين مخلصين للحكومة والأمة معًا، أمناء على الأموال والأعراض والحقوق، وتخريج فتيات مهذبات وفتيات مدبرات للمنازل، حافظات للغيب صالحات لتربية أولاد المستقبل، معاونات للأزواج على مشاق الحياة»([3]).

ويقول: «إن العلاج تربية الفتيان والفتيات تربية إسلامية عفيفة طاهرة، ومصادرة هذا الداء الوبيل من الصحف والمجلات والروايات والكتابات والمسارح والسينمات والإذاعات الهازلة الضئيلة المثيرة التي تستغل في الناس أخس مشاعرهم وأحط غرائزهم. ومقاومة هذا التيار من التبرج والاختلاط ومفارقة البيوت والخدور للتسكع في الحدائق والمصايف والمتنزهات وعلى الشواطئ وفى البلاجات. وتحريم هذه الوسائل الخسيسة التي تُيَسِّرُ على الشباب مقاصدهم بغير تبعة ولا رقابة ولا حساب. ثم تشجيع الزواج وتيسير سبيله على راغبيه وإقناعهم بالغاية الصحيحة منه، وإفهامهم أنه شركة على احتمال أعباء الحياة، لا جنة يجب أن تكون محفوفة بالروح والريحان ومغمورة بالمشاعر الملتهبة والعواطف الثائرة الحائرة، وتعريف كل من الزوجين حقه وواجبه في حدود قول الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228]. فلا يكون بعد ذلك إلا إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان([4]).

وأفاض محمد حلمي نور الدين عضو مكتب الإرشاد بقوله: «دعونا نعلم الفتاة الاعتزاز بكرامتها دعونا نحافظ على شرفها أن يثلم، وعرضها أن يهتك، وحجابها أن يتبذل، وإذا كانت دعوتكم قد نجحت بعض النجاح فوجدت من بعض فتياتنا آذانًا مُصْغِيَةً فلا شك من أنهن سَيَفِقْنَ من غشيتهن ويرجعن عما هن فيه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17] ([5]).

وكتبت السيدة لبيبة أحمد أول مسئولة لقسم الأخوات عام 1933م: «يا بناتي وأخواتي:

إن الأمة كما ترون في تدهور خُلُقِيّ وخلل اجتماعي، بدت أعراضه في كل مظهر من مظاهر الحياة: في المنزل وفي الشارع، وفي المصنع وفي المتجر، وفي كل بيئة وفي كل وسط، ودوام هذا الحال يؤدي بنا إلى أوخم العواقب وأحط النتائج.

وأساس إصلاح هذه الأمة إصلاح الأسرة، وأول إصلاح الأسرة إصلاح الفتاة، لأن المرأة أستاذ العالم، ولأن المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها.

وإن على الفتاة المسلمة أن تفهم أن مهمتها من أقدس المهمات، وأن أثرها في حياة أمتها أعمق الأثر، وأن في مقدورها أن تصلح الأمة إذا وُجِّهَتْ عنايتها لهذا الإصلاح.

لهذا نحن نريد أن نصلح، وأعتقد أن في تعاليم الإسلام وأحكامه، إن علمناها وعملنا بها ما يكفل بنا هذا الإصلاح المنشود، وإذن فهيا يا أخواتي وبناتي نصلح أنفسنا لنفهم الإسلام ونعمل به، ونبث تعاليمه في نفس المرأة المسلمة، فإن صلحنا صلحت بصلاحنا الأسرة وكان على ذلك صلاح الأمة جمعاء !.

 ذلك ما أردت أن أبينه لكم، منهاجنا لعملنا الذي ألزمنا أنفسنا العمل له، والله أسأل أن يوفقنا إلى ما فيه الخير لأمتنا العزيزة المُفْدَاة» ([6]).

كما كتبت مديحة عثمان مقالًا تحت عنوان (بغير بنات الخدر لن يفلح الشرق)، تحدثت فيه عن مكانة المرأة في المجتمع وأثرها في صنع الرجال، ثم قالت: «فلتروض فتاة الشرق على التمسك بأهداب الدين والتقوى، فهو ضمان الأمهات والزواج، فإن لم تُعَلَّم الابنة منذ الصغر حب العفة وكره الدنس عادة وأدبًا وجِسمًا ونفسًا؛ لا تبطئ عوامل الفساد من أن تستيقظ فيها بما ترى وتسمع حواليها، فتندفع إلى الشر فتصبح آلة للضرر لنفسها ولإضرار غيرها»([7]).

لقد اهتم المركز العام على تخريج طبقة من فتيات الأخوات وسيداتهن المثقفات ليكن واعظات ومعلمات يحملن عبء الدعوة في محيط السيدات عن الرجال بالتدريج، وحوت لوائحهم ذلك لأهمية الأمر([8]).

ومن القضايا الهامة التي اهتم بها الإخوان قضية تعليم المرأة، فقد أيدوا تعلمها غير أنهم وضعوا بعض الشروط لهذا التعليم، وذلك بأن يقتصر على العلوم التي تفيد وتناسب طبيعة المرأة والذي لا يدفعها للاختلاط بالرجال، وفي ذلك يقول الإمام البنا: «ومن حسن التأديب أن يعلمهن ما لا غنى لهن عنه من لوازم مهمتهن كالقراءة والكتابة، والحساب، والدين، والتاريخ- تاريخ السلف الصالح رجالًا ونساءً، وتدبير المنزل، والشئون الصحية، ومبادئ التربية وسياسة الأطفال، وكل ما تحتاج إليه الأم في تنظيم بيتها ورعاية أطفالها»([9]).

كما طالب الإخوان بالقضاء على نظام التعليم المشترك، وإنشاء معاهد للفتيات خاصة يتعلمن فيها شئون حياتهن([10]).

 

جهود الإخوان في رعاية الزهرة

بذل الإخوان المسلمين جهودًا كبيرة في العمل على الحفاظ على هذه الزهرة من منبتها، وكانت بدايتها مع بداية الجماعة في الإسماعيلية حينما أسس الإخوان مدرسة للبنين، وفي نفس الوقت مدرسة للبنات، يقول الإمام البنا: «بعد أن استقر العمل بمدرسة معهد حراء للبنين، فَكَّر الإخوان في إنشاء مدرسة للبنات وأُطلق عليها اسم مدرسة أمهات المؤمنين، واستأجرت لها دارًا فخمة مناسبة ووضع لها منهاجًا عصريًا إسلاميًا يجمع بين أدب الإسلام وتوجيهه السامي للفتيات والأمهات والزوجات وبين مقتضيات العصر ومطالبه من العلوم النظرية والعلمية، ورأيت أن أسلم وضع للمدرسة أن انتدب لها من فتيات الإسماعيلية أنفسهن من تخصصن بالتدريس وهن في الوقت نفسه من أهل البلد وقد كان، وانتدب لنظارتها الأخ الأستاذ الشيخ أحمد عبد الحميد، لصلاحه ودينه وتقواه وإلمامه بالدعوة»([11]).

وكان للجماعة موقف من حركات التبشير والتي انتشرت– خاصة- وسط الفتيات المسلمات، حيث سعت الجماعة في إحباط مساعي المبشرين الدنيئة، ووفقها الله إلى إنقاذ الكثير من البنين والبنات والفتيان والفتيات ممن كانوا سيذهبون ضحية هؤلاء المضللين، فقد آوت عددًا كبيرًا من هؤلاء الضحايا بعد إنقاذهم في كل المحافظات([12]).

كما قام الإخوان بفتح (مشغل جمعية الإخوان المسلمين)، فحضر من التلميذات في ذلك اليوم سبعون واحدة وأخذ العدد في الارتفاع حتى بلغ ما يزيد عن المائة تلميذة، بينهن من دخلت مجانًا تدفع ثلاثة قروش شهريًا، وقليل منهن يدفعن عن الشهر الواحد أربعة قروش أو خمسة، كل ذلك تدعيمًا للمشغل الذي نحوطه جميعًا بقلوبنا. وأملنا وطيد في النجاح بقوة الله وجهاد أستاذنا الجليل الشيخ مصطفي محمد الحديدي الطير نائب الإخوان. وما قمنا بفتح المشغل بهذه السرعة وفي أول قيام الشعب المباركة بفضل الله ورضاكم إلا حبًا في إنقاذها وأهلها من الهاوية.

ونزف إليكم الآن بكل اغتباط أن المعلمات يصلين الخمس في أوقاتها ويوالي فضيلة نائبنا تلقينهن أصول الدين القويم الحنيف في نهاية كل يوم بعد انتهاء الحصص([13]).

وكان من الوصايا التي يهديها قسم الأخوات إلى بناته وخاصة طالبات الجامعة والمعاهد:

  1. العمل للإسلام واجب مقدس، بل فرض عين على كل مسلمة وخاصة بناتنا طالبات الجامعة والمعاهد.
  2. يتحتم الآن على طالبات الجامعة والمثقفات أن يفهمن رسالة الإسلام من منبعها الأصيل: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، عن طريق القائمين بنشرها والعمل لها، ومن ضحوا في سبيلها ولا يزالون.
  3. ونظرًا لأهمية المرأة والفتاة بصفة خاصة؛ لأنها أم المستقبل ومربية القادة والزعماء المصلحين يصبح لزامًا عليها أن تحمل هذا العبء في الوقت الذي اتفقت وتعاهدت كل قوى الشر والبغي على حرب الإسلام، وكما أصبح لزامًا عليها ألا تُخدع فيمن يلبس ثياب الغيرة على الإسلام والأدعياء العاملين لصرفها عن المنهج القويم وجماعة الحق.

على كل راغبة في هذا الخير التعاون مع الأخوات المسلمات على حمل هذا العبء ونشره على أن تكون كل داعية إلى هذا الحق قدوة صالحة ونموذجا طيبًا لما تدعو إليه([14]).

ولقد رفع مكتب الإرشاد عريضةً إلى رئيس الوزراء فيه العديد من المطالب الإصلاحية، ومنها ما يخص البنات فجاء فيها:

  1. إعادة النظر في مناهج تعليم البنات، ووجوب التفريق بينها وبين منهاج تعليم الصبيان في كثير من مراحل التعليم.
  2. منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات، واعتبار خلوة أي رجل بامرأة لا تحل له جريمة يؤاخذان بها.
  3. مقاومة التبرج والخلاعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون، والتشديد في ذلك بخاصة على المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن في حكمهن([15]).

لم يتوقف اهتمام الإخوان بالزهرات على بداية تاريخ الحركة، ولكن ظل الاهتمام والعناية بهم مصحوبًا لحركة الإخوان المسلمين، وقد عاد قسم الزهرات ككيان منفصل بعد عودة الجماعة لنشاطها في السبعينات حيث أشرف عليه د/ الزعفراني.

وتقول زينب مهدي عن عمل ونشاط القسم والذي سعى لغرس التربية الإسلامية الحقيقية في نفوس الفتيات الصغيرات: «كنت أعمل في الإجازة ثلاثة أيام في الأسبوع في تحفيظ الزهراوات الصغيرات القرآن والأحاديث النبوية الشريفة في المسجد، بهدف التربية والتنشئة السليمة للجيل القادم، بالإضافة إلى عمل بعض الرحلات الترفيهية لترغيب الأطفال بالمسجد([16]).

تضيف المحامية هدى عبد المنعم: «هذا هو منهج الإخوان باختصار «التربية الصحيحة» التي تبدأ من رعاية الأشبال أو الزهرات في سن الطفولة وتخصيص مناهج شرعية وتربوية تناسب أعمارهم، مع تخصيص أوقات لاكتشاف المواهب وإقامة رحلات ترفيهية، وكل مرحلة سنية لها مناهجها»([17]).

 

آثار على أرض الواقع

كان من نتاج الحركة والعمل المتواصل في سبيل تحقيق الغاية التي عمل من أجلها الإخوان أن أثمرت زهورًا على أرض الواقع.

كان من أثر نشاط قسم الأخوات عام 1948م إنشاء أول مؤسسة اجتماعية لهن وهي (دار التربية الإسلامية للفتاة) وكان مقرها شارع قنطرة السكرة بالمنيرة، والتي تهدف إلى تربية الفتيات الفقيرات تربية إسلامية صالحة وإعدادهن إعدادًا إسلاميًا صحيحًا ليواجهن الحياة العملية.

وتذكر الحاجة فاطمة عبد الهادي نشاط المدرسة متمثلًا في:

  1. مساعدة أسر الفتيات وبعض العائلات الفقيرة من كساء وعلاج وتقديم إعانات مالية.
  2. إطعام الفقراء في شهر رمضان.
  3. توزيع أغطية ملابس على العائلات الفقيرة في الشتاء وفي المواسم والأعياد.
  4. المساهمة في الإرشاد الاجتماعي والوعظ عن طريق المحاضرات.
  5. القيام بالإصلاح بين السيدات في البيوت.

هذا بجانب مهمتها الأولى الرئيسة، وهي تنشئةُ جيل تنشئةً عملية إسلامية صحيحة([18]).

أيضًا كان من نتاج تلك الأعمال والجهود المتتالية أن قامت وزارة المعارف بتعديل برنامج التعليم الديني في المكاتب العامة وقررت ما يلي:

«تعديل برنامج تعليم الدين في المكاتب العامة ابتداء من أول السنة المكتبية الحاضرة حسب ما يأتي: في مكاتب البنين: القرآن الكريم والدين حصتان في السنة الأولى، تعطى منها محادثة في الدين وتحفيظ بعض ما يرد من الآيات الكريمة في دروس الدين للاستشهاد، مع تحفيظهم سور الفاتحة والمعوذتين والإخلاص مساعدة لهم على أداء فريضة الصلاة والطفل مأمور بها في سن السابعة، وأربع حصص في السنة الثانية، وخمس في الثالثة، وست في كل من السنتين الرابعة والخامسة، وفي مكاتب البنات تكون الحصص كما هي عليه في مكاتب البنين تمامًا.

في المدارس الأولية للبنين: القرآن حصتان في السنة الثانية، وثلاث في السنة الثالثة، وأربع في السنتين الرابعة والخامسة، ولا تعطى حصص في السنة الأولى، والدين حصتان في كل سنة من السنوات الخمس. وفي مدارس البنات يكون البرنامج مماثلًا لما في مدارس البنين»([19]).

كانت مدارس التبشير الأهلية منتشرة في الصعيد وتعمل بحرية طبقًا لقانون التعليم الحر، وفي طما بمراغة- في محافظة سوهاج حاليًا- كانت هناك مدرسة واحدة للبنات لصاحبتها (مِس هوفر) الهولندية، وكانت تجبر التلميذات المسلمات على حضور درس الدين المسيحي، وعندما سألها مفتش اللغة العربية عن ذلك قالت: «إن هولندا بعثتني لإنشاء مدرسة للبنات لنشر الدين المسيحي لا أن تنفق أموالها لتعليم الدين الإسلامي»، وكانت تأخذ بذلك إقرارًا من أولياء أمور التلميذات موقعًا عليها منهم ومؤرخة بأن لا اعتراض على حضور بناتهن درس الدين المسيحي، لكن الإخوان في هذه البلدة لم يرضهم عمليات التنصير هذه فقد تم الاتفاق بين الأستاذ محمد عبد الله السمان المدرس بمدرسة مراغة الابتدائية، والحاج أحمد لطفي المزارع من شرفاء البلد ورئيس شعبة الإخوان المسلمين بها على إنشاء مدرسة ابتدائية خاصة للبنات بطما، وقد تكفل الاثنان بذلك، وتم إيجاد الدار المناسبة لتكون مدرسة، وقد تم بالفعل إنشاء هذه المدرسة، وكان ذلك عام 1945م تقريبًا([20]).

هذا وقد نظم قسم الثانوي وقسم الزهرات بجماعة الإخوان المسلمين بشعبة شرق بمحافظة أسوان، وبالتعاون مع (جمعية رواد الكشافة والمرشدات) بأسوان و(جمعية بيت العائلة) حفلًا ترفيهيًّا بمناسبة يوم اليتيم؛ حيث اشتملت فقرات الحفل على مجموعة متنوعة من برامج الترفيه والمرح، لإدخال البهجة والفرح والسرور على الأطفال والأمهات([21]).

لقد اعتنى قسم الزهرات بالفتاة منذ ولادتها، وعمل على وضع ما يناسب سنها الصغير حتى يحببها في دينها وحجابها وخلقها الرفيع، فظهرت هذه الآثار في الفتيات في الجامعات والشوارع فكان جهدًا ملموسًا طيبًا.

 

المصادر:

([1]) حوار مع الحاج فرج النجار: موقع إخوان أون لاين، 19/ 11/ 2006م

([2]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 2 – 20محرم 1354هـ / 23أبريل 1935م.

([3]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 6 - 18صفر 1354هـ / 21مايو 1935م.

([4]) مجلة الإخوان المسلمين، العدد (35)، السنة الثانية، 27 جماد أول1363/ 20 مايو1944، ص(3، 4-18).

([5]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثانية – الأعداد 1، 3 – محرم، صفر 1353هـ / مايو 1934م.

([6]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الأولى – العدد 30 – 15ذي القعدة 1352هـ / 1مارس 1934م.

([7]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الرابعة – العدد 30 – شعبان 1355هـ / 3نوفمبر 1936م.

([8]) مجموعة لوائح الإخوان المسلمين، لائحة قسم الأخوات المسلمات 1944م، إخوان ويكي.

([9]) مجلة المنار، الجزء (10)، السنة الخامسة والثلاثون، 1شعبان 1359ﻫ/ 4سبتمبر 1940م، ص (35-43).

([10]) مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (56)، السنة الثالثة، 21ربيع الآخر 1364ﻫ/ 4أبريل 1945م، ص (20).

([11]) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، صـ 119.

([12]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الخامسة – العدد 4 – 2من ربيع الثاني 1356هـ / 11يونيو 1937م.

([13]) مذكرات الإمام حسن البنا، مرجع سابق، صـ 136.

([14]) محمود محمد الجوهري ومحمد عبد الحكيم خيال: الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، ربيع ثان سنة 1400- مارس 1980

([15]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الرابعة – العدد 39 – 22شوال 1355هـ / 5يناير 1937م.

([16]) موقع لهن بيت المرأة العربية، رابط الموضوع goo.gl/yF3yEX

([17]) الأهرام: الجمعة 14 من شعبان 1432 هـ 15 يوليو 2011 السنة 135 العدد 45511

[18]) جريدة الإخوان المسلمون اليومية: العدد 719 السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367هـ- 5/9/1948م، ص (29).

([19]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 22- 12جمادى الآخرة 1354هـ / 10سبتمبر 1935م.

([20]) محمد عبد الله السمان: أيام مع الإمام الشهيد حسن البنا، دار الفضيلة، 2003م، ص (62-63).

([21]) صحيفة الفجر: الخميس 11/أبريل/2013م.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم