Business

حنان عطية تكتب: احترام المعلم.. ضرورة من ضرورات الحفاظ على القيم

لا يخفى على أي متابع لشئون العالم العربي خلال القرنين الأخيرين إدراك حالة الفصام القيمي الذي طال كل صغيرة وكبيرة بما فيها مؤسسات الدول نفسها، والتي انشطرت هي الأخرى بدورها إلى مجموعات تعمل لصالح الحداثة وتهاجم القيم وبين مؤسسات صنفت بأنها حارسة للقيم أو عاملة في حقلها.

 وقد تم تصنيف العملية التعليمية في بلادنا بكل مشتملاتها كأحد أهم تلك المؤسسات الراعية للقيم، حيث بقيت المدرسة وفى القلب منها المعلم إلى حد كبير متوافقة مع قيم المجتمع والدين، بل ومحافظة عليه، وبقي المعلم في منطقتنا العربية محافظًا وراعيًا لمنظومة القيم الإسلامية والعربية التي تعارف عليها المجتمع وتمسك بها وحافظ عليها معتبرًا إياها جزءًا مهمًا في عوامل بقائه والحفاظ على سلامه الاجتماعي.

ورغم أن الإعلام والسينما والثقافة في بلادنا قد لعبوا دورًا هدامًا لمنظومة القيم الإسلامية التي لم يخفوا مناجزتهم لها، إلا أن المعلم وقيم المدرسة في المنظومة العربية قد حافظتا على علاقة أكثر توافقية مع منظومة القيم الإسلامية والتي أخذت بواقع الممارسة شكل القيم الاجتماعية، وظل المعلم والمدرسة بمثابة اليد الأمينة التي تحظى بثقة الأفراد والمكونات الأسرية داخل منظومة المجتمع.

ونظرًا لما قام به المعلم من حفاظ على قيم المجتمع الأصيلة فقد اعتبره الحداثيون هدفًا لهم ضمن مستهدفاتهم، وهذا ما جعل المعلم في مرمى نيران الحداثيين الذين سيطروا على الإعلام والثقافة والنخب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ورموز الفن والرياضة.

والمعلم الذي يحتل في منظومة قيم الإسلام وقيم المجتمع مكانة مقدسة منحته الاحترام والتوقير، قد خضعت صورته إلى التشويه والتقزيم والسخرية من غالب تناول القوالب الحداثية التي كانت تقصد من وراء ضربه توجيه ضربة قاضية إلى أهم ركيزة من ركائز التربية القيمية المحافظة في المجتمع.

إلا أنه ورغم محاولات التشويه، ما زال للمعلم في العقل الجمعي للمجتمع مكانة سامية ترتفع متوالية سموها أو تنخفض وفقًا لما قام به من ترسيخ قيم ومساهمات تربوية عززت بناء منظومة القيم والأخلاق في نفوس الأبناء.

 ورغم تغير أجواء التعليم وتحوله في بعض الأحيان إلى مجرد أعمال وظيفية روتينية تفتقد إلى الرسالية أحيانًا، إلا أن المعلم ما زال يحتفظ برصيد لا بأس به من الاحترام بالقدر الذي يمكن معه ترميم ما تهدم في الصورة، إذا استشعرنا الخطر الذي ينال منه ليس لذاته وإنما استهدافًا للقيم التي يعتبر المعلم رافعة أساسية في حملها.

كما يجب الحذر من أن يؤدي تحول التعليم إلى تجارة وبيزنس مع اتجاه كثير من الدول إلى خصخصة التعليم إلى النيل من شخصية المعلم ودوره وصورته النمطية، حيث يجب مقاومة أي محاولات تستهدف تحويل المعلم إلى مجرد خادم في مؤسسة اقتصادية ربحية، أو حتى خادم إداري في مؤسسة تعليمية عامة، وهو ما قد يستهدف شعور المعلم نفسه تجاه مسئوليته الأخلاقية والتربوية والرسالية تمهيدًا لعزله عن مهمته العريقة ودوره الأصيل في بناء منظومة القيم المنطلقة من قيم الدين.

إن التشوه الجديد الذي أصاب العلاقة بين الطالب والمجتمع نتيجة عوامل مقصودة وأخرى قد تكون غير مقصودة وضعف الميل إلى احترام المعلم ودوره، قد أثر على منظومة القيم داخل المجتمع وتسبب بشكل كبير في انفلات الشباب ونزوعهم إلى الوسائل الإلكترونية والدخول في متاهات علاقات مع مجتمعات وقيم مجهولة تتخللها مافيات تتربص بالشباب تسحبه شيئًا فشيئًا إلى ما هو أخطر من الخروج على المجتمع حيث يتم اقتياده إلى مجموعات عبدة الشيطان أو ألعاب الفيديو التي تديرها مافيات عالمية تستهدف جر الشباب إلى الانتحار.

فدور المعلم باقٍ وراسخٌ في الحفاظ على قوة المجتمعات ما بقي دور الأسرة محوري في تواجد العنصر البشري وبقائه واستقراره، وهو ما يجب أن يتنبه إليه كل من يهتم ببقاء القيم والمجتمعات والأجيال والجنس البشري كلية، وهو ما يستدعي ضرورة العمل على عودة الدور الأصيل للمعلم والحفاظ على مكانته في نفوس الأبناء وتربيتهم على احترامه وتعزيز دوره بالتشجيع والتعاون والعمل على احتلاله المكانة اللائقة به في المنظومة الاجتماعية باعتباره أحد رواد بناء وحراسة القيم في مجتمعاتنا، وأحد أهم معاول العملية التربوية في زمن تتخطفنا فيه وتتخطف مبادئنا واستقرارنا ووجودنا العديد من التحديات.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم