تعتبر الأسرة هي المؤسسة الأخلاقية الأولى التي يتعامل معها الفرد منذ صغره، وهي على درجة كبيرة من الأهمية في التربية الأخلاقية وتنمية وتأصيل القيم المتعددة في مراحل نمو الفرد المختلفة وخاصة في مرحلة الشباب، وهي المصدر الأساسي في غرس القيم والمبادئ السليمة لدى الفرد منذ صغره، وذلك بإمداده بالخبرات والمعارف والمعلومات والقيم المجتمعية والدينية، وتزويده بالصفات الحميدة، وغرس المُثل والخصال الحميدة، واتباع منهج الله ورسوله الكريم، وإكساب الفرد السلوك الطيب والقويم في حياته.
وفى دراسة بعنوان: «الدور التربوي للأسرة في تنمية وتعزيز القيم لدى الشباب»، للدكتورة علية محمد إسماعيل شرف، أستاذ مساعد– كلية التربية– جامعة القصيم، يرى أن تحقيق الأسرة للهدف المنشود من إعداد الشباب الذي يصبح مفتاحًا للخير ومغلاقًا للشر في كل الظروف والأحوال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكون قادرًا على مواجهة التيارات والعوامل الخارجية التي قد تؤدي إلى الصراع القيمي في نفوس الشباب، ستجعله تمكن من مواجهة الهيمنة الثقافية التي تستهدف تقويض القيم الأخلاقية في ظل النظام العالمي الجديد.
الأسرة أهم المؤسسات التربوية
فالأسرة تعد من أهم المؤسسات التربوية التي يكتسب الفرد منها مجموعة كبيرة من قيمه، وحتى لو أراد الفرد في مرحلة المراهقة الخروج عن القيم التي اكتسبها من الوالدين من باب استظهار الاستقلالية فإنه في نهاية المطاف يعود لامتثال قيم الوالدين. ونمط التنشئة الذي يختاره الأبوان يمكن أن يجنب الفرد كثيرًا من الصراعات خصوصًا في المجال القيمي، فنمط الحماية الزائدة أو التسلط أو التدليل ربما يجعل الابن يعاني من الاضطراب أو الضعف في الشخصية بحيث لا يستطيع أن يتكيف بشكل سليم مع بيئته مما قد يؤدي إلى حدوث تزعزع في القيم أو تغيير وتبديل للقيم.
كما تعد الأسرة مصدرًا للأخلاق ودعامةً لضبط السلوك الإنساني، وتمثل الإطار الذي يتلقى فيه الإنسان أول درس للحياة الاجتماعية، ورغم صغر حجمها إلا أنها تعتبر من أقوى أنساق المجتمع، فعن طريقها يكتسب الإنسان إنسانيته وفيها يتحول الإنسان من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي يعيش في انسجام مع الآخرين وفقًا للقيم والمعايير السائدة في المجتمع.
القيم التي تقوم الأسرة بتنميتها وتعزيزها لدى الأبناء
نجد أن المجتمعات تختلف فيما بينها في الأساليب التي تستخدمها في تنمية القيم لأبنائها فضلًا عن اختلاف الأسر في المجتمع الواحد في استخدام تلك الأساليب، وهذا الاختلاف يعود إلى عدة عوامل أهمها المستوى التعليمي للوالدين والمستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة، إضافة إلى ما اكتسبه الوالدان أثناء طفولتهما وما يكتسبانه أثناء خبراتهما العلمية والعملية والاجتماعية، ولكن هناك أساس تشتق منه الأسر المسلمة قيمها وهو التشريع الإسلامي، حيث أعطى الدين الإسلامي الأسرة العناية والاهتمام الكبير، ذلك لأنها هي نواة المجتمع وهي القاعدة الأساسية له، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»، فيربي الرجل أبناءه على أخلاق المؤمن وهي كالتالي: قوة في الدين وحزم في لين، وحرص على العلم، وقناعة في فقر، وإعطاء في حق، وبر في إشفاق، وفقه في يقين وكسب في حلال. وإذا تمكنت التربية الدينية القائمة على الإيمان بالله، وأداء العبادات والفرائض من قلوب ونفوس الأبناء، فتؤسس على أخلاق فاضلة وتكوين ملكة المراقبة الذاتية، والخوف من الله، وتتمثل تلك القيم في:
قيمة الصدق: وهذه الصفة لا يمكن غرسها في مرحلة الشباب بل إنها تغرس في الفرد الإنساني منذ طفولته الأولى ثم يتم تنميتها عن طريق المواقف المختلفة، وذلك من خلال صدق الوالدين أنفسهم فهم القدوة للأبناء، فيقومان بالحث على الصدق مهما كانت الظروف في كل شأن، وتحريه في كل قول وعمل لأن من شب على شيء شاب عليه، فهو ركيزة في خلق المسلم وصبغة ثابتة في سلوكه ظاهرًا وباطنًا، فالصدق من مكملات الإيمان إذ أمر الله به وأثني على المتصفين به كما أمر رسوله ﷺ وحث عليه ودعا إليه أيضًا من ذلك قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، وقال ﷺ: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما زال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».
قيمة العدل: على الآباء تعويد الأبناء على تبني مواقف العدل والعدالة في جميع أعمالهم ومواقعهم ومنذ الطفولة لأنهم سيكونون رجال الغد وآباء المستقبل والعدل من صفات الله فهو العادل، وبالعدل يمكن القضاء على الأحقاد والضغائن والفساد الله، وقال تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ وإيتَاءِ ذِي القُرْبَى} (النحل: 90)، هذا وعلى الآباء أن يعدلوا بين أبنائهم ويرسخوا في نفوسهم الحب فيما بينهم فالعدل هو القيمة العملية التي أقرها الإسلام للقيم والفضائل من الأعمال، فالإسلام عظم علاقة الفرد بالآخرين والمجتمع كل، وتلك العلاقة هي الميزان الصحيح لسلوك المسلم في تعامله مع الآخرين وذلك على أساس من العدل.
قيمة الأمانة: الأمانة فضيلة أخلاقية حث عليها الإسلام، فلقد لقب الرسول بالصادق الأمين حيث وجه عليه الصلاة والسلام أمته بالأمانة فهي ركن عظيم من أركان الإيمان بالله، والأمانة تكون في حفظ المال عند غياب صاحبه، وحفظ النفس من الغش في الامتحان، وحفظ الأمانة التي ائتمننا الله عليها، فبترسيخ هذه القيمة في نفوس الأبناء نضمن تفاعلهم مع الآخرين بكل إخلاص ووفاء.
قيمة الصبر: قال تعالى: {واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} (لقمان: 17)، وقوله ﷺ: «المؤمنُ الَّذي يخالطُ النَّاسَ ويصبرُ على أذاهم أعظمُ أجرًا منَ المؤمنِ الَّذي لاَ يخالطُ النَّاسَ ولاَ يصبرُ على أذاهم»، إن قيمة الصبر من القيم العظيمة الجليلة التي تُزرع في النفوس تأجيل الشهوات والتعود على عدم الاستعجال في تحصيل المطلوب والمراد، فقيمة الصبر تزيد الفرد وقارًا وحكمة وبصيرة في الحكم على الأمور.
قيمة التسامح: فالتسامح يعني الصفح عمن أخطأ في حقك أو تجاوز حده، أو اختلف معك اختلافًا غير أخلاقي، فهو قيمة أخلاقية عظمى، وانتصارًا لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان. والتسامح هو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض، أما الإصرار على رفض التسامح فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين، وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب يموج بذكريات مؤلمة عن الآخرين. ولذلك فنحن نحتاج إلى المسامحة من أنفسنا ومن الآخرين، وكثير من الناس يتألم لأخطائه الماضية ويظل يحملها، فلا بد أن يكون متسامحًا مع نفسه، وقادرًا على نسيان أخطائه الماضية.
إن أسلوب التربية المتبع داخل الأسرة له انعكاساته سلبًا أو إيجابًا على اكتساب سلوك التسامح وتنميته وتعزيزه لدى أبنائنا، فيجب أن تكون بيوتنا منتديات حوارية مفتوحة لأفراد الأسرة كافة، ولنشجع الأبناء على تقبل الرأي الآخر من خلال تقبل آرائهم: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (الإسراء: 7)، ويستطيع الآباء ترسيخ سمة التسامح من خلال لغة التواصل مع الأبناء يشجعونهم عليها ويمارسونها من خلال المواقف والتفاعل معهم.
قيمة الكفاءة والاستقلال والمسؤولية: تعويد الأبناء على المرونة واستخدام مهاراتهم بطريقة مركزة على المشكلة وليس على ذواتهم، فعلى الآباء تشجيع أبنائهم باستخدام عقولهم في معالجة المشاكل، والمساهمة في طرح الحلول البديلة للمشكلة، وعلى الآباء أيضًا امتداح الأفكار والتصرفات الأفضل، وتجنب العقاب بقدر الإمكان والذي يؤدي إلى استمتاعهم بالتعامل مع المواقف باستقلالية، وإن تعويد الأبناء على المسؤولية والاعتماد على النفس من القيم الهامة التي تجعلهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم وقادرين على إدارة حياتهم بطريقة فعالة ومثمرة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض أكد الله عز وجل على عباده فمتى تركوه فقد أوجبوا على أنفسهم غضب الله ولعنته قال تعالى: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78- 79] وكما قال سيدنا محمد ﷺ: «إن الناسَ إذا رَأُوا الظالِمَ فلم يأخذوا على يديهِ يُوشِكُ أن يَعَمّهُم اللهُ بعقابٍ».
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام ودعامة راسخة من دعائم المجتمع الرباني دلت على ذلك النصوص وشهد به التاريخ ونطق به الواقع، والأمة اليوم تحتاج إلى إحياء تلك الشعيرة وتقوية تلك الدعامة لتنفض عنها بذلك ما علق بها من الغبار الذي أثاره عليها الكيد الخارجي والداخلي الذي لا يكن ليفعل فعله لولا انحسار المفاهيم الإسلامية لدى الأمة وبعدها عن دينها. الأمر والنهي فطرة في نفس كل إنسان حتى لو كان يعيش منفردًا معتزلًا الناس فلا بد أن تأمره نفسه وتنهاه– إن نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالباطل– ولذلك فإن تعليم الأبناء أساليب وطرق الأمر بالمعروف فيما بينهم والنهي عن المنكر يبعد الأبناء عن الكثير من المعاصي والانحرافات السلوكية التي قد يتعرضون لها، فهي بلا شك قيمة دالة وشاملة على العمل الصالح.
أساليب تنمية وتعزيز القيم لدى الشباب
يمكن للأسرة من خلال متابعة الأبناء وخاصة في مرحلة الشباب أن تسهم بقدر كبير في تنمية وتعزيز القيم لدى أبناءها وذلك من خلال استخدام أساليب عدة مستمدة من العقيدة الإسلامية كالتوجيه والنصح والإرشاد لهم فى متابعة تفاعلاتهم وحواراتهم وردود أفعالهم، ومواقفهم الحياتية مع الآخرين حيث أقام الإسلام نظامًا فريدًا لتربية أبنائه على أساس أن تكوينهم يحفظ عليهم كيانهم ويحقق التوازن الكامل بين طاقاتهم بحيث لا تدمر فيهم طاقة من الطاقات بل تعمل كلها في انسجام تام، هذه الأساليب يكثر استخدامها في مجال التربية ورعاية الناشئة والشباب ويتضح ذلك من خلال عرض الأساليب التالية:
أسلوب النموذج أو القدوة
تعد القدوة الحسنة من أبرز وأعظم أساليب تنمية القيم لما لها من أثر بالغ في صلاح الأمم خاصة وأن الإنسان فُطر على التقليد ومع التكرار يصبح عادةً أو أسلوبًا من أساليبه، ودائمًا الناس لديهم رغبة وحاجة نفسية إلى أن يشبهوا الأشخاص الذين يحبونهم ويقدرونهم، ويقول الله عز وجل في كتابة الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21) وهو خطاب شامل للإنسانية جمعاء، أما الوالدين فهما قدوة للأبناء وهما منبع القيم لديهم بقول رسول الله ﷺ: «ما من مولودٍ إلا يولَدُ على الفَطرَةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرانِه أو يُمَجِّسانِه، كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً جَمعاءَ، هل تُحِسُّونَ فيها من جَدعاء».
ومن الضروري أن يكون النموذج الذي يقتدي به الأبناء نموذجًا صالحًا يعبر عن تلك القيم لا باللسان فقط أو بالدعوة إليها، بل يجب أن تتمثل تلك القيم فى سلوك الوالدين أو من يحتذي بهم الأبناء.
ضرب الأمثلة (التوضيح الحسي للمعاني)
وهذا الأسلوب له أثره الفعال على سلوك الإنسان وعواطفه ويعد من أكثر الأساليب شيوعًا فنجد الأب أحيانًا يسوق مثلًا للتوضيح، والمثل هنا هو الذي يقع في خبرة الأبناء عندما يربط المعنى المراد تعليمه فيصبح مفهومًا وواضحًا إلى حد كبير، وضرب المثل يقوم على التشبيه أي البحث عن عنصر مشترك بين أمر نعرفه وأمر لا نعرفه، والأساس العلمي والنفسي لهذا هو أن التعلم يكون أسرع وأكثر توفيقًا كلما ارتبط بما نعيشه ونفهمه ذلك أن العمل يقوم على مشاركة بين أعضاء حسية مختلفة وتفاعل، بالإضافة إلى العقل، فيكون أثره أكثر فعالية وأشد قوة.
أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة
يستميل هذا الأسلوب قلوب الشباب خاصة إذا اقترن الوعظ بالمحبة والعطف واللين وتكون نتائجه إيجابية خاصة وأن هذا الأسلوب كان من أساليب الأنبياء والرسل في تبليغ دعوتهم لما له من تأثير كبير على الإنسان خاصة إذا كان واعيًا وصافي النفس.
أسلوب الترغيب والترهيب
وهو أسلوب يتفق وطبيعة الإنسان حيث يستخدمه الوالدان لدفع الأبناء إلى عمل شيء أو زجره وذلك في محاولة منهما لتفادي الوقوع في الخطأ، والترغيب عادة يتضمن الوعظ والنصيحة وبيان محاسن هذا الأسلوب ومضار غيره، وهو من الأساليب التي جاءت بها التربية الإسلامية إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ القولية والفعلية.
أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف
يعرف أسلوب الأحداث أو المواقف بأنه استغلال حدث معين لإعطاء توجيه معين، فكل حدث يتعرض له الفرد يحدث له تأثيرًا في نفسه، ويمكن استغلال تلك المواقف في توجيه نفوس الشباب وصقلها وتهذيبها حيث يتميز ذلك الأسلوب عن بقية الأساليب لما له أثر فعال لأنه يجيء في أعقاب حدث يهز النفس كلها هزًّا، فتكون أكثر إيجابية قابلية للتأثر، ويكون التوجيه أفعل وأعمق وأطول أمدًا في التأثير من التوجيهات العابرة.
أسلوب الحوار
ويعني تناول الحديث بين طرفين أو أكثر في صورة سؤال وجواب بشرط وحدة الموضوع أو الهدف وقد يصل أحد الأطراف بإقناع الطرف الآخر أو لا، ولكن في النهاية يأخذ السامع العبرة ويكون لنفسه موقفًا، ويعد هذا الأسلوب من أنجح الأساليب التربوية وأفردها إذا قام الحوار على خطوات منطقية عقلية صحيحة مدعمة بالدلائل والشواهد، كما أن هذا الأسلوب قلما يصاحبه الملل أو السأم نظرًا لما يوقظه من العواطف والانفعالات في نفس الأبناء. ومن الآثار التربوية لهذا الأسلوب تربية العقل على التفكير السليم وتحرير الصواب والرغبة في الوصول إلى الحقيقة إذا تم مراعاة مستوى نضج من نُحاوره أو نناقشه بالإضافة إلى التدرج في المناقشة من البسيط الواضح المقنع إلى الأكثر تركيبًا أو تعقيدًا.
أسلوب الإقناع العقلي
من مميزات مرحلة الشباب النمو العقلي المتزايد وتطور المهارات العقلية ومهارة النقاش والاستيضاح، فعلى الأسرة أن تعتمد على الإقناع العقلي وتقديم المعلومة خالية من المتناقضات العقلية التي إن اكتشفها الشاب فستكون عائقًا كبيرًا دون تقبله للقيم فضلًا عن امتثاله لها، ويكون الإقناع العقلي باستخدام الأدلة العقلية المؤيدة للمعنى وضرب الأمثلة وإثارة الخيال، وتقريب الصورة لدى الشاب حتى يزداد الإيمان وتترسخ القناعة ويصبح التطبيق آنذاك ناتجًا عن قناعة داخلية لا يمكن أن تتبدل أو تتغير وليس ناشئا عن التقليد للآخرين الذي سرعان ما يزول أثره عند أدنى حد مؤثر يتعرض له الشاب.
أسلوب الثواب والعقاب
يستخدم الثواب والعقاب كآلية لترسيخ القيم أو إحلال قيم جديدة محل قيم أخرى غير مرغوب بها على نطاق واسع من قبل الآباء وترى نظريات التعلم وعلى الخصوص النظريات السلوكية بأن الثواب والعقاب لا يقتصر أثرهما على الاستجابات المعززة أو المعاقبة عليها فحسب بل أن أثرها يشمل الشخصية ككل، فتتكون السمات العامة والاتجاهات والقيم.
ويؤكد المنهج التربوي الإسلامي على ضرورة التوازن بين الثواب والعقاب في توجيه الأبناء حيث أكدت الروايات الكثيرة على الاعتدال في التعامل مع الأبناء فلا إفراط ولا تفريط.
ويجب على الآباء توضيح أهمية الالتزام بالقيم لنيل رضا الله تعالى عز وجل ثم اكتساب محبة الآخرين واحترامهم ودوام رفقتهم. ونلاحظ تنوع أساليب تنمية وتعزيز القيم حسب قدرة الأسرة ومهاراتها ومناسبة الظروف وحال الابن وسنه وكلما تعددت وتنوعت الأساليب للقيمة الواحدة كان ذلك أنفع في تنمية القيمة، فالمربي الماهر الموفق يتحول بين الأساليب ويواظب على أهمها مثل أسلوب القدوة والقصص، ويتفاوت استعماله لباقي الأساليب حسب الظروف كأسلوب المناقشة والحوار والوعظ والترغيب والترهيب.
المعوقات التي تحول بين قيام الأسرة بدورها في تنمية وتعزيز القيم لدى الشباب
هناك العديد من المعوقات التي تسهم بشكل مباشر أو غير مباشرة في الحد أو التقليل من دور الأسرة في تنمية وتعزيز القيم لدى الشباب من أبناءها ويمكن تحديدها فيما يلي:
تحدي العولمة
وهي تعني الهيمنة الغربية متمثلة في أمريكا التي تكاد تسيطر في وقتنا الحاضر على مقدرات شعوب العالم وخاصة العالم العربي والإسلامي فأوجدت تحولات كبرى وتحديات جسيمة في مختلف المجالات ولا سيما في مجال التربية الأخلاقية حيث انتشرت العديد من القيم الأخلاقية المنافية لقيم الإسلام والعروبة التي تربت عليها شعوبنا منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى شعور الشباب بالاغتراب الذهني والنفسي والتذبذب الفكري، وحالة الضياع التي يعيشها نسبة من الشباب جراء الإحساس بالفشل والإحباط في تحقيق وإشباع الحاجات الجسمية والنفسية والاجتماعية، وفشلهم في تحديد ملامح المستقبل لحياتهم الشخصية.
الاستخدامات السلبية للإنترنت
انتشار الاستخدامات اللاأخلاقية للإنترنت وما يحمله من خروج على ناموس القيم الدينية والفطرة السليمة، وهو ما تروج له اليوم شركات ومراكز متخصصة لأغراض الكسب المادي، وكذلك لغرض آخر خفي هو التأثير السلبي على شخصيات الشباب المتدين وافتقار الشعوب المتدينة وتجريدها على العمل والإنتاج والإبداع ومن ثم تظل تبعيتها قائمة للدول المتقدمة بالإضافة إلى عدم قدرتها الاعتماد على ذاتها فتضل دائمًا في حاجة إليها.
الغزو الثقافي والفكري
وذلك بإشاعة المذاهب الهدامة كالعلمانية والشيوعية والوجودية وغيرها، وهذه المذاهب خطرها أكبر لأنها تشكل العقول وتجرفها في تيارات الإلحاد ومناهضة الأديان وفى مقدمتها الحركات الصهيونية التي تروج لهذه المذاهب بغية شغل العقل المتدين والمسلم بالذات بأمور جدلية، وإبعاده عن التدين الصحيح، وتشكيكه في عقيدته وشريعته.
التأثير السلبي لجماعة الرفاق
لجماعة الأصدقاء دور كبير في حياة الفرد في مختلف مراحل العمر وخاصة في مرحلة المراهقة والشباب حيث إن رفقاء السوء لهم تأثير سلبي واضح جدًا على رفقائهم حيث يتشربون عادات وتقاليد وسلوك بعضهم البعض قوية ومباشرة ومستمرة وذلك لأن الوقت الذي يقضيه الرفيق مع رفقاءه قد يكون أكثر بكثير من الوقت الذي يقضيه بين أسرته وذويه، ولا سيما إذا كان الشباب ضعيف العقيدة متميع الخلق، وقد حذرنا رسولنا الكريم من ذلك فقال ﷺ: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، لذلك لا بد من توجيه الأبناء إلى انتقاء الأصدقاء بدقة وعناية كي لا يسهل التأثير عليهم بسهولة وغرس قيم وسلوكيات غير مقبولة قد تؤدي إلى مستقبل مظلم ويصعب بعد ذلك ردهم إلى الطريق المستقيم مرة أخرى حيث أن صداقة السفهاء منزلق سريع إلى الحضيض.
الدور السلبي لوسائل الإعلام
تعد وسائل الإعلام من مؤسسات المجتمع الهامة التي تسهم في المحافظة على القيم التي تحد من السلوكيات المنحرفة وتعزز الوقاية من الجرائم، إلا أن المتغيرات المعاصرة والفضاء المفتوح، جعلت بعض الجهات تستغل هذه الوسائل كسلاح مؤثر سلبًا على النسق القيمي للمجتمعات العربية والإسلامية، مما نجم عنه صراع قيمي بين ما هو وافد ومفروض من الخارج وما هو أصيل وثابت من الثوابت، مما تسبب في تشتت البعض، وحل التناقض وعدم الاتساق بين القول والفعل.
كما تؤدي وسائل الإعلام إلى إضعاف السياق القيمي والثقافي للمجتمع، وذلك حينما تعمل على نقل تيارات وأفكار من الخارج لا تتلاءم مع نظائرها المحلية في المجتمع وهذا من شأنه أن يضعف من تنمية وتعزيز القيم لدى الشباب.
متطلبات تفعيل دور الأسرة في تنمية وتعزيز القيم لدى الشباب
لكي تقوم الأسرة بدورها في تنمية وتعزيز القيم لدى الشباب بطريقة ايجابية وفعالة فلا بد أن تسعى إلى تحقيق مبدأين أساسيين داخل الأسرة وهما:
- المناخ الأسري الموضوعي الودود: حيث أن المناخ الأسري الذي تسوده الموضوعية في التعامل من خلال حوار الشباب في أخطائهم من أجل التوجيه والتصحيح دون المحاسبة بإنزال العقاب بهم والذي يوفر حبًا غير مشروط ويساعد الشباب على إقامة قنوات للحوار المستمر مع الأسرة.
- احترام الأسرة للشباب: فالأسرة التي تتعامل مع الشباب من أبنائها باحترام وتقدير هي الأقدر على تربية قيم الاحترام لديهم، فالاحترام الذاتي لأنفسهم وقدراتهم وحدود الشخصية أولًا ثم احترام مكانة الآخرين بمن فيهم الأسرة نفسها واحترام حدودهم وحقوقهم ومسؤولياتهم.
ويتأتي ذلك من خلال:
المتابعة والحوار
ضرورة متابعة الأسرة لأبنائها باستمرار دون إشعارهم بالمراقبة أو التجسس عليهم، وذلك من خلال احتواء الأسرة لشبابها وعدم انزوائها بعيدًا عن مشاكلهم.
- مراقبة الآباء لمواقع الانترنت التي يدخلها الأبناء وذلك من خلال وجود برامج مراقبة «fire wall» من أجل عمل فلتره على المواقع الإباحية «x sites» وإرشادهم للقيم والأخلاق الإسلامية السامية.
- استخدام الحوار مع الأبناء يساعد على تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتأكيد ذواتهم حيث ينمي استقلالية الأبناء وبخاصة الشباب ويشجعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، فالحوار بين الآباء والأبناء يؤدي إلى التآلف والتعاطف وبناء علاقة ودية حيث يشعر كل من الطرفين بقرب الطرف الآخر منه واهتمامه بمشكلاته ويؤدي أيضًا إلى إزالة الخوف وقد يطور الحوار العلاقة بين الآباء والأبناء إلى علاقة صداقة فتتلاشى الحواجز المعهودة والتي وضعت منذ أقدم الأزمنة والتي كانت تمنع الأبناء من الإفصاح عما يجول في خاطرهم.
- استخدام الأسرة لأسلوب الحوار والإقناع العقلي في المناقشة مع الأبناء خاصة فيما يتعلق بالقيم وتعديل السلوك.
التمسك بالقيم الدينية
على الأسرة أن تهتم بحسن اختيار الأسلوب المناسب في تنمية وتعزيز القيم تبعا للقيمة والوقت المناسب وذلك من خلال:
- مناقشة الأبناء فيما يدور في أذهانهم وتربيتهم تربية إسلامية صحيحة تغرس فيهم القيم الإسلامية.
- تنمية الوعي لدى الشباب بأهمية التمسك بالقيم الأخلاقية والدينية في حياتهم.
- الحفاظ على القيم والتقاليد والعادات السائدة في المجتمع الإسلامي.
حسن إدارة الوقت
تسعى الأسر إلى مساعدة الأبناء في حسن استثمار وإدارة الوقت بطريقة جيدة وذلك عن طريق:
- توجيه الأبناء إلى استثمار الوقت في كل عمل ونشاط نافع يتوافق مع ميولهم واهتماماتهم.
- اهتمام الأسرة بأماكن تواجد أبنائهم وأيضًا يجب أن تضع نظامًا لمواعيد سهر الأبناء وعودتهم إلى البيت ولا تترك الأمور على حسب رغبات الأبناء.
- ضرورة تطبيق الأسرة لتعاليم الدين في جميع شئونها وغرس القيم الدينية في نفس أبنائها منذ الصغر.
الاهتمام بالعقل والتفكير
يجب على الأسرة إتاحة الفرصة للشباب بالتفكير بحرية دون ضوابط ومعايير معينة ولكن في إطار القيم والعقيدة الإسلامية.
- حث الأسرة الشباب على تشغيل عقولهم والتفكير في كل ما يُقْدِمون عليه من قول أو فعل.
- إعادة ترتيب الأسرة لأولويات اهتماماتها بأن تقوم بالتربية المعتدلة الغير قائمة على التسلط والحماية الزائدة أو النبذ حتى لا تترك آثار سيئة على شخصية الأبناء.
التوازن بين الحقوق والواجبات
فعلى الأسرة أن تسهم بشكل فعال في تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات لدى الأبناء وذلك من خلال المعرفة بالواجبات والحقوق والإيمان بهما وبوجوب الأداء والعطاء.
الثقة وتحمل المسئولية
الثقة هي مستوى الحرية في التحرك والعمل واتخاذ القرار، ومقدارها هو مقدار الصلاحيات الممنوحة ويأتي ذلك من خلال:
- إشراك الأبناء الفاعل والمستمر في علاج المشاكل التي قد تواجه الأسرة.
- المبادرة المستمرة في اتخاذ القرارات.
- التقدير والحفز المستمر، بالإضافة إلى التوعية والإرشاد.
حسن اختيار الأصدقاء
حث الأبناء على حسن اختيار الأصدقاء على أساس التقوى والإيمان والرفقة المؤمنة، وإشغال أوقاتهم بما يرضي الله ويزكي أنفسهم، وتحذيرهم مما يدنس أنفسهم أو يضيع أوقاتهم في غير طاعة أو فائدة علمية أو كسب حلال.
- لا بد للأسرة أن تلعب دورًا في الحد من التأثير السلبي لرفقاء السوء على أبنائها وذلك من خلال قيام الأسرة بتربية الأبناء تربية إسلامية على أساس متين وسليم ومن مقتضي التربية الإسلامية أن يقوم الآباء برعاية الأبناء ولا سيما في مرحلة المراهقة وذلك نظرًا لما يعانيه الأبناء في هذه المرحلة ما قد يؤثر عليهم سلبًا إن لم توجد هناك رعاية ورقابة من قبل الآباء فهذه المرحلة تعتبر نقطة التحول في حياتهم ولا بد من مساعدتهم على أن يجتازوها بنجاح وإلا فإن عدم الرقابة الوالدية في هذه الفترة تفتح المجال أمام الأبناء للانحراف والفساد.
- ضرورة اهتمام الأسرة بأبنائها ورعايتهم من جميع النواحي ومتابعتهم والتدقيق في رفقائهم، ومعرفة نوعياتهم وتأثيراتهم الايجابية على تفكيرهم وقيمهم وعاداتهم.
.