لقد قامت الثورات العربية للمطالبة بالحرية في المقام الأول، ثم العيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؛ والحرية عند علماء المسلمين هي نقيض العبودية والتبعية في كل المجالات، السياسية أو الفكرية أو الاجتماعية أو غيرها. والإسلام يَعتبر الحرية فريضة من فرائضه، لا يمكن التنازل عنها ولا المساومة فيها.
وفي جلسة «أثر الحرية في البناء الحضاري للأمة الإسلامية في الواقع المعاصر» تناول د. محمد الفقي- البرلماني المصري- عنوان «رفع شعار الحرية في ثورات الربيع العربي كمنطلق للنهضة الإسلامية المأمولة»، وتحدث فيها عن سبب نشأة الثورات العربية، وجهود بعض العلماء والمفكرين في نشر الحرية، ومصير الثورات المضادة للحرية.
تسمية الثورات العربية
يقول الأستاذ محمد الفقي- رئيس البرلمان المصري في الخارج-: «أعترض على تسميتها بثورات الربيع العربي؛ فهذا المصطلح جاءنا من إنجلترا؛ كما سمى كذلك الفرنسيون الثورة التونسية بثورة الياسمين؛ بل نسميها نحن الثورات العربية؛ فنحن الذين قمنا بها، ونحن من يجب أن نسميها وننحت مصطلحاتها، ولا ينبغي أن يسميها لنا غيرنا».
هذا الثورات العربية شعارها وأساسها ومنطلقها ومقصدها وغايتها هي الحرية «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية». وكان من توفيق الله- سبحانه وتعالى- أن انحازت الجموع الإسلامية للثورات العربية.
فهذا البائع المتجول في منطقة سيدي أبو زيد، الذي صفعته الشرطية المستبدة على وجهه وقالت له بالفرنسية: «ارحل»، اعترض بطريقته الخاصة وانتفضت جموع الشعب وخرجت وقالت لزين العابدين بن علي: «ارحل، الشعب يريد إسقاط النظام».
وهذه الكلمة «الشعب يريد إسقاط النظام» هي التي ألهمت الثورة المصرية، فانتفضت الجموع في 25 يناير وهي ترددها لإسقاط العملاء الخائنين، فالشعب لا يريد إسقاط رأس النظام ولا الدولة. السيسي يتكلم عن نفسه وكأنه هو الدولة، لكن مصر هي الدولة وهي أكبر من كل خائن وعميل. لذا كان من أخطاء الثورات العربية أن أسقطت رؤوس الأنظمة وليس الأنظمة نفسها.
جهود بعض العلماء والمفكرين في نشر الحرية
وقد عمل الكثير من العلماء العمليين على نشر الحرية، وتوفير العدالة الاقتصادية، وتحقيق كرامة الإنسان؛ فهذا الغزالي يؤلف أول كتبه بعنوان «الإسلام والاستبداد السياسي» وجوهر الكتاب يتحدث عن الحرية، وثاني كتبه بعنوان «الإسلام وأوضاعنا الاقتصادية»، ثم كتاب «الإسلام والطاقات المعطلة» ويهتم فيه بكرامة الإنسان وكيفية النهوض به لعمارة الأرض.
إن من أسباب اشتعال الثورات غياب الحرية، ومن أسباب الانقضاض على الثورات ومضادات الحرية تغييب الحرية، ومن أسباب نجاح الثورات الاستمرار بالمطالبة بالحرية.
فحين خرج الاستعمار من بلادنا ترك نوابًا له يقمعون الشعوب، ويصادرون إراداتها؛ ومن ذلك انطلق مشروع مضادات الثورات الذي يهدف إلى إخراج الشعب من المعادلة وحصر الأمر عند نخبة معينة تنفرد بأمور البلاد.
يقول الفقي: «لما جاء الشيخ القرضاوي إلى إسطنبول راجعتُه فيما قاله في بعض كتبه بجواز تعدد الأحزاب الإسلامية، وأهمية النهج السلمي في التغيير، وإذا اختار الشعب مجموعة مثلًا من الإسلاميين ثم لم يخترهم بعد ذلك، فعليهم أن يراجعوا أنسفهم ويُنضجوا أفكارهم ومشروعاتهم العملية حتى يعرضوا أنفسهم مرة أخرى على الشعب حتى ينتخبهم مرة أخرى ... سألته هل تراجعت عن أي فتوى من هذه الفتاوى؟ فقال: أبدًا، ولماذا أتراجع؟».
فهذه الثورات كانت شعبية، سلمية، شبابية، وتمتعت بمشاركة المرأة مشاركة كبيرة؛ وكانت ضد الظلم والاستبداد والفقر والبطالة، وضد سياسات التوريث في الحكم، وينبغى أن تظل هكذا إلى أن تنتصر.
قال المفكر الإسلامي أحمد داوود أوغلو: «الشعوب العربية خرجت من أجل أن تنال حريتها وكرامتها ولتتمتع بالتنمية، ولن تستقر المنطقة العربية حتى تنال هذه الشعوب حريتها ومرادها».
مصير الثورات المضادة
إن مشروع الثورات المضادة محكوم عليه بالفشل التامّ؛ لأنه مشروع تبعية كاملة للغرب، وإعطاء خيرات وثروات الشعوب لغير مستحقيها، ويعمل على التفتيت والانقسام المجتمعيّ «انتو شعب واحنا شعب!»، وهو مشروع تآمر ومصالح ومصادرة للأموال، مشروع ضد حركة الإسلام، ضد التاريخ، ضد الفطرة، وصفقة القرن جزء من هذا المشروع الفاشل الذي لم يقدم غير الفقر والظلم.
هذا المشروع الفاشل يعمل على بث اليأس بين الناس، وهذا أخطر شيء يمكن أن نتعرض له؛ ولا ينبغي أن نستسلم له؛ لذا يعمل الإسلام على بث الأمل والسعي في النفوس، وستنجح الموجة الثانية من الثورات العربية؛ وستتحقق المطالب؛ لأنها مطالب عدل وحق.
حين كتب الشيخ القرضاوي «الحلال والحرام في الإسلام»؛ قام العلماء الذين يتحدثون باسم السلفية واتهموه بالتفريط والتساهل في تحليل الحرام؛ لذا نريد أن نسألهم سؤالًا: ما موقفكم من مشاريع الترفيه والسينما والأوبرا؟ ما موقفكم حينما تجدون حكوماتكم تصادر الأموال وتسرقها بغير وجه حق؟ ما موقفكم من التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ أين فتاويكم في هذه الأمور؟
نريد العلماء الذين يتطرقون إلى الأمور الحياتية التي تمس نفوس الناس، وتعالج قضاياهم بسعة أفق.
بإذن الله ستتحرر الشعوب، وستتحقق مطالبها، وستنجح الموجة القادمة من الثورات العربي، نحن لا نريد أن نسقط بلادنا، لذا نصبر ونناضل حتى تتحقق لنا أمانينا.
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام.
.