الحرية في فكر الإخوان والحركات الإسلامية المعاصرة

 

كانت الحرية أولى مطالب وشعارات ثورات الربيع العربي التي انطلق في 2011 م، ثم العيش الكريم والعدالة، لكننا نرى الآن أن من يطالبون بالحرية إما مُضيّق عليهم في بلدانهم أو مطاردين أو مسجونين أو مهجرين، لكن هذا أبدًا لا يشكك في أملنا أن هذه المطالب ستنتصر قريبا.

 والتيارات الإسلامية في كل الدولة العربية مثلها مثل باقي التيارات كانت تتوق إلى الحرية في بلداننا، وفي كلمته بندوة (الإسلام والحرية) تناول صلاح عبد المقصود الكاتب والصحفي ووزير الإعلام بحكومة د. هشام قنديل بمصر قضية الحرية تحت عنوان «الحرية في فكر الإخوان والحركات الإسلامية المعاصرة» وذلك في الورقة التالية:

 

الحرية فريضة إسلامية

إذا تحدثنا عن الحرية عند الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية، فالحرية في نظرهم هي نقيض العبودية والتبعية وهي ترتبط بالمسؤلية عن الفعل والقدرة على اتخاذ القرار وتحمل ما يترتب عليه. والحرية عندهم إما أن تكون في المجال السياسي أو في مجال الفكر والرأي أو في المجال الاجتماعي أو في مجال الإعلام أو في الحياة.

الإمام البنا رحمه الله اعتبر الحرية مبدأ وفريضة من فرائض الإسلام وقال أنه لا يمكن أن يساوم عليها، ولذا نجد أن الاخوان المسلمون بذلوا من التضحيات خلال القرن الماضي والحالي ما بذلوا من أجل تحقيق هذا المطلب وهو الحرية.

وقد اعتبر الإخوان أن المسلم لا يمكن أن يعبد الله بحق وهو فاقد لحريته، فقد قال الإمام البنا رحمه الله في رسالته [بين الأمس واليوم]: «أيها الإخوان إذا قيل لكم إلام تدعون فقولوا ندعو إلى الإسلام والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه، فإذا قيل لكم هذه سياسة، فقولوا هذا هو الإسلام ولا نعرف هذه التقسيمات».

والإمام البنا يتحدث عن حرية العقيدة كأحد الحريات الشخصية التي كفلها الإسلام للجميع فيقول: «يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساسًا لنظام الحياة ينافى وجود أقليات غير مسلمة فى الأمة المسلمة وينافى الوحدة بين عناصر الأمة، ولكن الحق غير ذلك تمامًا».

ويضيف: «إن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير، لم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذى لا يحتمل لبسًا ولا غموضًا في حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (الممتحنة:8)،  فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط بل أوصى بالبر والإحسان إليهم؛ وأن الإسلام الذى قدّس الوحدة الإنسانية العامة في قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (الحجرات:13).

 

الإسلاميون وحرية الوطن

أيضا إن الإسلاميين كان لهم موقف من حرية الوطن من الاحتلال الأجنبي وشغلت قضية تحرير الأوطان من الاحتلال جانبًا هامًا من فكرهم وعملهم، وكلنا يعلم حجم التضحيات التي بذلها الإسلاميون والوطنيون من أجل تحرير وطنهم من المحتلين الغاصبين، ويقول الإمام البنا في ذلك: «أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وذلك حق طبيعي لكل إنسان، لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبدأن يقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة»؛ فالحرية هنا قرينة من القرائن التي لابد أن تتوفر في الدولة المنشودة.

ويتحدث عن العزة في الإسلام ويقول: «ويوم قرر الإسلام هذا، قرر الطريق العملى لحماية هذه الحرية، فافترض الجهاد بالنفس والمال».

وفي رسالة دعوتنا للإمام البنا يتحدث عن وطنية الحنين وفي (رسالة دعوتنا) تحت عنوان (وطنية الحنين والعزة) يتحدث عن دعاة الوطنية، فيقول: «وإن كانوا يرون أن من الواجب العمل بكل جهد فى تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله له، وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه فنحن معهم أيضًا». كما اعتبر أن الحرية تعنى العزة ورفض الذل والظلم.

والحرية من الدعائم العشر التى حددها الإمام البنا: «الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن طريقتنا، والآخرة عقيدتنا، والجهاد وسيلتنا، والحرية أمنيتنا»؛ كما أن في مقدمة المنجيات العشر التي حددها الإمام البنا، لكنها حرية منضبطة في إطار القانون.

 

متطلبات الحرية السياسية

وللحرية متطلبات لتحقيقها، فلذا كانت حرية التعبير تتطلب الشعور بالأمن وعد الوقوع تحت أى ضغط يؤثر على حرية الرأي، فإن الحرية السياسية لها متطلبات لتحقيقها، ومن أهمها في رأى الإمام البنا: إصلاح قانون الانتخابات، ومن وجوه هذا الإصلاح 

  • وضع صفات خاصة للمرشحين أنفسهم.
  • وضع ضوابط للدعاية الانتخابية وفرض عقوبات على من يخالف هذه الضوابط، بحيث لا تتناول الأسر ولا البيوت ولا المعاني الشخصية البحتة التي لا دخل لها في أهلية المرشح وإنما تدور حول المناهج والخطط الإصلاحية.
  • إصلاح جداول الانتخابات وتعميم نظام تحقيق الشخصية .

 

 الحرية السياسية للمواطنين

وفى (رسالة نظام الحكم) يؤصل الإمام البنا لحرية الرأي (الحرية السياسية) بالأحاديث والآيات القرآنية، فبعد قوله عن الأخوة وأنها من الإيمان،  يقول: ولا يمنع من ذلك حرية الرأي وبذل النصيحة من الصغير والكبير كذلك،  وهو المعبر عنه في عرف الإسلام ببذل النصيحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر،  وقال رسول الله ﷺ: «الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم». وقال: «إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تُوُدِّع منها- وفى رواية- وبطن الأرض خير لهم من ظهرها». وقال: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام فأمره ونهاه فقتله».

وستنال شعوبنا الحرية قريبا غير بعيد، وهذه سنة الله في خلقه.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم