Business

نهج النبي ﷺ في غرس الحرية

الحرية مبدأ من مبادئ الإسلام، ولا تقوم حياة الأفراد الدينية ولا الشخصية إلا به؛ فلا يُتصوّر أن يُكلّف الإنسان بتكاليف دينية أو حياتية وهو غير حرّ.

نعيش مع بعض المواقف العملية من حياة النبي ﷺ وصحابته الكرام في غرس معنى الحرية.

وفي كلمة الدكتور طلعت فهمي بعنوان (نهج النبي ﷺ في غرس الحرية) في ندوة (الإسلام والحرية) التي عقدها موقع (المنتدى الإسلامي العالمي للتربية) عرض فيها معنى الحرية، ومتى يكون الإنسان حرًا؛ واستشهد بمواقف عملية من حياة النبي ﷺ وصحابته الكرام.

 

متى يكون الإنسان حرًا؟

  1. حين يعبر عن رأيه دون خوف، ويُحترم معتقده.
  2. حين يكون صاحب قرار في حياته الشخصية.
  3. وصاحب قرار أكيد فيما يملكه.
  4. حين تحترم كينونته وإرادته وقراره.
  5. حين تُحترم مسؤوليته.

 

احترام حرية التعبير عن الرأي وعن المعتقد

فمثلًا في الصلاة، إذا قام الإمام لأداء ركعة ورأى المأموم أنها زائدة، فسبح لكي ينبه الإمام؛ لكن الإمام ظل على رأيه وأكمل صلاته، فللمأمون كذلك أن يبقى على ما يراه صوابًا ويبقى جالسًا حتى ينتهي الإمام من الركعة وينزل إلى التشهد ثم يسلم معه. فاحترام حرية الرأي حتى بين يدي الله سبحانه وتعالى أمر في غاية الأهمية.

 

احترام قرار الإنسان في حياته الشخصية

  • يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي ﷺ لعباس: «يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟» رواه البخاري.

فلما رأى مغيث إصرار بريرة على صده، وأنها عازمة على تركه، استشفع بالنبي ﷺ، فشفع له عندها، فقال النبي ﷺ: «لو راجعتِه، فإنه زوجك وأبو ولدك»، قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع»، قالت: لا حاجة لي فيه.

فانظر كيف احترم النبي ﷺ قراراها في حياتها الشخصية، وانظر كيف تعجب من حب مُغِيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا! تعجب وهو يرى حبا يقابل ببغض، فلم يكن حبًا متبادلًا؛ فلم ينكر، ولم يشدد، بل أفسح للقلوب أن تعبر عما في جوفها، ولم يعنف أحدًا منهما، لأن الإسلام جاء بها بيضاء نقية، واقعية، تتلمس العواطف وتعرف قدرها، ولم يأت ليكبت أحاسيس الناس، ولا ليضيق عليهم في التعبير عنها.

  • قال معقل بن يسار: كنتُ زَوّجتُ أختًا لي من رجل، فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليها أبدا. وكان رجلًا لا بأس به، فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، فكفّر الرجل عن يمينه، وأنكح أخته له مرة أخرى.

فانظر كيف أنزل الله آية في كتابه لما علم أنه الرجل قد هوي امرأته، وأن امرأته قد هويته؛ حتي لا يحجر عليها أحد.. فهذا احترام لقرارات الحياة الشخصية.

 

احترام الملكية الشخصية 

روى البيهقي حديثًا صحيحه في سننه الكبرى، عن عبد الله بن عمرو قال: كنا مع رسولِ اللهِ ﷺ بحُنينٍ، فلما أصاب من هوازنَ ما أصاب من أموالِهم وسباياهم أدركه وفدُ هوازنَ بالجِعرانةِ وقد أسلموا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ! لنا أصل وعشيرةٌ، وقد أصابنا مِنَ البلاءِ ما لم يخفَ عليكَ، فامنُنْ علينا منَّ اللهُ عليكَ، وقام خطيبُهم زُهَيْرُ بْنُ صُرَدَ فقال: يا رسولَ اللهِ إنما في الحظائرِ مِنَ السبايا خالاتُك وعمَّاتُك وحواضنُك اللاتي كنَّ يكفُلنَكَ، وذكر كلامًا وأبياتًا، قال: فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «نساؤكُم وأبناؤكم أحبُّ إليكمْ أمْ أموالُكم؟» فقالوا: يا رسولَ اللهِ خيَّرتَنا بين أحسابِنا وبين أموالِنا، أبناؤنا ونساؤنا أحبُّ إلينا، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أما ما كان لي ولبني عبدِ المطلبِ فهو لكم، وإذا أنا صلَّيتُ بالناسِ فقوموا وقولوا: إنا نستشفعُ برسولِ اللهِ ﷺ إلى المسلمينَ وبالمسلمِينَ إلى رسولِ اللهِ ﷺ في أبنائِنا ونسائِنا، سأُعطيكم عند ذلك وأسألُ لكم»، فلما صلى رسولُ اللهِ ﷺ بالناسِ الظهرَ قاموا فقالوا ما أمرَهم به رسولُ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أما ما كان لي ولبني عبدِ المطلبِ فهو لكم»، وقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسولِ اللهِ ﷺ، فقال الأقرعُ بنُ حابسٍ: أما أنا وبنو تيمٍ فلا، فقال العباسُ بنُ مِرداسِ السُّلَمِيِّ: أما أنا وبنو سُلَيمٍ فلا، فقالت بنو سُلَيمٍ: بل ما كان لنا فهو لرسولِ اللهِ ﷺ، وقال عُيينةُ بنُ بدرٍ: أما أنا وبنو فزارةَ فلا، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أمسك منكم بحقِّه فله بكل إنسانٍ ستةُ فرائضَ من أولِ فيئٍ نُصيبُه، فردُّوا إلى الناسِ نساءَهم وأبناءَهم».

فانظر كيف احترم النبي ﷺ رغبة من تمسكوا بحقوقهم، بل وفرض لهم من الغنائم التي سيصيبونها مستقبلًا.

 

احترام الكينونة والإرادة الشخصية

تقول أم هانئ بنت أبي طالب: لما كان يومُ فتحِ مكةَ أَجرتُ رجلَينِ من أحْمائي فأدخلتُهما بيتًا وأغلقتُ عليهما بابًا، فجاء ابنُ أُمِّي عليُّ بنُ أبي طالبٍ فتفلَّتَ عليهما بالسَّيفِ (أي: أراد أن يقتلهما) قالت فأتيتُ النبيَّ ﷺ فلم أَجدْهُ ووجدتُ فاطمةَ فكانت أشدَّ عليَّ من زوجِها، قالت فجاء ﷺ وعليه أثرُ الغُبارِ فأخبرتُه فقال: «يا أمَّ هانئٍ قد أجرْنا من أجَرْتِ وأمَّنَّا من أَمَّنتِ».

فالنبي ﷺ قد احترم إرادتها وكينونتها وأمّن من أمّنت، ومنع عليّ ابن أبي طالب من قتلهما.

 

احترام المسؤولية

ففي غزوة الخندق تجمعت القبائل الكافرة ضد الإسلام، وحاصرت المدينة، وعرضت قبيلة غطفان على النبي ﷺ أن ينسحبوا من جيش الأحزاب، ولا يقفوا مع الكفار، في مقابل أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة، فشاور الرسول كلا من سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في هذا الأمر، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به، ولا بد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال رسول الله: «إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة».

فقال سعد بن معاذ: والله يا رسول الله، ما طمعوا بذلك منا قط في الجاهلية، فكيف اليوم؟ وقد هدانا الله بك وأكرمنا وأعزنا، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله: «فأنت وذاك».

فقد احترم النبي ﷺ مسؤولية سعد بن معاذ، وأعطاه الحرية في اتخاذ القرار فيما يقع تحت مسؤوليته.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم