Business

د.رمضان خميس يكتب: السنن الربانية في القرآن من التأصيل إلى التنزيل قراءة في فكر الشيخ محمد الغزالي​​​​​​​

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ومن والاه وبعد،،،

فلقد حفل تاريخنا العربي والإسلامي بمشاعل نور ومنائر هداية، ومن أبرز أعلام النهضة الفكرية المعاصرة إمامنا الشيخ العلامة محمد الغزالي –رحمه الله- والذي نذر حياته لإيقاظ الأمة عبر خطبه وكتبه وتراثه وحركته.

ولقد شغلت به طالبا قراءة وسماعا وتتبعا، وتوفرت عليه دارسا في مرحلة الماجستير، فكتبت عنه رسالتي في مرحلة التخصص بعنوان: (الشيخ محمد الغزالي وجهوده في التفسير وعلوم القرآن)، والتي نلت به بفضل من الله درجة التخصص في التفسير وعلوم القرآن بتقدير ممتاز، من جامعة الأزهر، عام 1998م، وما زلت مشغولا بالرجل فكرا وعملا، خاصة أنه صاحب مدرسة حضارية لا تقيدها اختيارات فكرية أو خيارات فقهية معينة، بل تستلهم مشروعها الفكري ومنهجها الحضاري الإصلاحي من المرجعية الأصيلة لهذه الأمة.

وأنها مدرسة يحضر فيها التكامل المعرفي بين العلوم بهدف إعادة تشكيل العقل الإسلامي، كما تظهر فيها الروحانية القرآنية الواعية واللغة الحاضرة الدافقة والنفس الشاعرة، وأنها مدرسة الواقعية والوضوح في الفكر والمنهج.

 ومن المباحث الجيدة والجديدة والتي تخدم الأمة في ظروفها الراهنة، والتي تناولها الشيخ ونبه عليها ودعا علماء الإسلام أن يولوها اهتمامًا جديدًا لمكانتها موضوع (السنن الربانية في القرآن الكريم) فقد استعرض حديثهم واستطال، وتمدد وتعدد في موضوعات خلافيه لن يقام الدين بها ولن ينهدم بغيرها.

أما موضوع السنن فإنه من الأهمية بمكان، ويقصد بالسنن (القوانين المفردة والثابتة والتي تشكل إلى حد كبير (ميكانيكية) الحركة الاجتماعية وتعين على فهمها ([1]) فحاجة المسلمين إلى هذه السنن وفقهها ماسة وشديدة حتى نحسن فهمها ونحسن التعامل معهم وتسخيرها للقيام بأمانة الاستخلاف في الأرض وتعميرها.

 وقد كتب الشيخ بابًا كاملًا عن هذه السنن في كتابه سر تخلف العرب والمسلمين ([2]).

 ويذكر أن القرآن الكريم نبه إلى أنه كما توجد سنن كونية في إطار المادة تجعل درجة الغليان مثلًا عند المائة ودرجة التجمد عند الصفر أو تجعل للغازات ضغوطًا معينة فكذلك الأمر في الحضارات البشرية وانهيارات الأمم وانتصاراتها وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله: «وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورًا. استكبارًا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق بالمكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلًا ولن تجد لسنة الله تحويلًا ([3])»، فهذه السنن كما يرى الشيخ صورة أخرى مكملة أو امتداد طبيعي لسنته في ميادين العلوم التطبيقية وإن كانت كيميائية أو فيزيائية أو نباتًا أو حيوانًا أو أي شيء ([4]).

وقد ذكر الشيخ -رحمه الله- أن الأمة لابد وأن تدرك هذه السنن وأن تتدبرها وتعمل بها أما الآن فواقع المسلمين مع هذه السنن كالعاصي من البشر الذي يسمع آيات الله تدعو إلى التوبة فلا يدرك أبعاد معصيته وضرورة الالتفات إلى التوبة المودعة في الآيات وإنما يلتفت إلى موسيقى القراءة ونغم التالي فيقول (الله – الله) للنغمة التي يسمعها فلا يتدبر ولا يفكر قط في أن يصنع شيئا للانتقال من معصيته إلى التوبة المطلوبة منه هكذا حال أمتنا ([5]).

 

ويسوق الشيخ عددًا من هذه النماذج القرآنية والسنن على النحو الآتي:

أولًا: في مجال عواقب الحكم الفردي والاستبداد السياسي والطغيان الاقتصادي والاغترار بالمال العريض أتي قوله تعالي: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين» ([6]).

ثانيًا: في مجال الاستقامة. والاستناد إلى الله في ارتقاب مستقبل أفضل مهما أظلمت الآفاق في مرأى العين يأتي قوله تعالي: «إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين» ([7])، «ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» ([8]).

ثالثًا: في الدلالة على أن الإلحاد مهما صحبه من علم مشئوم النهاية وأن الكفار مهما بلغ ذكاؤهم لابد وأن يحرموا بركات الله وأن التعديل إنما يكون على الإيمان والإصلاح يأتي قوله تعالي: «الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ([9]) ».

رابعًا: في مجال طمأنة الناس وإلقاء السكينة في قلوبهم على الأرزاق و الأموال يأتي قوله تعالي: «ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ([10]) ».

خامسًا: في بقاء الحق وذهاب الباطل يأتي قوله تعالي: «فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ([11]) ».

سادسًا: في التفريق بين الخبيث والطيب يأتي قوله تعالي: «قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبث ([12]) ».

سابعًا: سنة الله في المفسدين ومنها قوله تعالي: «إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون[13] ».

ثامنًا: سنة الله في النصر في قوله تعالي: «إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده([14]) ».

تاسعًا: سنة الله في الصابرين الموقنين يأتي قوله تعالي: «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون([15]) ».

عاشرًا: سنة الله في التغيير يأتي قوله تعالي: «ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم([16]) ».

وقد أشاد الشيخ بمن تحدث عن هذه السنن وذكر في ذروتهم العلامة رشيد رضا وحجة الإسلام أبا حامد الغزالي وسلطان العلماء العز بن عبد السلام وغيرهم من العلماء المجددين([17]). ومن أبرز هذه السنن التي تناولها الشيخ بالشرح بأمتع ما عرفت سلاسة وبيانًا:

1- سنة التدرج.

2- سنة الأجل.

3- سنة التداول الحضاري.

4- سنن المدافعة.  

5- سنن التغير وغير ذلك من سنن الله في الأنفس والآفاق والكون ([18]).

ومن هذا العرض المتواضع –يتبين لنا أن الشيخ الغزالي تناول هذا الأصل من الأصول المهمة في بناء الأمم والحضارات وهو (السنن العامة في القرآن الكريم) ونادى العلماء أن يهتموا بها لأننا إن أحسنا فهمها وأجدنا تسخيرها نلنا ما ناله الرعيل الأول من جيل الرسول -صلى لله عليه وسلم- واستطعنا أن نقود العالمين إلى صراط الله المستقيم وإلا فسنظل ذيلًا وتبعًا يأتمر ولا أمر له ويسمع ولا رأي له.

 

أبرز ما كتب الشيخ في هذا الجانب:

1- كيف تتعامل مع القرآن ص 49 – 54

2- كيف تتعامل مع القرآن ص 117 – 133

3- سر تأخر العرب والمسلمين ص 30- 40.

عدا كتابات متناثرة في قضايا متباعدة.

أسأل الله تعالى أن يتقبل الشيخ في الصالحين ويعين الأمة على الإفادة من تراثه وفكره حتى تنهض من كبوتها، وتصل إلى غايتها والله وحده خير مسؤول ومأمول.

 

 


([1]) كيف تتعامل مع القرآن ص 49

([2]) انظر سر تأخر العرب والمسلمين ص 30 - 40

([3]) فاطر الآية 42، 43

([4]) راجع كيف تتعامل مع القرآن ص 49 وانظر سر تأخر العرب والمسلمين ص 30 محمد الغزالي

([5]) كيف تتعامل مع القرآن ص 53، 54

([6]) القصص آية 83

([7]) يوسف آية 90

([8]) يوسف آية 87

([9]) محمد آية 1

([10]) فاطر آية 2

([11]) الرعد آية 17

([12]) المائدة آية 100

([13]) يونس آية 81 – 82

([14]) آل عمران آية 160

([15]) السجدة آية 24

([16]) الأنفال آية 53

([17]) راجع سر تأخر العرب والمسلمين

([18]) راجع كيف تتعامل مع القرآن ص 117 - 133

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم