تسعى النظم التربوية المعاصرة إلى تطوير التعليم والنظر إليه كمهنة لها أصولها وقواعدها الممارَسَة وأخلاقياتها، إلا أن عملية تحويل التعليم إلى مهنة ليست وليدة هذا العصر، ولا هي منبثقة عن الماضي، فقد كانت لها جذور راسخة وممتدة في أعماق التاريخ، ثم تطورت أصولها عبر العصور المزدهرة تارة بفعل عوامل القوة، ومنتكسة تارة بفعل عوامل الضعف والاضمحلال، حتى جاء العصر الحديث ليعمل على خلق حركة تحول تربوي شامل ومتقدم، لا يقتصر على مرحلة تعليمية أو نوع معين من التعليم.
ويعتبر المعلم محور العملية التربوية وعصبها الرئيس الذي يتوقف عليه نجاح التربية في تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها، ولكن بالرغم من إدراك الأقطار العربية لأهمية المعلم والمكانة التي يشغلها في العملية التربوية، ومحاولاتها المتعددة لإصلاح شأنه، فإنه لا يزال في وضع لا يحسد عليه، ولا تزال مهنة التعليم لا تجتذب النوعيات الممتازة القادرة على تحمل مسؤوليات إعداد جيل جديد، وتعاني عملية تكوين المعلم من غياب النظام المتكامل في الفلسفة والأهداف والتخطيط، إضافة إلى أن برامج الإعداد والتدريب لهذا المعلم لا زالت تقليدية لم تستطع بلورة السمات والمهارات التي تتطلبها المهنة في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي.
وفى دراسة بعنوان «أبو الحسن القابسي ودوره في صياغة نماذج تربوية نهضوية»، للباحثين د. محمد حسن جرادات، د. محمد عيسى الطيطي، الأستاذين بكلية العلوم التربوية، جامعة جرش فى الأردن، هدفا إلى التعريف بالإمام القابسي ورسالته المفصلة لأحوال المعلمين وأحكام المتعلمين، ودوره في صياغة نماذج تربوية نهضوية.
التعريف بالقابسي
هو أبو الحسن علي بن محمد خلف المعافري المعروف بالقابسي، ولد بالقيروان سنة 324هـ، وبها تربى وتعلم وبها مات ودفن سنة 402هـ (1012م). ويرجع نسب القابسي على الأرجح إلى قرية المعافرين التي ينتسب إليها وكانت ضاحية من ضواحي تونس.
وكان القابسي عالمًا ضريرًا فقيهًا وَرِعًا، وله مؤلفات كثيرة تصل إلى 15 مؤلفا كلها في الفقه والحديث والمواعظ باستثناء واحد أفرده القابسي لشئون التعليم في الإسلام هي رسالته المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين. وقد صنفها في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري وضاع الأصل وبقيت منه نسخة.
الآراء التربوية للقابسي في أقطاب العملية التربوية
يؤكد القابسي على أهمية الدور الذي ينبغي أن يضطلع به المربي في تخريج أبناء المسلمين والذي يتمثل في الخصائص والسمات الآتية:
- المعلم مسؤول عن ترغيب المتعلمين في التمسك بكتاب الله وسنة رسوله؛ ليكونوا حسب تعبير القابسي نفسه من أهل الحق الذين لا يزالون يستشيرون القرآن ويهتدون بما بينه الرسول ﷺ مقتدين في ذلك بما عرفه أئمة الدين من سالف الأمة المرضين.
- على المعلم أن يرعى الصبيان حسب ما يرعى صبيانه، وله الحق في أخذ الإجازة ما دام متفرغًا لذلك، مجتهدًا فيه، صابرًا عليه، والأجر لا يتمثل في محتوى التعليم بل في الجهد الذي ينفق فيه بغية التوجيه الحسن والتأديب الصحيح، والإجازة هنا إجازة البدن المشتغل بالقرآن، وليس ثمنًا للقرآن، ويبرر القابسي ذلك بأن بيع المصاحف إنما هو بيع للرقوق والخط والصنعة وليس بيعًا لما فيه، لأن الذي فيها غير مطلوب إلى أحد، ولا مخصوص به بائع المصحف دون مشتريه.
- يحل للمعلم من وجهة نظر القابسي الإجازة أيضًا بحكم ما يكابده في تعليم الفقه والفرائض والسفر، وبحكم ما يبذله من أجل الاستجابة لشروط التعليم والنهوض به وبأعبائه، وهي من أسباب الرزق التي لا غنى عنها كإنسان يحتاج مثل غيره إلى ما يسد به حاجات العيش، وبالتالي فالتعليم في نظر القابسي مهنة لا بد منها لتنشيط الحياة الاجتماعية وتوفير أسباب الرقي الحضاري.
- علاقة المعلم بولي أمر الصبي المتعلم، هي علاقة تعاقد ملزم يشتمل محتوى التعليم ومدته ومقدار الأجر وأَجَل دفعها. فهناك من ينتدب المعلم ليعلم ولده القرآن وزيادة عليه الخط وقواعد الكتابة أو الهجاء أو النحو أو الفقه أو الشعر، ومنهم من يشترط تعليم ولده لوحده أو مع غيرة من الأولاد.
- قوام التفاهم بين الولي والمعلم هو وعيهما المشترك بمسؤوليتهما في تربية الأجيال الطالعة، تربية توقظ فيها الضمير الديني الذي به الإسلام، والتصديق، وخشية الله والعمل بما أمر الله ودعا إليه، والانتهاء عما نهى عنه، وبدونه لا يمكن التكيف في المحيط الثقافي الاجتماعي لأنه خير هذا المحيط، وتوازنه ولحمة المتعايشين داخله، العاملين على صونه من البدع والضلالات، والأهواء الغازية تقتضي الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله.
فالذي يعلم ولده فيحسن تعليمه ويؤدبه، فيحسن تأديبه، فقد عمل في ولده عملًا حسنًا، يرجى له من تضعيف الأجر فيه، ولو ظهر على أحد أنه ترك تعليم ولده القرآن تهاونًا بذلك، لجهل وقبح ونقض حاله.
ينادي القابسي بإجبارية التعليم والحث عليه بأسلوب الترغيب تارة وأسلوب الترهيب تارة أخرى، فهو يذكر المقبل على التعليم بالأجر عند الله ويحذر الراغب عن ذلك بسوء المآل في الحياة والمعاد.
أكد القابسي على أن تشمل نعمة التعليم جميع الأطفال دونما استثناء، حيث دعا إلى أن يتم تعليم اليتيم مما يكون قد ورثه من مال أو من قبل وصيه، وإن لم يكن له وصي نظر في أمره حاكم المسلمين، وإن لم يكن هناك حاكم للمسلمين نظر في أمره صالحو ذلك البلد أو يتم العناية به من أحد المسلمين، أو يقوم بذلك المعلم ويحتسب أجره على الله.
والهدف من تعليم القرآن خاصة من وجهة نظر القابسي تخريج الأجيال الجديدة على معرفة الدين والاهتداء بتعاليمه كما هي مبينة في كتاب الله أولًا، ثم في سنه نبيه ﷺ، ويقع هذا الأمر على الأب أولًا، فإن لم يستطع أن يستأجر من ينوبه فيه حتى يثبت القرآن في قلوب المؤمنين.
وعلى المعلم التفرغ لمهنة التعليم، وعليه أن لا يشتغل عنهم بأمور قد تطرأ عليه كشهود جنازة أو عيادة مريض، وشهادة البينات أو إبرام عقود النكاح وغيرها، وعليه أن يتفق مع الآباء على أوقات التعليم والعطل وأن يستأذن في إرسال الصبية في طلب بعض، وأن يستخلفهم في الاعتناء بهم في حال سفره.
الطفل في نظر القابسي «لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا يميز لنفسه ما يأخذ لها، وما يدفعه عنها» وتربيته أولًا ملقاة على عاتق كافله وراعيه والذي هو في الغالب والده، وتربية الطفل هي أصل نفعه واستقامته على القيم الإسلامية التي لا بد من معرفتها، وللآباء أجر عظيم إذا علموا أولادهم بأنفسهم، كان أجرهم في ذلك «أعظم من الحج والرباط والجهاد» وللذين يعلمونهم من المعلمين الذين يعهد إليهم تربية الأبناء.
بالغ القابسي في تهجين صورة الولي المتهاون في تعليم أولاده وهو واجد إليه سبيلًا، فهو مستخف بواجب السعي إلى أن يدرك أولاده النضج في الدين.
دعا القابسي إلى تمكين الأطفال من فرصة المعرفة والتحصيل ونبه إلى ضرورة التمييز بين سن الرشد والمسؤولية الدينية والاجتماعية، وبالتالي لا يجوز أن يحرم الأطفال من حق التعليم لأن ذلك يؤدي إلى تفشي الأمية والعجز عن الاستجابة لمتطلبات الدنيا والدين.
يبرر القابسي حق الأنثى في الانتفاع بالخدمات التربوية التي تقدم للذكور، فهي في نظره لها منزلة الكائن الخليق بالرعاية والاعتبار اللذين يفرضهما دورها العام في تحقيق ما ضمن توازن الكيان الاجتماعي.
فصل القابسي الأحكام الخاصة بتعليم البنت دلالة على تعميق الوحدة الإسلامية الذي تستلزم نشر الوعي في الذكور والإناث معًا، مستشهدا بالقرآن والسنة، فقد روى عن الرسول ﷺ قوله: «أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها فله أجران».
أكد القابسي على ضرورة الفصل بين المتعلمات والمتعلمين لأن ذلك فيه صلاحهم خشية إفسادهم، ولم يفصل القابسي في هذا الموضوع بسبب شدة انشغاله بالدعوة إلى نشر التعليم وتزهده وتعففه ووقاره واكتفى بإشارة خفية للموضوع دون تفصيلات.
كما أكد القابسي على رفق المعلم بتلاميذه والعدل بينهم، وتأكيدًا لإشعاعه عليهم باعتباره القدوة والالتزام بالمثل العليا، ومنها المساواة في تحديد الأجر والتوجيه، وضبط العقاب الذي يستوجب الصبيان عند الخروج عن الحدود.
ونصح القابسي المعلم بألا يكون دائم العبوس، فيصبح عديم التأثير فيهم، وألا يكثر من اللوم والضرب حتى لا يفقدهما أهميتهما التأديبية، وفي الحالات المستوجبة لا يضرب إلا من لا ينفع معه التوجيه والتوبيخ، إذ على المعلم أن يضع الأمور مواضعها، فالمعلم يسوس أطفاله بما ينفعهم، فيرفق بهم ويرحمهم بالنصح والإرشاد أي التشكيل المستمر لسلوكهم.
يجوز للمعلم الانشغال عن الأطفال فقط لأحيان قصيرة ليتثبت من حفظ القرآن ولا يتلعثم به أو ينسى بعضه إذ أن القرآن كما قال الرسول ﷺ: «أشدُّ تفَصِّيًا من صدورِ الرجالِ من النَّعَمِ من عُقُلِه»، أي أنَّ الإنسانَ إذا لم يُداومِ مُراجعةَ القرآنِ فإنَّه يَنفلِتُ مِنْ صدرِه كما تَهرُبَ الإبلُ إذا فُكَّ وِثاقُها، وهي أسرعُ الحيواناتِ نفورًا.
وللقابسي تصور فريد لعلاقات المتعلمين فيما بينهم، فهو يرى في تخاير المتعلمين أي تنافسهم، وتقويم بعضهم لمستوى البعض الآخر ما يصلحهم، ويخرجهم، ويبيح لهم أدب بعضهم بعضًا، وفي تكييف العريف: «المتعلم الذي ختم القرآن وعرفه» بتعليم غيره من التلاميذ منفعة لهم.
ويدعو القابسي إلى اعتبار الفروق الفردية في التعليم فيقول: «ونحن نوجب للمعلم حذقة، ونرى أن يحكم له بها في النظر والظاهر على قدر الغلام، وقدر درايته، وقدر حفظه في الظاهر، وقدر معرفته بالهجاء والخط في حذقة النظر».
ويفضل القابسي أن يعرض كل واحد من الصبيان في حزبه، فيؤدبه على ما كان من تقصير. واستحداثًا على بذل الجهد الذاتي، الذي يعتبر أساس التعلم وتيسيرًا لمعرفة نتائج حفظه، دعا القابسي إلى تقويم نشاط المتعلم باعتبار المدى الزمني الذي استغرقه هذا النشاط.
أما عن البرنامج الدراسي، يدرس التلاميذ طوال ستة أيام ويفرغون للراحة يوم الجمعة «وذلك سنة المعلمين مذ كانوا» يعرضون على معلميهم «في عشي يوم الأربعاء، وغدو يوم الخميس، إلى وقت الكتابة، والتخاير إلى قبل انقلابهم نصف النهار، ثم يعودون بعد صلاة الظهر للكُتّاب، والخيار إلى صلاة العصر، ثم ينصرفون إلى يوم السبت يبكرون فيه إلى معلميهم، وهذا حسن نافع رفيق بالصبيان وبالمعلمين لا شطط فيه».
وفي نهاية المرحلة التعليمية يكون هدف التقويم، معرفة من يستحق الختمة، والتمييز بين من زاد عن حفظ القرآن حذق قراءته في المصحف، وكتابته بخط حسن، والإلمام بقدر من الشعر أو النحو، إذ أن التعاقد بين المعلمين والأولياء يمكن أن يستظهر الصبي القرآن حفظًا من أوله إلى آخره، أو استكمل يضاف إلى ذلك ضبط الهجاء والشكل وحسن الخط، إلا أن المستظهر للقرآن حفظًا مع ما صاحبه من حسن خط، وضبط شكل، وهجاء وإعراب، وقراءة، يكون في الاجتهاد أفضل ممن لم يستظهر الحفظ.
يعتبر القابسي القرآن الكريم دستور المسلمين ومرجعهم في العبادات والمعاملات وهو جوهر وحدتهم وهاديهم إلى سبل الفوز برضوان الله، وموقف القابسي من تعليم القرآن مستوحًى من طبيعة اهتماماته كفقيه.
صنف القابسي المواد الدراسية إلى مواد إجبارية وهي القرآن والفقه والأخلاق والخط والهجاء والقراءة ومبادئ العربية، ومواد أو علوم اختيارية كالحساب والشعر وأخبار العرب، وعلم النحو، وصناعة العربية.
وبالفقه يتعلم المتعلم واجباته الدينية كالوضوء والصلاة وبالأخلاق ينشأ الصبي على السلوك المتجه إلى الالتزام الذاتي بما أمر الله.
أما العلوم الاختيارية فهي علوم تبتعد عن الصفة الدينية وإنما هي ضرورية لفهم الدين.
وإذا قمنا بالمقارنة بين هذه العلوم وعصرنا هذا نجد أن العلوم الإجبارية تمثل ما نسميه اليوم بالتعليم الأساسي، وبين مرحلة التعمق والتخصص التي تؤكد عليها مرحلة التعليم الثانوية.
والقابسي ينظر إلى العلوم الاختيارية بقدر خدمتها للعلوم الإجبارية فمثلا يفيد الحساب أو ما نسميه اليوم بالرياضيات في عملية ضبط المواريث وسائر الحقوق المادية، والشعر ما يوفره من أسباب إيقاظ الذوق وتهذيبه، والتاريخ وما يبرزه من أنواع العلاقات السببية بين الأحداث والظواهر التي لا تهم المربي إلا من وجهة روحية محض.
والقابسي في رسالته يؤكد على مبدأ التدرج في المحتوى الإجباري الذي يتمثل في علوم الدين والمحتوى الاختياري التي تتمثل في العلوم التي تختلف عن سابقتها في بعدها عن الصفة الدينية، وإن كانت ضرورية لفهم الدين، ويؤكد على عملية الاستمرارية والتعمق في المحتوى الإجباري، وهذا يعبر عنه بالتنظيم المنطقي والسيكولوجي للمحتوى والاستمرارية والتتابع والتكامل في تنظيم الخبرات.
- المحيط الذي يمارس داخله العمل التربوي:
كانت أهم خصوصيات المحيط الذي يمارَس داخله العمل التربوي إِبّان القرن الرابع الهجري الذي عاش فيه أبو الحسن القابسي، امتدادًا طبيعيًا لتأثير العوامل الدينية والسياسية في توجيه الحياة الاجتماعية والثقافية والتربوية.
اتسم عصر الأغالية في أواخر القرن الثالث الهجري (296 هـ، 909م) بحضارة كبرى تأسست وشمخت بما وفروه من أسباب الأمن والقوة الاقتصادية والنهضة العلمية التي تجلت في كل من القيروان حيث أنشأ بيت الحكمة الشهير، بما ضمه من خزائن الكتب والآلات الفلكية لحساب سير الكواكب ورصدها كالاسطرلابات والمقنطرات، وما يشبهها من أدواب البحث وتحقيق الأوقات وضبط الأطوال والعروض مما يستعمل في علمي الفلك والتنجيم.
كان القرن الرابع الهجري الذي عاش فيه القابسي قرن غزارة علمية كبيرة أدى إلى ظهور عدد غير قليل من العلماء والمهتمين باستنساخ الكتب وجمعها في مكتباتهم، حيث روى عن المؤرخ محمد بن أحمد التميمي المتوفي سنة (333 هـ) الذي اشتهر أنه كتب بيده أربعة آلاف كتاب، وعبد الله بن هاشم بن مسرور المتوفي سنة (346 هـ)، كان يضع له مكيال للسوائل يسع أربعين لترًا تقريبا من الحبر كل سنة لكثرة ما يستنسخه، وكان وزن كتبه سبعة قناطير كلها بخطه حاشا كتابين، وكانت أحمال الكتب المتنوعة الوافدة على القيروان بوساطة قوافل الباعة المتنقلين بين المشرق وإفريقية والأندلس تغذي هذا الفيض العظيم الذي جعل من القيروان كعبة القصاد من طلبة المعرفة.
ومن الطبيعي أن تكون أهم الظواهر التي أفرزتها هذه الحركة التعليمية الواسعة المتمثلة في الحاجة إلى وضع سنن التربية والتأديب، وضبط كل مقوماته ومحتواه وطرائقه وأهدافه، والتي مكنت القابسي القيام بهذه المأثرة العلمية، والتي لم تكن منحصرة فيما ألف من كتب الفقه، بل برسالته الشهيرة في انكبابه على تفصيل أحكام المعلمين والمتعلمين وتدوينها في رسالته التي يحق اعتبارها من أمهات المراجع في التربية المالكية خاصة والتربية الإسلامية عامة.
التوصيات
- تنشئة الأطفال منذ الصغر على حب الدين والتعامل معه، وأن يسلكوا سلوكًا دينيًا في كل شؤون حياتهم، داخل المدرسة وخارجها، مقتدين بمعلميهم، لما للقدوة من أثر كبير على سلوك الأطفال، على أن يكون المربين منشئين تنشئة إسلامية صالحة، كما كان الحال لدى أسلافهم المسلمين.
- أن تنبثق سياسات تكوين وإعداد المعلمين وأساتذة التعليم العالي في إطار أركان فلسفة دينية اجتماعية تحكم مسار التعليم وتضبط مخططاته، وعدم الاقتصار على المقررات الدينية وحدها أو العملية وحدها، إذ أن المقررات العلمية تدعم الاتجاه الديني في النفوس، وتعمق الشعور الديني والإيمان بعظمة الكون وخالق هذا الكون.
- أن يربَّى التلاميذ تربية متكاملة تتناول جوانب شخصية المتعلم الجسمية والروحية والعقلية والاجتماعية والأخلاقية والوجدانية والروحية.
- تشجيع الطرق الإسلامية القديمة في التعليم، من مناظرة ومحاورة وتعليم ذاتي ومراعاة للفروق الفردية، والابتعاد عن التلقين والمحاضرة ما أمكن.
- الاهتمام بطبيعة العلاقة الأبوية التي أشار إليها القابسي في رسالته بين المربي والمربى وتقويتها بحيث تكون علاقة أبوة روحانية وأخوة إيمانية، فكما أن الأب سببٌ في وجود الطفل فإن المعلم يغذي النفس بالعلوم ويربيها بالمعارف ويهديها طريق التعليم واللذة والسرور.
- استفادة النظم التربوية الحالية في البلدان العربية والإسلامية من الآراء التربوية للقابسي في أقطاب العملية البيداغوجية (المربي والمربى، والمحتوى والمحيط الذي يمارس داخله المحتوى التربوي)، والتي تمخضت عن نماذج تربوية إسلامية نهضوية كما كان الحال في عصور الازدهار الإسلامي، أي نظام إسلامي تربوي كلي، يحيط بكل ما يقتضيه نمو الإنسان المتكامل عقليًا ووجدانيًا وخلقيًا ويشكل اتجاهاته الأساسية نحو الإنسان ونحو العالم وما فيه من أشياء ومؤسسات وتنميتها.
- أن يتضمن برامج إعداد المعلمين إضافة إلى ما سلف متطلبات التطور العلمي والتكنولوجي الذي يمكن المعلم من القيام بأدواره الوظيفية كموجه إلى مصادر المعرفة، ومنسق لمواد التعليم ومنظم لأساليبه، ومهندس لتكنولوجيا تعليمية، ومقوم لاكتسابات المتعلمين ومثير للدافعية الذاتية والقابلية التربوية، ومكيف لجو غني بالخبرة الإنسانية والتفاعل الاجتماعي ومستخدم للنماذج والنظم والتعليم المصغر والمبرمج وأساليب التعليم الذاتي والتربية المستمرة.
.