الشباب هم أساس النهضة والتقدم، وعصب الأمة وروحها، وقلب الوطن النابض وساعده القوي، وجيشه المجاهد وسيفه المهند، فإذا أردت أن تعرف تقدم الوطن أو تأخره، فانظر إلى شبابه وانظر فى أخلاقهم وعلمهم وملابسهم وكلامهم.
إن للشّباب دورًا كبيرًا ومهمًّا في تنميةِ المُجتمعات وبنائِها، كما أنّ المُجتمعات التي تحوي على نسبٍة كبيرة من الفئة الشّابة هي مُجتمعاتٌ قويّة. لقد كانوا حَمَلة الدعوة الإسلامية الأولى وأنصار الحق، وعجيب أن يأتي الإيمان مع فتوة الشباب وعنفوانه ومظنة الشهوات والرغبات يقول تعالى : {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} (الكهف: 13) ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل ليعجب من الشاب الذي ليست له صبوة» (أخرجه أحمد في مسنده (4/151).
والله يحب الشيخ الطائع لكن حبه للشاب الطائع أشد الذي تغلب على دواعي الشهوة، واستطاع أن يدرك غايته ويرنوا لها، ويصف الأستاذ البنا هذا الأمر بقوله: إنما تنجح الفكرة إذا قوى الإيمان بها، وتوفر الإخلاص فى سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة من: الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب؛ لأن أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا فى كل أمة عماد نهضتها، وفى كل نهضة سر قوتها، وفى كل فكرة حامل رايتها: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾ [الكهف: 13].
ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة فى أعناقكم. ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلًا، وأن تعملوا كثيرًا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملًا من هذا الشباب.
فالذين يذرفون الدموع على حظهم العاثر لا تضحك لهم الدنيا، والذي يضحكون على متاعب غيرهم، لا ترحمهم الأيام ولا تبكي على اللبن المسكوب.. بل ابذل جهدا إضافيا حتى تعوض اللبن الذي ضاع منك.
إن الإيمان في قلوب الشباب ليس أمرًا ثابتًا، لا يزول ولا يحول، ولا ينقص ولا يزيد، بل هو معرض للنقص والزيادة، وفوق هذا فإنه معرض أيضًا للنزول بالكلية من القلوب، فيعود الإنسان إلى الضلال بعد الهدى وإلى الكفر بعد الإيمان.
لقد اهتم الإسلام ببناء الشخصية الإنسانية ورعاها من كافة جوانبها: المادية والمعنوية، والروحية والعقلية.. فكل جانب يؤثر على الآخر.. والسعادة تؤسس على اعتدال وتكامل هذه القوى وتعاونها.
فيا شباب الإسلام من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ومن حفظ الله حفظه: فهؤلاء الفتية، تركوا الحياة الفارهة في زمانهم، وهربوا بدينهم لله، فآواهم ربهم إلى مكان يتوقع أن الهلاك فيه أقرب للنجاة! بل ونشر عليهم فيه رحمته، وأعمى الله عنهم الطلب، فأنجاهم الله -سبحانه وتعالى- وخلّد ذكرهم، وجعل قصتهم مثلًا يحتذى، وسبيلًا ينتهج.
ننحن في عصر يتفنن فيه دعاة الشر بالدعوة إلى الخنا والفجور والطرب الماجن، فاملؤوا قلبكم بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم محبة أبويكم ومن حولكم.. فالحب يجدد الشباب، ويطيل العمر، ويورث الطمأنينة.. والكراهية تملأ القلوب تعاسة وشقاء..قاجعلوا في بيتكم ما يكفيكم من حب أهلكم وعائلتكم.. فالحب يُضمِّد الجراح، ويبعث في القلب حرارة الألفة والمودة.
وراقب الله تعالى في جميع حركاتك وسكناتك، واعلم أن الله يراك ويسمعك ويعلم ما يُكنِّه ضميرك. تذكــر في كل لحظة تعيشها أن الله العظيم الجبار الذي يراك ومُطَّلِعٌ عليك، فــــلا تجعل الخالق الرازق الكبير المتعال أَهْــــوَنَ الناظرين إليك.
أخي الشاب: أين أنت من محراب الصلاة الآن؟ أين أنت من حسن الخلق؟ أين أنت من كتاب ربك؟ أين أنت من الغايات العظيمة؟ هل تظن أن الحياة لعب ولهو فحسب؟ أم تظن أنك خلقت في هذا الكون عبثا لا مهام لك ولا دور؟ انظر لنفسك أين تقف؟ وكم بقي لك على انتهاء رحلتك؟ وما جوابك أمام ربك حينما تتمثل بين يديه؟
لو كنت موجودًا في عصر رسول الله هل كنت من الشباب الذين ناصروه أم حاربوه.. فلو أخذتك الحمية وقلت كنت سأكون بجواره؟ فما الذي يمنعك أن تقف بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلك مسلكه ومسلك الشباب الذين كانوا حوله.. انظر لأسامة بن زيد وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وانظر للحسن والحسين وانظر كيف حمل على بن أبى الطالب الشاب الدعوة على عاتقة فحماها دون خوف أو وجل.
إن البيئة الفاسدة عقديًا وعمليًا وخُلقيًا تؤثّر على الإنسان الصالح مع مرور الزمن، فهؤلاء الشباب كانوا يستطيعون أن يخفوا إيمانهم بين قومهم ويعبدون الله في السر. لكنهم خافوا إن استمروا بين قومهم وهم يرون تلك المنكرات.
إن المسلم إذا كان من الأتقياء الصالحين الذين آثروا الآخرة على الدنيا، وقدموا مرضاة الله على شهوات أنفسهم فإن الله يرعاهم ويحوطهم بعنايته وحفظه، ويدفع عنهم السوء بقدر ما عندهم من الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج:38].
يقول الأستاذ سيد قطب:
نشهد في هذه الآيات الشباب يتهامسون فيما بينهم، حذرين خائفين، لا يدرون أن الأعوام قد مرّت، وأن أجيالًا قد تعاقبت، وأن مدينتهم التي يعرفونها قد تغيرت معالمها، وأن المتسلطين الذين يخشونهم على عقيدتهم قد انتهت دولتهم، وأن قصة الفتية الذين فرّوا بدينهم في عهد الملك الظالم قد تناقلها الخلف عن السلف.. ونفهم أن أهل المدينة عند استيقاظهم أصبحوا مؤمنين، فهم شديدو الترحاب بالفتية المؤمنين بعد أن انكشف أمرهم بذهاب أحدهم لشراء الطعام، وعرف الناس أنه أحد الفتية الذين فرّوا بدينهم منذ عهد بعيد. ولنا أن نتصور ضخامة المفاجأة التي شعر بها الشباب في الكهف بعد أن أيقن زميلهم أن المدينة قد مضى عليها العهد الطويل منذ أن فارقوها وأن الدنيا قد تبدلت من حولهم فلم يعد لشيء مما يعرفونه وجود، وأن كل ما يربطهم بجيلهم من قرابات ومعاملات ومشاعر وعادات وتقاليد.. كله قد انتهى.
فأيها الشباب: لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المنهاج، فلا تهنوا ولا تضعفوا، وضعوا نصب أعينكم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173].
.