Business

تعرف على الاتجاهات الحديثة في التربية الإسلامية

 

تعتبر التربية الإسلامية أحد أهم أركان علم التربية، إلا هناك اختلافًا عند كثير من الباحثين التربويين حول مفهوم التربية الإسلامية. والسبب الرئيس في هذا الاختلاف أن من كتب عن الفكر التربوي في الإسلام غالبا ما يهمل تعريف المصطلحات التي يبني عليها مناقشاته وآراءه التربوية.

فبينما يحدد البعض التربية الإسلامية في المواد الدينية في المنهج الدراسي يأخذ البعض الآخر مفهوما عاما يعطي الفكر التربوي في الإسلام ونظرته للكون والإنسان والحياة.

ويرى الباحث التربوى إبراهيم حمد القعيد، فى دراسة له بعنوان (الاتجاه المعاصر فى التربية الإسلامية) 1982، أن تحديد مفهوم التربية الإسلامية في نطاق ضيق يتصل بالمواد الدينية في المنهج الدراسي خطأ، لأن هذا التحديد هو امتداد لتأثير التقسيم الغربي للمناهج التعليمية ولا يمت إلى الفكر التربوي الإسلامي بصلة. ويذهب في تعريفه للتربية الإسلامية إلى ما ذهب إليه أجماع علماء التربية الإسلامية المحدثين بأن التربية الإسلامية: هي تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عددا من الإجراءات والطرائق العلمية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق مع عقيدة الإسلام.

 

  • مقدمات:

يتلخص الهدف من الدراسة في غرضين رئيسين:
 الغرض الأول: تعريف القارئ بالكتابات التربوية الإسلامية التي ناقشت وتحدثت عن التربية والتعليم فلسفةً وأهدافًا ومناهجَ وطرقًا، وذلك بإعطاء عينة لهذه الكتابات التربوية مقتصرين في معالجتنا على الكتب التي كتبت في القرن العشرين.

والغرض الثاني: رصد الاتجاهات المعاصرة في التربية الإسلامية في ضوء هذه العينة التربوية التي سنتناولها بإيجاز.

فالتربية الإسلامية إذًا ليست مواد العلوم الدينية في المنهج الدراسي فقط بل إنها مصطلح يشمل مفهومين متداخلين. مفهوما عاما يتعلق بالتربية ومفهوما خاصا يتعلق بالتعليم. يغطي المفهوم العام العملية التربوية في المجتمع المسلم على أساس أنها ظاهرة مرتبطة بالحياة ولا تقف عند زمن معين أو عمر معين لذلك فهي تشمل التربية في البيت والمؤسسات التعليمية الرسمية في المجتمع المسلم ووسائل التثقيف الشعبي على اختلاف مستوياتها.

ويشمل المفهوم الخاص التعليم الإسلامي كفرع من علوم الفكر الإسلامي توضع على أساسه البرامج التعليمية، وتختار بموجبه المواد الدراسية في المنهج، وتبني على ضوئه النظم، وتصاغ الأهداف التربوية في كل مرحلة دراسية، وتعالج على حسب مرئياته المشاكل الإدراية التربوية فيما يتعلق بالإدارة المدرسية والمدارس والطالب والمنهج وعلاقة أحدهم أو جميعهم بالبيئة.

 

  • بعض الكتابات التربوية:

    - أليس الصبح بقريب:

وأول نموذج لهذه العينة كتاب بعنوان (أليس الصبح بقريب) يوضح نوع الاهتمام الذي كان يوجه الكتابات التربوية الإسلامية في بداية القرن العشرين لكاتبه الشيخ محمد الطاهربن عاشور من تونس.

وقد صدرت الطبعة الأولى منه عام 1324ه وفيه يجد القارئ مسحا تاريخيا للتربية والتعليم في البلاد الإسلامية بما في ذلك أهدافها ومناهجها ووسائلها وقليلا من أخبار المدرسين والدارسين، ويجد رسما للحالة السيئة التي كان عليها التعليم في بلاد المغرب العربي وخاصة في تونس في بداية القرن الرابع عشر الهجري. وقد اقتصر الكاتب في معالجته للتربية والتعليم على تناوله من زاوية التعليم الديني.

وهذا الكتاب نموذج واضح للصراع بين ما تبقي من المغرب العربي: من مفاهيم للتربية الإسلامية وبين الأفكار التربوية الغربية.

 

           - في كتاب القرية:

وعلى المنط التاريخي نفسه في الدراسة يتحدث محمد عبد الجواد في كتابه (في كتاب القرية) (1358ه – 1938م) عن حالة الكتاتيب المصرية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين مبينا أدوات الدراسة ومواد الدراسة وأغراضها، ملقيا بعض الضوء على طرق الدراسة وأوقاتها وأجورها. وتدور الدراسة حول قراءة القرآن الكريم ترتيلا وحفظا.

وتتلخص أغراضها في تلك الفترة الزمنية كما بينها الكاتب في أربعة أغراض:

1.  حفظ القرآن الكريم تقربا إلى الله بدون شرحه وفهم معانية. والانتفاع بهذا الحفظ بصورة محدودة بقراءته مرتلا في المآتم والأفراح والمناسبات الاجتماعية.

2. كان حفظ القرآن في تلك الفترة في مصر وسيلة للإعفاء من الخدمة العسكرية.

3. كان حفظ القرآن عند القروبين نوعا من الثقافة التي يتميز بها الطالب عن غالبية القرون فيه يلبس العمامة ويسمى شيخا، ويحترم بين أقرانه ويؤم المصلين ويكون له هيبة دينية.

4. إعداد التلاميذ لطلب العلم في الجامع الأحمدي بطنطا وفي الأزهر بالقاهرة حيث كان أهم شرط للقبول هو حفظ القرآن الكريم.

وبالاضافة إلى هذه الأغراض الأربعة يتعلم التلاميذ في الكتاتيب مبادئ القراءة والكتابة وبعض الأشغال اليدوية التي قد يحذق فيها بعض التلاميذ فيتخذونها مهنا لهم.

وبين الكاتب أن يد الحكومة المصرية قد امتدت منذ 1897م إلى الكتاتيب تحسينا وذلك بإدخال القوانين الجديدة والمواد الدراسية الأخرى مثل: الديانة والتهذيب، واللغة العربية، والحساب، والخط. وبدأت المدراس الرسمية منذ ذلك الحين بالانتشار كما أخذت الكتاتيب بالاضمحلال التدريجي. وقد ارتبطت في هذا الكتاب فكرة الكتاتيب عند الكاتب بالتعليم الديني وفكرة المدارس الرسمية بالتعليم الحديث.

والواضح من الكتابين، بصفة عامة، اقتصارهما على النظر إلى التربية والتعليم الإسلامي من زاوية التعليم الديني السائد في ذلك العصر والذي كان في صراع شديد مع التعليم الحديث المنقول من النظم الغربية. وليس في مجال هذا البحث التطرق إلى أسباب هذا الصراع وتاريخه ووسائله.

 

  • بين التعليم الديني العام:

حاول المستعمر طمس هوية الأمة بحصار التعليم الديني والمناهج الإسلامية وتغليب التعليم المدني ذو الرؤية الغربية، واستمر الصراع بين التعليم الديني والتعليم العام حتى الحرب العالمية الثانية بترجيح دائم لكفة التعليم الحديث وحصر للتعليم الديني في أضيق الحدود. ولم تتغير الصورة كثيرا بعد الاستقلال في كثير من البلاد الإسلامية والعربية فقد نهجت النظم الجديدة في الغالب على خطى السياسة التعليمية القديمة التي رسمها الاستعمار. واستمر الصراع على أشده بين التعليم الديني الذي يعتقد أنه يمثل الفكر التربوي الإسلامي وبين التعليم الحديث بأهدافه الجديدة وأنظمته المختلفة وطرقه التي فيها كثير من الإبداع. على أن هذا الصراع يجب ألا يفهم بمعزل عن الظروف التي كانت تعيشها الأمة الإسلامية فلم يكن صراعا بين نظامين تعليمين فقط بل هو جزء من الصراع الكلي بين الإسلام والأفكار الغربية.

وقد شهدت الخمسينات والستينات تغيرات جذرية في العالم العربي من النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية أدت إلى تبلور الفكر الإسلامي التربوي الحديث بظهور مفهوم التربية الإسلامية في السبعينات بشكل أوضح. وسجل الفكر التربوي في بداية الستينات من القرن الماضي ظاهرة جديدة تتمثل في سيل من الكتب التربوية الإسلامية لم يشهد لها التعليم الحديث في البلاد العربية مثيلا.

 

  • منهج التربية الإسلامية:

 ومن أوضح النماذج للكتابات التربوية في تلك الفترة الجزء الأول من كتاب محمد قطب (منهج التربية الإسلامية) الذي يعتبر من أشمل الكتب التربوية التي تتحدث عن القاعدة النظرية للتربية الإسلامية. فقد رسم الكاتب الخطوط العريضة لأهداف التربية الإسلامية المستمده من القرآن الكريم والتي تتمثل في إعداد الإنسان الصالح يقابلها في مختلف الأيديولوجيات ونظريات التربية عند الشعوب بإعداد المواطن الصالح. كما حاول تبين مواصفات هذا الإنسان الصالح، فهو الأتقي، وهو الذي يعبد الله ويهتدي إليه، وهو الذي يتبع هدى الله، وهو بالجملة ذلك الإنسان الذي يفي بشرط الخلافة على الأرض.

وهدف رئيس للتربية الإسلامية في مثل هذا الوضوح يرد الناس إلى خالقهم مباشرة بلا حواجز ويجعل التخطيط على مستوى المجتمع والفرد في غاية الوضوح. ومن أبرز خصائص التربية الإسلامية كما صورها محمد قطب وهي بذاتها أبرز سمات الإنسان الصالح الذي يسعى بالمنهج لتحقيقه في واقع الأرض، وهي الشمول والتكامل والتوازن والإيجابية السوية والواقعية المثالية. وقد تحدث الكاتب عن وسائل التربية الإسلامية في تربية الروح والعقل والجسم، وعن نظرة الإسلام للنفس البشرية، وأخيرا تعرض لبعض الأمثلة التي تبين ثمرة هذه التربية في الفرد المسلم.

  • التربية الإسلامية:

ويعتبر كتاب (التربية الإسلامية) (1964) لمحمد عطية الابراشي، أحد الكتب التي تتحدث عن تاريخ التربية الإسلامية في خلال العصور الإسلامية الزاهية. وقد اعتبر الكاتب أن الغرض الرئيس من التربية الخلقية أو ما أسماه بالفضلية. والأغراض الأخرى تتمثل في العناية بالدين والدنيا معا، والعناية بالنواحي النفعية، دراسة العلم لذات العلم. وأخير التعليم المهني والفني والصناعي لكسب الرزق.

وفي معرض حديثه عن تاريخ التربية الإسلامية بين أننا (إذا رجعنا إلى الاتجاهات الحديثة في التربية في القرن العشرين ودرسنا مبادئها وطرقها وأنظمتها وجدنا أن التربية الإسلامية قد سبقتها بقرون في المناداة بكثير من المبادئ والأساليب التربوية الهامة) ص15. وأورد بعض الأمثلة على ذلك.

 وقد بين الابراشي في كتابه التقسيمَ القديم لمناهج التربية الإسلامية في عصورها الزاهية مشيرا إلى قسمين. القسم الأول: منهج المرحلة الأولى ويشمل بوجه عام القرآن الكريم ومبادئ الدين والقراءة والكتابة والحساب ودراسة اللغة العربية ورواية الشعر الخلقي وإجادة الخط ومعرفة القصص العربية والتمرن على السباحة والفروسية.

والقسم الثاني: منهج المرحلة العالية. وهو نوعان، منهج ديني أدبي ومنهج علمي أدبي.

فالأول يشمل بصفة عامة علوم القرآن، النحو، الكتابة، العروض، الأخبار (التاريخ) ثم الحساب، أما النوع الثاني فيشمل العلوم الطبيعية والعلوم الرياضية والمنطق والفلسفة. على ألا يفهم من ذلك أن هناك دائما تفريقا دقيقا في المراحل العالية بين المنهجين الديني الأدبي والعلمي الأدبي بل هما متدخلان وغالبا ما أصبح للعالم المسلم حظا في دراسته العالية من كلا المنهجين. ولم يقصد الكاتب بهذا التصنيف –في اعتقادنا– إلا تسهيلا للدراسة النظرية للموضوع. وقد نقل الكاتب رأى الغزالي في تصنيفة للعلوم، حيث صنفها إلى ثلاثة أقسام تعتبر من القواعد الأساسية لنظرية المعرفة في الإسلام التي يعتمد عليها بناء المناهج في التربية الإسلامية:

1- قسم مذموم قليلة وكثيرة كالسحر.

2- وقسم محمود قليلة وكثيرة، محمود إلى أقصى غايات الاستقصاء وهو العلم بالله وسنته في خلقة (القرآن وعلومه، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والعلوم الطبيعية، والاجتماعية والإنسانية). وهو علم مطلوب للتوصل إلى سعادة البشر في الدنيا والآخرة.

3- وقسم يحمد منه مقدار الكفاية كالنجوم. ومن أهم الافكار الرئيسة في الكتاب أن التربية الإسلامية تعتمد على قاعدة أساسية تهتم بعنصري الدين والدنيا معا ولا تبالغ في أحدهما على حساب الآخر. وقد نشر لمحمد عطية الابراشي كتاب آخر بعنوان (التربية الإسلامية وفلاسفتها) (1969) مركزا على الدراسة التاريخية للتربية الإسلامية وهو في الحقيقة نفس كتاب (التربية الإسلامية) بزيادة ثلاثة فصول عن بعض فلاسفة الإسلام، ابن سينا والغزالي وابن خلدون وآراءهم التربوية.

وعلى النسق التاريخي نفسه في دراسة التربية يعتبر كتاب د. أحمد شلبي (تاريخ التربية الإسلامية) (1966) موسوعة تاريخية جمع فيها المؤلف كثيرًا من المعلومات التاريخية عن عناصر التعليم في الإسلام شملت أمكنة التعليم والمكتبات والمدرسين والتلاميذ وكثيرا من المعلومات عن فلسفة ونظم التربية الإسلامية.

 

  • المفهوم الضيق للتربية الإسلامية:

لقد بينا في مستهل هذه الدراسة في معرض تعريفنا للتربية الإسلامية وجهتي النظر المسيطرتين في الكتابات التربوبة: أولا: النظرة العامة الشاملة التي تشمل بصفة عامة تربية الفرد المسلم ككل في المجتمع الإسلامي، وبصفة خاصة التعليم في المؤسسات التعليمية في المجتمع. والنظرة الأخرى التي تحدد التربية الإسلامية في مفهوم ضيق يتناول العلوم الدينية في المنهج التعليمي.

وقد أشرنا إلى بعض العينات من الكتب التربوية التي اقترن علاجها للتربية الإسلامية بالحديث عن علوم الدين، ولفتنا الانتباه إلى الظروف التي أدت إلى ذلك، والزمن الذي سيطرت فيه هذه الكتابات على الفكر التربوي الإسلامي.

وعلى كل حال بالرغم من استمرار هذا التجاه في كتابات عديدة حتى وقتنا الحاضر إلا أن الكتابات الحالية تعكس فكرة الصراع الذي كان على أشده في بداية القرن العشرين بين التعليم الديني والتعليم الحديث.. ويؤخذ على هذا الاتجاه في الكتابات المعاصرة تحديد معالجة جوانب التربية الإسلامية في زاوية المواد الدينية في المنهج التعليمي. فقد أطلق لفظ الكل (التربية الإسلامية) على لفظ الجزء (العلوم الدينية) فهي بذلك مشكلة تتعلق بتعريف لمصطلح التربية الإسلامية ولا تعكس بالضرورة اختلافا في المفاهيم التربوية.

 

  • لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها:

ومن أشهر الكتب التي تمثل هذا الاتجاه كتاب (لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها) لمحد أمين المصري، وفيه ربط الكاتب بين تدريس العلوم الدينية ونتائج اتجاهات التربية الحديثة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وبين بعد مناقشة لاتجاهات التربية الحديثة أنه: (من الخطأ ... أن نلجا إلى وسائل الوعظ الكلامي والتلقين وفرض المبادئ الحقيقة فرضا خارجيا والأولى أن نبني هذه التربية عن طريق الإيمان والاقتناع والخبرة التي تتم عن طريق التفاعل الاجتماعي) ص22.

فالطالب يجب أن يعطي حرية السؤال ويجب أن نربط بين ما تتطلبه المناهج وما يريد طلابنا الوصول إليه. ولننهج في ذلك طرق البحث العلمي. وباختصار يؤكد الكاتب على ضرورة اعتماد تقديمنا وتدريسنا للمواد الدينية على الخطوات التي يسير فيها العقل لدى حل كل مشكلة وهي:

1- مرحلة اختيار الموضوع أو المشلكة المراد حلها.

2- مناقشة الوسائل التي تؤدي إلى هذا الغرض.

3- ممارسة البحث حسب الخطة التي رسمت.

4- تقدير قيمة النتيجة التي انتهينا إليها.

فالغرض من قراءة القرآن الكريم مثلا هو (أن يألف الطالب كتاب الله ويتعرف على أغراضه ويتأثر ويتعظ بعظاته ويجيد تلاوته تلاوة خاشعة تصدر من قلب واع وعقل متدبر) (ص23). والغرض من تفسير القرآن (أن يمتلئ قلب الطلاب بسحر كتاب الله وقوة بيانه والتأثر العميق بعظمته وسلطانه والاستماع بقلب واع لأوامر وزواجره والاستجابة لهدية وإرشاده) (ص25).

وهناك أغراض محددة لكل من الحديث والعقيدة والسيرة النبوية. والوصول إلى هذه الأغراض يجب ألا يأخذ منهجا اعتباطيا بل تحدد لها الوسائل ثم يمارس البحث والتقديم أو الدراسة حسب هذه الوسائل للوصول إلى النتائج المطلوبة. وتبعا لهذه الوسائل التي بينها الكاتب لتدريس المواد الدينية يبين بوضوح خطوات متتابعة لتدريسها في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية.

 

  • التربية الإسلامية وطرق تدريسها:

ومن الكتب التي حددت مفهوم التربية الإسلامية في علوم الدين كتاب د. عبد الرشيد عبد العزيز سالم (التربية الإسلامية وطرق تدريسها) (1365ه – 75م) التي تناول فيها الكاتب طرق تدريس القرآن الكريم والعبادات وطرق تدريس السيرة والتهذيب والحديث.

 

  • وسائل التربية الإيمانية في ضوء العلم والفلسفة والإسلام:

وأخيرا نختتم هذا الاتجاه في التربية الإسلامية بدراسة للدكتور مقداد يالجن (وسائل التربية الإيمانية في ضوء العلم والفلسفة والإسلام)، وتجدر الاشارة هنا إلى أن هذا المقال لم يتطرق إلى تحديد مفهوم التربية الإسلامية لا تعميما ولا تخصيصا وهدفنا من الاستشهاد به هو الاستفادة من الوسائل التي وصفها لتكوين الإيمان، الذي يعتبر تكوينه –ورفع مستواه– غالبا من مهام العلوم الدينية. لقد أرجع الكاتب سبب عدم تمسك المسلمين بدينهم إلى أزمة الإيمان (مشكلة تربوية) واقترح أربع وسائل لتكوين الإيمان الدافع إلى السلوك:

الأولى: تجنب اتخاذ طرق التلقين الصوري وسيلة للإقناع.

الثانية: التركيز على جوانب العقيدة الإسلامية الإيجابية والمؤثرة في السلوك.

الثالثة: استخدام كل وسائل الإقناع وطرق الوصول إلى الحقائق اليقينية لترسيخ العقيدة القوية.

الرابعة: تكوين عاطفة قوية دافعة إلى السلوك بموجب هذا الإيمان وقد ضرب الكاتب أمثلة واضحة وبسيطة لكل وسيلة من الوسائل الأربعة.

 

  • المفهوم الواسع للتربية الإسلامية:

وبعيدا عن تحديد التربية الإسلامية بالتعليم الديني يقف الاتجاه العام في تعريف التربية الإسلامية مسيطرا على الكتابات التربوية الحديثة ويزداد هذا الاتجاه وضوحا وتأكيدا من علماء التربية المسلمين. وكغيره من الاتجاهات التربوية مرّ بعدة مراحل حتى وصل في آخر السبعينات الميلادية إلى وضوح تام في الرؤية.

 

  • التربية في الإسلام:

بالإضافة إلى الكتب التي تحدثنا عنها فيما يتعلق بفلسفة التربية (القاعدة النظرية) وتاريخها يعتبر كتاب (التربية في الإسلام) (1967م) للدكتور أحمد فؤاد الأهواني من الكتب التي احتوت عناصر مهمة في سبيل نضج هذا الاتجاه في النظرة إلى التربية الإسلامية.

فقد عرف الأهواني التربية على أنها المفاهيم المنطلقة من الإسلام والمؤدية إلى (تصفية الروح، وتثقيف العقل، وتقوية الجسم، فهي تعني بالتربية الدينية والخلقية والعملية والجسمية، دون تضحية بأي نوع منها على حساب الآخر) (ص9).

وبِناءً على هذا الأساس تحدث الكاتب عن دعائم التربية الإسلامية وميزاتها ونقلنا إلى القرن الرابع الجري بتحقيقه لرسالة (تفصيل أحوال المعلمين والمتعلمين) لأبى الحسن علي بن محمد القابسي المتوفي سنة 403ه، كما اشتمل كتابه على رسالة (آداب المعلمين لابن سحنون) المكتوبة في القرن الثالث الهجري (التي تعتبر بالإضافة إلى ما كتبه الجاحظ أول الكتابات في التاريخ الإسلامي حول التربية والتعليم).

 وقد أكد الأهواني على أربعة مبادئ في التربية الإسلامية، يعتقد أنها أفكار حديثة في التربية، وهي مبدأ الحرية في التربية الواضح في مناهج وطرق التعليم على امتداد العصور الإسلامية ومبدأ التطور المستمد من طبيعة الإسلام الصالح لكل زمان ومكان، ومبدأ تكافؤ الفرص التعليمية القديم قدم الإسلام نفسه. ذلك أن الإسلام لا يعرف نظام الطبقات الاجتماعية فالناس سواسية كأسنان المشط، والناس سواسية أمام الله ولا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، وأخيرًا مبدأ الالتزام في التعليم الذي قرره أبو الحسن على بن محمد القابسي في نهاية القرن الرابع الهجري وجعله من أوامر الشرع.

 

  • أصول التربية الإسلامية:

وهذا المفهوم للتربية الإسلامية الذي عبر عن بعض عناصره الأهواني اتضح تماما في الكتابات التربوية الحديثة التي قد يمثلها كتاب (أصول التربية الإسلامية) لسعيد إسماعيل علي (1976م) الذي عرّف التربية الإسلامية على أنها (تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التى أتى بها الإسلام والتي ترسم عددا من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق وعقيدة الإسلام) (ص5).

 وهذا التعريف يشمل التربية والتعليم سواء في البيت او في المؤسسات التعليم الرسمية في المجتمع المسلم أو في أي وسيلة من وسائل التثقيف الشعبي على اختلاف مستوياتها. فكما أن الفكر التربوي في المجتمعات الاشتراكية مثلا يوجه الأهداف التعليمية ووسائل التثقيف الاجتماعي نحو فكرة الأيديولوجية عن الكون والإنسان والحياة، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمعات الرأسمالية، فأن التربية الإسلامية تسعى لتوظيف الفكر التربوي في سبيل تحقيق أهداف الإسلام على مستوى الفرد والعائلة والمجتمع المحلي والأمة الإسلامية.

 

  • فترة نشاط الفكر التربوى الإسلامي:

ومن الطبيعي في وقت كهذا أن تنشط الأفكار التربوية الإسلامية معبرة عن غيابها عن الساحة فطالعتنا الصحف العربية والمجلات والدوريات ببعض الكتابات التي طالبت بإعادة النظر في كثير من الأنظمة التعليمية العربية. وظهرت على الساحة كتابات تربوية تحمل عناوين مثل (نحو التربية الإسلامية) و (عودة إلى الإسلام) و (نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي). ولإلقاء بعض الضوء على أفكار هذه النماذج من الكتابات التي ظهرت في تلك الفترة طالب أبو الحسن الندوي في كتابه (نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية) (1388ه – 1969م) بأعادة صياغة المناهج التعليمية صياغة إسلامية وأعطى بعض الاقتراحات العامة لتحقيق هذه المهمة. وأكد الدكتور محمد فاضل الجمالي في كتابه (نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي) (1392ه – 1972م) على أهمية الرجوع إلى المفاهيم الإسلامية في التربية. وتحدث عن أهداف التربية في القرآن الكريم وأوجزها بــ (معرفة الإنسان نفسه، ومعرفة الإنسان النظام الاجتماعي وتحمل نصيبه من المسؤلية الاجتماعية، ومعرفة الإنسان الكون والخليقة واستثمارها لخير الإنسان وفوق ذلك كله معرفة الإنسان لخالق الكون وعبادته باتباع أوامره واجتناب نواهيه) (ص81).

وأفرد أحمد الشرباصي في كتابه (عودة إلى الإسلام) (1971م) قسما عن أسس التربية الإسلامية ضمنها نظرة التربية الإسلامية إلى المعرفة والبحث العلمي والتعلم وبعض من نظرتها إلى طرق التدريس ومناهجة التعليمية. وإذا أضفنا إلى هذه الأسس التربوية ما أسماه محمد قطب بخصائص التربية الإسلامية، الشمول والتكامل والتوازن والإيجابية السوية والواقعية المثالية، وما أسماه أحمد فؤاد الأهواني بمبادئ التربية الإسلامية من تكافؤ للفرص التعليمية والإلزام والحرية والتطور يجد الباحث فكرا تربويا مميزا.

 

  • أزمة التعليم المعاصر في البلاد العربية:

ومما تجدر الإشارة إليه أن الكتابات التربوية حتى تلك الفترة من بداية السبعينات الميلادية، كما هو واضح، كانت غالبا مهمته بالدراسة التاريخية والفلسفية للتربية الإسلامية من تبيين لجوانبها وأهدافها وطرقها وميزاتها بدون الحديث والتعرض بصورة دقيقة لمكانتها في الأنظمة التعليمية العربية.

ولم يتصد لهذه المهمة إلا الدكتور عبد اللطيف الطيباوي من جامعة لندن في كتابه (Islamic Education its Traditions and Modernization into the Arab National) حيث حلل الكاتب بدقة الأنظمة التعليمية في العالم العربي وبين نقاط القوة والضعف فيها.

في الجزء الأول ناقش الكاتب تاريخ التربية الإسلامية وتطور الفكر التربوي في الإسلام مبينا نظرية التربية في الإسلام التي رسم معالمها أبو حامد الغزالي واستمرت عدة قرون حتى جاء ابن خلدون الذي أسهم في توضيحها إسهاما وقف بعده الإبداع في الأفكار التربوية لعدة قرون من الانحطاط. وبعد قرون الانحطاط وقعت البلاد العربية تحت تأثير الأفكار الأجنبية عن طريق النفوذ والتبشير والاستعمار مما أدى بعد كفاح مرير إلى إنحسار مفاهيم التربية الإسلامية في المعاهد الدينية والمساجد والزوايا.

ونظرا للتحديث وأثره في فلسفة التربية العربية الحديثة أصبح هناك ثنائية في التعليم. فهناك التعليم الديني الذي هو امتداد لبعض المفاهيم المتعلقة بالتربية الإسلامية وهناك التعليم المدني البعيد عن روح الإسلام. وقد أخذ الكاتب في الجزء الثاني من الكتاب الأنظمة التربوية الحديثة في العالم العربي واحدا بعد الآخر بالإيضاح والرصد التاريخي منذ بدء تأثرها بالأفكار الأجنبية حتى سنة 1967م. وفي الجزء الثالث شخص المشاكل التربوية العربية الحديثة فيما يتعلق بالأهداف التعليمية ومحتوى المناهج والتخطيط التربوي وطرق التدريس.

واختتم دراسته بتأكيد حقيقة هامة وهي أن فلسفة التعليم في أكثر البلاد العربية قد تحولت من فلسفة تقوم على المبادئ الإسلامية الواضحة المعالم إلى فلسفة غير واضحة تقوم على أساس القومية العربية التي اختلف في تعريفها المفكرون ومن ثم اختلفت آراء التربويين العرب في تحديد إطار لفلسفتها التعليمية.

ويبدو أن كتاب الطيباوى يكاد يكون الأول من نوعه الذي أخذ أزمة التعليم المعاصر في البلاد العربية بالبحث الموضوعي والروح العملية الدقيقة. وقد ظهرت بعده كتابات عديدة تتحدث عن جوانب هذه الأزمة لا من الناحية التعليمية فقط بل من النواحي الثقافية والاجتماعية.

والجدير بالذكر أن مفاهيم التربية الإسلامية في هذه الفترة قد استقرت ونضجت، وما الحديث عن الأزمة التعليمية والثقافية إلا دليل على الاتجاه الفكري والتربوي الحديث الذي أخذ مفاهيم التربية الإسلامية معيارا للحكم على مدى صلاحية الأفكار التربوية في المنطقة. وأخذ يقيم نتائج التربية العربية الحديثة في ضوء وضوح الرؤية فيما يتعلق بالأهداف التعليمية الإسلامية.

وليس من العدل، على كل حال، القول بأن الحديث عن الأزمة التعليمية في العالم العربي لم يكن موجودا قبل كتاب الطيباوي.

بل أن الحديث عن هذه الأزمة قديم قدم تأثير الأنظمة الغربية في العالم العربي والإسلامي لكن أن تفرد له الكتب من ناحية أكاديمية، وتقام لها المؤتمرات التربوية المتخصصة وتكتب عنها المقالات العلمية التي تعكس فهما دقيقا لروح التربية الإسلامية فهذا شيء جديد نسبيا شهدته السبعينات الميلادية وعلى الخصوص النصف الآخر منها.

وقد أخذ الحديث أخيرا عن أزمة التعليم في الكتابات التربوية الإسلامية صفة عالمية انتقلت به من محدودية الأنظمة التعليمية في البلاد العربية إلى ما وصلت إليه النظم التربوية الأرضية من مستوى على غاية كبيرة من التدني. ففي محاولة لتشخيص أزمة التعليم المعاصر قدم د. زغلول راغب النجار في مقالة (أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية) (1397) تحليلا دقيقا للأزمة. فقد بيّن اختلاف الباحثين المعاصرين في أصل الأزمة فمنهم من أرجعها إلى أسباب اقتصادية ومنهم من أرجعها إلى أسباب اجتماعية والبعض الآخر يعتقد أنها أسباب ذات طبيعة تربوية تتعلق بالقديم والحديث في التعليم. لكن الكاتب لا يتفق مع أى من آراء الباحثين جميعا في تحديد أصل الأزمة في أحد الأسباب سالفة الذكر. وعلى الرغم من أنه لا ينكر أثر هذه الأسباب في بعض الجوانب الأزمة في التعليم إلا أنه يؤكد على أن حجر الزاوية في أزمة التعليم المعاصر هو عدم وجود فلسفة تربوية صحيحة. واختتم الكاتب بحثه مشيرا إلى التربية والتعليم في البلاد الإسلامية بقوله (إذا أردنا للتعليم أن ينهض من هذه المحنة التي يعيشها فعلينا أن نعيد صياغة المعارف الإنسانية كلها من تصور إسلامي صحيح وبذلك نضفي إلى التعليم بعدا نفتقر إليه اليوم ونزيل هذا التناقض القائم بين دروس الدين وبين المعارف التي تعلم من تصور غير إيماني. أما أن يُعلم الطفل شيئا من الدين وفي نفس الوقت تمتلئ كتبه الأخرى بمفاهيم منكرة لذلك، أو متجاهلة له، فإنه سيعيش في حالة من التضارب الفكري قد تؤدي به في النهاية إلى الكفر بكل شيء) (ص188).

 

  • المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي:

كما أوضحنا في هذه الدراسة كان لبعض الأحداث والظروف التي مرت بالعالم العربي والإسلامي أهمية كبيرة في تطور هذا الاتجاه في مفهوم التربية وإبرازه للوجود. وعلى المستوى نفسه من الأهمية في سلسلة هذه الأحداث شهد عام 1397ه حدثا هاما في تطور التربية الإسلامية ففي (أبريل 1977م) عقد المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي في مكة بدعوة من جامعة الملك عبد العزيز.

ويعتبر هذا الحديث الأول من نوعه في المنطقة العربية والإسلامية ففيه اجتمع تلاتمائة وتلاتة عشر عالما مسلما لتدارس الأوضاع التربوية في العالم العربي والإسلامي ولمحاولة وضع الحلول للأزمة التعليمية وقد عكست البحوث المقدمة وطبيعة تبادل الآراء الرؤية الواضحة للمستقبل التربوي كما تريده الشعوب الإسلامية ويطالب به علماؤها المخلصون. وفي السنوات القليلة الماضية التي أعقبت ذلك الموتمر العالمي عقدت مؤتمرات أخرى وشرعت جامعة الملك عبد العزيز في مشروع لتبني سلسلة من الكتب عن التربية الإسلامية، ولنأخذ كتاب: (Curriculum and Teacher Education)جمع وتقديم محمد الأفندي ونبي أحمد بالوك (1400ه) مثالا لما اشتملت عليه هذه السلسلة من أفكار، فقد قام الكتاب على فكرة رئيسة وهي أن التعليم في البلاد الإسلامية يجب أن يتجه إلى (المنهج الإسلامي المتكامل). وهذه ضرورة حتمية للسيطرة على التصنيف الغربي للعلوم في البلاد الإسلامية ولمهاجة الثنائية في التعليم الذي قسم إلى ديني وآخر مدني (تقليدي وآخر حديث) وبين الكتاب أن أهداف التربية الإسلامية تختلف عن أهداف التربية الغربية وأصدائها في العالم الإسلامي. وتقسيم العلوم إلى دينية وعلمانية بأهداف تعليمية متناقضة ليس تقسيما إسلاميا. والاتجاهات الحديثة في التربية التي تطورت في بيئات أبعد فيها الدين عن التربية لا تستطيع أن تساعدنا على بناء مناهجنا التربوية إلا فيما يتعلق ببعض الوسائل. لقد غطى الكاتب في الجزء الأول موضوعات تتعلق بفلسفة التربية الإسلامية وأهدافها وطرق تقديمها في المناهج الدراسية، كما غطى الجزء الثاني توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي (مكة 1397ه) الخاصة بتدريب المعلمين وتحضيرهم للمشاركة في النظام التعليمي في ضوء خطة تعليمية تأخذ روحها من الإسلام بعيدا عن النموذج الغربي. وهذه الخطة التعليمية بلا شك، كما صورها المؤتمر، عنصر هام من عناصر التغير التدريخي باتجاه التربية الإسلامية ذلك أن المعلم يعتبر الدعامة الرئيسة في تحقيق أهداف المنهج التعليمي.

 

  • نتائج:

في ضوء ما سبق من الكتابات التربوية التي تناولناها بالإيجاز في هذه الدراسة والتي تغطي فترة طويلة من تطور المفاهيم التربوية في المنطقة العربية والإسلامية منذ بداية القرن العشرين الميلادي يجد الباحث ثلاثة اتجاهات بارزة في الكتابات التربوية الإسلامية:

الاتجاه الأول: ومجاله الوصف والتتبع التاريخي للمؤسسات والنظ التربوية الإسلامية مثل المساجد والكتاتيب والمدارس والحلقات الدراسية والمعاهد الدينية منذ ظهور الإسلام حتى مطلح القرن العشرين وهو اتجاه ذو صبغة تاريخية في الدراسة.

الاتجاه الثاني: ومجاله الحديث عن المفاهيم والأفكار التي هي نتاج لجهود علماء المسلمين خلال العصور الإسلامية، مثل الآراء التربوية لكل من ابن سينا الغزالي وإخوان الصفا وابن خلدون وغيرهم. وهذا الاتجاه ذو صبغة فلسفية في الدراسة.

الاتجاه الثالث: وهذا الاتجاه هو ما حاولنا التركيز على أهم جوانبه وعلى تطور مفهومه في دراستنا فهو اتجاه لا يكتفي بالحديث عن المؤسسات التعليمية في الماضي وعن مواصفاتها، أو يحدد دراسته بتحليل ومناقشة أفكار علماء التربية المسلمين الذين خدموا الفكر الإسلامي في زمن سابق، بل إنه يُرجع هذه الأفكار والآراء التربوية إلى مصادرها الأصلية ويحاول أن يميز الغث منها من السمين عن طريق عرضها على أهم مصادر الفكر الإسلامي متمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية. ومن ثم فإنه اتجاه لا يكتفي بالسرد التاريخي أو المناقشة الفلسفية بل يرسم الأهداف التعليمية ويناقش طرق تقديمها في وسائل التثقيف الشعبي وفي المناهج التعليمية في مختلف المراحل الدراسية من حياة المتعلم في المجتمع المسلم.

إن هذا الاتجاه ينظر إلى التربية الإسلامية كما عرّفها سعيد إسماعيل على أنها (تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عددا من الإجراءات والطرائق العلمية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق وعقيدة الإسلام).

وهذه النظرة إلى التربية الإسلامية تشمل مفهومين متداخلين؛ مفهوما عاما يتعلق بالتربية ومفهوما خاصا يتعلق بالتعليم. يغطي المفهوم العام التربية في المجتمع المسلم على أساس كونها ظاهرة مرتبطة بالحياة ولا تقف عند زمن أو عمر معينين لذلك فهي تشمل التربية في البيت والمؤسسات التعليمية الرسمية في المجتمع المسلم ووسائل التثقيف الشعبي على اختلاف مستوياتها.

 أما المفهوم الخاص للتربية الإسلامية فهو التعليم وهو جزء من المفهوم العام توضع على أساسه البرامج التعليمية، ونختار بموجبة المواد الدراسية في المنهج وتبنى على ضوءه النظم وتصاغ الأهداف التربوية، وتعالج على حسب مرئياته المشاكل الإدارية والتربوية فيما يتعلق بالإدراة المدرسية أو المدرس أو الطالب أو المنهج التربوي وعلاقة أحدهما أو جميعا بالبيئة.

وهذا المفهوم في التربية الإسلامية بشقية العام والخاص يرفض الفصل، كما أسلفنا، في عقلية المتعلم المسلم بين العلوم الدينية ومواد المنهج الأخرى، ويرفض المفاهيم العلمانية في التربية، وينظر بعين الشك إلى كل علم تطور بعيدا عن البيئة الإسلامية الصحيحة.

وهو المفهوم الذي أفضنا في الحديث عن تطوره وأوردنا بعض النماذج من الكتابات التربوية لرصد مساره حيث عكست كتابات محمد قطب قاعدته النظرية في تربية العقل والجسم والروح، وأعطتنا كتابات محمد عطية الابراشي وأحمد شلبي خلفيته التاريخية بتوسع، وأوضحت ميزاته ومعالمه كتابات أحمد فؤاد الأهواني، وبين لنا سعيد إسماعيل علي بوضوح أصوله التي يرتكز عليها، وحلل لنا عبد اللطيف طيباوي بدقة المبررات التي أدت إلى ابتعاده عن أنظمتنا التعليمية، وأيقظتنا الكوارث المتتالية في العالم العربي على سبيل المثال وعلى رأسها هزيمة 1967م على أهمية الرجوع، وأخيرا عبرت عن أروع أبعاده وعكست تطوره الأكاديمي سلسلة الكتب التي أصدرتها جامعة المللك عبد العزيز بجدة على إثر انعقاد سلسلة من المؤتمرات حول التعليم الإسلامي.

 

  • خاتمة:

ثمة بعض الملاحظات حول الكتابات التربوية الإسلامية تثير الاهتمام وتسهم في توسيع أفق الوعي التربوي.

1- إن التربية الإسلامية بمفهوميها العام والخاص لا تعني بالضرورة رفض بعض الأفكار التربوية الغربية إذا كانت تتماشى مع روح الإسلام وفي الإمكان إخضاعها للأهداف العامة للتربية والتعليم والإسلامي.

2- إن أهم مشكلات التربية الحديثة في العالم العربي والإسلامي ليست مشكلات ذات صبغة مادية أو صبغة اجتماعية بل إنها مشكلات تتعلق بفلسفة التربية نفسها وبالأهداف العامة من التعليم التي انتقلت في كثير من البلاد –ولا تزال تتجه نحو الانتقال في بلاد أخرى– من وضوح الأهداف في التربية الإسلامية إلى التعثر في بناء أهداف جديدة تعتمد على الأفكار المستوردة من الغرب الرأسمالي أو الشرق الاشتراكي. بل إن أصل الأزمة التعليمية هو وجود هذه الثنائية في التعليم نتيجة لهذا التيار.

3- إن بناء نظرية تربوية إسلامية يجب أن يأخذ في الحسبان كتابات علماء المسلمين المحدثين في التربية، وأن يستمد عناصره من إسهامات الغزالي وابن خلدون وأن يأخذ منطلقاته من القرآن الكريم والسنة النبوية.

4- وقع كثير من المفكرين وكُتّاب التربية الإسلامية في نوع من الخلط عند تناولهم بعض المصطلحات التربوية. وهذا الخلط ليس سببه بالطبع عدم اتضاح الرؤية فيما يتعلق بالمفاهيم التربوية، بل أهم أسبابه عدم الاهتمام بتعريف المصطلحات التي تتناولها كتبهم ومقالاتهم والتي تعني أشياء مختلفة باختلاف الكتاب. ومن هذه الأمثلة التي هي مصدر لنوع من الخلط مصطلح (التربية الإسلامية) الذي اعتبره بعضهم علوم الدين في المنهج الدراسي. ومن هذه الأمثلة التربوية، أيضا الاختلاف في معالجة مصطلحات مثل التربية الدينية، التعليم الديني، الثقافة الدينية، الثقافة الروحية، الثقافة الأخلاقية، التربية الأخلاقية، التربية الروحية، التربية الإيمانية وأخيرا الثقافة الإيمانية.

5- إن ما ذخرت به كتب التربية الإسلامية من أفكار وآراء ومفاهيم تربوية مثل بعض أعمال الغزالي وإخوان الصفا، على سبيل المثال لا الحصر لا تعكس بالضرورة فكرا تربويا أصيلا من ناحية إسلامية وإنما هي اجتهادات شخصية معرضة للانحراف ومنهجنا في الحكم على أصالة الأفكار التربوية هو القرآن الكريم وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

6- تشكو كثير من الكتابات التربوية من قصور في الشكل والمحتوى فأغلبها مثلا لا تحتوي على تواريخ للنشر، ولا تهتم بالدقة والجدية في الدراسة، ولا تعرف المصطلحات، ولا تهتم بالاستشهاد وتبيين المراجع. وهي أيضا لا تعتمد على إسهامات بعضها لتطوير بعض الأفكار التربوية. وكأن الكتابة في مجال التربية الإسلامية ترف فكري ومناقشات حول التواريخ الغابرة ورصد تاريخي لبعض الظواهر.

على أن الوضع قد تغير نوعا ما نحو الاهتمام بالتوثيق في السبعينات الميلادية وعلى الخصوص النصف الثاني من العقد. وظهرت أخيرا سلسلة الكتب التي تبنت إصدارها جامعة المللك عبد العزيز نموذجا رائعا لما يجب أن تكون عليه الكتابات التربوية من اهتمام بالمراجع ومن اهتمام ببناء الأفكار التربوية، ومن استفادتها من بعض في سبيل تطوير الفكر التربوي الإسلامي ليكون على مستوى الأحداث في أمة حاضرها ومستقلبها في أمس الحاجة إليه.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم