Business

الشيخ سامح الجبة يكتب: سورة الكهف وقيم تربوية نحتاجها

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه  وبعد:

فاشتملت سورة الكهف على أربع فتن لا تخلو منها الحياة وهي فتنة العقيدة والدين في قصة (أصحاب الكهف)، وفتنة الدنيا في قصة (أصحاب الجنتين)، وفتنة العلم وآداب العالم والمتعلم في قصة (موسى والخضر)، وفتنة المُلك في قصة (ذي القرنيين). وهذه الفتن الأربعة لا تخلو منا الحياة، وقد يتعرض الداعي إلى الله والمربي لواحدة منها أو أكثر.

ولكن في البداية هيا بنا نقف سريعا حول ما ورد في هذه السورة من فضل لندرك لماذا حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على دوام مراجعة ما في هذه السورة من دروس وقيم وعبر وذلك بتكرار قراءتها كل أسبوع، وهو يوم الجمعة، فقد ورد في فضل هذه السورة على سبيل المثال لا الحصر:

1 ـــ  روى الحاكم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى عليه وسلم-: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين». رواه النسائي والحاكم مرفوعا وصححه.   

2 ـ  فقد أخرج البخاري في صحيحه عن البراء أنه قال : «كان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط  فتغشته سحابة، فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينضر، فلما أصبح: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال: «تلك السكينة تنزلت بالقرآن» وفي رواية الترمذي: «نزلت مع القرآن».

3 ـ   كما روى مسلم في صحيحه عن أبى الدرداء: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:  «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال»

4 ـ   ما روى الترمذي في سنته عن أبى الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال:  «من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال»  وقال: هذا حديث حسن صحيح.

 

 وتهدف السورة بشكل واضح ومركز وقوى إلى ترسيخ وتعميق أربع قيم أساسية وهي :

1 ــ  تصحيح العقيدة :

وهى تقرر ذلك: في بدايتها، وخاتمتها، ومواضع عديدة في سياقها. ففي البدء: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ * قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا» 

وفي الختام: «قلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»

وهكذا يتوائم البدء والختام في: إعلان الوحدانية، وإنكار الشرك، وإثبات الوحي، وفي السياق -على سبيل المثال- يقول الرجل المؤمن في قصة الجنتين لصاحبه وهو يحاوره:

«أكفرت بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ أحدا»

2 ــ تصحيح منهج الفكر والنظر:

ويتجلى ذلك بوضوح في استنكار دعاوى المشركين الذين يقولون ما ليس لهم به علم، والذين لا يأتون على ما يقولون ببرهان، ففي مطلع السورة يقول الله تعالى: «وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا».

وهؤلاء الفتية ماذا قالوا: «... هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ...»  

توجيه الإنسان إلى أن يحكم بما يعلم ولا يتعداه، وما لا علم له به: فليدع أمره إلى الله. فالفتية أصحاب الكهف حينما يتساءلون عن فترة لبثهم في الكهف، يكلون علمها لله «... قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ...»

  وفي قصة موسى مع العبد الصالح، عندما يكشف له عن سر تصرفاته التي أنكرها عليه موسى، يقول: «رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي» (سورة الكهف، الآية: 82)، فيكل الأمر فيها لله.

3 ـــ تصحيح القيم والمفاهيم بميزان العقيدة:  

حيث تردّ السورة القيم الحقيقة إلى: الإيمان والعمل الصالح. وفي الوقت نفسه: تصغر ما عداها من القيم الأرضية الدنيوية، التي تبهر الأنظار. ويظهر ذلك بوضوح في مواضع عديدة من السورة، وتختار النماذج التالية فقط للاختصار.

أ ــ  مفهوم الزينة:

تبين السورة: أن كل ما على الأرض من زينة إنما جعل للابتلاء والاختيار، ونهايته إلى فناء وزوال: «إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى إِنَّا جَعَلْنَا ما على الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا». ولذلك: طالب الرسولَ أن يصبر مع أهل الإيمان، غير مبال بزينة الحياة الدنيا وأهلها: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» يعتز المؤمن بإيمانه في وجه المال والجاه والزينة؟ وكيف يجبه صاحبها -المنتفش المنتفخ- بالحق، ويؤنبه على نسيان الله. وذلك في قصة الجنتين: «قال له صاحبه وهو يحاوره  أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا».​​​​​​​

وتضرب السورة: المثل للحياة الدنيا -محل الزينة- وسرعة زوالها بعد ازدهارها «وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا»

ثم تعقب ببيان: للقيم الزائلة والقيم الباقية، بعد كل هذا التصحيح،

«الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا»

ب- مفهوم السعة والضيق:

 تبين السورة: أن حمى الله أوسع وأرحب ولو آوى الإنسان إلى كهف خشن ضيق. فالفتية المؤمنون، أصحاب الكهف، يقولون لقومهم، بعد اعتزالهم: «وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إلى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا».

جـ- مفهوم المكسب والخسارة:

 تقرر السورة أن آخر الخلق أعمالًا، هم الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه. وتبين أن هؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة لأعمالهم وإن حسبوا أنهم يحسنون بها صنعا: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا» (سورة الكهف، الآيات: 103-105)

4 ـــ بيان تأييد الله تعالى للمؤمنين بما تذكره من قصص

والقصص التى تعرضها هذه السورة لتحقيق هذا الهدف ثلاث: قصة أهل الكهف (من آية 9 إلى 26)، قصة موسى مع الخضر (من آية 60 إلى 82) قصة ذى القرنين (من 83 إلى 97) ويجب أن يلاحظ ابتداء: أن هذه السورة تختلف عن غيرها من السور المكية في عرضها لقصص القرآن للاستشهاد به. فبينما السور الأخرى تسوق من التاريخ الأدلة على عقاب الله للمعارضين. وهى أدلة تحكى الكوارث الطبيعية التى تنزل بهم  -بسبب كفرهم وتحديهم للرسول الذى أرسل إليهم- من زلازل، أو صواعق، أو فيضانات، أو جفاف، وجدب

إذًا بسورة الكهف: تسوق من التاريخ الأدلة على تأييده للمؤمنين: بالرسالة الإلهية، ووقايتهم من الأذى، وفضلهم عليه في العلم، أو في القوة في سبيل الإصلاح ودفع الظلم والفساد. ولذا نجد قصة أهل الكهف: تصور هذا التأييد من الله تعالى لمجموعة من الشبان المؤمنين، بحمايتهم من بطش الحاكم الظالم، بعد أن وقفوا في مواجهة حكمه معلنين ومؤكدين وحدة الألوهية، رغم أن الوثنية تشد هذا الحاكم إليها، كما يؤمن بها الكثير من قومه.  

كما نجد أن قصة موسى مع الخضر: تبرز فضل الله على المؤمنين. وهو فضل يختلف من مؤمن إلى مؤمن، والناس فيه من أجل ذلك متفاوتون. فموسى عليه السلام وإن كان صاحب رسالة لكن في مشاكل الحياة كان في حاجة إلى ما حبا به الله الخضر من علم وقدرة على حل هذه المشاكل. وقد أوردت السور جملة من هذه المشاكل. ظاهر التصرف منه يثير في العادة اعتراضًا عليه، ولكن حقيقته تبنئ عن حكمة، لأنها تنطوى على مصلحة ضرورية بمؤمنين هم في حاجة إليها.  

كما نجد -ثالثا- أن قصة ذي القرنين: تعلن تأييد الله تعالى لملك مؤمن، ونصره على الظلم والفساد، وتمكينه من وقاية الضعفاء في ملكه.

 

أهم الدروس التربوية العملية من السورة:                                              

1 ـــ الثقة في منهج الله تعالى شرط أساس لأي داعية ومربي كي ينجح في دعوته ( الحمد لله الذي أنزل على الكتاب على ولم يجعل له عوجا).

2 ــ ضرورة العلم والفهم لصاحب الدعوة.

3 ــ جنود الله كثيرة يسخرها للدعاة وللمؤمنين حسب مشيئته ( فضربنا ـــ وربطنا ــ نقلبهم ـ  ).

4 ــ تذكر المهمة والغاية في الحوار مع الآخرين (لكنا هو الله ربي... ) ربانية الحوار.

5 ــ الحذر من الدنيا وعدم الانخداع بها وتذكر الآخرة سبيل النجاة (..لقد جئتمونا كما خلقناكم...).

6 ــ الحذر من الشيطان ومكائده (... أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو.... ).

7 ــ عدم التكبر على طلب العلم والتخلق بآداب طالب العلم طريق للنجاح في الدنيا والاخرة.

8 ـــ مهمة الداعي إلى الله ليست فقط في العلم النظري المجرد ولكن في حمل هموم الناس ومعايشة مشاكلهم وقضاياهم والمساهمة في حلها.

9 ــ علاج السلبية من الداعي إلى الله بحيث يجعل له في قضية التغير دورا ومشاركة ويوظف الجميع ويحدد لهم الدور المطلوب منهم ويرفض سلوك السلبية من الأتباع (ذي القرنين وبناء السد.. أعينوني ــ آتوني ــ انفخوا...).

10 ــ الوطن لصاحب الرسالة لا حدود له فهذا ذي القرنين وصل إلى المشرق والمغرب وبين السدين.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم