Business

الشيخ سامح الجبه يكتب: صحة ووضوح الغاية يعين المربي على طريق الدعوة

بقلم: الشيخ سامح الجبة *

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..

من الأمور الأساسية التي يجب أن تكون واضحةً لدي المربي هي الغاية التي من أجلها يعمل وييسير في طريق الدعوة، كما يجب عليه أيضًا أن يوضحها للأخرين، وأن يكون معهم صريحا؛ حتى يسيروا معه على بينةٍ وبصيرةٍ من أمرهم.

فما هي هذه الغاية؟

إن القرآن الكريم حدَّد غايات الحياة ومقاصد الناس فيها، فبيَّن أن قومًا همَّهم من الحياة الأكلُ والمتعةُ، فقال- تبارك وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾، وقومًا آخرين مهمتهم الزينةُ والعَرَضُ الزائلُ، فقال تبارك وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وقومًا شأنهم في الحياة إيقادُ الفتن وإحياءُ الشرور والمفاسد ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾.

تلك هي مقاصد الناس في الحياة  نزَّه الله المؤمنين عنها، وبرَّأهم منها، وكلَّفهم مهمة أرقى، وألقى على عاتقهم واجبًا أسمى، ذلك الواجب هو هداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام، فذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾ .

ويلخِّص الإمام البنا هذه الغاية  فيقول: "إن مهمتنا هي سيادةُ الدنيا، وإرشادُ الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس".

وعلى ذلك تكون غاية المؤمن هي:

إرضاء الله- عز وجل- بالتمكين لدينه في الأرض، وهداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام.

ولقد حدَّد الإمام البنا غاية الإخوان والتي بها يمكن تحقيق غاية كل مؤمنٍ، كما ذكر ذلك في رسالة المؤتمر الخامس بقوله: "إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيلٍ جديدٍ من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الكاملة في كل مظاهرها ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً﴾

وعندما تتأمل هذه العبارة تدرك أن التمكين لدين الله في الأرض- وهي الغاية الأسمى- تحتاج إلى رجالٍ يؤمنون بتعاليم الإسلام الصحيح، ويعملون على تحقِّقه واقعًا وعملاً في حياة الناس؛ ولذلك يقول الإمام البنا:"لهذا وقفتُ نفسي منذ نشأتُ على غايةٍ واحدةٍ،هي إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقةً وعملاً ،ولهذا كانت فكرة الإخوان المسلمين إسلاميةً بحتةً في غايتها وفي وسائلها، لا تتصل بغير الإسلام في شيء".

ثم يتناول الإمام البنا في رسالة المؤتمر السادس الحديث عن الغاية ويحددها بأنها غايةٌ قريبةٌ وغايةٌ بعيدةٌ فيقول: "يعمل الإخوان المسلمون لغايتين: غاية قريبة يبدو هدفها، وتظهر ثمرتها لأول يومٍ ينضم فيه الفرد إلى الجماعة، أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام، وغاية بعيدة لا بد فيها من ترقِّب الغرض وانتظار الزمن حسب الإعداد وسبق التكوين..

فأما الغاية الأولى فهي المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونُه ونوعُه والخدمةُ الاجتماعيةُ كلما سمحت بها الظروف.. أما غاية الإخوان الأساسية، أما هدف الإخوان الأسمى، أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم؛ فهو إصلاحٌ شاملٌ كاملٌ تتعاون عليه الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل، ويريدون بعث الأمة الإسلامية النموذجية التي تدين بالإسلام الحق، فيكون لها هاديًا وإمامًا، وتُعرَف في الناس بأنها دولة القرآن التي تصطبغ به، والتي تذود عنه، والتي تدعو إليه والتي تجاهد في سبيله وتضحِّي في هذا السبيل بالنفوس والأموال".

وما أهمية  هذه الغاية ؟

1ــ الظفر برضوان الله تعالى يقول بن القيم رحمه الله:

(وكل حي فله إرادة وعمل بحسبه، وكل متحرك فله غاية يتحرك إليها، ولا صلاح له إلا أن تكون غاية حركته، ونهاية مطلبه : هو الله وحده ونيل رضوانه ، كما لا وجود له إلا أن يكون الله وحده هو ربه وخالقه ).

فإن الغاية التي يرجوها المسلم من وراء أفعاله، هي المعيار الذي يقوّم به عمله، فالأعمال تصبح ذات قيمة، أو تفقد قيمتها، باعتبار الغاية التي يرمي إليها العامل من عمله، فالذي يدعو إلى الله ابتغاء مرضاة الله ، عمله أفضل الأعمال، والذي يدعو لينال الشرف والمكانة عند الناس، عمله شر الأعمال، وكذلك الذي يهاجر استجابة لأمر الله، ونصرة لدينه، عمله في المرتبة العليا، والذي يهاجر طلباً لنفع دنيوي، فعمله باطل مضمحل.  

2 ــ  تعين على التضحية في سبيل الله

فرحم الله حرام بن ملحان يوم أن عرف هدفه في الحياة، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع القُرّاء إلي قبيلة من قبائل مشركي قريش، فكان يعرض عليهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم،  ويبلغهم الرسالة، فأشاروا إلى رجل منهم أن اطعنه من خلفه فطعنه بالرمح من ظهره حتى أنفذه من صدره، فإذا بحرام رضي الله عنه  وأرضاه يلتفت إلى القاتل ويقول الله أكبر الله أكبر فزت ورب الكعبة سبحان الله يا حِرام تغادر الدنيا وشهواتها، تغادر الزوجة والأطفال، فأي فوز هذا الذي فزت فيه؟
ولكنه يعلم رضي الله عنه لماذا يعيش، إن أسمى أمانيه أن يموت في سبيل الله، وإن أعظم أمانيه أن يصيبه أمر في سبيل الله، إنه يعلم قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }.

3 ــ إن تحديد مفهوم الغاية يضع حدودا فاصلة ويمنع وقوع الخلط بين الغاية، والثمرة من هذه الغاية، فقد كان فتح مكة تمكينا للمسلمين، وتمهيدا لحكمهم واستخلافهم في الأرض، لكن هذا الحكم والاستخلاف ليس غاية في حد ذاته، إنما هو ثمرة لقيامهم بالدعوة إلى الله، إيمانا به وتصديقا بنبيه صلى الله عليه وسلم، ومثوبة وعدهم الله تعالى بها في قوله تعالى ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾.

4 ــ  وحدة الصف

إن فقه المربين والدعاة لهذه الغاية يترك أثرا عجيبا في نفوسهم، فتسلم أنفسهم من التمزق والصراع الداخلي، أو التوزع والانقسام بين مختلف الغايات وشتى الاتجاهات، فتحصيل الدنيا ومتعتها وزهرتها، لم يكن يوما من الأيام غاية وهدفا لدعاة الإسلام الأوائل، بل إن أداء الرسالة لا يرتبط بهذه المتع الدنيوية، ومن هذا المنطلق، خشي الأنصار رضي الله عنهم مفارقة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، وانتقاله إلى مكة، وما ذلك إلا ضنا منهم بالله ورسوله، وحبا في الخير والهدى والنور الذي يشيع بينهم حال مرافقته لهم صلي الله عليه وسلم.

5 ــ وضوح الطريق ووضوح الاهداف

إن تحديد الغاية للدعاة والمربين يوضح لهم الوجهة التي يسلكون، فيعرف أحدهم من أين يبدأ، وكيف، وما هو الطريق الموصل إلى غايته، فالإنسان العاقل إذا ابتغى لنفسه النجاح فعلا، عليه أولا أن يحدد غاية سلوكه، ثم يجمع كل نياته وأعماله ومساعيه للوصول إليها، وإن كان هناك عدة طرق للوصول إليها، فعليه أن يختار الطريق الأنسب بعناية، ولا يلتفت أدنى التفات إلى عشرات الطرق المتخللة في

وتحديد الغاية من الدعوة يساعد على تحديد الأهداف المطلوبة من العملية الدعوية، وكلما وضحت هذه الأهداف وحددت، كلما ابتعدت الجهود عن الارتجالية والفوضوية التي قد تؤدي في النهاية إلى القعود عن الدعوة والفتور والملل.

-----------------------------

* عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم