Business

التربية العقلية في الإسلام

 

إن للتربية العقلية في الإسلام القدر الأكبر من الاهتمام  التربوي؛ إذ أن العقل هو مناط التكليف، وبه يأتمر الإنسان بأمر الله وينتهي عند نهيه، وبه يهتم الإنسان بصحته وبشكله الظاهر وبجوهره الباطن، وبه يُحسِّن الإنسان علاقته بنفسه وبربه وبالناس.

وقد تناول د. سعيد إسماعيل القاضي في كتابه "التربية العقلية"، أهمية رعاية العقل وتغذيته تغذية مادية وفكرية سليمة.

 

مرحلة ما قبل الولادة

إن العناية بالصحة العقلية للإنسان تبدأ قبل ولادته من الأساس، وذلك من خلال أمور:

  • كحسن اختيار الزوج لزوجة سليمة العقل وذلك بإجراء (الفحص الوراثي قبل الزواج) للتأكد من خلوها من الأمراض الوراثية، عملًا بقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس".
  •  ثم الاهتمام بنوعية الغذاء وقت الحمل، فالسمك وخاصة السردين يحتوي على كمية كبيرة من دهون أوميجا3 الهامة لبناء مخ أكثر ذكاء وتطورا في المستقبل.
  •  ومن أهم ما يُذكر في هذا الصدد هو ضرورة ابتعاد الأم عن أي نوع من أنواع الكحوليات أو المخدرات أو المسكرات أثناء الحمل لما فيها من أضرار تتلف خلايا الدماغ وتصيب الجنين بالشلل فضلا عن أنها تؤدي للإجهاض.
  • وبعد الولادة تتجلى أهمية الرضاعة الطبيعية للطفل؛ لما فيها من عناصر غذائية وأخرى وقائية ليست موجودة في نظيرتها الصناعية، وقد ثبت بالأبحاث أن (الرضاعة الطبيعية تساوي أطفالا أكثر ذكاءًا).

 

الغذاء المادي للعقل

ولبناء عقل سليم تُراعى التنبيهات الغذائية الآتية:

  1. تناول السكريات البسيطة (الفاكهة- الخضروات- الخبز الأسمر- البقوليات والحبوب... ).
  2. تناول الزيوت والدهون البسيطة غير المشبعة (زيت الزيتون- الزيت الحار- زيت السمك-...).
  3. عدم الإكثار من السكريات المعقدة (الحلويات- الجاتوهات-...).
  4. عدم الإكثار من الدهون المشبعة (الشحوم- السمن الحيواني- السمن النباتي-...).
  5. تناول الفيتامينات المهة للمخ والجهاز العصبي _وأولها فيتامين (ب) المركب_ (الحبوب الكاملة- الخميرة- الخضروات الطازجة- الخبز الأسمر-...).
  6. تناول الأملاح المهمة لعمل المخ والجهاز العصبي _الفوسفور والكالسيوم والحديد_  (اللبن ومنتجاته- اللحوم- الأسماك- الخضروات-...).
  7. الابتعاد عن المواد الحافظة ومكسبات الطعم واللون والرائحة لاسيما التي تغري الأطفال (الشيبسي- الكراتيه- المقرمشات...).

 

الغذاء المعرفي للعقل

وإلى جانب الاهتمام بالتغذية المادية للعقل، يلزمنا الاهتمام كذلك بالتغذية اللامادية (المعرفية) للعقل. وإن أرقى استخدام للعقل يتمثل في قدرته على التفكير الصحيح، وقد أوصى الإسلام بالحفاظ على العقل في إعماله وتوظيفه بالتفكير النافع وتجنب التفكير الخرافي، ولكي يفكر الإنسان ويحلل أو ينتقد فكرة أو مُدخلا من المُدخلات، فإن هذا المُدخل يمر بثلاث مستويات:

أولا: يمر بالعملية الحسية، أي أن حواس الإنسان تستجيب لهذا المدخل الذي بدوره يثير دفعا عصبيا يمتد خلال العصب الحسي إلى مركز الإحساس الخاص به في المخ.

ثانيا: العملية الحسية تأتي العمليات العقلية الأساسية والتي تتمثل في ثلاث خطوات متتابعات (عملية الانتباه، ثم الإدراك، ثم الحفظ والتذكر).

 ثالثا: وأخيرًا نأتي لأرقى استخدام للدماغ والذي يتمثل في العمليات العقلية العليا وهي التفكير بأنماطه المتعددة، وأهم هذه الأنماط:

  1. نمط التفكير العلمي لحل المشكلات.
  2. نمط التفكير الناقد.
  3. نمط التفكير الإبداعي.

وكل أنواع التفكير هذه لهذا أمثلتها في القرآن بخطواتها وقواعدها، فلو جئنا مثلا لنمط التفكير العلمي لحل المشكلات فسنجد أن خطواته _كما قررها جون ديوي الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي_ هي:

1-الإحساس بالمشكلة.
2-جمع المعلومات.
3- التحليل والفرز.
4-فرض الفروض.
5- اختيار أنسب الحلول.

وقد دلّنا القرآن على هذه المراحل في آية واحدة في سورة الحجرات، هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(الحجرات:6)

  • فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} توجيه لإحساس المؤمنين بـ(وجود المشكلة)، تلك التي فجرها فاسق بما ساقه إليهم من نبإ يحتمل الصدق في ظاهره والكذب في جوهره.
  • ثم قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُوا} أمر بـ(جمع المعلومات) والأدلة اللازمة لتبين الصدق من الكذب، وفيها أيضا (تحليل وفرز) لهذه الأدلة قبل اتخاذ أي خطوة.
  • ثم قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} فيه (فرض الفروض) وتبين كل الاحتمالات حتى لا يعجل الإنسان لحلٍّ بجهالة مع عدم معرفة الحقيقة.
  • وأخيرا قوله تعالى: {فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} فيه اختيار لأنسب الحلول واختبار لصحة الفروض بحيث لا يترتب على هذا الحل خطأ أو ندم.

 

التفوق الدراسي

نأتي لأبنائنا الطلاب الذين يحتاجون لتنمية قدراتهم العقلية بصورة مستمرة، عليهم أيضا الاهتمام بالتغذية المادية والمعرفية لعقولهم، وعليهم أمر إضافي وهو المحافظة على المعلومات التي يستذكرونها؛ لأنها محل سؤال وموضع امتحان، وهنا بعض النصائح لاستذكار الدروس طول العام:

  1. احفظ الله يحفظك.
  2. احرص على نيل رضا الوالدين.
  3. تناول وجباتك الغذائية، وإياك أن تهمل وجبة الإفطار.
  4. استثمر كل وقتك في استذكار الدروس، ولتكن مشاهدتك للبرامج التلفزيونية وقت الراحة أو أثناء تناول الطعام أو المشروبات وذلك من قبيل الترفيه ولفترات محدودة.
  5. استرجع دروسك أولا بأول؛ حتى لا تتراكم عليك ويصعب عليك استرجاعها ليلة الامتحان.
  6. بلوِر الموضوع الذي تقوم بدراسته في نقاط وعناصر (رئيسية وفرعية) بحيث يسهل عليك تذكر محتوى الموضوع بتذكرك للعناصر.
  7. استذكر في إضاءة مناسبة؛ حتى لا ترهق بصرك. واستذكر في جو به كمية أكسجين كافية حتى لا تشعر بالخمول وعدم التركيز.
  8. تجنب الإفراط في تناول الشاي والقهوة.
  9. تجنب تناول أية أدوية تساعدك على السهر.
  10. لا ترهق نفسك في السهر، بل اعط نفسك حقها في النوم.
  11. لا تكثر من حصص الدروس الخصوصية، حتى لا يكون ذلك على حساب بقية المواد، وليكن الدرس الخصوصي في أضيق الحدود.
  12. عند إحساسك بعدم التركيز أثناء الاستذكار، اترك الكتاب لبضع دقائق، واستلق مسترخيا، أو جدد نشاطك بالحركة والمشي في مكان مفتوح.
  13. لا تبخل على زميلك _طول العام_ بمعلومة، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

 

أما عن التغذية المادية للطلاب فيقدم الدكتور حسن فكري منصور _استشاري التغذية العلاجية بدمنهور_ ثلاث برامج غذائية للطلاب:

    1- برنامج لتقوية الذاكرة وتنشيط المخ:

  • الإفطار: كوب بليلة باللبن والمكسرات أو السوداني+ بيضة+ ملعقة عسل نحل+ خبز.
  • بين الإفطار والغداء: فواكه طازجة أو سلطة فواكه.
  • الغداء: طبق سلطة مع ملعقة خل صغيرة+ سمكة(ماكريل، سردين، سالمون، رنجة) أو علبة تونة، أو شريحة لحم مسلوقة أو مشوية، أو ربع دجاجة، أو بيضتين مسلوقتين+ خضار سوتيه(سبانخ، بسلة، جزر، قرنبيط...)+ خبز أو أرز.
  • بين الغداء والعشاء: كوب من عصير الفواكه الطازجة أو الجزر.
  • العشاء: كوب زبادي قليل الدسم أو جبن متوسط الدسم+ عسل أسود+ خبز.

 

     2- برنامج لتقليل التوتر والمساعدة على النوم الهادئ:

  • الإفطار: طبق صغير فول بالزيت الحار+ ملعقتي عسل أو مربي+ خبز.
  • بين الإفطار والغداء: كوب من عصير الفواكه الطازجة.
  • الغداء: شرائح(خيار، طماطم، جزر، فلفل...)+ شريحة لحم، أو كبدة، أو ربع دجاجة أو سمكة+ طبق خضار سوتيه+ طبق أرز صغير بقليل من الدسم.
  • بين الغداء والعشاء: طبق بليلة صغير بالسوداني والزيت.
  • العشاء: طبق صغير عسل نحل+ كوب لبن أو زبادي منزوع الدسم+ خبز.
  • قبل النوم: كوب كركديه أو ينسون.

 

     3- برنامج لتنشيط المخ أثناء الامتحانات ومقاومة الخمول والكسل:

  • صباحا: كوب عصير برتقال أو تفاح.
  • الإفطار: عسل نحل أو مربي أو بلح أو تين+ بيضة أو خمس ملاعق فول+ قطعة جبن+ خبز.
  • بين الإفطار والغداء: كوب تمر باللبن أو عصير فواكه.
  • الغداء: سلطة خضراء+ شريحتين كبده أو كلاوي، أو لحمة حمراء، أو ربع دجاجة، أو سمكتين أو علبة تونة+ أرز أو مكرونة+ خضار سوتيه+ خبز.
  • بين الغداء والعشاء: عسل أسود بالطحينة، أو طبق بليلة بالمكسرات  أو السوداني+ جبن قليل الدسم+ خبز.
  • قبل النوم: كوب عصير فواكه طازجة.

 

إن الاهتمام بالعقل وتغذيته تغذية مادية ومعرفية سليمة هو أساس نجاح الحضارات وارتقاء الأمم؛ ذلك أن الاهتمام بتطوير بالإنسان وبأهم جزء فيه يميزه عن الحيوان _وهو العقل_ يُعد الاستثمار الأوفر حظا واهتماما في المجتمعات الراقية، لذا ظهر ما يُسمى بعلم التنمية البشرية لتنمية الإنسان جوانب الإنسان عموما، وعلم اقتصاديات التعليم للارتقاء بالعملية التعليمية التي تستهدف عقل الإنسان بالدرجة الأولى، وقد وجه القرآنُ الإنسان لإعمال عقله وتنشيطه وتنميته، فكثيرة هي الآيات التي تثير الانتباه والتساؤلات: "أفلا تعقلون؟ أفلا تتفكرون؟ أفلا تتذكرون؟ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت؟ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم...؟"

فسبحان الله الذي خلق العقل، وأمر الإنسان برعايته، ووجهه لكيفية استعماله فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وآخرته.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم