فالتربية الإيمانية أثر من آثار صيام الشهر الفضيل، وعن إصلاح القلب وصوم الجوارح، وعلى الرأس منها ما تعلق بشهوتي البطن والفرج؛ باعتبار أن في ذلك ترقيًا بالنفس عن حظوظ الدنيا وغوائلها إلى درجات الآخرة ولذائذها.
وفي هذه الدراسة، يرصد الباحث د. محمد عبد العليم الدسوقي، هذه الأمور التي تحقق ما يصبو إليه العبد المؤمن من جراء فريضة الصيام:
1- تهذيب النفس الأمارة بالسوء:
إذا عرف الإنسان كيف يمسك نفسه ويحجزها عن محبوباتها من أجل غاية أسمى، فإنه يسهل عليه بعد ذلك أن يقودها إلى كل ما فيه نجاتها وسعادتها، وأن يردها عن موارد الهلكة والشقاء، فيسعد بها وتسعد به ويعيش حياته طليقًا لا تستعبده شهوة، ولا يستفزه طمه، ولا تضره فتنة، ولأجل هذا كان رمضان هو شهر الجهاد بكل أنواعه.
2- تهذيب السلوك الإنساني:
إن من أهم ما نتعلمه من مدرسة الصيام: اغتنام الأوقات وتنظيمها، ولزوم المسجد، وترويض النفس على تقويم ما اعتادته؛ لتسير في رمضان على وفق ما شرع الله وأحبه رسوله، وليعتاد المؤمن على ذلك حتى يقتضي نحبه ويلقى ربه.
وبتتبع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ندرك هذا المعنى جيدًا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم ليله، ويصوم نهاره ليوفر ساعات ليله عمله ودعوته وصومه في نهاره على العبادة، وذكر الله وطلب مغفرته، وكان يحث أصحابه على القيام وصيام النافلة ويرغب فيهما، وكان يحب تأخير السحور فيجعله قبل الفجر.
3- إيقاظ الضمائر وترتيبها:
فصاحب القلب الحي يغدو في رمضان ويروح، ويمسي ويصبح، وفي ذهنه مراقبته الخالق جل وعلا، وفي أعماقه حس ومحاسبته لدقات قلبه ونطق لسانه وسماع أذنه وحركة يده وسير قدمه، وإنما تأتي له كل ذلك؛ لأنه تجرد- بتحقيق الصيام- عن الأثرة والغش والهوى وعرف يقينا أن الصوم أكبر حافز لتحصيل معنى التقوى لله، وخير أداة من أدواتها وأحسن طريق موصل إليها، وماذا بعد أن يرفعها الله، ويجعلها هدف الصيام والقيام والدعاء في رمضان.
وأساس التقوى: أن يعلم ما يتقي ثم يتقي، يقول ميمون بن مهران: «لا يكون الرجل تقيًا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك الشحيح لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه».
ويقول حاتم الأصم: «تعاهد نفسك في ثلاث: إذا علمت فاذكر نظر لله إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله منك، وإذا سكت فاذكر علم الله فيك».
ويقول جابر بن عبد الله: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء».
4- بعث الأخلاق في الأمة:
بحسن الخلق يدرك المؤمن درجة الصائم القائم ففي الحديث: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار»، فماذا يكون عليه الحال لو جمع للمسلم في رمضان إلى جانب الصيام والقيام حسن الخلق.
وما كانت سيرته إلا تطبيقًا علميًا لحسن الخلق مع القريب والبعيد والصغير والكبير، بل حتى مع الجماد والحيوان، حتى بلغ الأمر أنه كان يواسي في موت عصفور صغير كان يلهو له أخو أنس، فكان يقول له: «يا أبا عمير، ما فعل التغير». وقد علمنا صلوات الله عليه أن جماع حسن الخلق أن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك وأن تعفو عمن ظلمك، ومن ذلك حين تقول لمن أساء إليك وأنت صائم: «اللهم إني صائم»، وأنه بحسن الخلق تنال محبة الله ومحبة رسوله، وترفع منزلة العبد على ما أفاده قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حين الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء».
5- نشدان المجتمع الإيماني المتكامل:
إن ما أمر به الشارع الحكيم من إخراج ما يسمى بصدقة الفطر عن كل فرد في الأمة (طهرة للصائم وطعمة للمسلكين)، ومن جعل وجوبها على من يملك فقط قوت يومه فيطعمها الفقير لمن كان على شاكلته، ويلقاه وقد حمل كل منهما زكاته لصاحبه، لهو كفيل أن يقي المجتمع كله من براثن ما فعله الشح بمن كان قبلنا، وكفيل كذلك برفع أسباب هذا الهلاك المحقق، وبنزع هذه الأمراض الخبيثة التي كان من الممكن أن تفتك بمجتمع الإيمان- على نحو ما فتكت ولا تزال تفتك بغيره من مجتمعات السوء والكفر- لو لم تشرع لهذه الأمة مثل هذا الزكوات ويهدي الله قلوب أهل الإسلام عليها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئًا».
.