Business

الأفكار التربوية عند مالك بن نبى

إن مشكلة أي مجتمع من المجتمعات، هي في جوهرها حضارية، ولا يمكن لمجتمع أن يفهم أو يحل مشكلة، ما لم يرتفع بفكره إلى الأحداث الانسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها، إن للأفكار أهمية بالغة في عملية التغيير في البنية الداخلية لأي مجتمع. فهي التي تؤثر في المجتمع إما كعوامل نهوض، وإما كعوامل معوقة للتحرك والنمو.

وتهدف دراسة للدكتور علي صباغ، أستاذ بكلية علم النفس وعلوم التربية بجامعة قسنطينة بالجزائر، إلى إبراز بعض المعالم التربوية التي تضمنها المشروع الحضاري والإصلاحي للمفكر صاحب مشكلات الحضارة « مالك بن نبي».هذه المعالم التربوية، التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن جوانب كثيرة من الفكر التربوي له تتميز بنظرة مستقبلية واستشرافية، لا تزال تحتفظ بقيمتها العلمية والعملية.

 

معالم الفكر التربوي عند بن نبي

أولا: التربية الطبيعة والمفهوم

يرى مالك بن نبي أن التربية هي تربية للحرية عن طريق الحرية، حتى يتمكن الإنسان المتربي من أن يفهم ويشعر أنه هو نفسه صانع مصيره، عن طريق فتح المجال لأفكاره، لأن تتبلور وتظهر في سلوكياته وتتفاعل مع النسق العام لحركة المجتمع.

ولن يتأتى ذلك في أية أمة من الأمم من دون سياسة عليا وتحديد واضح للأهداف، ومن ثمة إنتاج مناهج تعليمية وتربوية، تنسجم مع هذه السياسة العليا وهذه الأهداف، حتى تكون المحصلة والثمرة، شعوبا تحمل قدرا كبيرا من الانسجام والترابط والوحدة.

أما نحن، فإما نملك أهدافا سلمية ولكنها تبقى في إطار النظرية والبعد عن التطبيق، وإما نضع أهدافا تضاد عقيدة الأمة وروحها وتراثها ونريد تطبيقها قسرا وقهرا. وإما لا توجد لدينا سياسات عليا أصلا، والأمر متروك للاجتهادات والتيارات المختلفة، والمدارس الفكرية المتباينة. ولذلك يكون نتاج العملية التعليمية ونظامنا التربوي مستواه عقيما.

من هنا يتساءل بن نبي عن ماهية الأهداف التي نتوخاها من التربية والتعليم، والجواب أننا نتعلم لمجموعة من الأهداف و المقاصد، ومنها أن التعلم هو وسيلتنا لفهم الكون والحياة والخلق. فلابد للإنسان أن يعلم لماذا هو موجود على هذا الكون؟ وإلى أين يسير؟ وما الغاية من وجوده؟ لأنه بغير ذلك تبقى الحياة لا معنى لها، أو عبثية لا غاية منها.

وإننا نتعلم أيضا لنحيا حياة كريمة، ولنتغلب على المشكلات والكوارث والأخطار التي تعترضنا، ولن يتسنى لنا ذلك إلا بالعلم و المعرفة. وبالتالي تكون التربية، هي الطريق إلى الإيمان والمعتقد والرقي المادي، بل هي السبيل للبقاء. فلا بقاء للأمة في زحمة الحياة وطوفان البشر ومزاحمة الأمم بعضها بعضا، إلا بعلم وتربية يحفظان لها كيانها، بل بقاءها ووجودها.

ويخلص بن نبي إلى نتيجة أن التربية لا تؤتى ثمارها، إلا إذا ارتبطت بالواقع. أما إذا كانت التربية تعليما فلسفيا بعيدا عن الواقع، أو اجترارا معادا لأخبار الماضي، فلن يكون لها أثر يذكر، ولن تحقق الأهداف المرجوة منها. وبالتالي لابد للتربية الجيدة والناجحة أن تتصدى للمشكلات والعقبات التي تعترض مسيرة الأمة والمجتمع والفرد، وتحاول علاجها والخروج منها بطريقة علمية ورؤية صحيحة.

وانطلاقا من ذلك، يلتقي بن نبي مع الفكر التربوي الحديث، الذي يرى أن المسؤوليات الأساسية للتربية تكمن في تمكين الإنسان المتعلم من فهم طبيعة المواقف والمشكلات التي يواجهها على الصعيدين الفردي والاجتماعي وإعداده بالتالي للتكيف مع العصر الحاضر واستشراف آفاق المستقبل.وإذا كانت حاجتنا ماسة إلى تربيـة تحفظ للأمـة هويتها وتميزها، فإننا في حاجة أمس إلى تربية تخرج النظام التربوي من الحيز الضيق في البحث النظري، إلى التوسع في الاستفادة من معطيات التجارب العصرية، التي تتناسب مع أصالة الأمة وبناء حاضرها ومستقبلها.

وإن ما يمكن استخلاصه من الفكر الحضاري لمالك بن نبي فيما يتعلق بمفهوم التربية وطبيعتها، أن الأصالة والمعاصرة هما عنصران متلازمان للعملية التربوية. فالأصالة بقدر ما تعبر عن التراث والانتماء، فإنها تكفل التعايش مع المستجدات ومتطلبات العصر من دون عوائق. وإن التمسك بالأصالة لا يعني رفض المعاصرة والعكس صحيح أيضا. فلا بد من المزج والتكامل بين ما هو أصيل ومعاصر، وهذا ما يساعد على إثراء العملية التربوية والنهوض بها.

 

ثانيا: التجديد التربوي وطبيعة الأفكار

تفطن بن نبي إلى إشكالية الأفكار الميتة والأفكار القاتلة، حيث رأى أن هناك استقطاب متنافر، إزاء مسألة الموروث والمستحدث، مما أدى في كثير من الأحيان إلى الاضطراب والخلل في عالم الأفكار، وانعكس بدوره كاضطراب في عالم السلوك. فبدلا من تكامل الأصالة بالاقتباس في شكل إيجابي وخلاق، وفي إطار يخدم حركة البناء العام للأمة، حدث انشطار يمثله اتجاهان. الأول يهدف إلى الحفاظ على الأفكار القديمة حتى وإن كانت ميتة، والثاني يسعى إلى استيعاب الأفكار المستحدثة حتى وإن كانت قاتلة.

إن ظاهرة الأفكار الميتة وما تلعبه من دور سلبي، ينبغي أن تواجه بنقل الفكر وأساليبه إلى المجال التربوي لاكتشاف مواطن الظاهرة المرضية في الثقافة. وإلا فإن الأفكار الميتة ستواصل عملها في المجال الاجتماعي والسياسي، وتلك هي المشكلة البارزة التي تعاني منها حركات التغيير التقليدية، التي يحاول بعضها تجزئة الأمور والنظر للقضايا بشكل ذري، دون نظرة موضوعية شاملة.

وفي المقابل تطرح قضية الاقتباس والاستيراد والاستعارة، كمحاولة لإحياء العالم الثقافي المشحون بالأفكار الميتة، وذلك بالاستعانة بأفكار قاتلة مقتبسة من بيئة أخرى. هذه الأفكار حين تكون قاتلة وهي في موطنها الأصلي، تصبح أشد فتكا وقدرة على القتل عندما تنسلخ عن هذا المحيط.

ويرى بن نبي أن مشكلة النقل القاتل، وهي المشكلة البارزة التي تعاني منها حركات التغيير التغريبية، ليست راجعة إلى الثقافة المقتبسة عنها. فليس مضمون هذه الثقافة هو الذي يحدد الاختيار، وإنما هو طريقة الصفوة في الاختيار الإرادي واللاإرادي. وبناء على ذلك، لابد من تصفية الأفكار الميتة وتنقية الأفكار القاتلة كأساس لأي نهضة منشودة.

وينتهي إلى أن كل ما يناط  بمفهوم التغيير والتجديد، ينبغي أن نتوخى فيه جانب الصحة وجانب الصلاحية. فلابد من التمييز بين الأفكار وتفحصها، حين تثار قضية التراث والاقتباس والاستيراد. لأن أي فكرة في التراث قد تكون صالحة في حينها، لكن نقلها إلى وسط غير مؤهل لاستيعابها قد يكون له مردود سلبي. فالفكرة التي كانت لها قيمتها الايجابية في السلوك في الماضي، قد تصبح مضرة عديمة الجدوى في الحاضر.

 

ثالثا: الاتجاه العلمي في التربية

يعتقد بن نبي أن التطور العلمي في المجتمع، لا يتوقف على مجرد القدرة على اكتساب المعرفة العلمية كمعلومات وأساليب، بل لابد من توافر المناخ الذي يساعد على منح الروح العلمية التي تحرك الشعور لتقبل العلم وتبليغه في آن واحد. فالتطور العلمي لا يناط بالمعطيات العلمية فحسب، بل بكل الظروف النفسية والاجتماعية التي تتكون في مناخ معين.

ويستدل على ذلك بقوله، أن الثقافة الاسلامية وهي تشيع المناخ العقلي بكلمة (اقرأ) قد منحت التفكير حريته والعلم نموه، متبعة بذلك أساليب تربوية، كعمليات دعم للبناءات العقلية للفرد والمجتمع. فتنمية التفكير العقلي وتوفير فرص الابداع والابتكار العملي، يتوقف إلى حد كبير على المناخ الثقافي السائد في المجتمع، بما فيه من عناصر سالبة أو موجبة.

واعتبر التوجيه قوة في الأساس وتوافق في السير ووحدة في الهدف. وترجع أهمية التوجيه إلى الكم الهائل من الطاقات والقوى التي لم تستخدم، لأننا لا نعرف كيف نوظفها، فضاعت ولم تحقق هدفها.

فالتوجيه حسب اعتقاده يجنبنا الإسراف في الجهد و في الوقت. إذ هناك ملايين السواعد العاملة والعقول المفكرة صالحة لأن تستخدم في أحسن الظروف الزمنية والإنتاجية المناسبة لكل عضو من أعضائه. وحين يتحرك هذا الجهاز سيحدد مجرى التاريخ نحو الهدف المنشود.

إن عملية التوجيه ليست أمرا يتم بطريقة آلية وإنما هي عملية  مقصودة، لكي يحقق المجتمع أهدافه التي يرجوها وينشدها لنفسه ولأفراده. فلكل مجتمع حاجاته المتعددة والتي لا يمكن إرضائها، إلا عن طريق التوجيه.  

 

رابعا: التعليم المستمر وأهميته التربوية                                          

يرى بن نبى أنه لا غنى لأمة تريد أن تحقق أهدافها في واقع الحياة، من اتباع سياسة التعليم مدى الحياة، وذلك لأن العمر الإنساني بوجه عام قصير، والإبداع العلمي والمعرفي لأي فرع من فروع العلم، لا يمكن أن يتحقق في سن الدراسة بمراحله المعهودة، فحتـى خريج الجامعة، لا يتخرج في أحسن أحواله إلا وقد حاز مفاتيح العلم الذي تخصص فيه.

ويؤكد على أن التعليم المستمر، لن يكون سياسة متبعة، إلا إذا اقترن بالثواب و العقاب. ومعنى ذلك أن يكون هناك ثمرات مادية للاستمرار في التعليم، بما يؤدي إلى تحسين المتخرج من مستواه باستمرار ويكون على دراية بالمستجدات التي تضاف إلى اختصاصه وبما يجري حوله من أحداث وأبحاث، ويكون مستعدا لخوض غمار العمل وقادرا على العطاء.

 

خامسا: التربية والتغير الاجتماعي

يرى بن نبي أن التربية الاجتماعية تستمد قواعدها العامة من علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس. وإن تاريخ أي مجتمع، هو شبكة علاقات ونظام وأفعال منعكسة لدى الفرد المتكيف.فهو يؤكد على أنه لبناء نظام تربوي واجتماعي، ينبغي أن تكون لدينا أفكار جد واضحة عن العلاقات والانعكاسات التي تنظم استخدام الطاقة الحيوية على مستوى الفرد والمجتمع.

فالتربية الاجتماعية السليمة، لا تستورد مفاهيمها وحلولها من مجتمعات أخرى، لأن المجال الاجتماعي ليس كمجال الميكانيكا. فمشكلات الإنسان ليست هي مشكلات المادة، وبالتالي فإن الأفكار والمفاهيم جزء من محيطها وقد تفقد قيمتها عند انفصالها عن ظرفها الاجتماعي.

ومع ذلك، يبقى الاقتباس ممكنا حسب اعتقاد بن نبي إذا كان مناسبا ويرد الحل المستعار إلى أصول البلد المستعير. ويعني ذلك تهيئة المحيط اللازم لتطبيق ما نتصوره من حلول لمشكلاتنا التربوية والاجتماعية.

وإذا كانت التربية هي إعداد الفرد وتشكيل مهاراته وقيمه واتجاهاته، بما ينسجم وحاجات البناء، فإنها أيضا تربية للمجتمع، تتأثر بالبناء القائم وتؤثر فيه في حالة إعادة بناءه. فتشخيص المرحلة التاريخية للمجتمع وما إذا كانت هذه المرحلة محكومة بعوامل الضعف أو القوة، تشكل أساسا لتحديد مسار التربية الاجتماعية. إذ أي تربية تغييرية-بنائية، لا تتحرك ضمن الإدراك التاريخي لدورة المجتمع، تفقد التشخيص السليم.

وبهذا الصدد يقول: أن التربية الاجتماعية لابد أن تنطلق من ضرورة تنظيم شبكة العلاقات الاجتماعية بما يتيح الانخراط في النشاط المشترك، كأساس يكسب المجتمع البشري صورته كمجتمع. فهو الذي يمنح التربية صفتها الاجتماعية. ودائما ضمن هذا السياق، ويعتقد أن الثقافة لا تكتسب أهميتها ما لم تخلع على التربية الاجتماعية المضمون الضروري، الذي يتيح لها الاطلاع على وظيفتها المغيرة. لأن الهدف هو تعليم الفرد الإنساني كيف يحيا، وكيف يتحضر في المجتمع الإنساني.

ويوجد ارتباط عضوي بين الفرد وإطاره الاجتماعي. فمعطيات البيئة الاجتماعية سلبية كانت أم إيجابية، تنعكس فكريا ووجدانيا على تكوين الفرد وحياته من خلال تفاعله المستمر مع الآخرين. فالتربية الاجتماعية في نظر (ابن نبي) هي وسيلة فعالة لتغيير الإنسان الذي لم يتحضر بعد، أو الإبقاء على الإنسان المتحضر في مستوى وظيفته الاجتماعية وأهدافه الإنسانية.

إن الأفراد في المجتمع يتعلمون عن بعضهم البعض، إذ يتأثر الجميع بالأشياء المحيطة. كما أن تيار المؤثرات قد يزعزع فيهم قيما واتجاهات، لذا فإن تنظيم الطاقة الحيوية للفرد وتكييفها ضمن شبكة من العلاقات الاجتماعية والأنشطة المنبثقة عنها يعد أمرا لازما، لأن كل فكرة عن التربية الاجتماعية حسب(ابن نبي) يجب أن تتحدد في تكوين الفرد وعلاقاته الاجتماعية.

ومن المهم القول أن نجاح العملية التربوية في التغير الاجتماعي، يرتكز على الواقع الثقافي للمجتمع الذي نستهدف العمل فيه. وعليه كان لزاما على الثقافة الموجهة للتربية، أن تكون ثقافة أصيلة، نابعة من الواقع العقيدي والفكري والأخلاقي للمجتمع.

 

سادسا: التربية والقيم الثقافية

يرى أن كل ثقافة هي بالضرورة تركيب وتأليف لعالم الأشخاص. وهذا التأليف يحدث طبقا لمنهج تربوي، يأخذ صورة فلسفية- أخلاقية. وبناء على ذلك تكون الأخلاق والفلسفة الأخلاقية هي أول المقومات في الخطة التربوية.

ويقول في هذا المجال، أن الثقافة التي لا تدخل في عناصرها عقد الصلة بين العلم و الأخلاق،هي ثقافة تعاني من خلل جوهري، ينعكس تربويا على نحو غير إيجابي اجتماعيا وإنسانيا. فالعالم الذي يفقد في نشاطه المبرر الأخلاقي، قد يضعف لديه الحافز نحو تحقيق المعطيات العلمية لعمله.

ويذهب بن نبي في تصوره لعلاقة المعرفة بالقيم الأخلاقية إلى أبعد من ذلك، فيرى بأن ربط العلم بالأخلاق لا تبررها الحاجات الاجتماعية فحسب، وإنما الحاجات الإنسانية أيضا. فالعلم حين يفقد تحصينه الأخلاقي، يتحول إلى نزعة آلية تستعبد الإنسان وتقوده إلى المادية التي تحول سلوكه إلى نفعية لا تعرف للفضيلة معنى.

ويرى أن القيم الأخلاقية في بعدها الاجتماعي، تلعب دورا هاما في قيام المجتمعات وتطويرها. وإن بناء شخصية الفرد لا يتحقق دون أساس أخلاقي. وإن فعالية المجتمعات تزيد أو تنقص بمقدار ما يزيد فيها تأثير الأخلاق أو ينقص،لأن الأخلاق شرط أساس في تنظيم العلاقات الاجتماعية، بما يلائم المصلحة العامة.

وفي هذا المقام يرى أنه من المهم أن يتضح، بأن الثقافة ما هي إلا محيط معين يتحرك في حدوده الإنسان. إنها جو من الألوان والعادات والتقاليد والأشكال والأوزان والحركات التي تطبع حياة الإنسان باتجاه معين وأسلوب خاص، يقوي تصوره ويلهم عبقريته، ويغذي طاقته الأخلاقية.

 

الخلاصة​​​​​​​

تبين لنا من خلال استعراض مكونات الفكر التربوي عند مالك بن نبي أننا بحاجة إلى ولادة فكر تربوي حضاري حتى نسهم من جديد في إغناء الفكر الإنساني، إن نحن عملنا جميعا له وبذلنا من أجله، بعض ما يستحق. وحتى يتحقق ذلك،لابد أن يتمتع الباحثون والعلماء بالحرية الأكاديمية المطلقة، لأن الفكر الموجه والمراقب خارج رقابة الضمير غير خلاق وغير مبتكر، بينما الفكر الحر المطلق هو القادر على الإضافة والإغناء والارتقاء.

إن النظام التربوي الفعال هو ذلك النظام الذي يحسن استيعاب الأفكار وفهم الواقع حتى يستطيع تحديد الأهداف بما يتناسب مع الظروف البيئية ومع القدرات البشرية والمادية المتوفرة. فمن تفاعل الفكر مع الواقع الاجتماعي والتطبيقي ومن تفاعل مجموع المجتمع مع طبيعة الأفكار التربوية السائدة، تنبثق معادلة جديدة تعتبر محكا صادقا لقياس مدى التوافق بين الأفكار والأشخاص والأشياء، وهي في الوقت ذاته ثمرة الانسجام بين العوالم الثلاث والدليل الصادق على السير في طريق صنع الحضارة.

 

التوصيات

   توصي الدراسة أنه في هذه الفترة الخطيرة، التي تقتضي تغييرات ثورية. فإما أن نقوم نحن بالتغيير في مجتمعنا، وإما طبيعة العصر تفرض علينا تغييرات من الخارج.

  إن قولنا، بأن الثورة عبارة عن تغيير أوضاع معينة بطريقة استعجالية غير كاف، بل ينبغي القول، أنها عملية هادفة  ومحددة الأهداف. فهي تعني ما هي الأشياء التي يجب أن تتغير، وتعني تحديد وسائل التغيير، ثم تحديد أهداف التغيير.

  نحن في مواجهة حالة عالمية معينة، وإن أوضاعنا الاجتماعية في حالة يمكن أن نعبر عنها بكلمة واحدة هي: «التخلف ». والكل يدرك ما وراء الكلمة من أبعاد ثقافية واجتماعية وسياسية، إننا أمام وضع خطير في حد ذاته، لأنه ربما يحمل في طياته مفاجآت وتغييرات عالمية جذرية. وبطريقة لم تعرفها الإنسانية في شتى مراحل تاريخها. بل وخطيرة أيضا، لكوننا لا نعلم هل نحن مهيؤون لمواجهة هذه التغيرات أم لا؟

إن مواجهة الشيء، يتطلب معرفة الشيء ذاته. إلا أن التيارات الفكرية عندنا غير مستعدة، والقيادات السياسية بعيدة عن هذا الميدان، لأنها منشغلة بأشياء تعتقد بأنها أساسية. وعليه فإننا غير مهيئين لا سياسيا، ولا فكريا لمواجهة المشكلات التي تعترضنا.

إن طبيعة المشكلات العالمية تنعكس على الأجزاء مهما استقلت هذه الأجزاء بذاتها، وانكمشت على نفسها. فالأحداث العالمية يصلنا صداها وتؤثر في حياتنا.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم