من أكثر أسباب نجاح أمهات المؤمنين وزوجات الصحابة في تربية أطفالهم أنهن جميعًا اتبعن منهجًا واحدًا في التربية، ولم يخرجن عن حدوده، ألا وهو كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فاتبعن ما ذكره الله في كتابه من آداب وأخلاقيات وما طبقه الرسول ﷺ وحث عليه.
وفى الدراسة التى أعدّتها الباحثة إيمان محمد السيد الشامي، كلية التربية جامعة بورسعيد، ترى أنه يجب الاقتداء بسنة الرسول ﷺ واتخاذ الصحابة خير مثل في تربية أولادنا، حيث الاقتداء بسنة رسولنا الكريم يكون سببًا في نصرة الدين الإسلامي.
مواقف تربوية للصحابيات في عهد الرسول ﷺ
فقد حرصت الصحابيات على تربية أبنائهن على حب الإسلام والدفاع عنه والاتصاف بالشجاعة في مواجهة الخصوم، ومن هؤلاء الصحابيات:
وهى المشهورة بالخنساء، والتي شهدت حرب القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص ومعها أبناؤها الأربعة الذين بقوا لها من الدنيا، بعد أن امتد بها العمر، وطال بها السن، ويحفظ التاريخ ما قالته الخنساء لأبنائها قبل المعركة والذين ربتهم على العزة والكرامة، فقالت لهم: «يا بَنِيّ: أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين،، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة». وانطلق الأبناء الأربعة على هدى هذه الكلمات النيرات التي سمعوها من أمهم، وأبلوا في المعركة بلاء حسناء، حتى استشهدوا واحدًا وراء الآخر. وحين علمت السيدة الجليلة باستشهاد أبنائها الأربعة لم تجزع ولم تلن، وإنما قالت كلمات لا تزال تتردد في مسامع الدنيا إلى يومنا هذا، وهي: «الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته».
- أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها
نرى أسماء بنت أبي بكر مع ولدها عبد الله بن الزبير حين حاقت به المكاره، وحوصر بواسطة الحجاج بن يوسف داخل مكة، وتفرق عنه أكثر من كان معه– وقد كان بويع قبل ذلك بالخلافة وظل ينادي بأمير المؤمنين فترة من الزمن في كثير من البلدان الإسلامية– وحين رأى عبد الله بن الزبير هذا الذي حدث دخل على أمه وقال لها: «يا أماه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما ترين؟» فقالت له الأم الصبورة ذات القلب الكبير: «أنت– والله– يا بني: أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية يلعبون بها، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن قلت: كنت على حق، فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن". وجعلت تذكره بأبيه الزبير، وجده أبي بكر الصديق، وترجيه القدوم عليهم إذا هو قتل شهيدًا، فوافقت هذه الكلمات ما كان في نفس ولدها، فقام وقبل رأسها، واستودعها الله سبحانه وتعالى، وقال لها– ليزداد يقينه من صبرها وثباتها-: أخاف أن يمثلوا بجثتي بعد موتي؟ قالت: «يا بني، إن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها».
- أسماء بنت عميس رضي الله عنها
هي أسماء بنت عميس بن سعد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة ، وأمها- هند بنت عوف بن زهير بن الحارث الكنانية- وهي أخت ميمونة زوج النبي ﷺ وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس.
تزوجت أسماء بنت عميس جعفر بن أبي طالب وأسلمت معه في وقت مبكر مع بداية الدعوة إلى دين الرشاد والهدى، ولما أذن رسول الله ﷺ بالهجرة إلى الحبشة، كانت أسماء بصحبة زوجها من جملة المسلمين المهاجرين وساهمت مع زوجها أعباء نشر الحق والدعوة الإسلامية. وفي بلاد الحبشة أنجبت لجعفر أبناءه الثلاثة: عبد الله ومحمدًا، وعوفًا، وحرصت على تنشئة أبنائهن على الطاعة والعبادة.
موقف السيدة نسيبة بنت كعب أم عمارة رضي الله عنها، وما حدث منها يوم أحد، فهي تقول: «رأيتني وقد انكشف الناس عن رسول الله ﷺ، فما بقى إلا في نفر ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه، نذب عنه والناس يمرون به منهزمين، ورآني لا ترس معي، فرأى رجلًا موليًا معه ترس، فقال لصاحب الترس: ألق ترسك إلى من يقاتل، فألقى ترسه فأخذته، فجعلت أترس به عن رسول الله ﷺ، فيقبل رجل على فرس فيضربني، وترست له: فلم يصنع سيفه شيئًا وولي، فأضرب عرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فجعل النبي ﷺ يصيح: يا ابن أم عمارة: أمك أمك، فقالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب". وشعوب: اسم من أسماء الموت.
دروس من حياة الأمهات الصحابيات
الاقتداء بالمنهج التربوي النبوي في نشأة أطفالنا.
أمهات المؤمنين– رضي الله عنهن– والصحابيات اتخذن من القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة منهجًا في تربية أطفالهن.
الأسرة تعد اللبنة الأولى التي ترسي للفرد قواعد التربية السليمة.
الاختلاف الزمني ما بين العصر الحالي وعصر الرسول ﷺ لا يمثل عائقًا أمام تطبيق المنهج النبوي في التربية.
أمهات المؤمنين وزوجات الصحابة لاقين أيضًا الكثير من التحديات، ورغم ذلك نجحن في التربية.
.