تلعب البيئة الصحية السليمة دورا كبيرا في تنمية وصقل الموهبة والإبداع لدى الطفل، فللتربية البيئية أثر كبير في توعية وتنمية الطفل الموهوب، ولذا نحن في حاجة إلى استراتيجية ناجحة لوسط بيئي سليم يسمح بتطوير وتنمية الموهبة ورعايتها.
وتتناول د. حليمة لطرش، أستاذة التربية الإدارية بقسم علم النفس بالجزائر، في دراسة لها بعنوان: "أثر البيئة والتربية البيئية على الموهبة عند الطفل" أهميه البيئة للطفل الموهوب، والتعرف على المشكلات البيئية المصاحبة للتلوث وتأثيرها على الطفل حتى يتسنى التفكير في وضع استراتيجية يمكن أن تكون على مستوى التربية الأسرية والشارع البيئي.
تعريف الموهوبون
هم الأشخاص المؤهلون ذوو القدرات والقادرون على الآداء العالي والسامي، هؤلاء هم الأطفال الذين يتطلعون لبرامج تعليميه معينة وخدمات على خلاف هؤلاء المزودون ببرامج عادية لكي يدركوا اسهاماتهم لأنفسهم ولمجتمعاتهم.
كما تجدر الإشاره إلى أن الموهوب يختلف عن المبدع والعبقري، الموهوب هو الذي يمتلك قدره عقلية عالية، أما المبدع فيتسم بالانجاز الأصيل ذى القيمة الابتكاريه، فالموهبة تفوق في الحواس والإدراك العقلي إلى حد الابتكار والاختراع وينتج ما يتكون في العقل الباطن من صور وخيالات يقوم الموهوب بتجسيدها في الحقيقة وخلطها حتى تتكون صورة ملموسة.
البيئة والطفل الموهوب
تشتمل البيئة على كل ما يحيط بالإنسان وما يقع على حواسه من مؤثرات، ويمكن تميز شقين من البيئة أحدهما مادى جغرافي ويشتمل على: المناخ والطقس والتضاريس والعمران والبحار والمحيطات والانهار، والثاني يشتمل على البيئة الاجتماعية وتتضمن بدورها كافة الجماعات البشرية التي ينخفض فيها الفرد (الأسرة، الأصدقاء، رفقاء العمل).
إلي جانب ذالك هناك المعايير والأعراف والقيم والعادات وأنماط السلوك والعرف والدين واللغة وكل مظاهر الثقافه. والبيئة بشقيها تؤثر تتأثر بالإنسان، فهي تؤثر في سلوكه ونموه وأفكاره وسمات شخصيته، فالبيئة التي تصقل وتنمى تلك القدرة البشرية الطبيعيه ذات القيمة المتميزة.
مكونات البيئة
البيئة الطبيعية: وهي كل ما يحيط بالإنسان من ظواهر حية وغير حية وليس للإنسان أثر في وجودها، وتشمل: المناخ، التربة، النباتات، الحيوانات.
البيئة البشرية: ويقصد بها الإنسان وانجازاته التي أوجدها داخل البيئة الطبيعية، والإنسان يختلف فى عدده وكثافاته ودرجة تحضره، وتقدمه العلمي، ما يؤدى إلى تباين البيئات البشرية، والتي تنقسم إلى:
أ. البيئة الاجتماعية: تتشكل من الأفراد والجماعات في تفاعلهم وانماط التنظيم الاجتماعي وجميع مظاهر المجتمع.
ب. البيئة الثقافية: الوسط الذي خلقه الإنسان لنفسه بما فيه من منتجات مادية وغير مادية، في محاولاته للسيطرة على الطبيعة، وكل ما يتوارث من جيل إلى أخر.
والبيئة الثقافية للطفل الموهوب تتحدد من خلال عدة عوامل منها:
1- مستوى ثقافة الوالدين.
2- مدى توافر الكتب والمجلات والصحف في المنزل في متناول الأطفال.
3- مدى توافر المذياع و الفيديو والتلفاز في المنزل.
4- مدى توافر المسارح والمعارض والرحلات وغيرها مما يعد وسيلة لنقل وتبادل الآراء والآفكار.
5- مدى توفر المؤسسسات التربوية كرياض الأطفال وغيرها، المدارس والجامعات فى البيئة التى يعيش فيها الإنسان.
6- مدى توفر برامج تعليم غير نظامية فى البيئة التى يعيش فيها الإنسان.
التربية البيئية
تنبه العالم إلى المشكلات البيئية التى تهدّد أشكال الحياة على الأرض، نظراً لإهمال جوانب التنمية البيئية، ومن هنا بدأ التفكير فى وضع خطط تنموية تراعى البيئة ومتطلباتها، وتحد من مشكلاتها، وتمخض عن هذه الجهود مفهوم جديد للتنمية المستديمة، صاحبها ظهور مفهوم التربية البيئية، والذى فرض نفسه على التربية وعلى حركة الفكر التربوى وتطبيقاته، وهذا بفضل التطور والتغير العلمى والتكنولوجى الكبير وآثاره التى أسهمت فى إدخال هذا المفهوم.
ويُعنى بتربية الفرد وتهذيب سلوكه وترشيده نحو البيئة التى يعيش فيها، ونحو الكون الواسع والشامل، فيستثمر إمكانياته ويتعامل معها برفق، وتحضر لكى تكون قادرة على الاستمرار فى العظاء، مما يوفر حياة هنيئة للانسان فى الحاضر والمستقبل.
والإنسان فى تعامله مع البيئة ينتج بعض المشكلات عن تفاعلاته غير السوية معها، فالإنسان يستثمر طاقة الشمس ويستخدم المياه، والهواء والتربة وغيرها، إذن فالبيئة تقدم كل شئ للإنسان وتشبع رغباته، ولكن فى ظل التكدس السكانى تزايدت الضغوط على البيئة فاستنزفت مواردها، وطغى التلوث بشكل كبير، مما أثر على صحة الإنسان وخاصة الأطفال.
لذا جاءت التربية البيئية كلغة مشتركة بين مختلف الدول، ومنذ العام 1987م بدأت الدول تصنع برامج للتربية البيئية داخل المناهج المدرسية، والتى يدور محور اهتمامها حول ما يجرى بين الإنسان والبيئة من تفاعل.
إن التعليم هو الأساس المتين للعمل التطوعى والجماعى والشبابى، لذا يجب أن يكون هناك تعليم بيئي فى جميع المدارس، لتنشئ جيل واع بأهمية البيئة السليمة ودورها فى خلق الإبداع وتنمية المهارات والقدرات لتحقيق تنمية دائمة.
إذن فالتربية البيئية بالمدارس تعمل على توثيق علاقة مناهج التعليم المدرسي بالبيئة، والتى توجه وتنمى الطفل جسديا وعقليا، وبالتالى ينمو الطفل وهو يحمل معلومات وسلوكيات بيئية صحيحة، وإن التربية البيئية للأطفال عموما والموهوبين خصوصا تهدف إلى تحسين البيئة الصحية فى المجتمع، وطرق المحافظة على صحة الفرد والمجتمع، فالأطفال عموما هم الأكثر تأثراً بالبيئة، لذا يجب أن تعطى بيئة الطفل المزيد من الرعاية.
أهداف التربية البيئية
حدد مؤتمر استكهولم 1972، الأهداف الأساسية للتربية البيئية:
- تشجيع تبادل الأفكار والمعلومات والخبرات المتصلة بالتربية البيئية بين الدول.
- تشجيع تطوير مناهج تعليمية وبرامج فى حقل التربية البيئية وتقويمها.
- تشجع تطوير نشاطات البحوث المؤدية إلى فهم أفضل لأهداف التربية البيئية ومادتها وأسلوبها.
- تشجيع وتدريب القادة المسئولين عن التربية البيئية لكل المخططين والباحثين والتربويين.
- توفير المعونة الفنية للدول الأعضاء لتطوبر برامج فى التربية البيئية.
وعليه تسعى التربية البيئية إلى إعداد الإنسان البيئي من خلال:
- التعلم عن البيئة والإلمام بالقواعد الأساسية، لجوانب المعرفة العلمية التى تستخدم فى تفسير الظواهر المتشابكة.
- التعلم من البيئة والتفاعل بين مكونات البيئة الحية وغير الحية.
- التعلم من أجل البيئة والمحافظة عليها، والإبقاء عليها سليمة نقية.
أثر التربية البيئية والتلوث على الطفل الموهوب
البيئة تؤثر على الأحوال الصحية والنفسية والسلوكية للطفل، فإذا عاش فى بيئة سليمة نشأ خال من الأمراض، أما إذا كانت البيئة فاسدة وملوثة فإنه ينشأ مريضاً صحياً ونفسياً وذهنياً، وهناك دراسات عديدة أكدت ان تأثير البيئة على ذكاء الأطفال قد يكون أكثر من تأثير عوامل الوراثة، وبما أن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل هى الأساس فى تكوين نمو الطفل الجسمى والنفسى والعقلى والصحى، فلابد من تهيئة بيئة سليمة للطفل، لتساهم فى تكوين سليم لشخصيته وبناء متين لفكره وجسده.
تواجد نسب قليلة من الملوثات فى الهواء يؤثر على الجهاز العصبى المركزى والذى هو أساس الذكاء والدماغ، ما يتسبب فى التأثير بشكل كبير على الوظائف النفسية والسلوكية والفكرية، وهذا ينعكس سلبا على قدرة العقل على التركيز والتفكير، كما أن تلوث الهواء قد يؤدى إلى وفاة بعض الأطفال أو التسبب فى إعاقات جسمية لهم، خاصة لأنهم الأكثر تأثراً من غيرهم.
إن التأثير النفسى والاجتماعى والاقتصادى والجو الأسرى والمدرسى، يؤثرون على الأطفال، حيث يرتبط أطفال الأسر الفقيرة الذين يعيشون فى أماكن ذات فوضى بيئية، يكونون أقل قدرة على التعلم وأقل ممارسة للنظام، وغالباً ما يكونون قليلى الذكاء، يفضلون قوة البدن على قوة العقل، وأفقهم الاجتماعى ضعيف، وهذا يحد من تفكيرهم وذكائهم وإبداعهم.
وأيضاً إذا كان الأبوان غير سليمين صحياً وجسدياً ولا تكون تغذيتهم صحية، فلا يستطيعون إعطاء أبنائهم الوقت والجهد لتنمية ملكاتهم العقلية وتعليمهم، ومنه فالبيئة هى أساس للإبداع والذكاء لدى الأطفال، فالقدرات العقلية تترعرع فى البيئة السليمة التى تصنع منهم مبدعين يساهمون فى بناء مجتمعهم الذى أعطاهم بيئة صحية ينموا فيها.
كيف نربى الطفل بيئياً فى المنزل؟
- لابد من تعويد الأطفال على النظافة الشخصية وأن يتبعوا عادات صحية سليمة.
- التحذير من قضم الأظافر وهى تسبب بعض الأمراض نتيجة تلوث الأظافر.
- تحديد مكان اللعب، فاللعب ينمى جسد الطفل ويعلمه ويكشف مهاراته لكن ليس فى الشارع.
- التحذير من اللعب بالأنف وهى مضرة بالطفل، وعليه أن يتعلم طريقة مناسبة لنظافته الشخصية.
- خطورة لمس العين بيد ملوثة وابتلاع التراب والصابون والشعر، فلابد من المراقبة وتعليمه الطرق الصحية.
مراحل التربية البيئية وعلاقتها بالموهبة
- من عمر شهر إلى أربعة أشهر: هنا يكتشف الطفل الأصوات والألوان وينتبه لحركة الأشياء، فمن الأفضل شرء الخشخيشة ذات المقبض كى يمسكها الطفل بسهولة ونشترى له ألعاب حيوانات مختلفة تعلق على سريره.
- من خمسة إلى ثمانية أشهر: يبدأ الطفل باستخدام يديه بكل الأشكال، عليه أن يلعب بالحيوانات المصنوعة من الكاوتشو وتصدر أصواتاً موسيقية، وتؤثر على عواطفه، وهو فى هذه المرحلة يبدا الحبو، فعلينا مساعدته على ذلك لينموا صحياً وعقلياً.
- من تسعة أشهر إلى سنة: يحاول رمى الأشياء من أجل رؤية المكان الذى تصل إليه، فلا تعطه ألعاب قابلة للكسر.
- من سنة إلى ثمانية عشر شهراً: يبدأ بخطواته الأولى فعليك أن تعطيه لعبة متحركة لمنحه الأمان فى خطواته الأولى.
- من ثمانية عشر شهر إلى سنتين: يبدأ فى الإمساك بكل شئ يراه ويبدأ بالركض فى كل مكان، فنعطيه قطاراً خشبياً تجره عجلات أو حصاناً بخيط، ويجب ان نعطيه ما يستطيع به أن يمارس هواياته.
- من سنتين إلى ثلاثة سنوات: يبدأ بتقليد ما يراه من تصرفات.
- السنة الثالثة: يمتاز الطفل بخيال واسع ويبدا فى تقليد وتقمص شخصيات من مجتمعه، وعموماً فى هذه السن يفضل الأطفال العاب الذكاء.
- السنة الرابعة: يمارس الأطفال كل تصرفات الكبار، كما يهتمون بالرسم والتلوين، لكن عندما يصل الطفل إلى سن الروضة يبدأ اللعب بالصلصال والورق القص والألوان وغيرها.
وهكذا فالمرحل العمرية الأولى مهمة جداً، لنمو الطفل النفسي وتوفير البيئة المناسبة داخل المنزل وبالتالى يساهم فى بلورة الموهبة وتطويرها، ويجب أن تكون هناك مساحات مناسبة للعب فى المنزل، لأن اللعب هو مفتاح النمو النفسى والعقلى والصحى والجسدى للطفل، وأن تكون أماكن الروضات منعزلة وفى مكان بيئى بعيد عن الضوضاء، وفيه تهوية مناسبة وهادئة، وأن تكون المربيات على مستوى علمى وثقافى عال.
وقد أولى الإسلام اهتماماً كبيراً بمحيط الإنسان، حيث حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على غرس الأشجار والمحافظة على المياه، فقال:"ولا تقطعن شجراً مثمراً ولا تخربن عامراً ولا تعقرن شاة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلاً ولا تغرقنه"، وغيرها من الأحاديث النبوية التي تحث على البيئية الصحية الجميلة.
وأشارت توصيات الدراسة إلى ان التوجه الجديد يرى أن جميع الأطفال موهوبين ومبدعين، لكن المدرسة والبيئة الاجتماعية عامة هى التى تدمر هذه القدرة الطبيعية، وعليه لابد من وجود علماء ومفكرين وإنشاء مراكز بحث علمى وتوفير الظروف اللازمة لحماية الموهوب والوسط البيئ، ورفع مستوى الوعى البيئي لدى الناس، وإداخال البعد البيئى ضمن مناهج التعليم.كما أكدت على أهمية البيئة فى تشكيل اهتمامات الموهوب، فأغلب العلماء والأدباء نموا فى بيئات سليمة ساعدتهم فى تقوية اهتماماتهم فى الاستمرارية والتدريب لتنمية قدراتهم.
.