إن من عظمة هذا الدين الإسلامي الذي رضيه الله لعباده أن جاء بالاجتماع، فقد جاء الإسلام بهذا المعنى العظيم، بل وجعل من الضروريات أن يجتمع الأفراد والجماعات والشعوب تحت مِظلة واحدة، هي مظلة الإسلام.
فقد أمر الأمة جميعا بالاعتصام بحبل الله، ولم يوجه الأمر بالاعتصام بحبل الله إلى الأفراد، وإن كان واجبًا على كل فرد على حدة، فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (آل عمران:103).
خير ما رسمه ديننا الحنيف من أهداف، وأمر به، وأكد عليه، وحاسب على تركه والتهاونِ به، هو اجتماع الكلمة، وترابطُ المسلمين، وتساندهم للعمل جميعاً في صالح أمة الإسلام؛ رفعة لشأنها، واستدامة لعزها ومجدها.
فالاعتصام بحبل الله- جل وعلا- وعدم التنازع والفرقة هو الحجر الأساس في بناء صرح الأمة، يقول بشير ابن مسعود رضي الله عنه في هذا السياق: «عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة» (أبو العباس الأصم في الثالث من فوائده).
والمتأمل في حال أمة الإسلام- في عصرنا الحاضر- يلحظ أن أمراضها قد تعددت وتشعبت وشملت جوانب كثيرة من شؤون الدين والدنيا، وإن من أخطر تلك الأمراض التي أصيبت بها الأمة مرض الاختلاف والتفرق، ذلك المرض الذي شمل مناحي الحياة كلها في كل مجتمع من مجتمعات المسلمين، حتى خيّم شبحه على نفوس الناس، وظهر فيهم لفيف من الأقوام المتناحرة والمتدابرة.
لقد وقف الحجاج على صعيد واحد، يدعون ربًا واحد، ويتلون كتابًا واحد، ووقف من خلفهم الملايين التي توحدت تربيتها على الصوم والمسارعة في الطاعات في هذه الأيام.
لقد توحدت الأمة، ولم تعبأ بحكامها الراغبين في تشرذم هذه الأمة، ولذا لا بد من جعل أسس الوحدة منهجًا تربويًا بعد الوحدة على عرفات، والوحدة في هجرة النبي محمد ﷺ.
أسباب الفرقة
- بُعد الأمة عن دينها واتباع منهج الأمم الأخرى: يقول ﷺ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُم» ([1]).
- الابتداع في الدِّين وإدخال ما ليس فيه مما يثير البغضاء والتحزب وسط الجماعة المسلمة، قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
- حب الدنيا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» ([2]).
- الجهل: وهو من أعظم أسباب التفرق.
- الهيمنة الغربية ثقافيًا واقتصاديًا وعسكريًا، والتي تعمل على مبدأ فرق تسد بين الأمة الإسلامية.
- العَصَبِيَّات العِرقية بين شعوب البلاد الإسلامية؛ كالفرعونية والفينيقية والبابلية والآشورية وغير ذلك.
عرفات ومدرسة التربية الجماعية
دائمًا يأتي الوقوف بعرفة ليوحد جموع الأمة، ويعمل على توحيد صفهم وكلمتهم، وتتجلى فيه تربية الحجاج– بل والصائمين من غير الحجاج- على الخشونة والصبر وقوة الإرادة، واحتمال المتاعب، فلا مجال للترف والإسراف، بل التقشف وضبط النفس، والحسم والعزم؛ فتكتمل الوحدة على أساس متين من الدين.
والطريق الصحيح لتصحيح أي انحراف في مسيرة الأمة الإسلامية، ولخروجها مما هي فيه من الذلة وتَسَلُّطِ الأعداء هو:
- الرجوع للمعين الأصيل كتاب الله سبحانه وسنة نبيه ﷺ، لأنه لا قيام لمصالح المسلمين في الدين والدنيا إلا بوحدتهم واجتماع كلمتهم على الحق.
- من واجب الجماعات والمؤسسات الإسلامية أن تسعى إلى بلورة بعض الأُطُر الوحدوية كالاتحادات الإسلامية.
- للدعاة الذين يجوبون العالم الإسلامي دور خطير في اكتشاف كل ما ينمي أوجه التعاون والتكامل بين بلدان العالم الإسلامي، ثم الكتابة عن ذلك ونشره؛ لتتعزز معرفة المسلمين بالإمكانات التوحيدية المتاحة.
- يتطلب توحيد العالم الإسلامي المرحلية والتدرج على مستوى المؤسسات وعلى مستوى الأقاليم([3]).
من ثمرات الوحدة
- أن الاجتماع يساعد المجتمع على مواجهة التحديات، فنحن إذا اجتمعنا نستطيع أن نصمد أمام التحديات العصرية.
- تحقيق الألفة والعدالة والمحبة والتآخي، فالاجتماع سيحقق كل هذه المعاني عندما نصلي في مسجد واحد، ونقف في صف واحد، نركع جميعًا، نسجد جميعًا، نحج جميعًا، كل هذا فيه معنى الترابط والتلاحم والألفة، وعدم التفريق بين المسلمين.
- القضاء على العصبية القبلية، فإننا إذا اجتمعنا في المسجد صلى فيه الجميع الكبير والصغير والشريف والوضيع والغني والفقير، كلهم يخضعون، يسجدون لله– سبحانه وتعالى– فالعلاقة بيننا هي علاقة الدين، كما قال سلمان الفارسي رضي الله عنه:
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقَيْس أو تَمِيم
- أنه يساعد على إظهار عظمة الإسلام، من القوة والاتحاد، ويحقق البركة، فالاجتماع فيه بركة في أمور الخير كلها.
- يخيف الأعداء ويلقي الرعب في قلوبهم، والقضاء على ما يحاول أن يفعله الأمم الأخرى من تفريق كلمة المسلمين([4]).
المصادر
([1]) رواه البخاري عن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ
([2]) أخرجه مسلم في الصحيح
([3]) بدران بن الحسن: رمضان وتوحيده الأمة ثقافيًا واجتماعيًا، بحوث، الأحد 1 رمضان 1424 الموافق 26 أكتوبر 2003م، http://cutt.us/sSmsZ
([4]) فضل الاجتماع والتحذير من الفرقة والاختلاف: موقع السكينة، 3 يوليو, 2012م
.