Business

إدارة الحلقات القرآنية وأدوات النجاح الإدارية والتربوية

يحتاج معلم القرآن الكريم إلى اكتساب المهارات اللازمة التى تعينه وتساعده ليكون قادراً على إدارة الحلقات القرآنية بأعلى مستويات الجودة الإدرية والتعليمية والتربوية.

ويرجع تحقيق أركان الحلقة الناجحة إلى هذه المهارات المساعدة لديه ولدى من يعينه، فمجرد توفّر الإمكانيات المادية فى الحلقة لا يجدى ما لم تفعّل ويستفاد منها الاستفادة المثلى، لذا كان جديراً بالمعلم أن يحصل التعلم النظرى ويكتسب المهارات العملية.

ويجب تجاوز مرحلة مرت فى تعيين معلمى الحلقات، كان سمتها الأبرز أن ينتقل الطالب فى لحظة من كونه طالباً إلى كونه معلماً، لأنه فقط ختم القرآن، أو لأنه أكبر الموجودين، دون تدريب أو تعليم.

وفي دراسة حديثة حول " كيف تدير الحلقات القرآنية بأعلى مستويات الجودة الإدرية والتعليمية والتربوية" سعى د. حسين بن على الأشدق الأموى إلى مدّ المعلمين بحقيبة مهارات لإدارة عمليات الحفظ والمراجعة، وإدارة طلاب الحلقة، ومحاولة التعرف على أسرار الحفظ والإتقان، وغيرها من المهارت والأدوات.

البداية بالتقييم

تبدأ الدراسة بذكر ضرورة تقييم المرحلة الحالية للحلقة، ويتم النظر إلى عدة أمور من أهمها:

  1. قياس مستوى إنتاج الحلقة بالمقارنة مع المقومات التى تملكها.
  2. الصدق مع النفس فى النظرة والقياس.
  3. النظر إلى جميع جوانب الحلقة، من التعليمية والمالية والإدارية والتربوية وغيرها.

أركان نجاح الحلقات

لا تسمى الحلقة القرآنية حلقة إلاّ إذا توافر فيها عدد من الأركان، وهى المعلم الكفء، والطالب المتميز والمجتهد، والمنهج المتوازن وطرائق التدريس الفاعلة، والبيئة المهيأة والبرامج الجاذبة.

ومن المهمات والمكملات التى تعزّز نجاح الحلقة وترفع من مستوى تقييمها: تعاون ولى الأمر، وجود الإدارة الواعية، وتوفّر الدعم المناسب، وغيرها.

الركن الأول: معلم الخير الكفء

المعلم هو قلب العملية التربوية والتعليمية ومحركها الرئيسي، وينبغى أن يكون قادراً على تقييم نفسه فى ثلاث خطوات:

الأولى: ارسم أجمل صورة للشخصية التى تطمح بالوصول اليها، واكتب أعلى الشروط وأفضل المواصفات.

ثانياً: قيّم نفسك وانظر فى تحقّق الشروط والمواصفات العالية فيها، واحرص على الاّ تظلمها وكذلك لا تعطيها فوق حقها.

ثالثاً: خطّط للمرحلة القادمة لإكتساب ما ينقصك من المواصفات المهمة والمهارات اللازمة للوصول إلى الشخصية المثالية.

كلنا يقدر على تغيير أسلوبه فى حلقته، بل فى حياته كلها، إذا أعانه الله على ذلك ويسر له سياسة نفسه وقيادتها، ثم عزم على التغيير وسلك سبيله الموصلة اليه، ومن عرف نفسه بما فيها، كانت بداية العناية بها أيسر عليه.

إن من أبسط أبجديات عناية المعلم بهذه الرسالة العظيمة أن يتجهز ويستعد لها، ومن الوسائل التى تعين المعلم على اكتساب المعارف والمهارات اللازمة للتغيير إلى الأفضل: القراءة، والسؤال، والتأهل فى المعاهد والمراكز، وحضور الدورات التدريبية وغيرها.

فإن لم يكن، فلا أقل من ملازمة الطالب لشيخ متقن، ينهل من خبرته ويستفيد من تجربته، ويطبق أماه بحيث يعدّل عليه ويجيزه، لتحمل هذه المسئولية الكبيرة.

ويجب على المعلم معرفة كيفية إدارة أفراد الحلقة والتعامل مع الطلاب، وكيفية إدارة وقت الحلقة وتوزيع الحفظ والمراجعة، وإدارة ذاته والعناية بها وتطويرها، ووضع المنهج واختيار الطرق والوسائل المناسبة لعمر طلابه ومستوياتهم الذهنية، ومعرفة فنون التسميع وضبط المتشابه، وتعليم التجويد ومتشابهاته.

والأهم من هذا هو معرفة المعلم بما يملكه منها، حتى يحافظ عليه ويختبره ويعززه، وما ينقصه حتى يبذل قصارى جهده للحفاظ عليه.

وإن من أهم أدوات وأقوى أسلحة المعلم هو حفظه المتقن لكتاب الله، حتى يستطيع تعليه ويعين على حفظه، وإنها لرسالة سلبية تقولها لطلابك وانت صامت، احفظوا فلست بحافظ!، لذا فمن أهم الأمور التى يجب أن يعتنى بها معلم القرآن أن يتعاهده بالمراجعة، وإن كان لم يتمّه بعد، حرص على إتمامه وإتقانه.

الركن الثانى: طالب الخير المجتهد

فالطالب هو محور العملية التعليمية وإليه يوجه منتجنا النهائى فى الحلقات القرآنية، والمعلم يستفيد من طالبه استفادة أخروية قبل أن تكون دنيوية، بل إن ما يحصل للمعلم من جراء ما يقدمه للطالب من حسنات وأجور –مع إخلاص النية وحسن القصد والاحتساب لما يبذله فى تعليم كتاب الله وصبر على ذلك ونصح لطلابه وبذل الخير لهم- هو خير كثير وفائدة جمة، تجعل المعلم يسير فى هذا الطريق وأن يبذل كل ما فى وسعه مع طلابه.

وثمة عدة طرق وأساليب وآداب ينبغى أن يراعيها المعلم مع طلابه:

  1. المعلم الذى يتوقع القليل من طلابه لن يحصل إلاّ على القليل، وحتى لو حصل على الخير الكثير فلن يراه إلاّ قليلاّ، إنه شعور مؤثر على أفعال المعلم وله انعكاسه فى واقعه على طلابه، لذا فإنه ينبغى على المعلم ان يظن ويجزم من طلابه الخير الكثير.
  2. إن فهم المعلم لنفسيات وطبائع طلابه يجعله يملك مفاتيح قلوبهم، ويعرف كيف يدخل اليها ويؤثر فيها ويغرس فيها حفظ القرآن وحبه والعمل به والوقوف عند حدوده.
  3. العناية والرعاية وبذل الجهد لتوفير الجو المناسب والبيئة الجاذبة والتعامل المناسب مع الطلاب.
  4. يستطيع المعلم أن يبتكر عشرات الطرق والوسائل المناسبة للتعامل مع طلابه، لإنه هو الأقرب منهم والألصق بهم، يعرف خصائصم وطباعهم.

ويراعى أن طلاب الحقات القرآنية يوجد منهم المتوسط والضعيف والاغلب متوسط المستوى، فيجب أن نحسن الظن بهم وبما دفعهم للإتيان لحفظ القرآن الكريم، ولا نحملهم ما لا يطيقون أو نطلب منهم ما لا يقدرون، وأن نقبلهم بما فيهم مجتهدين فى الرفع من الايجابيات وتعزيزها، والتقليل من السلبيات.

كيف نصنع الطالب المتميز والمجتهد؟

المعلم الكفء هو الذى يستطيع أن يصنع النجاح والاجتهاد فى طلابه، ومما يعين على هذا:

  1. اعط كل طالب من طلابك حقه، تكلم مع الجميع، اجعل كل طالب من طلابك يظن أنه أهم طالب لديك.
  2. العناية باكتشاف الطاقات الكامنة مبكراً، والعزيزة قبل المتوفرة.
  3. الصبر والتدرج، وإبراز الحسن وإزالة ما قد يشويه من كدر.

كيف نتعامل مع الطلاب محدودى/ مفرطى القدرات؟

الطرق والوسائل السابقة، تناسب هؤلاء الطلاب بالطبع ولكن مع التركيز على النقطتين التاليتين:

  1. النظارة البيضاء: وهى أن يرى المعلم الايجابيات من طلابه، وأن يركز على الايجابيات ويعززها، ويستثمر منه الطاقات.
  2. الصبر على الطلاب، وتحمّل المشاكسات واللعب والتقصير والجدل والعناد والتقلب، وغيرها.

الطلاب المتوسطين

  1. لا تبخس أحداً حقه، فلعل هذا الطالب أو ذاك يجعل الله فيه خيراً عظيماً.
  2. مكسب رابح، فكل ما تقدمه لأى طالب مهما كانت صفاته، هو داخل ى ميزان حسناتك.

وسائل وطرق

  1. للأسلوب غير المباشر أثر كبير فى إيصال المقصود وتصحيح الخلل، وما "ما بال أقوام" إلاّ منهج محكم من النبى صل الله عليه وسلم، وطريق مبارك لمعلمى الناس الخير، كأن تضرب له مثلاً، أو تقص له قصة، أو تجعله يشاركك فى حل المشكلة.
  2. اجتهد فى كشف خبايا الطالب الجميلة، وحاول إبرازها للطالب أولاً ثم للآخرين من حوله، فكل إنسان فيه من معالم الخير والصفات الجيدة ما فيه.

توجيهات وتطبيقات

من يتصفح السيرة النبوية، ويسبر غور تعاملات النبى - صلى الله عليه وسلم - التربوية، يجد مجموعة من الوسائل والطرق التربوية الناجحة والمؤثرة، جاءت لتخط للمربين مساراً واضحاً وقواعد راسخة:

  1. "الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة".

حديث يحمل فى طياته قواعد تربوية عالية، مفادها المختصر أنه ليس كل الناس سواء، وقد توجد الكثر ويكون المميز فى الأقلية، والقناعة بالفروق الفردية سلباً وإيجاباً من القواعد المهمة فى التربية والتعامل مع الطلاب.

لذا فإن قبول كل طالب كما هو، مع محاولة تعزيز إيجابياته وتمكينها والتخفيف من سلبياته وتأطيرها، يفيد كلا من المعلم والطالب، ويجعل بين الاثنين تجانساً وتقارباً كبيراً.

  1. "أفرغت يا أبا الوليد"

حينما يتحول الحديث بين المربى والمتربى إلى أن يكون حديثاً من طرف واحد، ونعيب فيه السماع والحوار من الطرفين، حينها يحدث خلل كبير فى التربية، وينبغى للمعلم أن يجعل طلابه يظهرون ما فى داخلهم، بأى شكل أو أسلوب، سواء كان سؤالاً او جواباً أو فضفضة.

  1. "اجلده الحد ولا تثرب"

يبين أن لكل شئ حداً، وهذا الحد قد يكون واضعه ومحدّده الشرع وحينها نقول سمعنا واطعنا، وقد يكون للاجتهاد والنظر فيه مجال.

  1. "وضع الندى موضع السيف"

الحزم فى حينه واللين فى حينه توليفة رائعة، تعطى المربى والمتربى وضوحاً واستقراراً، يعرف بها كل منهما حقه وحدوده.

  1. "يحبهم ويحبونه"

إن "يحبهم" هى نقطة البداية فى حبهم له، فالمعلم المستشعر للمسئولية تجاه طلابه، والمحب لهم ولحلقته ورسالته التى يؤديها، سيحبه طلابه ولابد، بل سيرى كيف سينقلب بغض بعضهم له حباً.

  1. "حريص عليكم"

إن الحرص والاهتمام دافع كبير للعطاء والبذل أكثر من الأخذ وانتظار المقابل، والحرص المحمود هو الاجتهاد فى إيصال النفع الدنيوى والأخروى لهم دون انتظار لمقابل.

  1. "أنا لست بالخب"

إن الذكاء والفطنة وسرعة البديهة صفات محمود لدى المربى، إذ بها يعرف ويفهم مراد المتربى ومقصد أفعاله.

  1. "أمسك عليك هذا"

كل كلمة أو تصرف من المعلم أمام طلابه محسوبة عليه، وحينما يستشعر المعلم أنه قدوة، فسيحسب لكلماته ورسائل وأفعاله وسكناته ألف حساب.

التحفيز

شعار يملأ القلب فرحا والثغر بشاشة وابتسامة، ومتى شاع فى بيت أو مدرسة أو حلقة رأيت فيها المبادرة مستمرة والإبداع متجدد، والتآلف والتعاون يمل الأرجاء، واختفاء كثير من المشكلات والخطاء.

إن للتحفيز أثر بالغ فى صناعة القيادات فى المستقبل، وله اثر أيضاً فى المحافظة عليها، وكسب ولائها، واستمطار عطائها.

وإن لإثارة الدافعية لدى الطلاب وتحفيزهم على فعل شئ أو تركه أنواع منها:

التحفيز الخارجى

وهو ما يكون من طرف خارج عن المحفز، كأن يكون معلمه أو أباه أو غيرهما، وهو صور من أبرزها:

التحفيز الحسى، ويقصد به ما كان بالأمور المحسوسة المشاهدة كالهدايا وغيرها، والتحفيز المعنوى، ويقصد به ما يكون من غير المحسوس كالكلمات والحركات.

التحفيز الداخلى

وهو بسعى المعلم لإضاءة الشمعة الداخلية بقلب الطالب، بحب القرآن والإقبال على حفظه وتلاوته واالعمل بما فيه، وجعله الأنيس والجليس، وذلك بأساليب منها: التذكير بالهدف من حفظ القرآن، وبيان فضل وأجر وثواب حفظه، وبناء الألفة مع الجو القرآنى.

 إضاءات

  • لا تصبح المحفزات ذات معنى، إلا إذا أدرك المحفز قيمتها، فلامس احتياجات طلابك.
  • إذا تكرر التحفيز للشخص ذاته بالطريقة ذاتها، يفقده لذة التحفيز ويقلل من فائدتها وأثرها عليه.

الركن الثالث: المنهج الدراسى المتوازن والمنتج

للمنهجية فى الحلقات شروط ومواصفات حتى تنجح من أهمها:

  1. المرونة: بحيث يتحمل البرنامج العقبات التى تطرأ مثل الغياب والتأخر ولا بتأثر بذلك.
  2. الشمولية: بحيث يشمل البرنامج جميع فئات الطلاب ومراحلهم الدراسية والذهنية والعمرية.
  3. الواقعية: بحيث يمكن تطبيق البرنامج فى الواقع، ويكون منطلقاً من واقع حلقاته التى بنى عليها.
  4. التحدى: بحيث يوجد عنصر التحدى والجدية فى التطبيق حتى يشعر الطالب بأثر تحقيقه للأهداف.
  5. الإبداع: بحيث يمكن تطبيق البرنامج بدون الإلزام بتغيير ترتيب الحلقات وتصنيفها.

المنهجة العلمية فى الحلقات

  1. المنهج الموحد المستويات: ويقصد به وضع منهج واحد لجميع طلاب الحلقة.
  2. المنهج المحدد: ويقصد بع تحديد مقطع معين لكل فئة من فئات الطلاب"العمرية- الذهنية- الدراسية".
  3. الخطط الطلابية: يقصد به وضع منهج لكل طالب على حدة، من خلال متابعته وتحديد مقدار حفظه.
  4. المنهج الزمنى: يقصد به تحديد مقطع معين لكل مدة زمنية.

قبل الحفظ

  • "يابنى.. هل صليت الفروض فى جماعة؟"

على المعلم ان يربط طلاه فى حفظهم وتلاوتهم بطاعة الله تعالى، لإنها باب الحفظ ومثبته ومثمره، والمعصية مثبطة عن الخير، مانعة لانشراح الصدر، عائق عن الحفظ الجيد والاستذكار.

  • "يابنى.. اخلص تحفظ":

على المعلم أن يذكر طلابه مراراًبالاخلاص، وربطه بحفظ كتاب الله تعالى، وأثره على ثواب الحافظ، وخطر فقده أو نقصه منه.

     ج- "يبنى لا وقت ضائع":

من أراد الحفظ والاتقان والاجادة فعليه أن يستمر ويبذل جهده ويستفيد من وقته، وأن يجعل حفظ القرآن وإتقانه من أولى أولوياته.

  • طرائق التدريس: من خلال إحسان إدارة وقت الحلقة: خطط ليومك الدراسى، استفد من كل دقيقة، ابدأ بالحفاظ، رتّب أبجديات حلقتك، فعّل الجميع.

البيئة الدراسية والمناهج الجاذبة

  1. مكان الحلقة وتجهيزاته وهيئة الجلوس فيه: ينبغى أن يكون مريحاً، بعيداً عن الصوارف والمزعجات.
  2. وقت الحلقة ومدتها: فاختيار الوقت المناسب للحلقة يعزّز ارتباطهم بها، ويجعلهم يقدمون أفصل ما لديهم.
  3. وظّف امكانياتك الحالية واطمح للأفضل، استخدم المتاح كى ترتاح.

البرامج الطلابية المحفزة

  1. مناسبة للجميع: فوجود برامج متوازنة وهادفة لجميع الطلاب هو البوابة الأولى لجذبهم وتفاعلهم.
  2. لا لمزاحمة المقصود: فالبرامج المساندة ينبغى أن تبقى مساندة لهدف الحلقة الأول وهو حفظ القرآن.
  3. التخطيط والتهديف: لا يليق ببرامج الحلقة أن تكون عشوائية بدون ترتيب أو تنظيم أو تخطيط.

لتنجح:

  1. اشعر الجميع بأهمية البرامج وفوائدها، وما قدتحدث من آثار إيجابية على القناعات والسلوك.
  2. شارك الطلاب فى اختيار برامجهم، وفى تحديد وقتها ومدتها وطريقة تقديمها.
  3. تلمس حاجات الطلاب ورغباتهم وما يفيدهم، فلكل زمان حاجاته.
  4. تعلم التحفيز لنفسك ولمن يعاونك ولطلابك، لشحذ الهمم وإيقاد التفاعل.
  5. قد لا يسعك أن تكسب الجميع أثناء البرنامج، لكن فى الوقت نفسه، حاول ألا تخسر أحداً.
.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم