للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة، فهو قبلة المسلمين الأولى الأولى، وتوثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أنه أسرى بالنبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي – صلى الله عليه وسلم - إماماً بالأنبياء ومنه عرج النبي إلى السماء، وبارك الله حوله، ولاتشد الرحال إلا إليه مع الحرمين الشريفين، والصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة، وغيرها من فضائل هذا المسجد المبارك، ولذا فواجبنا نحوه كثير منه أن نتعرف على معالمه ونعلمه لأبنائنا لنزرع حبه في القلوب ونربيهم على حبه.
وفي هذه السلسلة سوف نتناول معالم المسجد الأقصى المبارك، ومن معالمه(القباب).
قبة الصّخرة
وهي الأبرز شهرةً وذكرًا وجمالًا وتلألأً، وتقع في قلب المسجد الأقصى، مبنيّة فوق أكثر نقطة ارتفاعًا في المسجد الأقصى -أعلى نقطة في الأقصى عن مستوى سطح البحر.
أمر ببناء قبة الصخرة الخليفةُ الأمويّ عبد الملك بن مروان وأشرف على بنائها المهندسان: يزيد بن سلام وهو من القدس ورجاء بن حيوة الكندي من بيسان، واستغرق إتمام مسجد قبة الصخرة 7 سنوات، ويبلغ طول الهلال الّذي يعلو القبّة حوالي 4.5-5 أمتار، وللقبّة أربعة أبواب من الجهات الأربع وهي مقامة فوق مبنى مثمّن.
يُذكر أنّ قبة الصخرة عندما تمّت كانت باللون الأسود، وكان مخصّصًا لها خراج مصر فزاد بعد بناؤها 100 دينار ذهبيّ، فقال الخليفة يُقسم المال الزّائد بين المهندسين - رجاء ويزيد -، على أنّهما رفضا أن ينالا مكافأة لعملهما في المسجد الأقصى وقالا زاهدين: "نحن أولى أن نزيده من حليّ نسائنا".
فكّر الخليفة بما يفعل بالذّهب هذا فأمر أن يُجعل الذّهب سبا
ئكًا وتفرغ السّبائك على القبّة والأبواب.
قبة السّلسلة
تقع في مركز المسجد الأقصى، وتبعد ثلاث أمتار عن الباب الشّرقي لمسجد قبّة الصخرة، أمرَ ببنائها الخليفة عبد الملك بن مروان قبل بناء مسجد قبّة الصّخرة لتكون نموذجًا له.
تقوم قبّة السّلسلة فوق القاعدة السّداسيّة على 17 عامود: 6 أعمدة من الدّاخل و11 على المحيط، وُصِلَ بين عامودين في الجهة الجنوبيّة من القبّة بمحراب، وزُيّنت كما زُيّن مسجد قبّة الصّخرة بالقيشانيّ الأزرق وذلك في عهد الخليفة سليمان القانونيّ.
استعملتْ كمجلس للخليفة سليمان بن عبدالملك، وفيما بعد استعملت مقرًّا للعلم للعلماء، كما أنّها استخدمت للصّلاة والتّعبّد.
خلال الاحتلال الصّليبي للقدس حوّلت لكنيسة عُرفت باسم "كنيسة القدّيس جيمس".
يُذكر في سبّب التّسمية أنّها كان فيها سلسلةٌ تدلّى من أعلى جوفها إلى الأسفل وكانت واضحةً للعيان.
القبّة النّحويّة
تقع في الطّرف الجنوبيّ الغربيّ لساحة (صحن) مسجد قبّة الصّخرة، ولموضعها أهميّة استراتيجيّة؛ إذ تُشرف القبّة على حائط البراق وباب المغاربة وباب السّلسلة.
بُنيت في عهد السلطان عيسى الأيوبي في سنة 604هـ /1207م، وتتكوّن من ثلاث غرف ولها قبّتان: صغيرة وكبيرة.
يُذكر في سبب تأسيسها أنّ السّلطان عيسى كان ولعًا شغوفًا باللغة العربيّة فأمر ببنائها لتكون مقراً هاماً لتعليم اللغة العربيّة وآدابها من نحو وصرف وبلاغة وبيان ومن هنا أتت التّسمية.
تحوّلت القبّة النّحويّة إلى مكتبة في عهد الاحتلال البريطاني، وتستعمل اليوم كمقرّ لمحكمة الاستئناف الّشرعية، واسمها الدّقيق الآن هو: مكتب القائم بأعمال قاضي القضاة.
قبّة المعراج
تقع قبّة المعراج غرب مسجد قبّة الصّخرة، بُنيت في عهد السلطان سيف الدين أبو بكر الأيوبي في موضعِ قبّة سابقة أقيمت تخليدًا لمعراج الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - وجُدّدت في العهد العثمانيّ.
مبنى القبّة عبارة عن شكل ثمانيّ محمول فوق 30 عامود، بابها يقع في الشّمال ومحرابها في جنوبها، ومتوّجة بتاج قُبّي مغطّى بصفائح الرّصاص.
يُذكر أنّها استُخدمت عدّة استخدامات سابقًا منها: كمكتبة لدار الحديث، وتُستخدم اليوم من قبل لجنة الإعمار في المسجد الأقصى المبارك.
قبّة النّبيّ أو قبّة محراب النّبيّ
تقع قبّة النّبيّ غرب مسجد قبّة الصّخرة قرب قبّة المعراج، وبُنيت على مرحلتين:
أولاهما: المحراب الّذي يقع داخلها بارتفاع 70 سم، بُني في عهد السلطان سليمان القانونيّ.
ثانيهما: الأعمدة والقبّة، بُنيت في عهد السّلطان العثمانيّ عبدالمجيد الثّانيّ.
ويوجد بلاط أحمر في أرض القبّة يُحيط المحرابُ به، يُرجّح أنّه يعود للعهد الأمويّ، والقبّة مثمّنة الشّكل محمولة على 8 أعمدة.
يُذكر في سبب تسميتها أنّها أقيمت في المكان الّذي يُعتقد أنّ الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - صلّى بالأنبياء والرّسل عليه يوم مُعجزة الإسراء والمعراج.
قبة موسى
تقع هذه القبة فوق مصطبة موسى، وسط الساحات الغربية للمسجد الأقصى المبارك، بين باب السلسلة غربا والقبة النحوية شرقا.
بناها الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 647هـ-1249م، ليتعبد فيها الزهاد، وعرفت باسم أحد الشيوخ الذين كانوا يؤمونها، كما قيل إنها سميت بذلك تيمّناً بنبي الله موسى -عليه الصلاة والسّلام، وهذا ما يوافق الهدي القرآني والإيمان بتكريم وتعظيم جميع الأنبياء. كما سميت سابقا قبة الشجرة، نسبة إلى شجرة نخل ضخمة كانت بجوارها. وأيضا سميت بالقبة الواسعة.
وهي عبارة عن غرفة كبيرة مربعة طولها ستّة أمتار، وعرضها ستّة أمتار، فيها ستّة شبابيك، تعلوها قبة، ولها محراب ناتئ للخارج، ومدخل شمالي, والمصطبة التي تحيط بها لها محراب آخر من جدار مرتفع.
تستخدم القبة اليوم دارا لتحفيظ القران الكريم، حيث تمّ فتح أوّل دار للقرآن الكريم في فلسطين فيها، وما زالت تخرج الأفواج من الطلبة الذين يتعلّمون أحكام التجويد فيها.
قبة الأرواح
وتقع قبة الأرواح داخل المسجد الأقصى المبارك بالقرب من قبة المعراج، ويعود تاريخ تشييدها إلى العهد العثماني في منتصف القرن 16م.
وقد شيدت هذه القبة على مضلع مثمن الأضلاع يتألف من ثمانية أعمدة رخامية تحمل ثمانية عقود حجرية وهي قبة قليلة الارتفاع بعض الشيء، ومحرابها عبارة عن بروز متّجه للجنوب في سلسلة حجريّة ثمانيّة أرضيّة.
بُنيت في عهد السّلطان العثمانيّ سليمان القانونيّ، وسُميت بهذا الاسم استئناسًا بالأحاديث التي وردت في فضـل بيت المقدس على أنّها أرض المحشر والمنشر وأنّ أرواح العباد تحشر علـيها يوم القيامة.
قبة النبي سليمان
وتقع قبة النبي سليمان داخل المسجد الأقصى المبارك من الجهة الشمالية ويعود تاريخ تشييدها إلى العهد الأموي وعلى الأرجح في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك.
وتقوم هذه القبة أيضا على بناء مثمن يبدأ بأربعة من الرخام، وتم تخصيص واحدة منها لباب الدخول يواجه المحراب، وفوق المثمن تم تشييد عامود أسطواني، وقد فتحت به ثمانية نوافذ معقودة للإضاءة، وفوق هذا العامود خوذة القبة وهي حجرية متينة البنيان وبداخل هذه القبة توجد صخرة صغيرة. ولها محراب منقوش ويواجهه بابها. وهي أحد القباب الخمس الّتي تقع خارج صحن الصّخرة.
يُذكر أنّ تسميتها تيمّنًا بنبيّ الله سليمان الّذي صلّى في الأقصى خلف الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- على أنّ ذلك غير ثابت.
قبة النبي الخضر
وتقع قبة النبي الخضر داخل المسجد الأقصى المبارك في الزاوية الشمالية الغربية لساحة قبة الصخرة، ويعود تاريخ تشييدها إلى الفترة العثمانية، وتقوم هذه القبة على ستة أعمدة رخامية رشيقة وتحمل هذه الأعمدة عقودا حجرية مدببة ومزخرفة.
يُذكر أنّها بُنيت في زاوية الخضر فوق منطقة يقال أنّ الخضر - عليه السّلام - كان يؤمّ النّاس ويصلّي بها، وسبب التّسمية نسبًا إليه.
قبّة عشّاق النّبيّ أو إيوان العشّاق
أحد القباب الخمس الّتي تقع خارج صحن الصّخرة، تقع القبّة شماليّ المسجد الأقصى -قرب قبّة سليمان، بنيت في عهد السّلطان العثماني محمود الثّاني.
تقوم القبّة على مبنى مربّع الشّكل، وعلى حافتها من الشّمال عمودان نائمان، لها محراب مجوّف جميل جنوبها.
يُذكر أنّ تسميتها لاعتياد بعض الشّيوخ الصّوفيين على الاجتماع تحتها للّذكر والابتهال.
قبّة يوسف
تقع القبّة جنوبيّ صحن - ساحة – الصّخرة، بُنيت في عهد السّلطان العثمانيّ يوسف آغا بإشراف من حفيده.
تتّخذ القبّة الشّكل المربّع وتقوم على عامودين وحائط، محرابها منحوت في الحائط الّذي هو في الجانب الجنوبيّ من القبّة.
يُذكر أنّها سُميت بهذا الاسم تيمّنًا بالنّاصر صلاح الدّين الأيّوبيّ ويوسف هو الاسم الأوّل لصلاح الدّين.
تحتوي القبّة في جدارها نقشًا على لوح يحمل اسم صلاح الدّين الأيّوبيّ وهذا اللوح تمّ نقله إليها بعد أن كان قد وضعه صلاح الدّين على برج في سور المدينة بعد فتحها.
بسبب موقعها المطلّ على ساحات المسجد القبْلي، فإنّ الاحتلال يتمركز عندها في كلّ اقتحام للسيطرة التّامّة على السّاحات.
قبة الميزان
تقع قبة الميزان في الركن الجنوبي من صحن الصخرة المشرفة، وهي ملاصقة للبائكة الجنوبية، والمعلوم أن بوائك الأقصى تعرف أيضا بالموازيين، ومنه جاءت تسمية القبة باسم قبة الميزان.
ويعود تاريخ تشييدها إلى الفترة المملوكية على يد قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة الذي أنشأها عام 1388م، وتعرف أيضا بمنبر برهان الدين وذلك لأنها على هيئة منبر فوقه قبة.
وقد ذكر بعض المؤرخين أن المنبر في بداية عهده كان عبارة عن منبر خشبي جميل في شكله، وفي عام 1388م أعيد بناء المنبر بالكامل من الحجر على النمط الهندسي الذي تشتهر به المنابر المملوكية المعروفة بنقشها وجمالها. ويتكون هذا المنبر من بناء حجري، وله مدخل يقوم في أعلاه عقد يرتكز على عمودين
صغيرين من الرخام، ويُصعد منه إلى درجات قليلة تؤدي إلى دكة حجرية معدة لجلوس الخطيب، وتقوم فوقها قبة لطيفة صغيرة، وقد أقيمت على أعمدة رخامية جميلة الشكل.
وقدد جُدّد المنبر مرتين الأولى في عهد السلطان العثماني عبد المجيد بن محمود الثاني عام 1843م، والثانية في أواخر سنة 2000م، على يد مجموعة من الطلبة الإيطاليين، وذلك عن طريق دائرة الأوقاف الإسلامية.
استُخدم المنبر للخطابة والدّعاء في الأعياد الإسلاميّة وفي صلاة الاستسقاء.
قبّة الشّيخ الخليليّ
تقع القبّة شمال غربيّ مسجد قبّة الصّخرة، وتأتي بعد قبّة النّبيّ وقبّة المعراج بالتّرتيب، وهي في صحن الصّخرة. بُنيت في عهد السّلطان العثمانيّ الغازي مُصطفى الثّاني.
أنشئت فوق كهف فيه محراب يتّجه إلى الجنوب، ومبنى القبّة مربّع الشّكل فيه ثماني نافذات موزعة على الجهات الأربع وفي الواجهة الشّرقيّة باب يعلوه نقش باسم القبّة وتاريخ التّأسيس.
يُذكر في سبب تسميتها أنّها استخدمتْ كدارٍ للعبادة والتّصوّف، حيث اتّخذها الشّيخ الخليليّ مقراً لتعليم الابتهالات الصوفية وخلوةً للاعتكاف.
استُخدمت القبّة في زمن الحاج أمين الحسينيّ كأرشيف للأوقاف، تُستخدم القبّة اليوم كمكتب لمهندس لجنة إعمار المسجد الأقصى.
قبّة يوسف آغا
إحدى القباب الخمس الّتي تقع خارج صحن الصّخرة، وتقع القبّة جنوب غربيّ المسجد الأقصى قرب الجامع القبْلي.
بُنيت في عهد الوالي العثمانيّ يوسف آغا وتسميتها نسبةً له -بخلافة السّلطان محمود الرّابع، وتقوم القبّة على مبنى مربّع الشّكل.
تستخدم اليوم مكتبًا لبيع تذاكر دخول المتحف الإسلاميّ لزوّار المسجد الأقصى من غير المسلمين، وتستعمل كذلك مكتبًا للاستعلامات.
قبّة مهد عيسى
تقع القبّة في الزّاوية الجنوبيّة غربيّة من المسجد الأقصى، بُنيت القبّة في عهد الخليفة العثمانيّ عبدالحميد الثّاني.
تتّخذ القبّة الشّكل الرّباعي ويحملها 4 أعمدة، وتوجد داخل حوض حجري يسمّى مهد عيسى ويرجّح أنّه وُضع في العهد العبّاسيّ، وفيه محراب حجريّ.
يُقال في سبب تسميته أنّ سيّدنا عيسى عليه السّلام نام في هذا المكان وهو طفل في المهد، لكن هذا لم يثبت إسلاميًا.
.