التاريخ الإسلامي مليء بسير العلماء المصلحين المربين الذين كان لهم أثر كبير في صناعة التاريخ والتأثير على المجتمعات ومنهم تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيمية.
يعتبر ابن تيمية من العلماء الموسوعيين، صاحب ثقافة واسعة وشخصية متميزة، كانت ثقافته عربية إسلامية خالصة واستطاع أن يستوعب جميع جوانب الثقافة الإسلامية المعروفة في عصره، وتعمّق في دراسة المعارف القرآنية، وكان للقرآن تأثير كبير على فكره.
التعريف بابن تيمية
تيمية هي والدة جده الأعلى محمد، وكانت واعظة راوية، وولد رحمه الله يوم الأثنين العاشر من ربيع الأول عام 661ه بحران، ولما بلغ سبع سنوات من عمره انتقل مع والده إلى دمشق هربا من التتار.
نشأ في بيت علم وفقه ودين، فأبوه وأجداده وإخوانه وكثير من أعمامه كانوا من العلماء المشاهير، وفي هذه البيئة العلمية الصالحة كانت نشأة هذا العالم الجليل الذي بدأ بطلب العلم على يد والده وعلماء بلاده أولا، فحفظ القرآن وهو صغير، ودرس الحديث والفقه والأصول والتفسير، وعُرف بالذكاء والفطنة وقوة الحفظ والنجابة منذ صغره، ثم توسع في دراسة العلوم وتبحر فيها، واجتمعت فيه صفات المجتهد واعترف له بذلك الداني والقاصي والقريب والبعيد وعلماء عصره.
كان عصر ابن تيمية يموج بالاضطراب السياسي والمنازعات الحربية، كما كان يسوده التقليد والاتباع في عامة أبواب العلم.
ابن تيمية معلما
لم يتناول ابن تيمية الكلام عن التربية بمعناها المدروس المعروف الضيق، وإنما اتجه إلى معالجة القضايا الكبرى للعقيدة الإسلامية ودرسها دراسة مستفيضة في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، وما ورد عن الصحابة والسلف والصالح.
كما قام بالتدريس داخل السجن وخارجه، وهو بهذا يكون من المربين الكبار في الأمة الإسلامية، كما أن شخصيته وما تتمتع به من صفات، تعتبر قدوة ونبراسا لأبناء المسلمين.
هدف التربية
أشار ابن تيمية إلى أنه ينبغي تربية الفرد تربية صالحة لتحقيق الهدف الذي خلقه الله من أجله وهو عبادته سبحانه وتعالى، موضحا أن معنى العبادة لا تقتصر على الشعائر التعبدية فقط وإنما يشمل سائر الأفعال طالما الإنسان يؤديها لله عزوجل.
والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة فتشمل كل أنشطة الإنسان التي تؤديها في حياته.
ويؤكد ابن تيمية أن كمال الإنسان في عبوديته لله، أي في اتساقه مع الهدف الذي خلق له كما يقرر القرآن الكريم، ولذا تعتبر العبادة للإنسان أكثر من واجب يؤديه نحو ربه؛ إنها ضرورة حياتية تهيأت لها مكونات الإنسان وقواه وأهدافه وأفعاله تتجه به وجهة واحدة فيها الكمال له وهي العبودية لله.
أهم مبادئه التربوية
١- كل مولود يولد على الفطرة (مبدأ الفطرة): فالمعنى الأول للفطرة هو الإسلام "بمعنى الاستعداد الغريزي"، والمعنى الثاني "السلامة"، والمولود يولد على الفطرة سليما من الانحراف والنقص والاعتقاد وغيره، لذلك كانت التربية الإسلامية لجميع الأجيال حتمًا واجبًا على كل المُربين لإحياء فطرة هذه الأجيال وانعاشها وتحقيقها بالفعل.
٢- مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين: الفروق الفردية هي التمايز بين المتعلمين وتفاوتهم فيما بينهم بالتحصيل وبالقدرات والمهارات والاستعداد العقلي والذكاء وصفاء الفطرة وسلامتها، وغير ذلك مما يتفاوت فيه الناس في مجال التعلم والتكليف الشرعي، وقد أقر ابن تيمية هذا المبدأ التربوي الإسلامي، وكان من أوائل من أبرز أهمية هذا المبدأ في عصرنا.
٣- وجوب طلب العلم والحق حتى بيلغ درجة اليقين وذلك تحقيقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " ويعتمد ابن تيمية على الطبيعة الإنسانية، فمن طبيعة الإنسان أن يعرف من نفسه ما إذا كان قد وصل إلى العلم اليقيني أم لا.
٤- تصديق العلم بالعمل: لا يتم الإيمان إلا إذا صدقه العمل فالإيمان بالله إذا سلم المؤمن وجهه وعمله وسلوكه لله، واتبع أوامر الله، والعلم النافع هو أساس الحياة الرشيدة الصالحة والعمل بهذا العلم هو الذي يقيم هذه الحياة ويمنحها البقاء والاستمرار وبدون ذلك تطبع حياة الإنسان بالضلال الذي هو العمل بغير علم وبالغى الذي هو اتباع الهوى.
٥- إلزامية نشر التعليم واستمرارية التعلم: يجب على أهل العلم أن يبلغوه وينشروه ولا يضيعوا شيئا منه لأن ذلك من أعظم الظلم للناس، ولهذا يقول الله عزوجل (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) وانطلاقاً من هذا المبدأ ندد ابن تيمية بأصحاب التخصصات الذين يحول الحسد بينهم وبين التعاون لنشر العلم وتبادل المعرفة، وأولئك الذين يحسدون من يتفوق بينهم في ميدان العلم والتطبيق، وندد بالذين يكتمون العلم ويبخلون به.
٦- تكامل التربية النظرة والعملية: لا يجوز أن يقتصر التعليم على تقديم المعلومات والأفكار دون توفير فرص التطبيق والممارسة أو العكس، ومن هذا المبدأ كان التشديد على التمسك بالقرآن والسنة معا كما يرى ابن تيمية، لأن القرآن يتضمن المعلومات الصحيحة والسنة هي التطبيق الصائب لهذه المعلومات، ولذلك كانت الممارسة القوية للإسلام تقوم على أمرين، الإخلاص والصواب.
٧- تكامل العلوم الشرعية والعقلية: قسّم ابن تيمية العلوم إلى نوعين علوم عقلية كالحساب والطب والصناعة والتجارب وفيها يستلزم استعمال الحواس العقل، وعلوم دينية ومنها ما يفيد الأدلة العقلية، ومنها ما يستلزم التصديق لعدالة الأنبياء وصدقهم ومعجزات ما جاءوا به، والفرعان من العلوم نتاج الشرع والعقل ولا تعارض بين الشرع والعقل لأن كليهما يكشفان عن آيات الله في الوحي والخلق.
.