Business

عبد الله أمين يكتب: المربي القدوة

التأثير في الناس وتعديل سلوكهم وأخلاقهم ليست عملية سهلة، وتحتاج من المربي أن يؤهل نفسه ويعد ذاته ويمتلك أدوات ذلك.

ومن أهم مقومات المربي أن يكون قدوة في كلامه وسلوكه وأفعاله وأخلاقه حتى يستطيع التأثير في المربين.

قال العلامة ابن القيم: جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطاع طريق.!!

 

ويقول الشهيد سيد قطب: إن السر العجيب ليس في بريق الكلمات وموسيقى العبارات، إنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلولات..إنه في ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية والمعنى المفهوم إلى واقع ملموس. فإلى الذين يجلسون إلى مكاتبهم، يكدون قرائحهم، لينتقوا اللفظ الأنيق وينمقوا العبارة الرنانة، ويلفقوا الأخيلة البراقة، إلى هؤلاء أتوجه بالنصيحة: وفروا عليكم كل هذا العناء، فإن ومضة الروح، وإشراق القلب، بالنار المقدسة، نار الإيمان بالفكرة هو وحده سبب الحياة..حياة الكلمات وحياة العبارات..!

 

ويوصيك عكرمة- أيها المربي- فيقول: لا تعلموا العلم إلا لمن يعطي ثمنه فقيل له: وما ثمنه؟ قال: يضعه العالم عند من يعمل به..!

وهذا سفيان الثوري يؤكد هذا المعنى: إذا رأيتم طالب العلم يطلب الزيادة من العلم دون العمل فلا تعلموه..!

فإن من لم يعمل بعلمه كشجرة الحنظل كلما ازداد ريا بالماء ازداد مرارة، وإذا رأيتموه يخلط في مطعمه ومشربه وملبسه ونحو ذلك ولا يتورع، فكفوا عن تعليمه تخفيفا للحجة عليه غدا..!

 

لو كان للعلم دون التقى شرف *** لكان أشرف خلق الله إبليس..!

 

ولما بعث قوم إلى سفيان الثوري يطلبون أن يحدثهم اشترط عليهم: حتى تعملوا بما تعلمون ثم تأتون فأحدثكم. ثم في صراحة قوية فاضحة يقول: يدنسون ثيابهم ثم يقولون تعالوا اغسلوها..!

ولذا خوفك سري بن المغلس السقطي فقال: كلما ازددت علما كانت الحجة عليك أوكد..!

قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".

وعن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه".

 

وهذا ما سبق وحذَّرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:  "إن أخوف ما أخاف على أمّتي كل منافق عليم اللسان" .

أي كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل، اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها؛ يدعو الناس إلى الله ويفرُّ هو منه، ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه، ويُظهِر للناس التنسك والتعبد ويسارر ربه بالعظائم- إذا خلا به- ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب، فهذا هو الذي حذَّر منه الشارع هنا حذرا من أن يخطِفك بحلاوة لسانه، ويُحرِقك بنار عصيانه، ويقتلك بنتن باطنه وجنانه. 

 

القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل العالية تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة، التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.

وهناك كثير من الناس لا يتوجه نحو العمل حتى يرى واقعًا ماثلاً، وأنموذجًا مطبقًا يتخذه أسوة، ويدرك به أن هذا المطلوب أمر في مقدور كل أحد. بل لن يكون المربي قدوة صالحة، وأسوة حسنة ما لم يسابق إلى فعل ما يأمر به من خير، وترك ما ينهى عنه من سوء.

ذلك أن الأتباع ينظرون إلى المربي نظرة دقيقة فاحصة: دون أن يعلم، فرب عمل يقوم به لا يلقي له بالاً يكون في حسابهم من الكبائر، وذلك أنهم يعدونه قدوة لهم.

 

قف أيها المربي...

وهنا مسألة هامة يحسن التنبيه إليها: وهي أن المسلم حتى ولو كان قدوة مترقيًا في مدارج الكمال قد يغلبه هوى، أو شهوة، أو تدفعه نفس أمارة بالسوء، أو ينزغه الشيطان، فإذا حدث ذلك فليبادر بالتوبة والرجوع، وليعلم أن هذا ليس بمانع من التأسي به والاقتداء. وقد حدّث مالك عن ربيعة قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم