مقالات وبحوث

أبناؤنا وأصدقاء السوء

 

من أكثر الأمور التي تشغل بال أولياء الأمور وتؤرّقهم الخوف على أبنائهم من مصاحبة رفقاء السوء والتأثر بهم، فما يبذله الوالدان من جهد بدني ونفسي في تربية أبنائهم ورعايتهم سنوات طويلة يجعلهم بلا شك يتخوفون على مستقبل أبنائهم، وما يمكن أن يحصل لهم من تأثير سلبي على أخلاقهم وتربيتهم من قبل البيئة المحيطة بهم سواء كان ذلك التّأثير من خلال رفقاء السوء في المدرسة، أو الحي، أو المجتمع ككل.

وربما ساعدت جائحة كورونا المستمرة منذ أكثر من عام على دعم هذه المخاوف في ظل توقف كثير من النشاطات التربوية التي تستوعب طاقات الأبناء فتدفعهم لصنع حياتهم الخاصة مع أصدقائهم سواء من خلال الهواتف المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر أو صحبة الشارع، خاصة إذا كان الأبناء في سن التمرد المعروف بمرحلة المراهقة.

قضية في ظل الصدام الدائم بين الآباء والأبناء في هذه المرحلة التي يستشعر فيها الابن أنه أصبح ناضجًا لا يحتاج لوصاية أبوية، وربما تنتهي في نهاية المطاف إلى التغاضي عنها مع مرور الوقت بعض الشيء أو تأخيرها لجولة أخرى.


 

سؤال: لماذا يتعلم الأبناء من أصدقائهم أكثر؟

يقول معمر الخليل: هناك أسباب عديدة تجعل الأبناء أكثر ميولاً للتعلم من أصدقائهم، وتفضيل ما يتلقونه منهم على ما يتلقونه من آبائهم وأمهاتهم ومنها:

  1. إن الأصدقاء هم أقرب الناس عمراً للأبناء، والمستوى الثقافي ومستوى الإدراك يتقارب لدى الكثيرين منهم، لذلك، فإن الأسلوب الذي يتبعه البعض -دون قصد منهم أو عظيم جهد- لتلقين أصدقائهم الآخرين بسلوكياتهم وتصرفاتهم وآرائهم، هو الأسلوب الأقرب إلى نفسهم.

  2. العلاقة بين الأصدقاء هي علاقة وقتية وزمانية، لا يوجد فيها مسؤول عن آخر، ولا وصاية لأحد على الآخر، فيما توجد وصاية واضحة من قبل الأب أو الأم على الأبناء، لذلك، فإن درجة تقبل ما يقوم به الزملاء والأصدقاء أكبر تأثيراً على الأبناء من تأثير الأب والأم.

  3. ممارسة بعض السلوكيات أو التصرفات بين الأصدقاء تكون ممارسة تشاركية، بمعنى أن أي فعل يقومون به، يتشاركون فيه في الثواب والعقاب، أما مع الآباء، فإن معظم الأفكار والسلوك التي تطلب من الابن، تكون فردية.

  4. القدوة: حيث يعد الصديق قدوة حقيقية لصديقه، فيما يفقد الكثير من الأهل مبدأ القدوة، كأن يدخن الصديق أمام صديقه فيدفعه للتقليد، أما الأب فيطلب من ابنه عدم التدخين في حين يدخن هو فتسقط هيبته وقدوته.


 

كيف يدفع الأهل أبناءهم لاختيار رفقتهم؟

الأهل لهم دور قوي في اختيار رفقة أبنائهم وأصدقائهم عن طريق عدة أمور، منها:

  1. مكان السكن: حيث يحرص الآباء على اختيار الأماكن الهادئة والنظيفة، وتتمتع بوجود أناس طيبي السمعة، وإذا صعب عليهم ذلك، يبتعدون عن المناطق التي تتمتع بسمعة سيئة.

  2. مكان التعلم: يهتم الأهل بانتقاء المدارس ذات السمعة الجيدة، لتسجيل أبنائهم فيها، خاصة وأن المدارس تعد من أكثر الأماكن تأثيراً في الأبناء، يقضون فيها وقتاً يومياً طويلاً.

  3. يفضل بعض الآباء متابعة أصدقاء أبنائهم، عبر سؤال الابن أولاً عن أصدقائه، ثم يتقصى بشكل غير مباشر عن أهل هذا الصديق، ووضعه الاجتماعي، وسلوكياته، للاطمئنان على ابنه.

  4. يقوم بعض الآباء (أو الأمهات) بالطلب من أبنائهم دعوة أصدقائهم للمنزل، بحجة مشاهدة مباراة في التلفاز مثلاً، أو اللعب على بعض الألعاب الإلكترونية أو المنزلية، أو لتناول وجبة عشاء. وكذلك تفعل بعض الأمهات مع بناتهن، وذلك من أجل ملاحظة أصدقاء أبنائهم، والتعايش مع أسلوب علاقتهم، وطريقة تعامل كل منهم مع الآخر، لتشكيل أصدق صورة عمن يخالط الأبناء، ويتم ذلك بالطبع بطريقة غير مباشرة.

  5. يحرص بعض الأهل على تقديم نصائح وإرشادات متلاحقة ومتكررة لأبنائهم، حول أهمية الأصدقاء، وضرورة اختيار الرفيق الحس، والابتعاد عن رفقاء السوء، وشرح مخاطر التعلم من الأصدقاء.


 

كيف نحمي أبناءنا من رفقة السوء؟

بقدر حنكة الوالدين في التعامل وحكمتهما تمر فترة المراهقة بأقل قدر ممكن من المشكلات وحماية للأبناء، ويجب على الآباء وضع أو تعلم وسائل التربية حتى لا يحدث صدام ويصبحون عديمي التأثير في تربية أبنائهم، ومن ذلك: 

  1. تربية الأبناء على تحمل المسؤولية والتي تعتبر أهم من فرض الرقابة على الحرية.
  2. التّربية الدّينيّة على الأخلاق الحسنة والفضائل والقيم منذ الصغر.
  3. إنشاء علاقة صداقة قوية بين الآباء وأبنائهم ليكون الأم والأب الأصدقاء الأول في حياتهم.
  4. الاختلاط بالأصدقاء الطيبين الصالحين له ثماره الطيبة والحرمان منه يفقد الطفل هذه الثمار.
  5. الانتباه إلى أن الثقة غير المسؤولة قد تنتهي بضياع مستقبل الأبناء وجرح طفولتهم والزج بهم إلى عالم ليس عالمهم.
  6. عدم الإساءة لأحد من أصدقائه أمامه لأن ذلك قد يجعله يتمسك به أكثر خاصة في سن المراهقة، وبدلا من ذلك نستخدم النصح والإرشاد.
  7. تشجيع علاقته بالصديق الجيد الصالح وعدم وضع حدودٍ مفرطة لعلاقته به.
  8. المراقبة المستمرّة للأبناء من قبل الوالدين، فالتّربية الحقيقة لا تكفي على أهميّتها في إبعاد الأبناء عن رفقاء السّوء، وإنّما تحتاج إلى متابعةٍ مستمرّة ومراقبة من قبل الوالدين لسلوك أبنائهم في الحياة، وإنّ هناك بلا شكّ عدداً من الأمور والإشارات التي تدلّ على وجود رفقة السّوء في حياة الأبناء منها حبّهم للعزلة أو عدم اختلاطهم بالنّاس، وقلّة تحصيلهم الدّراسي.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم