مقالات وبحوث

صلة الأرحام.. الرحم المفقود

 

أمر الإسلام بمكارم الأخلاق والإحسان إلى الناس والابتعاد عن أذيتهم، وخصّ الله عز وجل الأرحام ومنحهم منزلةً كبيرة؛ حيث أمر عزّ وجل بصلتهم والإحسان إليهم؛ وذلك لتوثيق العلاقات بين المسلمين وبالتالي بقاء الأمة قويةً ومنيعةً على الأعداء.

وتحتل صلة الرحم أهمية بالغة في البناء المجتمعي في الإسلام، لذا أولاها القرآن الكريم والسنة المطهرة عناية كبيرة، ترغيبا فيها وحثا عليها، وتحذيرا من عواقب تركها وقطعها.

قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّه} (الأنفال: 75)، وأولوا الأرحام الذين تقصدهم الآية هم: الوالدان في المرتبة الأولى، ثم ما يتفرع عنهما من الإخوة والأخوات وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات والأعمام والعمات وأولادهم والأخوال والخالات وأولادهم. هؤلاء أوجب الإسلام دوام صلتهم ورتب على ذلك الأجر الوفير ونهى عن قطعهم ورتب على ذلك الوعيد الشديد.


 

لماذا صلة الأرحام؟

لا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً، وقلعـة صامدة، وينشأ عن ذلك أسر متماسكة، بالإضافة أنه ينشأ عن صلة الأرحام الكثير من الفوائد مثل:

  • صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر:

كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه] رواه البخاري.

وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه]. رواه البزار والحاكم.

  • صلة الرحم من الإيمان:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت] رواه البخاري.

  • صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه:

إن صلة الرحم من أعظم وسائل القرب من الله ذي الجلال والإكرام، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد:21].

وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله] رواه مسلم.

وقد استجاب الله الكريم سبحانه، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخير والإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً.

  • صلة الرحم من أسباب دخول الجنة:

فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

  • قطع الأرحام مجلبة للعنات:

يقول الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23].

  • الأرحام بين القرآن والسنة:

هي من أجل النعم التي وصفها القرآن الكريم وحث عليها النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، حيث زخر القرآن بالكثير من الآيات التي تحض المسلم على صلة الأرحام، كما لم تغفل السنة النبوية الحث على صلتها أيضا

قال تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ . الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة27).

وعن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم]. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة: قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى قال: فذلك لك]. رواه البخاري.

وعن عبدالله بن سلَام رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيُّها النَّاس، أفشُوا السَّلام، وأطعِموا الطَّعام، وصِلوا الأرحامَ، وصَلُّوا باللَّيل والنَّاسُ نيام، تدخلوا الجنَّةَ بسَلام»؛ (ابن ماجه، وصححه الألباني).
 

صور صلة الأرحام في الإسلام

تتعدد صور صلة الرحم في الدين الإسلامي، وتتنوع تنوعا يتيح لجميع أفراد المجتمع ممارستها، فقراء وأغنياء على حد سواء، ومن هذه الصور:

1- الإنفاق والإحسان: أي المساندة المادية في إطار التكافل الاجتماعي الذي يعتبر صرحا أساسيا من صروح بناء مجتمع قوي ومتماسك. وقد رغب الإسلام في التصدق على ذوي الرحم لما في ذلك من منافع، فقد قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي والنسائي: (الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الأرحام ثنتان: صدقة وصلة).

2- المؤازرة والمواساة: الفرح لفرحهم، والحزن لحزنهم، وتقديم الدعم النفسي لهم في حالة الأزمات، وتصبيرهم على المصائب.

3- الإرشاد إلى الطريق الصحيح: وإنقاذهم من طرق الضلال والهلاك والكساد، في إطار حب الخير للجميع.

4- تفقد أحوالهم والسؤال عنهم: لاسيما في المناسبات الدينية الكبرى كالأعياد.

إن من أعظم سبل الوفاء بحق صلة الرحم الدلالة على الطاعات بالنصح المبذول بالحكمة والموعظة الحسنة؛ ولذا فلنحرص عند كل زيارة لصلة الرحم أن نبلغ معلومة شرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية.


 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم