الفكر الإسلامي فكرٌ شامل يقوم على أساس من العقيدة الربانية، وتأثيره في السلوك كبيرٌ، وهو من أعظم حاجات الإنسان المسلم في مراحل نموه كافة.
وفي هذه الدراسة، يرى الباحث علي عفيفي علي غازي، أنه لا بد من الاهتمام بتثقيف الطالب المتلقي للتعليم وتربيته على أساس هذا الفكر في المراحل الدراسيّة المختلفة، بما فيها المرحلة الجامعيّة، بما يتلاءم مع مستوى نضج الطالب وحاجاته وخبراته.
أصالة الفكر التربوي الإسلامي
إذا كان الفكر انعكاساً صادقاً لحياة الجماعة الإنسانية، فإن نوعه يتحدد بنوع هذه الحياة، وبالإطار العقائدي الذي يوجِّه مسارها، وطالما أننا نعيش في مجتمع إسلامي، فإن الفكر الذي يعكس حياتنا الثقافية في المجال التعليمي هو الفكر التربوي الإسلامي؛ بكل أصوله وركائزه ومحدداته ومقوماته وأساليبه النابعة من شريعتنا الإسلامية، وواقعنا الإسلامي، وتطلعاتنا المستقبلية.
وأصالة هذا الفكر تبدو في قدرته على تفسير الظواهر التربوية، والعلاقات الإنسانية، وتتبُّع نتائجها، والتنبؤ على أساسها، وتتمثل أصالته كذلك في شجبه أنماط الفكر الأخرى القائمة على المساومات الهامشية، والحلول الوسطية، والنزاعات الخرافية، والاتجاهات الميتافيزيقية، كما أن أغراض هذا الفكر تستهدف المحافظة على تراثنا الروحي، ودعم مبادئ وأهداف المجتمع الإسلامي، واستيعاب روح العصر ومطالبه في القدرة على التغيير والتجديد والابتكار والارتقاء.
أما «الفكر التربوي الإسلامي» فهو «إسهامات قدِّمت من مفكرين إسلاميين لخدمة التربية والتعليم على مر العصور الإسلامية إلى اليوم».. وقد كثر نتاج المفكّرين التربويين الإسلاميين في بداية تشكّل الفكر التربوي الإسلامي، للتأكيد على فرضيّات أساسيّة قد تعدُّ بمنزلة المرتكزات الأساسيّة لنظرية أو نظريّات إسلاميّة تربويّة.
ويمكن أن نذكر من هذه الأسس العامة: مفهوم ربانية المجتمع الإسلامي، تكامل خلق الإنسان وجوانب شخصيته، تناسق الخلق في آيات الكون، تكامل الأنظمة الإسلاميّة ومبادئ الشّريعة، كمال الدّين الإسلامي وختمه لرسالات الأنبياء، شمول مفهوم الإيمان وعمق تأثيره في النفس والمجتمع، مفهوم العبادة الشّامل، تجديد أمر الدّين بتجدد متغيرات الحياة، شمول الرّسالة وصلاحيتها المستمرة بتغيرات الزمان والمكان، وتغيّر ما في الواقع بتغيير ما في الأنفس.
ومن الفرضيات التي بُني عليها الفكر التربوي الإسلامي ما هو متعلّق بالنظرة للواقع والمجتمع في الحقبة الأخيرة، مثل: ضرورة بناء نهضة أمة الإسلام على أساس قوي من دينها، وأن تعيد صياغة ثقافتها بما يوافق أسس بنائها ويمنحها القدرة على الانطلاق من حضارتها.. ومعظم مفكّري الإسلام لا يرون أن الثقافة الغربية تصلح أساسًا للنهضة قبل أن تتمكن المجتمعات الإسلاميّة من نقدها وتعديلها حسب ثقافتها الإسلاميّة الأصيلة.
محاور الفكر التربوي الإسلامي
يمكن أن نلاحظ في إسهامات الفكر التربوي الإسلامي الواسعة أربعة محاور تركّزت حولها المعالجات:
المحور الأول: تركز حول نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية في سبيل معرفة ما تؤكّد عليه من قيم، وما تقدمه من معلومات وتصورات عن الإنسان والكون والحياة، وما تحويه من مناهج للبحث والتطبيق.
والمحور الثاني: تركز حول الإنسان والمجتمع الإسلامي المنشود بهدف بناء تصورات عن الإنسان وتكوينه، وسلوكه الفردي والاجتماعي، والسنن التي تحكم حركة المجتمعات.
أما المحور الثالث: فدار حول التاريخ والتراث لأجل معرفة واقع التّربية في مجتمعات المسلمين السابقة وسير السلف الصالح، باستخلاص الفكر النظري والواقع العملي، أو بمعنى آخر استخلاص ما فهمه الأشخاص المربون وما كان يجري في واقع تربيتهم، بهدف معرفة أثر النصوص والمبادئ العامة في بناء تلك المجتمعات وما ساد فيها من فكر وواقع ومعرفة عناصر وعلاقات أنظمته التّعليمية، في محاولة لجعله مصدراً لواقعنا الحالي، وتجربةً يمكن أن يُقتبس منها.
وتركز المحور الرابع والأخير حول الواقع المعاصر بما فيه من عناصر موافقة أو مخالفة للإسلام، بقصد تقويم هذا الواقع وملاحظة دور الثقافة الإسلاميّة أو الغربية فيه، ومعرفة كيف يمكن للمسلمين أن يتعاملوا معه، واستكشاف الأساليب الممكنة لتغييره وتقريبه من الإسلام.
ومصادر المعرفة في التصور الإسلامي نوعان:
أولهما: الوحي في الجوانب التي يعلم الله سبحانه وتعالى أن الإنسان لا يهتدي فيها إلى الحقّ من تلقاء نفسه، والتي لا تستقيم فيها الحياة على وجهها السليم إلا بمفردات ثابتة من عند الله المحيط بكل شيء علماً.
وثانيهما: العقل البشري وأدواته في تفاعله مع الكون المادي نظراً وتأملاً وتجربةً وتطبيقاً في الأمور التي تركها الله العليم الحكيم لاجتهاد هذا العقل وتجاربه، بشرط الالتزام التام فيها بالأصول العامة الواردة في شريعة الله المنزَّلة، بحيث لا تحل حراماً ولا تحرِّم حلالاً، ولا تؤدي إلى الشّر والضرر والفساد في الأرض.
تجديد الفكر التربوي الإسلامي
كل ما في الكون يتجدد ويتغير باستمرار، تلك سنة الله في خلقه، والكائنات الحية تتجدد وتتغير وفق تغير الظروف الطبيعية من الخارج، ووفق فاعلية الجسم والفكر من الداخل. ولما كان الفكر التربوي في العالم الإسلامي نتاجاً لحيوية الإنسان المسلم؛ فإنه يخضع بدوره للناموس العام، ناموس التطور والتجدد.. والمجتمعات الإسلامية تتطور وتتجدد كلما دأبت على تجديد فكرها التربوي، وترقد وتتخلف كلما توقف وتخلف فكرها التربوي.
وتجديد هذا الفكر لا يعني هدم أو مسخ ما هو قائم، بل يعني إدامته مع إصلاح ما انتابه من خلل، وإضافة ما تتطلبه الظروف والحاجات الجديدة من إضافات، وحذف ما أصبح غير متوافق مع المستجدات. وإن الدعوة إلى التجديد ليست بدعة، بل هي جزء من تعاليم الإسلام الخالدة التي وردت في الحديث الشريف: «إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدد لها أمر دينها».
وتجديد الفكر التربوي الإسلامي يتطلب إعادة النظر في شؤون التربية الإسلامية كما تمارس اليوم في البيت، وفي المدرسة، وفي البيئة المحيطة، وما تحويه من مؤسسات دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية.. فقد تقدم المسلمون يومَ كان الفكر التربوي الإسلامي حياً نامياً متجدداً، وخمل المسلمون يومَ ركد الفكر التربوي الإسلامي وساد العالمَ الإسلامي الجمودُ الفكري والتعصب والتشرذم.
إن التجديد الذي يتطلبه الفكر التربوي الإسلامي ينبع من دراسة جديدة متعمِّقة وشاملة للقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وتراثنا التربوي الإسلامي، ومشاكلنا الإسلامية المعاصرة، وآمالنا وطموحاتنا المستقبلية ـ دراسة التطورات العلمية والتقنيات، وما يرافقها من تنظيمات تربوية واقتصادية واجتماعية في البلاد المتقدمة.. وفي ضوء هذه الدراسات نعيد النظر في أهدافنا التربوية، ومحتويات برامجنا التربوية والتعليمية، والوسائل والأساليب المتبعة لتحقيق الأهداف، فنعيد صياغتها من جديد.
.