لما كان دور المربي في إدارة الفصل من العوامل المهمة لنجاحه وتحقيق أهدافه فلابد أن يراعي في فصله التأدب بآداب الإسلام، وسنعرض أولا الآداب التي يجب أن يتحلى بها المربي ثم نتبعها بآداب التحدث والاستماع وآداب المناقشة والمزاح.
(أ) الرفق واللين:
وهذا من ألزم أخلاق المسئولين، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن شر الرعاة الحطمة)) ، والحطمة الراعي الظلوم للماشية يهشم بعضا ببعض، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به))، وقال الغزالي في الرفق: هو ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولذلك أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالغ فيه.
وقال تعالي: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" [ آل عمران: 159 ]، دلت هذه الآية على أن الأصل في علاقة المسئول مع من حوله اللين وأنه تستحيل سياسة الخلق من خلال الفظاظة والغلظة وأن اللين يقتضي عفوا واستغفارا ومشاورة، وهناك حالات يطالب فيها المسئول بالشدة كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((إن هذا الدين لا يصلح له إلا اللين في غير ضعف والقوي من غير عنف)).
(ب) آداب التحدث والاستماع:
1- أما المتحدث فمن السنة أن يكون كلامه واضحا مفهوما، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان كلام رسول الله كلاما مفصلا، يفهمه كل من يسمعه)). وعنها أيضا: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه كان لا يسرد الحديث كسردكم)).
2- وعلى الطالب المتحدث أيضا أن يبسطه وألا يتعالى على زملائه، فيشق عليهم فقد سئل الخليل بن أحمد عن مسألة، فأبطأ بالجواب فيها، فقال السائل ((ما في المسألة كل هذا النظر)) قال: ((قد فرغت من المسألة وجوابها، ولكني أريد أن أجيبك جوابا يكون أسرع إلى فهمك)).
3- والأفضل أن يقتصد الطالب في كلامه، ويتجنب التكرار. فقد روى الشيخان عن شقيق بن سلمة رضي الله عنه أنه قال: ((كان ابن مسعود يذكرنا في كل خميس مرة، فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها، مخافة السآمة علينا)).
4- ويختار الطالب في حديثه الطيب من القول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)). ولعل في الحديث الذي أخرجه الترمذي أيضا عن أم حبيبة رضي الله عنها تحديدا لمعنى الخير في الحديث: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو ذكر الله تعالى)).
5- أما المستمعون فعليهم أن يقبلوا على حديث أخيهم، وأن يتركوه دون أن يقاطعوه حتى يتم حديثه، وإذا كان أحد المستمعين يعرف الحديث الذي يتحدث فيه أخوه فعليه ألا يداخله فيه حتى يأخذ مقام المتحدث، إلا إذا أخطأ المتكلم فعليه أن يصحح خطأه بأدب، فقد روى ابن الجوزي بإسناده عن خالد بن صفوان قال: ((إذا رأيت محدثا يحدث بخبر قد علمته، فلا تشاركه فيه حرصا على أن يعلم أنك قد علمته، فإن ذلك خفة فيك وسوء أدب)) وقال عطاء بن رباح: ((إن الشاب ليحدثني حديثا، فأستمع له كأني لم أسمعه، ولقد سمعته قبل أن يولد)).
(ج) آداب المناقشة:
1- فإذا دارت بين الطلاب مناقشة فلتكن في هدوء وخفض صوت، ولقد كان من وصايا لقمان لابنه قوله تعالى: "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" [ لقمان: 19 ].
2- وليكن الرائد في المناقشة الوصول إلى الحق ولقد أثر عن الشافعي رضي الله عنه قوله: ((ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ. وقال: ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله تعالى وحفظ، وما كلمت أحداً قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه)).
3- وهنا تجب التفرقة بين الجدال والاستيضاح، فللأخ أن يستوضح ويسأل والرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى هذا، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها)).
والمجادلة لإظهار الحق أمر محمود لقوله تعالي: "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [ النحل: 125 ]، أما المجادلة بالباطل وطلب المغالبة فهو المنهي عنه، وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع مثل قوله: ((ما ضل بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ: ((ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون)).
(د) آداب المزاح:
فإذا وجد ما يستدعي الضحك، أو ما يؤدي إلى المزاح، فليكن ضحكنا تبسما بلا صوت، ومزاحا رقيقا لا يخرج عن حدود الحق والصدق، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قالوا يا رسول الله: إنك لتداعبنا قال: ((إني لا أقول إلا حقا)).
وقد قال العلماء إن المزاح المنهي عنه هو ما فيه إفراط مع دوام عليه، فإنه يورث قسوة القلب، ويسقط المهابة والوقار، فلا تجوز المبالغة فيه. وفي حديث صحيح عن جابر بن سمرة ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يضحك إلا تبسما)) فأما ما سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله لظروف خاصة، ولتطييب نفس مسلم ومؤانسته، وهذا لا مانع منه.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
مفاهيم تربوية: محمد عبد الله الخطيب
إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي
.