Business

احذروا الخطأ أمام الأبناء

ما يعلق بذاكرة الطفل من الصعب أن يمحى بعد ذلك، فذاكرته أشبه بالحجر الذي ينقش عليه ما يراه أو يتعلمه، لذلك فإن التعامل مع الطفل له طرقه وأساليبه ووسائله، والطفل يتلقى تربيته الأولية من والديه أو من المشرفات عليه في دور الحضانة، وبعد ذلك من مدرسيه في المدرسة، إلا أن أكبر وقت يقضيه الطفل بين أهله في بيته، يجالس أباه وأمه، يسمع منهما، ويرى ويلاحظ ما يبدر منهما من تصرفات في جميع المواقف.

وفي هذه الدراسة، يقول الباحث كمال عبد المنعم خليل: إن ذهن الطفل أشبه بالشريط الذي يسجل المواقف صوتًا وصورة، ويتخذه دليلا له في كل تصرفاته حاضرًا ومستقبلاً، لذلك ينبغي على الوالدين أن يكونا على حذر من أي خطأ أمام أبنائهما الصغار.

ويشير الباحث إلى أن أول ما ينبغي أن يتنبه إليه الوالدان زلات اللسان التي يلتقطها الطفل ويكررها ويرددها بعد ذلك، والأعجب من ذلك أن ترى أبا يعاقب ابنه لأنه تلفظ لفظًا هو دأب عليه، واللسان هو مجمع الفضائل والقبائح من الأقوال، فإذا سمع الابن لفظًا فاحشًا ردده وكرره أمام إخوته أو أمام أصدقائه، كيف لا وقد صدر من أحد والديه؟ فحذار من كل لفظ قبيح، فالله تعالى يقول: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18).

ويضيف الباحث أن القارئ قد يندهش حينما يعلم أن الوالدين وربما الأقارب هم السبب في أن يتعود لسان الطفل على الكلام القبيح، فتجدهم يشجعون الطفل على سب فلان أو البصق على وجه فلان من باب مداعبته والمزاح معه، فينشأ الطفل على ذلك ويتعود عليه، وهذا خطأ لا ينبغي أن يكون من الوالدين أو الأقارب، بل يجب أن يعُلم الأبناء الكلام الطيب حينما تبدأ ألسنتهم في الكلام كتدريبهم على النطق بكلمات: "الله أكبر" "الحمد لله، "سبحان الله"، "لا إله إلا الله"، "السلام عليكم"، "شكرًا" وغير ذلك من الألفاظ الطيبة، لا أن نعودهم على الشتم والسب والبصق.

كذلك فإن الكذب من الآفات السيئة التي يقع فيها الوالدان أمام الأبناء، فتجد الأب يكذب أمام أعين أبنائه في حديثه مع صديق له في الهاتف، أو ينكر نفسه ويأمر أبناءه بالكذب، أو يدعي شيئًا، والحقيقة خلاف ذلك، فكل ذلك له مردوده السيئ على الأبناء، فيلتقطونه ويرسخ في ذاكرتهم، والأمر كذلك بالنسبة للغيبة والنميمة والتجسس، وكلها من المحرمات التي لا ينبغي أن تصدر من أحد.

ويضيف الباحث أنه ليس من المعقول أو المقبول شرعًا أو عقلاً أن يسمع الأب نداء الصلاة ولا يتحرك له ساكن، بل لابد من المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها في جماعة في المسجد، ويلفت الأب انتباه أبنائه لذلك بالقول والفعل معا، كأن يقوم ليتوضأ ويعلمهم بذلك، ويتهيأ للصلاة ويصلي النافلة في بيته، كل ذلك أمام أعين أهل بيته جميعًا، حتى ينمي فيهم الحرص على الصلاة في جماعة.

والأب يعود أبناءه على ارتياد المساجد وحضور الصلوات، فقد روى أبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده – رضي الله عنهم – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، كذلك الأمر في سائر العبادات التي فرضها الله على عباده، فلا يفطر الوالدان في رمضان بغير عذر، أو يسيء أحدهما أو كلاهما إلى سائل أو محتاج أو جار، فكل ذلك يلمسه الأبناء ويفعلون مثله.

ويشير الباحث إلى خطأ، ما أكثره انتشارًا في نطاق الأسر، وهو قطع الأرحام والخصام بينهم على أتفه الأسباب، وبالتالي فالأمر يصدر إلى الأبناء بعدم الذهاب إلى بيت فلان أو فلانه، وألا يكلموا أبناء فلان وأبناء فلانة الذين هم من أولي الأرحام، وهو جرم عظيم يمتد أثره جيلًا بعد جيل، فالواجب على الوالدين أن يغرسا في الأبناء صلة الأرحام، لا أن يقطعاها ويحثا أبناءهما على ذلك، وقد سمى الله تعالى قطع الأرحام فسادًا في الأرض، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد: 22- 23).

وفي ختام دراسته، يقرر الباحث أن الأبناء أمانة في أعناقنا، وسوف يسألنا الله تعالى عنها يوم القيامة، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فلينتبه الوالدان إلى أخطائهما التي تصدر منهما أمام الأبناء، وليعملا على تجنبها رغبة في أن ينشأ الأبناء أسوياء، لا يميلون ولا يزيغون، ولا يحيدون عن كل خلق قويم.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم