Business

عاشوراء بين أمتين

منذ مئات السنين تكبر فرعون وكفر، ونكل ببني إسرائيل، فجمع موسى- عليه السلام- قومه للخروج، وتبعهم فرعون، فجاء الوحي في ذلك اليوم العظيم بأن يضرب موسى- عليه السلام- البحر بعصاه: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] فلما رأى فرعون هذه الآية العظيمة لم يتعظ ولجّ في طغيانه ومضى بجنوده يريد اللحاق بموسى- عليه السلام- وقومه، فأغرقه الله-عز وجل-، ونجي موسى ومن معه من بني إسرائيل، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِين} [الدخان: 30].

وبعد مرور مئات السنين يبعث الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم ويأمره بالهجرة إلى المدنية حيث رسم فيها قاعدة انطلاق لدعوته السماوية فيها، وكان يشاركه بعض يهود، حيث وجدهم يحتفلون بهذا اليوم، ورآهم الرسول- صلى الله عليه وسلم- يصومون ذلك اليوم في المدينة، أخرج البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَال: «قَدِمَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَال: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى شكرًا لله تعالى فنحن نصومه، فقَال: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

رأت أمة المعجزة الربانية بنجاة نبيها ونجاتها، غير أنها ما إن عبرت إلى الجهة الأمنة حتى نكص الكثير على عقبيه: {... فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (الأعراف: 138)، فلم يقدموا الشكر للإله الذي نجاهم من عدوهم بل تيقنوا بالهلاك فقالوا: { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، فكان تأكيدا لهم أنهم أمة لا تستحق التكريم الأبدي.

في حين أمة رأى رسولها أتباع موسى عليه السلام يصومون هذا اليوم فما كان منه إلا أن أعلن وأمته الفرح بنجاة موسى ومن معه وأعلنوا أنهم أحق بصيام هذا اليوم تكريمًا لسيدنا موسى النبي الكليم.

يوم بعيد جدًا عنا ذلك اليوم الذي نجى الله- تعالى- فيه موسى- عليه السلام- وقومه، ومع ذلك فرح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- به، ولما رأى اليهود يصومونه أمر بصيامه؛ لأن أولى الناس بموسى فرحا بنجاته من على الإسلام لا من حرفوا الدين.

وتستمر هذه السنة النبوية في أمته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فجاء تحفيزه النبوي بقوله صلى الله عليه وسلم: {صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ} (رواه مسلم).

ويستمر التمايز بين الأمة فمع حرص أمة محمد صلى الله عليه وسلم نجد على الطرف الآخر نسل من حرفوا سيرة موسى عليه السلام وتوراته، فعاثوا في الأرض فسادا وقتلا وتخريبا.

حتى إن بداية العام الهجري لهذا العام ويوم عاشوراء يصادف العمل الإجرامي الذي قام به بنو صهيون حينما أحرقوا المسجد الأقصى ليلة 21 أغسطس 1969م، فأصبح شتان بين الأمتين.

 

ما يستحب في هذا اليوم

من أحب الأعمال في هذا اليوم هو ما حث عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم حينما أمر أمته بصيامه وصيام يوم قبله أو يوم بعده مخالفة لليهود، ففي حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «ما رأيت النبيّ- صلى الله عليه وسلم- يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان» (مسند أحمد).

كما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: حين صام رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنه يوم تعظمه ‏اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء ‏الله، صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم رواه مسلم».

وعليه تكون مراتب صوم يوم عاشوراء ثلاثة، وفق كلام الإمام ابن القيم في زاد المعاد:

1-       أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم.

2-       أن يصام التاسع والعاشر، وعليه ‏أكثر الأحاديث.

3-       إفراد العاشر وحده بالصوم.

هذا غير الحرص على الأعمال الصالحة، فينبغي علينا جميعًا أن نحرص على اغتنام هذا اليوم بالأعمال الصالحة من الصيام والمحافظة على الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل وسائر أعمال الخير والبر، وعلى الإنسان المسلم أن يحذر من الاغترار بعمله، وألا يتكل على صيام هذا اليوم مع مقارفته للكبائر؛ إذ الواجب التوبة من جميع الذنوب.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقويا على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر، فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مُصرّ عليها غير تائب منها، هذا محال» (الجواب الكافي).

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم