Business

العوامل التي يتأثر بها السلوك الإنساني في الرؤية الإسلامية

يعرف السلوك في علم النفس الحديث بأنه أخلاق الفرد وتعامله مع الآخرين، وهذا الفهم يأتي من استخدام كلمة السلوك في الحياة اليومية، وهذا التعريف لا يتضمن السلوك غير الظاهر؛ فالإنسان له سلوك ظاهر يظهر للآخرين، وسلوك لا يظهر للآخرين كالتفكير مثلا.

وهناك من يرى أن السلوك هو كل ما يصدر عن الكائن الحي من نشاط سواء أكان قويًا يلاحظه الآخرون أم ضعيفا لا يلاحظه الآخرون، وقد يلاحظه الفرد أثناء تفاعله مع البيئة، وقد ذهب أكثر علماء النفس إلى أن السلوك هو النشاط الإنساني الذي يصدر عن الإنسان من قول أو فعل أو عمل سواء أكان إراديا أم غير إرادي، ظاهرا أم باطنا.

وفي هذه الدراسة، يحاول الباحث الدكتور مصطفى رجب، إبراز سلوك الشخصية التي تريدها التربية الإسلامية.

 

العوامل التي يتأثر بها السلوك في القرآن الكريم

بينت الدراسات النفسية الحديثة أن السلوك الإنساني يتأثر بعاملي الوراثة والبيئة، والقرآن الكريم يعترف بالوراثة والبيئة ولكن لا يراها العامل الحاسم والمطلق في السلوك ، ومما يدل على عدم التأثير المطلق لعاملي الوراثة والبيئة في السلوك.

  1. ففي قصة نوح عليه السلام مع ابنه الكافر، والذي وصفه القرآن الكريم أنه ليس من أهل نوح عليه السلام بل الأحرى أن يعلن براءته منه، قال تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (هود: من الآية 46)، فلو كان لعامل الوراثة دور حاسم في السلوك الإنساني لكان ابن نوح عليه السلام من الذين آمنوا مع سيدنا نوح عليه السلام.
  2. وفى قصة امرأة فرعون المؤمنة والتي كانت تعيش في بيئة فاسدة، ومنحرفة، ولكنها سلكت سلوك الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: {وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ ونَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ ونَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} (التحريم: 11)، وهي نموذج عالٍ في التجرد لله من كل هذه المؤثرات.. وكل هذه المعوقات.
  3. ولا يفهم من الآية الكريمة أن يذهب الإنسان إلى البيئة الفاسدة، فالإسلام يحرص على أن يتجنب الإنسان البيئة الفاسدة بل ويدعوه إلى إصلاحها.
  4. التفكير أحد العوامل المؤثرة في السلوك الإنساني، والتفكير يكون فما يعرض للإنسان من أمور في الحياة حتى يحقق الهدف المنشود بعيدا عن تحكيم الأهواء والعواطف.

قال تعالى: {ولَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الجِنِّ والإنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ولَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا ولَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ} (الأعراف: 179) فالتفكير له أثر بالغ في السلوك الإنساني؛ واختيار السلوك الأفضل والمناسب.

 

أقسام السلوك الواردة في القرآن الكريم

يمكن تقسيم السلوك الإنساني الوارد في القرآن الكريم إلى عدة أقسام، وهذه الأقسام تتداخل مع بعضها البعض، ولا يمكن فصلها عن بعض، وفيما يأتي أقسام السلوكيات الواردة في القرآن الكريم:

  1. السلوك الفطري: وهو السلوك الإنساني المرتبط بالفطرة التي فطر الله الناس عليها. قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم: 30)، فالفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق. والفطرة تخص نوع الإنسان هي ما خلقه الله عليه جسدا وعقلا، فمشى الإنسان برجليه فطرة جسدية، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة الجسدية، واستنتاج المسببات من أسبابها، والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية.
  2. السلوك المكتسب: وهي الخبرات والمعارف التي يتعلمها الإنسان بالممارسة بعد مولده، ويدل على هذا السلوك قوله تعالى: {واللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (النحل: من الآية 7).
  3. السلوك الظاهر: وهو السلوك الذي يباشره الإنسان ويظهر للآخرين، كالصحة والحج والصوم والجهاد في سبيل الله تعالى، قال تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (الأنفال:3) وقال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء: 78).
  4. السلوك الباطن: وهو السلوك الذي يباشره الإنسان ولا يظهر للآخرين، وقد يستدل على آثاره بشكل مباشر أو غير مباشر؛ مثل سلوك الذكر، والتفكر.
  5. السلوك العقلي: وهو سلوك يستند إلى العقل، وهذا ما يميز الإنسان على سائر المخلوقات، لأنه مناط التكليف، والقران الكريم حث على استخدام العقل، ومن ذلك قوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الحديد: من الآية 17)، وقوله: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 3) .
  6. السلوك الانفعالي: وهو سلوك ناشئ عن المشاعر والأحاسيس والانفعالات، وهو سلوك يمكن ملاحظته وقد لا يلاحظ. ومن ذلك سلوك الخوف عند موسى عليه السلام حين رأى الأفعى وهي تهتز، قال تعالى: {وأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولَّى مُدْبِرًا ولَمْ يَعْقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ ولا تَخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} (القصص: 31).
  7. السلوك الفردي: وهو سلوك يقوم به فرد، ومن ذلك قوله تعالى: {وجَاءَ مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ} (يس: 20).
  8. السلوك الجماعي: وهو سلوك تقوم به جماعة إما في وقت واحد أو أفراد في أوقات مختلفة، ومن ذلك قوله تعالى: {قَالُوا إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (يس: 18)، فالآية الكريمة تتحدث عن سلوك أصحاب القرية في مخاطبة الأنبياء وهو سلوك جماعي.

 

انحراف السلوك في القرآن الكريم

الإنسان مفطور على الإسلام، والإسلام هو دين الخير والفضيلة ولكن الإنسان يقبل الشر والرذيلة أحيانا، وإقباله على الشر والرذيلة يكون بالاكتساب من البيئة التي يعيش فيها، سيما إذا كانت هذه البيئة تتيح له ممارسة سلوكيات منحرفة دون أن تزجره وتنهاه عنها، ومن أسباب انحراف السلوك عن الطريق المستقيم كما ورد في القران الكريم.

  • الابتعاد عن الإيمان الصحيح: إذا ابتعد الإنسان عن العقيدة الإسلامية؛ انحرف سلوكه، وابتعد عن الطريق المستقيم، وإذا صحت العقيدة حسنت العبادة.
  • انحراف الفطرة: الفطرة المنحرفة سبب لوقوع مختلف السلوكيات الخاطئة، ومن مظاهر انحراف الفطرة الكفر والشرك بالله تعالى.
  • غياب المنهج الإلهي عن الواقع العملي: إن غياب المنهج الرباني عن واقع التطبيق العملي في حياة الأفراد والجماعات، يودي إلى انحراف في سلوك الأفراد وانتشار الفساد، فمنهج الإسلام يعد ضابطا لسلوك الإنسان فهو يحوي العقوبات والمعززات ومظاهر السلوك الحسن والقبيح وغيابه بنذر بسوء عاقبة في الدنيا والآخرة.
  • ضعف الإيمان: ومما يثبت أن ضعف الإيمان سبب في انحراف سلوك الإنسان، حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن».

ومن أهم أسباب زيادة الإيمان: العلم؛ فالاستزادة منه سبب في زيادة اليقين والمعرفة، والعمل الصالح يقوى الإيمان، وذكر الله سبحانه وتعالى وتلاوة كلامه وآياته، والنظر في آياته ومعجزاته.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم