من مهارات المربي: القدرة على التنمية الذاتية للأفراد [2/3]

وبعد أن تحدثنا في المقال السابق عن معنى الذاتية وجوانبها نتحدث في هذا المقال عن دوافع الذاتية.

 ثانيا: الدوافع إلى الذاتية:

(1) فردية التكليف:

    إن دوافع الإيجابية التي يجب أن يتذكرها المربي هو أن مناط التكليف فردي وأن كل فرد سيحاسب يوم القيامة فردا، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وإن كان المرء يحاسب عن عمله في المدرسة، وبعض التكاليف لا تتم إلا بمدرسة، أو من خلال تجمع دراسي ولكن الحساب بالثواب والعقاب ولا يكون إلا فرديا، ومن الإيمان بهذا المنطلق يجب أن ينحصر تفكير الداعية فيما يجلب له الأجر، ويقربه إلى الطاعة، دون أن يكون تبعا، وأن يمتلك زمام المبادرة إلى الطاعات دون الالتفات إلى عمل فلان أو قول فلان، ولا يجب أن تقعده نشوة الطاعة، ولا تثبطه أثقال المعصية، ولا ينتظر الإذن بالعمل من شخص ما، إلا ما كان جزءا من خطة بل يفكر الداعية بنفسه إنه سوف يحاسب يوم القيامة عن أعماله وعما قدم ولا يسأل عن الآخرين، كما أن عليه ألا يرنو ببصره إلى غيره فقد يكون لهم من الأعذار ما يمنعهم عن شيء ما، أو ليس لهم من الهمة والطاقة ما يمكنهم من أداء عمل ما ويستطيع هو أداءه فلا يثبطه الشيطان أو تقعد به ثقلة الحياة الدنيا، والداعية بنفس الوقت عليه أن ينصب رسول الله قدوة عملية أمام عينيه، ولا يجعل الأشخاص الآخرين أيا كانوا فقد يفتح الله عليه من الهمة أكثر من الآخرين، أو يوفقه الله تعالى إلى عمل يتفرد به أو إلى فضل يؤثره فيه، فلله في خلقه شئون وهو المتفضل على عباده، وقد يختص برحمته من يشاء وكيفما يشاء.   

    (2) الإيجابية.. إعذار إلى الله:

    وقد تؤدي الإيجابية إلى الكثير من العمل الإسلامي بذاتها، كما أن لها نتائج باهرة، فمنها وما يتفرع عنها من علم وعمل، ومعذرة واعتذار فالمعذرة إلى الله تعالى من التقصير حيث أداء الواجب جهد الإمكان والاستطاعة، وبالتالي شعور المؤمن بالأداء وحسن النية، إذ إنه يؤدي ما عليه، وليس عليه النتائج، وهذا المعنى هو المطلوب من التكليف، ولقد عذب الله أقواما تركوا الدعوة إلى الخلق، بحجة أن الموعظة لا تؤثر في قوم الله مهلكهم أو معذبهم، بينما امتدح الله آخرين اعتذروا إلى ربهم، وقاموا بأداء الواجب المعين عليهم، فالمعذرة إلى الله واجب عيني على المؤمن أن يؤديه بإيجابية، دون انتظار لما يعمله الآخرون.

    وكذلك الاعتذار للمربي في أداء الواجب، ولو أخذنا قصة الهدهد كمثال على العمل الإيجابي لرأينا فيها من المعذرة والاعتذار الشيء اللطيف، حيث كان علمه نافعا لمديره معتذرا به إليه بل كان في العلم حيث النبأ اليقين، نوع سلطان قوي، ولا يتنافى هذا مع النية فإن طاعة المربي واجبة والإيجابية مظهر غير مباشر للطاعة.

    إن سليمان حين توعد الهدهد بأن يعذبه عذابا شديدا، أو يذبحه، إنما نجي منه بالعلم (فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۢ بِنَبَإٖ يَقِينٍ)، وهذا الخطاب إنما جرأه عليه العلم وإلا فالهدهد مع ضعفه لا يتمكن من مخاطبة سليمان مع قوته بمثل هذا الخطاب لولا سلطان العلم (مفتاح دار السعادة 1 / 173).

    إذا لولا الإيجابية في الهدهد لما قبل سليمان اعتذاره لأن عموم الارتباط بجماعة المؤمنين يقتضي أداء عمل ضمن الأهداف المعلومة وليس بالضرورة أن يكون منفذا لأوامر فقط، وكذا الدعاة يجب ألا يقفوا عند حد الواجبات أو عتبة الأوامر فالسكون تقصير والوقوف ضعف، ولكن العمل الإيجابي يدرأ عتب المربي.

    (وفي قوله أصدقت أم كنت من الكاذبين، دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم، لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه، وإنما صار صدق الهدهد عذرا، لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد، وكان سليمان –عليه السلام– حبب إليه الجهاد، وفي الصحيح: ليس أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل).

    (3) وفي الإيجابية احترام للنفس:

    احترام للنفس وثقة بها، حتى لا يستهين المؤمن بنفسه، ويغرر به الشيطان أنه لا يصلح لأمر فيقعده عن العمل، أو يزهده في الأداء، إذ قد يأتي الشيطان عن طريق إشعار الداعية بأنه لا أهمية له أو يحدثه بأن العمل به رياء وأن الحديث فيه مظاهر غرور، فيجب عليه العزلة ويزين له الانكماش تعففا وعدم الحديث تواضعا فيفوت عليه المصالح ويسد عليه طرق الخير وتذهب عنه الأوقات وتهدر فيه الطاقات، وإذا ما عجز الشيطان عن ذلك فإنه يربك الأولويات على الداعية ويقوده لترك الأفضل وإتيان المفضول، تحت نفس التبريرات ووفق نفس الحجج ولهذا كان من الضروري أن يفهم الداعية العلم الشرعي الذي يسد به منافذ الشيطان ومن أول العلم الثقة بالنفس وتأييد الله تعالى.

    من الثقة بالنفس معرفتها، والتوجه إلى المعالي دائما والرنو نحو القمم السامقة، قيل لرجل: عندي لك حويجة، فقال له: اطلب لها رجيلا! فإنه يبحث عن القضايا التي يطلب لها الرجال، وهكذا يفعل أصحاب العزائم حتى ولو كانوا من طلبة الدنيا ولعل من هؤلاء يزيد بن المهلب الذي هرب من الحبس فقيل في قصته إنه مر برهط من أهل البرية رعاة، فقال لغلامه: استسقنا منهم لبنا، فسقوه، فقال: أعطهم ألفا، قال: إن هؤلاء لا يعرفونك، قال: لكني أعرف نفسي! (من كتاب الإيجابية في حياة الداعية سلسلة رسائل العين). وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 
للاطلاع على الأجزاء السابقة: 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم