منذ أن انطلقت الحركة الإسلامية في بداية النصف الأول من القرن العشرين، وكان هدفها الرئيس هو تكوين جيل مسلم، يبدأ بتكوين الفرد المسلم.
تعتبر الجامعات ساحة صراع بين التيارات المختلفة، وإذا تواجد الفكر الإسلامي في هذا المكان وجدت التربة الخصبة التي ترعى هذه الخصال وتنتشر بها وسط الجميع، لما تميزت هذه التربة بخصال يحسن بها أن تنبت الأخلاق الإسلامية.
لقد حرصت النواة الأولى في الجامعة على بث الروح الإسلامية بكامل معانيها فى وسط الشباب وتهيئتهم لحمل عبء الدعوة الإسلامية الشاملة.
الجامعات تصدع بالحق التربوي
لا بد من العمل والمصابرة في هذا الحقل الجامعي لرعاية النبتة التربوية في هذا المحضن الذي إذا وجد أرضًا أنبت نباتًا طيبًا، حيث عمد الطلاب إلى عقد اجتماعات تربوية دورية عامة للتعارف بين طلبة الكليات والمدارس حيث احتضنت الجامعة مثل هذه الاجتماعات.
لقد اهتم الطلاب بأمور التربية حتى أصبحت الجامعة ساحة يقام فيها الصلاة، بل ساحة يرفع فوق قبتها الأذان.
بل يذكر محمود عبد الحليم في كتابة (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ): [أنهم أرادوا أن يقيموا الصلاة فتحدثوا مع وكيل الكلية فنهرهم، لكنهم لم ييأسوا فتحدثوا مع عميدها محمود توفيق الحفناوي (بك)، والذي وقف بجانبهم ونهر الوكيل وقال له: إن هؤلاء الطلبة يطلبون طلبا متواضعا، وأنا أتابع موضوع المصلى وتطوراته التي حدثت فى العام الماضي، وأنا معجب بجهود هؤلاء الطلبة المتدينين، ولا أقبل أن يكون مصلى الكلية هذا المكان الحقير، ثم قال للوكيل: أتعرف المكان الذي يقام فيه سرادق الغداء فى العام الماضي؟ يجب أن يقام مكانه مسجد وتلحق بالمسجد حديقة خاصة به.
ذهل الوكيل مما سمع من العميد ثم زاده ذهولا لقول العميد له: أحب أن تتفرع أنت شخصيا لإنجاز هذا العمل فتقيم المسجد وتفرشه بأفخر فرش وتشرف على زرع الحديقة بالأزهار الجميلة المناسبة ثم تعين له إماما يتفرغ للإمامة وشئون المسجد، وكان العميد أول من فتح باب الاكتتاب لتشييد مسجد يليق بالجامعة، ورفع أحد الطلاب الآذان من فوق قبة الجامعة، وهكذا فعل أيضا عميد كلية الآداب والذي تخير أفخم مكتب في الكلية وهو مكتب الأساتذة الإنجليز وأمر بتحويله لمسجد للطلاب ليؤكد دور الجامعة في تربية الطلبة].
الجامعة ساحة للمعسكرات التربوية
لم يقتصر دور الجامعة على العلم أو السجال السياسي بين فكر الطلاب المختلف، أو العمل الاجتماعي والتكافلي، لكنها كانت ساحة لعقد المعسكرات على أراضيها تأكيدا لدورها التربوي.
ففي أثناء حرب القنال تحولت الجامعات كلها إلى ساحة معسكرات تربوية جهادية شارك فيها رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، سواء بالتحفيز والتشجيع للطلبة أو بالدعم المالي لتوفير سبل الجهاد للطلبة، وقد رأينا كيف كانت جامعة القاهرة وشهداؤها، وجامعة إبراهيم باشا (عين شمس) وأساتذتها، وذلك كما ذكر الأستاذ محمد مهدي عاكف في ذكرياته عن حرب القنال.
وفي السبعينيات احتضنت الجامعات المعسكرات التربوية، حيث احتضنت جامعة القاهرة المعسكر الرابع في فترة الإجازة الصيفية، وقد حضره العديد من أصحاب الفكر الإسلامي وبعض أساتذة الجامعة الذين حرصوا على العمل في جو تربوي وسط أبنائهم الطلاب، وذلك وفق ما جاء في مجلة الدعوة العدد الأول السنة 25 الموافق جمادى الثانية 1396هـ/ يونيو 1976م.
بل وافقت إدارة جامعة الأزهر للطلاب بإقامة يوم إسلامي صام فيه الطلاب، وشارك فيه ما يقرب من 150 طالبا من كليات الطب والهندسة والتجارة والصيدلة، وقد حضره وفد من بنجلاديش كان يزور الجامعة.
بل إن إدارة كلية الآداب بجامعة القاهرة وافقت على إقامة أسبوعٍ إسلاميٍ على أراضيها، أقام خلاله الطلاب معرضا إسلاميا اشتمل على شهداء الحركة الإسلامية في القرن العشرين.
وذكرت مجلة الدعوة في العدد التاسع، السنة 26 ربيع الاول 1397هـ/ فبراير 1977م أن جامعة عين شمس عقدت لقاءها الإسلامي الخامس حيث حرص العديد من طلابها الحضور والتفاعل الإيجابي فيه.
كما أقامت جامعة المنصورة معسكرا في الفترة من 19 – 23 يناير حيث نصب الطلاب المخيمات والتي تحولت إلى ورش تربوية، وحرص ما يقرب من 100 طالب على الحضور في هذا المعسكر، كما شهد حضور عدد من أساتذة الكليات، حيث كان يبدأ البرنامج التربوي من الساعة الثالثة ونصف فجرا بقيام الليل وينتهي الساعة التاسعة ونصف ليلا ببعض السمر الخفيف.
وذكرت مجلة لواء الإسلام في عددها العاشر -السنة الخامسة والأربعون- ديسمبر 1990م: دور وأهمية المنظومة التعليمية في الحرص على الأخلاق والمحافظة على العبادات، وإذا اختلت هذه المنظومة تصبح الإدارة عائقًا أمام استكمال محاور التربية في الجامعات، وذلك مثلما قامت أمين عام معهد أبو الخير بغلق المسجد وصد الطلبة عن أداء الفروض في المسجد ردا على إقامة الطلبة ليوم إسلامي داخل المسجد دعوا فيه إلى التمسك بالأخلاق وطاعة الله سبحانه.
فللجامعات دور تربوي في تهذيب وتقويم السلوك إذا تولى إداراتها أناس يحبون دينهم ويعملون على نشره، والحض على التمسك بالفروض وفتح المجالات أمام الطلبة لإقامة الفعاليات التي تملأ فراغ الطلبة وتوجههم التوجيه الصواب نحو التمسك بالأخلاق.
.