Business

عيد الأضحى.. ودروس مهمة في التوكل على الله

عندما يَهِلُّ علينا شهرُ ذي الحجة، تَحِلُّ علينا النفحات والبركاتُ، ويحدونا الشوق والحنين إلى زيارة البيت الحرام.. تهفو النفوس وتشتاق القلوب إلى زيارة المصطفى (صلى الله عليه وسلم).

وسرعان ما يأتي عيد الأضحى؛ ليذكرنا بذكريات غالية.. يذكرنا بأن الابتلاء المقرون بالصبر والتسليم لله طريق القرب والوصول إلى جناب الله.. يذكرنا بأن التأدب مع الله والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه طريق النجاة.

وفي هذه الدراسة، يسوق لنا د. أحمد علي سليمان، ارتباط عدة أمور تربوية بعيد الأضحى المبارك، مثل أن التوكل الحقيقي لا يكون إلّا على الله.

 

التوكل الحقيقي لا يكون إلاّ على الله

يذكرنا بأن التوكل الحقيقي لا يكون إلا على الله.. نتذكر أن الله تعالى ابتلى إبراهيم (عليه السلام) في ولده إسماعيل ابتلاءين: فبينما هو شيخ كبير ظل يرقبه في ضمير الزمان مدة طويلة، إذ به يؤمر بأن يودعه في مكة هو وأمه، حيث لا أنيس غير الله، بوادٍ غير ذي زرع ولا ماء ولا غذاء في تلك البقعة الجرداء!

وتقول زوجته هاجر: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لن يُضَيِّعنا الله.. ويمر الوقت، والزاد والماء ينفدان.. الصغير يبكي جوعًا وعطشًا.. وقلب الأم يتألم ويتمزق.. البكاء يزيد.. فإذا بها تندفع وتجري بين الصفا والمروة.. تنظر يمينًا ويسارًا، تنظر إلى الأمام وإلى الخلف، فلا تجد شيئًا إلا الثقة بالله.. وكلَّما اقتربت من رضيعها ازداد تألُمها.. حرارة الشمس شديدة، والرضيع لا يفتر عن البكاء.. ثم تندفع بين الصفا والمروة مرة ثانية عساها أن تجد ما لم تجده في الجولة الأولى، وأخذت تتردد سعيًا بينهما رجاء الفرج، وهي بعيدة عنه بجسدها دون قلبها، حتى إذا هلك يهلك وهي بعيدة عنه ولا تراه.! لم تيأس من روح الله.. بل ظلت تسعى واليقين في الله حليفها.. ولما بلغت شوطها السابع إذ بلطف الله يأتي.. نظرت من بعيد فوجدت عينًا تتفجر في وسط الرمال، فهرعت إليها لتروي ظمَأَه وظمَأهَا الذي كاد أن يودي بهما.. لذلك شُرِعَ السعي بين الصفا والمروة، وجُعِلَ شعيرة من شعائر الحج.

ولما بلغ إسماعيل أشده إذا بابتلاء آخر ينتظره وينتظر أباه، إذ أوحى الله إلى إبراهيم أن اذبح ولدك، قال تعالى: «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» (الصافات:102). وهنا يتجلى الأدب الرفيع.. أدب إبراهيم مع ربه، وأدب إسماعيل مع أبيه.. إبراهيم يريد أن ينفذ أمر الله بذبح ابنه الوحيد الذي أتى بعد شوق طويل، وإسماعيل يقول: يا أبت -ولم يقل يا أبي- زيادة في الأدب والتبجيل والتعظيم لأبيه.. ولم يعترض؛ بل سلَّم الأمرَ كله لله!! ويصور القرآن هذا المشهد الدقيق «فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» (الصافات: 103-107).

فلما امتثل الولدُ والوالدُ لأمر الله كان الجزاء هذا الفداء الذي نزل من السماء.. من أجل ذلك شرعت الأضحيةُ في الإسلام، وجعل الله ثوابهَا عظيمًا ونفْعَهَا عميمًا. لذلك ونحن نحتفل بعيد الأضحى نتذكر هذه الذكريات.. نتذكرها وقلوبنا تمتلئ إعظامًا وإكبارًا لإبراهيم وإسماعيل ومحمد وكافة الرسل عليهم السلام؛ لما بذلوه من جهد وعناء ومشقة في سبيل الدعوة إلى الله.. ومن ثم ونحن نحتفل بالعيد يحب أن يكون احتفالنا نموذجًا للدعوة إلى الله، بحيث يُبْرِزُ سماحة الإسلام ووسطيته، ويُصَحِّح الصورة المغلوطة والمزورة عنه والتي خطط ويخطط لها الأعداء ليل نهار.. يجب أن نُظهر للعالم كله رحمتنا وترابطنا وتكافلنا؛ لأن التعاطف والتساند والتآلف وتأكيد أواصر المحبة، وتعظيم صلة الرحم إذا كات من الواجبات بين المسلمين طوال العام؛ فإنها تكون أوجب الواجبات في يوم العيد.. والعيد في اللغة مشتق من العود لتكرره كل عام، وقيل: لكثرة عوائد الله وفضائله على عباده، ولعود البهجة والفرح والسرور بعوده وتكراره.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم