أحبائي.. أيام وربما ساعات وأرحل عنكم، فلا تروني ولا أراكم إلا بعد أحد عشر شهرًا، كنت أتمنى أن تمتد صحبتي بكم أكثر من هذا، لولا أن عمر زيارتي حددها ربى لي بثلاثين يومًا، حملت إليكم فيها الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وفيها من أجلي فتح الله لكم أبواب الجنة وأغلق أبواب النار، حزين لفراقكم كما يحزن الحبيب لفراق الحبيب، وإن كانت رسالتي لهذا العام قد شرفت على الانتهاء، فإني ساترك لكم رسائل قصيرة تذكروني بها حتى ألقاكم فى ساعة كتب الله لنا فيها اللقاء من العام القادم.
الرسالة الأولى: قطعتم نصف الطريق فلا تعودوا من حيث أتيتم
أعرف أنكم تعبتم، وأعلم أنكم أجهدتكم أنفسكم فى صيام النهار وقيام الليل، رأيتكم تهرولون إلى المساجد فى لهفة وشوق لقاء الأحبة، رأيت المصاحف مفتوحة على مصراعيها فى كل مكان، شاهدتكم وأنتم تذكرون الله فى الطرقات، اقتطعتم من نومكم كي تناجوا ربكم فى جوف الليل، أمسكتم عن كل ما تحبون وتشتهون قربى إلى الله رجاء رضاه وعفوه ومغفرته، أنفقتم المال ووصلتم الرحم وأعنتم الضعيف والمسكين.
أحبائي:
بقدر فرحتي لما كان منكم وأنا معكم، بقدر خشيتي عليكم أن تضيعوا كل ما فعلتم بعد أن أترككم، أخشى أن تنسوا صحبتي بعد أن مكثت فى بيوتكم شهرًا، أخشى أن تنقضوا ما تعاهدنا عليه بعد أيام من رحيلي عنكم، أخشى أن تهملوا الصلاة وتفرطوا فى القيام ويعود القرآن للشكوى من هجركم، أخشى أن تهجم عليكم الشهوات فلا تصدوها، أو أن تداعبكم الدنيا فتستسلموا لها، أخشى أن تغرقوا كنوز الحسنات بفيضان السيئات، وأن تطفئوا شعلة الطاعة برياح المعصية.
أحبائي:
غدا أترككم لأن قدري أن أرحل عنكم، فإن رحلت عنكم فلا ترحلوا عني، سأترقبكم من بعيد، وأنا فى شوق لكم حتى يكتب الله لنا اللقاء.
الرسالة الثانية: رأيت أصنافا من المسلمين
بعد أيام معدودات عرفت أن ليس كل الناس سواء، استقبلني الجميع بالأناشيد والتهاني، ووقف المهنئون صفوفًا طويلة يعجز النظر أن يصل لآخرها، الكرماء فى مقدمة الصفوف لا يكفون عن الترحيب بي، وكلما مر يوم خفقت قلوبهم لقرب موعد الرحيل، واجتهدوا لسد النقص وبذل مزيد من الجهد.
فى وسط الصفوف.. أناس أرهقهم طول الوقوف، فتواروا بعيدا عن العيون خجلًا من تكاسلهم، وفى آخر الصفوف.. رأيت أناسًا يخرجون من الجمع ويذهبون بعيدًا عني ليصحبوا أناسا آخرين لا أحبهم ولا أحب لقاءهم.
قلت فى نفسى.. هكذا الجنة درجات.. كما أن الناس أصناف، فليس من ثابر واجتهد فى صحبتي والازدياد مني من أول الشهر لآخره، كمن انزوى عني ليسامر الأصدقاء، كمن تركني إلى حاله يريد الدنيا كما يحب.. وعلى قدر الغرس تكون الثمار.
الرسالة الثالثة: أدخلت عليكم الفرحة فلا تحزنوني فى عيدكم
أحبائي:
فى كل عام لا أستطيع أن أقاوم الحزن، لأنني أكون السبب فى فرحتكم، وفتح أبواب الخير عليكم من السماء والأرض، ولم شملكم وراحة بالكم، ثم تنقلبون عليّ فى أول أيام عيدكم، حتى لا أكاد أصدق أن من أراهم هم أنفسهم من كانوا معي بالأمس، فالأرض تشقى بالمعصية بعد أن هدأت بالطاعة، والناس تكاد تنسى ربها بعد أن ظلت تذكره آناء الليل وأطراف النهار.
إنه مشهد يصيبني بالألم كل عام.. فهل تنوون أن تجرعوني نفس المرارة هذه العام أيضًا.
الرسالة الرابعة: إذا ضعت منكم هذا العام، اعرفوا الأسباب حتى لا أضيع منكم العام القادم
أحبائي:
من قصر منكم معي هذه المرة، فاني لن آيس منه، كما أني أرجوه ألا ييأس هو مني، فلقد جئت من ربي برحمة وسعت كل شيء، والرحمة باب الأمل، وعند ربي لا يغلق باب رحمة ولا أمل، فإن لم تلحق بي هذا العام، فانتظرني فى العام المقبل، وسأفرح بك كما ستفرح بي، وسأقدم لك يد العون كما أقدمه لك فى كل مرة دون كلل أو ملل، ولكن عدني أن تقف مع نفسك وقفة، كي تعرف فيها أسباب هجرك لي، وما هو السبب الذي جعلك ترفض كل ما قدمته لك من خير، أهي النفس؟ أهم أصدقاء السوء؟ أرجوك.. عدني أن تعرف.. وسأنتظر لقاءك.. وأحب أن تنتظر لقائي.
الرسالة الخامسة: نصائح إلى أحبائي
1- وقبل كل شي طلب العون من الله – عز وجل – على الهداية والثبات وقد أثنى الله على دعاء الراسخين في العلم: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
2ـ الإكثار من مُجالسة الصالحين والحرص على مجالس الذكر العامة كالمحاضرات والخاصة كالزيارات.
3ـ التعرف على سير الصالحين من خلال القراءة للكتب أو استماع الأشرطة وخاصة الاهتمام بسير الصحابة فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة.
4ـ الإكثار من سماع الأشرطة الإسلامية المؤثرة كالخطب والمواعظ وزيارة التسجيلات الإسلامية بين وقت وآخر.
5ـ الحرص على أداء الفرائض، كالصلوات الخمس، وقضاء رمضان، فإن في الفرائض خير عظيم.
6ـ الحرص على النوافل ولو القليل المُحبب للنفس فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
7ـ البدء بحفظ كتاب الله والمداومة على تلاوته وأن تقرأ ما تحفظ في الصلوات والنوافل.
8ـ الإكثار من ذكر الله والاستغفار.
9ـ البعد كل البعد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء وأجهزة التلفاز والدش والاستماع للغناء والطرب وغيرهم من مفسدات الإيمان.
10ـ وأخيرا أوصيكم بالتوبة العاجلة.. التوبة النصوح التي ليس فيها رجوع.
.