مما تعود عليه الناس في رمضان هو تخصيص العشرة الأخيرة بمزيد من العبادة والإحسان، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله». هذا لفظ البخاري، وفي رواية لمسلم عنها قالت: «كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره».
لكننا نريده بنية العبادة لا إلفا للعادة، نعم قد يصعب على المرء أن يتعب نفسه هذا التعب لمجرد العادة فقط، لكنه قد يحدث أن يرى المرء كل الناس يفعلون؛ فيفعل. نحن لا نريد هذا لا لأنفسنا ولا لإخواننا، نحن نريده لله؛ كثير من الناس قد يترك عمله بالكلية في هذه العشر تفرغا للاعتكاف، وكم هو أمر رائع لو استحضرت فيه نية العبادة لله وليس مجرد التقليد أو التعود أو الراحة من عناء العمل أو– لا قدر الله- التباهي بذلك، إننا نريد ممن يعتكف أن يعتكف لأنه يعلم أن الشارع حثه على ذلك.
ثم إننا نريد من المعتكف في اعتكافه أن يحقق المقصد منه فلا يضيع وقته في السمر أو المراء والرياء؛ فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره؛ وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه، وما يقربه منه فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه.. فمعنى الاعتكاف وحقيقته: (قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق). وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به؛ أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.
فيها ليلة القدر
قيام ليلة القدر ايمانًا واحتسابًا لله أيضًا، وليس لأنه من العيب أن يعبد الناس كلهم ربهم في هذه الليلة، وأتخلف أنا، نقومها لأننا نعلم أن الله قد قال في فضلها: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وأنه قد قال النبي ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه».
.