Business

معالم في تربية النفس في وداع رمضان

لا شك في أن شهر رمضان معلَم مهم في تربية النفس، ففيه من العبادات والأعمال الصالحة ما يجعل النفوس تنقاد إلى رب العالمين، فتزكو النفوس، وتطهر القلوب، وتعيش الأرواح أجواء إيمانية مفعمة بالبركات والرحمات.​​​​​​​

وفي هذه الدراسة، يرى الباحث عبدالعزيز مصطفى الشامي، أنه رغم الدور التربوي لشهر رمضان، إلا أن هناك ما يُضعف تأثير الصيام والأعمال الطيبة عند كثير من الناس، فلا يستفيدون من رمضان، فيخرجون منه كما دخلوا فيه، وفي أحيان كثيرة تكون المعاصي مؤجّلة فقط لما بعد الشهر، فلم يتركوها ويبغضوها ويتوبوا إلى الله منها، بل هي فقط مؤجّلة لما بعد رمضان، والسبب الرئيس في هذا هو إلف العادة!

 

ومن المعالم التربوية التي خرجنا بها رمضان ما يلي:

  • تربية النفس على التقوى:

تدريب النفس على تحقيق التقوى والخوف من الله سبحانه وتجنب مساخطه والالتزام بطاعته؛ من أسمى أهداف فريضة الصيام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَ كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٣٨١].

  • تربية النفس على التوبة:

عبر عام طويل يحمل العبد على ظهره العديد من الذنوب والمعاصي ويقع في مخالفات كثيرة، والذنوب تميت القلوب، وغبارها يزكم الأنوف، وإذا اعتاد العبد الذنب استسهله وخاض في غماره، فيظلم قلبه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: {كَلَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ٤١]».

وكان رمضان فرصة نادرة ثمينة فيها الرحمة والمغفرة، ودواعيها متيسّرة، والأعوان عليها كثيرون، وعوامل الفساد محدودة، ومردة الشياطين مصفَّدون، ولله عتقاء في كل ليلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن؟! وإذا لم يُغفر له في رمضان فمتى يُغفر لمن لا يُغفر له في هذا الشهر؟! ومتى يُقبل من رُدّ في ليلة القدر؟! ومتى يصلح مَن لا يصلح في رمضان؟ ومتى يصلح من كان فيه من داء الجهالة والغفلة مرضان؟ مَن فرط في الزرع في وقت البدار لم يحصد يوم الحصاد غير الندم والخسارة.

وحصول العبد على مغفرة الله سبحانه في رمضان ميسرة، متعددة الطرق والوسائل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، (وما تأخر) قال الحافظ ابن حجر: «قَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ».

  • تربية النفس على العفو والصفح:

من الأمور التربوية التي يجب أن يخرج بها العبد من رمضان؛ أن يبتعد عن أذى الناس، ويسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا ينبغي للعبد أن يصوم رمضان وهو واقع في الغيبة والنميمة والسبّ والشتم والكذب، وهي معاصٍ يجب الحذر منها واجتنابها من الصائم وغيره؛ إذ إنها تجرح الصوم وتُضعف الأجر؛ لقول النبي ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، ولقوله ﷺ: «الصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم».

وإن مما يستجلب العبد عفو الله عنه بعفوه عن الناس، ولين الجانب معهم، وخفض الجناح لهم، فعن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: تَقُولِينَ: «اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

  • الشعور بوحدة الأمة:

وفي تعيين شهر رمضان بالذات شهرًا للصوم، دون ترك التعيين للإنسان ليختار شهرًا معينًا لنفسه من السنة؛ إشعار للمسلمين بوحدتهم، ومن تعويدهم النظام والانضباط والاستسلام لله عزَّ وجلَّ، وفيه فتح الباب لأعمال موحدة من الخير ينال كل مسلم من المسلمين فيها نصيبه، وإعلان لدخول المسلمين جميعًا في يوم واحد مدرسة واحدة فيها الصيام والقيام، والبذل والإحسان، وتلاوة القرآن.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم