Business

رمضان وتقييد اللسان

يأتي رمضان كل عام ليكون بمثابة المعسكر الذي يجبر الأعضاء على الاستكانة والطاعة لما يمليه القلب سواء كان صالحا أم طالحا، غير أن اللسان كثيرا ما لا يملك أحد عليه سلطان إلا بالتقوى، وأشد ما آلمني هو الانفلات اللفظي الذي ضرب كل جنبات الوطن، والذي نسأل الله سبحانه أن يجعل رمضان سببا في تحجيمه.

والعالم العربي خاصة والإسلامي عامة يعيش حالة من الانفلات اللفظي والانهيار الأخلاقي رغم ما بذله الآباء والأجداد من جهد دأبوا فيه على غرس بذورها في نفوس الأبناء جيلا بعد جيل حتى تظل المجتمعات قوية لا يعتريها الوهن والخنوع، لكن أصبح الغالب فينا الآن لا ينكر منكرا ولا يقر معروفا، حتى حل التمييع بعد الانضباط والالتزام، وتحطمت ثوابت التربية على صخور الفحش من القول.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسان قل خيرًا تغنم، واسكت عن شر تسلم، من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثر خطايا ابن آدم في لسانه» (رواه الطبراني).

ومن دلائل الفلاح والكمال أن يمتنع الإنسان عن اللغو، وعن مجالس السوء خاصة في شهر رمضان؛ فيمتنع عن انتقاص الخلق، والسخرية منهم، والكلام في أعراضهم، والسعي بينهم بالغيبة، والنميمة، وفحش القول.

فهل يكون شهر رمضان تدريبا على ضبط الكلمات، ومخرجات المعاني والذوقيات؟

 

احرص على الكلمة

فكم من كلمة انطلقت دون وعي فجرحت قلوبا ونفوسا، وأشعلت حروبا، وجلبت خرابا ودمارا على البشرية، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} (إبراهيم: 24- 26). وعن أبي هريرة- رضي الله عنه– عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم» (البخاري 6477)، ولهذا كانت خطورة الكلمة التي تتجسد أمامنا وتتعرى لتخرج لنا شر ما فيها.

يقول الشاعر:

يموت الفتى من عثرة بلسانه          وليس يموت المرء من عثرة الرِّجل

فعثرته بالقول تُذهب رأسـه          وعثرتـه بالرجل تبرأ على مهل

فمن دلائل الفلاح والكمال أن يمتنع الإنسان عن اللغو، وعن مجالس السوء خاصة في شهر رمضان؛ فيمتنع عن انتقاص الخلق، والسخرية منهم، والكلام في أعراضهم، والسعي بينهم بالغيبة، والنميمة، وفحش القول، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:1-3].

ورمضان معسكر تدريبي، ومدرسة نموذجية، وواحة إيمانية، لحفظ اللسان، وصيانته من الباطل واللغو والكلام الفاحش والبذيء، واستثماره بذكر الله وتلاوة القرآن والدعاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس الخير.

يقول عمر بن الخطاب– رضي الله عنه-: «من كثر كلامه كثر سقطه» وحسبك به حاكمًا ودليلًا– فإننا نجد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة نصوصًا كثيرة تُؤكّد على قيمة الكلمة وتُنوّه بشأنها وعظيم خطرها.

وقال يحي بن معاذ: «​​​​​​​القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه».

إن الكلمة الصادقة هي السيف الذي يُجاهد به المسلم، فبها تقوم الحجة، وبها يرتّد الباطل على أدباره منهزمًا، وبها تنجذب القلوب، وبها يرضى العاقل.

ومتى أحيطت الكلمة بسياج العقل والشرع فإنها تفعل فعل السحر، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن من البيان لسحرًا» (رواه البخاري في صحيحه).

فالكلمة أمانة ضخمة في دين الله تعالى وإننا مسئولون بين يدي الله عن هذه الأمانة العظيمة، فليتق الله كل منا ولنعلم أن كل كلمة نتلفظ بها قد سُطِّرت علينا.

إن الكلمة سلاح ذو حدين.. فاجعلها كلمة طيبة تنال بها الأجر العظيم في الدنيا والآخرة، كما أنها تؤلف القلوب وتصلح النفوس وتذهب الحزن وتزيل الغضب وتشعر بالرضا والسعادة، لا سيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة «تبسمك في وجه أخيك صدقة».

وبالكلمة الطيبة نصلح بين الناس ونعدل بينهم بشهادة الحق وندفع الظلم بالعدل والسوء بالإحسان قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (فصلت:34-35).

فرمضان فرصة عظيمة للتدريب على حفظ اللسان وإلجام نزواته وفلتاته، فنتائج وثمرات الإيمان والصلاح والتقوى لا تظهر في شيء كظهورها في ضبط اللسان والتحكم فيما يصدر عنه من كلام.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم