الكذب سلوك خاطئ وداء خطير، إذا استشري في المجتمع؛ ترك أثرًا مدمرًا عليه. والكذب عرض ظاهري، وقوة نفسية تجيش في نفس الفرد سواء كان طفلًا أو بالغًا، والكذب ليس وراثيًا، وإنما هو مكتسب من البيئة خاصة عند الأطفال.
وفي هذه الدراسة، ترى الباحثة هبة محمد أبو الفتوح، أنه يخطئ من يعتقد أن الأطفال الصغار لا يفرقون بين الكذب والصدق، والطفل في مقدوره تمامًا أن يفرق بين من هو صادق ومن هو كاذب خصوصًا فيما يتعلق بالأمور والرغبات الخاصة به، ومع ذلك كثيرًا ما يجانب الأطفال قول الصدق في سنواتهم الأولى، فالطفل في سن الرابعة لا يحسن التمييز بين الحقيقة والخيال، ويستطيع ذلك فقط في سن الخامسة من عمره، وحتى سن السادسة نجد أن أغلب الأطفال يكونون بعيدين عن قول الكذب، وفي سن السابعة يخف كذب الأطفال، وفي الثامنة يكونون صادقين في الأمور التي يعتبرونها مهمة.
أسباب الكذب
وكثيرًا ما يشكو الوالدان من اقتراف الأطفال السرقة أو الكذب في فترات الطفولة، خاصة في المراحل الأولى من الدراسة دون أي أسباب واضحة أو عوامل مهيئة لهذه العادات، وقد تتكرر هذه الأخطاء بالرغم من العقاب الذي يلجأ إليه الوالدان والتهديد المستمر.
الكذب لدي الأطفال يبدأ في سن الرابعة ويدل على الخيال وخصوبته عند الأطفال ويكون نتيجة اختلاط الخيال بالواقع، بالتالي فإن الكذب ظاهرة كثيرة الحدوث في الأطفال وسببها النفسي كثرة الخيال الذي يعيش فيه الطفل، ومحاولات التأمل المستمرة منه ونسج القصص الخيالية والأوهام والأحلام غير الواقعية ليشرح ويفسر لنفسه بعض الحقائق والوقائع التي يريد حلها أو تفسيرها لنفسه، حتى إننا نجد علماء النفس يصفون هذه الظاهرة عند الأطفال بـ«التلاعب بالخيال»، ويسميها الكبار بالكذب.
أنواع الكذب عند الأطفال
والكذب عند الأطفال يتخذ أشكالًا مختلفة تخدم أغراضًا مختلفة، وتختلف باختلاف الأساليب الدافعة إليها، ويمكننا التمييز بين أنواع الكذب التالية:
ويحدث عادة عندما يبالغ الطفل في وصف تجاربه الخاصة، فيجعل من نفسه بطلًا ينتزع الإعجاب، ومركزًا يجذب انتباه من حوله من الكبار، ويهدف هذا النوع من الكذب إلى إدخال السرور في نفوس السامعين، ويتحقق للطفل عن طريقه إشباع ميله إلى السيطرة وتأكيد الذات. ويلجأ الطفل إلى هذا النوع من الكذب لتغطية الشعور بالنقص أو لتعظيم الذات والحصول على الشعور بالتقدير من الكبار والصغار، وقد يكون سببه استدرار العطف وذلك عندما يتهم الطفل أحدًا ما بتعذيبه أو اضطهاده، أو عندما يدعي المرض، وهذا نوع من الكذب يجب الإسراع في علاجه بتفهم الحاجات النفسية التي يخدمها الكذب ومحاولة إشباعها بالطرق الواقعية.
ويحدث نتيجة لقفزات خيالية في تصورات الأطفال وهذا الكذب لا يبشر بانحراف سلوكي أو اضطراب نفسي.
ومن ثم فإننا نظلم الأطفال الذين يغلب عليهم هذا النوع عندما نصفهم بالكذب.. وهذا النوع عبارة عن قصص خيالية ينسجها الطفل للتسلية، وأحيانًا للتعبير عن أحلام اليقظة التي يفصح فيها الطفل عن رغباته.
وهو أسوأ أنواع الكذب وأضرها لارتباطه بالخوف، ويظهر عندما يكذب الطفل خوفًا مما يقع عليه من عقوبة. وينتشر بين أطفال الأسر التي ينتشر فيها نوع من النظام الصارم والعقوبة الشديدة، فيلجأ الطفل إلى الكذب تهربا من العقاب. كما يسود هذا النوع من الأسر التي يختلف الآباء والأمهات في طريقة معالجة الأبناء.
يلجأ الطفل إلى هذا الكذب من أجل الاستحواذ على الأشياء. والدافع إلى الكذب هنا هو عدم توفر الثقة في الكبار، وتأكد الطفل أن مطالبه لن تجد استجابة إن هو سلك لتحقيقها الطريق العادي.. والطفل عندما يفقد الثقة في البيئة يشعر بالحاجة إلى امتلاك أكبر قدر ممكن من الأشياء، وهو يكذب لتحقيق ذلك.
ويكذب الطفل في هذه الحالة لإسقاط اللوم على شخص ما يكرهه أو يغار منه. وهو أخطر أنواع الكذب على الصحة النفسية للطفل وعلى كيان المجتمع ومثله ومبادئه. ذلك لأن الكذب الناجم عن كراهية وحقد هو كذب مع سبق الإصرار ويحتاج إلى تدبير مسبق لإلحاق الضرر والأذى بالغير. وهذا النوع من الكذب يحدث نتيجة للانفعالات الحادة التي يتعرض لها الطفل، وذلك عندما تهتز ثقته في المحيطين به. ويغلب هذا النوع من الكذب عند الأطفال الذين يشعرون بالغيرة وعدم المساواة في المعاملة. وقد يحدث بين الأخوة في الأسرة الواحدة بسبب التفرقة في المعاملة بين الإخوة، فالطفل الذي يشعر بأنه منبوذ أو أقل من أخيه قبولا عند والديه يلجأ إلى الكذب للانتقام منه فيتهمه اتهامات يترتب عليها عقابه أو سوء سمعته.
العلاج
- إذا أردنا أن نعالج كذب الأطفال، فيجب دراسة أسباب الكذب ومعرفة الدافع إليه، ومن الأهمية أن يكون عمر الطفل موضوعا في الاعتبار، فإذا كان عمره أقل من أربع سنوات، فعلى الأم ألا تنزعج مما يصوره له خياله، وتسارع إلى مساعدته ليدرك الفرق بين الواقع والخيال.
- ويجب على الأم أن تكون قدوة يحتذى بها الطفل، فلا تقول إلا الصدق، ولا تكذب عليه حتى لا يتعلم الكذب فيكون كذابًا. ويجب أن تدرك الأم أنه لا فائدة من علاج الكذب بالتهديد والسخرية والعقاب، لأن ذلك لن يجدي مع الطفل، ويجب على الأم وأفراد الأسرة إشباع حاجات الطفل النفسية، وتوعيته بأهمية الأمانة والصدق.
- وفضلًا عن ذلك فإن كذب الأبناء يوجد شكوكًا في نفس الأب أو الأم حول طريقة تربيتهما لأطفالهما. إن الأطفال جميعا أحيانا يلجؤون إلى سرد أمور لا تمت إلى الحقيقة بصلة وهناك أكاذيب تدل على أن الصغير يعاني مشكلة ما. والوالدان الحساسان يستطيعان معاونة الطفل على حل مشكلته وذلك باستخدام الحوار والتفاهم، وإشعاره بالأمان، فالشخص المطمئن لا يكذب أما الشخص الخائف فيلجأ إلى الكذب كوسيلة للهروب من العقاب.
- كما أن العدالة والمساواة بين الإخوة، وتنمية ثقة الطفل بنفسه، والمعالجة النفسية للأطفال المصابين بالعقد النفسية وإشباع حاجات الطفل بقدر المستطاع يعد من أهم علاج أسباب الكذب عند الأطفال. وهناك بعض الآراء التربوية في هذا المجال تشير إلى أنه من القواعد المتبعة في مكافحة الكذب ألا نترك الطفل يمرر كذبته على الأهل والمدرسة، لأن ذلك يشجعه على ممارسة الكذب دائما.
.